أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درباس إبراهيم - حكومة كردستانية مؤجلة... ودستور مفقود!














المزيد.....

حكومة كردستانية مؤجلة... ودستور مفقود!


درباس إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 00:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعد غياب الدستور الدائم في إقليم كردستان إحدى أبرز المعضلات البنيوية التي تعيق تطور التجربة السياسية وتُقوض استقرار مؤسساته. فمنذ أكثر من عقدين، لم تتمكن القوى السياسية الكردية من التوافق على مسودة دستورية تُنظم العلاقة بين السلطات، وتُحدد شكل النظام السياسي، وتوفر ضمانات دستورية لحقوق المواطنين والمكونات. وبدلاً من ذلك، اعتمدت الحكومات المتعاقبة على تفاهمات حزبية مؤقتة تتصف بالهشاشة والتقلب، مما جعل العملية السياسية برمتها رهينة لتوازنات القوة والمصالح الضيقة، لا لمبادئ دستورية ثابتة.

إن الدستور في النظم الديمقراطية ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو الإطار الناظم الذي يُحدد صلاحيات المؤسسات، وآليات توزيع السلطة، وشكل النظام السياسي، والعلاقة بين المواطن ومؤسسات الحكم. وفي ظل غياب هذا الإطار، تظل الممارسة السياسية في الإقليم مفتوحة على تأويلات متعددة، تفتقر إلى مرجعية قانونية موحدة. لذلك، فإن كل أزمة سياسية، سواء عند تشكيل الحكومات أو أثناء أداء مهامها، تتحول إلى أزمة بنيوية يصعب حلها ضمن قواعد واضحة. ولعلّ أبرز تجليات هذا الفراغ الدستوري تظهر في أعقاب كل استحقاق انتخابي، حيث يتكرر مشهد التأجيل والمساومات الطويلة، نتيجة غياب آليات ملزمة لتشكيل الحكومة وتوزيع السلطات. فقد مضت أشهر على آخر انتخابات نيابية أُجريت في الإقليم، دون أن تتوصل القوى السياسية، وعلى رأسها الحزبان الرئيسيان (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، إلى اتفاق حاسم لتشكيل حكومة جديدة. وتتكرر هذه الظاهرة بعد كل دورة انتخابية، ما يُحول العملية السياسية إلى حلقة مفرغة من الانتظار والتأجيل.

لقد قامت معظم الحكومات السابقة على أساس تفاهمات سياسية بين الأحزاب، لا على نصوص دستورية واضحة. وغالبا ما تكون هذه التفاهمات قائمة على مبدأ تقاسم النفوذ والمصالح، لا على أسس الشراكة المؤسسية. ولذلك، فهي سرعان ما تتفكك عند أول اختبار حقيقي. كما أن هذه الصيغة تُنتج حكومات هشّة، تفتقر إلى الانسجام الداخلي، وتكون مهددة بالشلل المؤسسي عند كل منعطف سياسي حاد. وتشبه العلاقة بين بعض القوى الكردية في الإقليم، في كثير من الأحيان، علاقة الشركاء في مشروع استثماري، تُحدد ملامحها بمنطق الربح والخسارة، لا بالالتزام بالمصلحة الوطنية العامة. وبهذا، يغدو المواطن هو المتضرر الأكبر من هذا النمط السياسي، الذي يحول مؤسسات الحكم إلى أدوات صراع حزبي، لا أجهزة خدمة عامة. والمفارقة أن جميع الأحزاب الكردية تُقر، من حيث المبدأ، بضرورة وجود دستور دائم للإقليم، لكنها تختلف جذريا حين يتعلق الأمر بمضمونه. وتبرز نقاط الخلاف الجوهرية في قضايا عديدة، أبرزها: شكل النظام السياسي (برلماني، رئاسي، مختلط)، حدود صلاحيات رئيس الإقليم ورئيس الحكومة، موقع الدين والقومية في النص الدستوري، مستقبل القوات الأمنية، وضمانات حماية حقوق المكونات القومية والدينية. وهذا ما يُفسر فشل كل المحاولات السابقة لتمرير مسودة موحدة للدستور. إن الخلاف هنا ليس تقنيا، بل سياسي بامتياز، يتعلق بتوزيع النفوذ وتحديد مراكز القرار. فكل طرف يخشى من أن يُكرس الدستور تفوق خصمه السياسي أو يُنتقص من حصته في السلطة، وهو ما يحول دون إنتاج عقد اجتماعي توافقي يُنظم العلاقة بين الجميع على قاعدة المساواة والتوازن. ولا يمكن تجاهل أن هذا الإخفاق في صياغة دستور دائم يأتي رغم ما نص عليه الدستور العراقي الاتحادي لعام 2005، في المادة (120)، التي تخول الأقاليم سلطة إعداد دستور خاص بها، على أن يُعرض للاستفتاء ويقر بالأغلبية المطلقة. ومع ذلك، لم يُفعل الإقليم هذا الحق طوال العقدين الماضيين، نتيجة تعثر التوافق السياسي الداخلي.

بلا ريب، يؤدي استمرار هذا الفراغ إلى نتائج سلبية عميقة على الحياة السياسية في الإقليم. فبدون دستور، لا توجد معايير قانونية ملزمة تُحدد كيفية تشكيل الحكومات، ولا آليات واضحة لحل النزاعات المؤسسية. كما تصبح الاتفاقات السياسية مرهونة بالتحولات الإقليمية والدولية، لا نابعة من إرادة داخلية مستقرة. وبدلا من أن تكون التجربة السياسية تراكمية تفضي إلى بناء مؤسسات راسخة، تحولت إلى دائرة مفرغة من التأجيل والتسويات الظرفية. لقد أدى هذا الوضع إلى اهتزاز ثقة المواطن بالمؤسسات السياسية. كما أن الحكومة، في ظل غياب دستور راسخ، تفتقر إلى الحصانة السياسية والدبلوماسية داخليا وخارجيا، مما يُضعف موقعها التفاوضي مع الحكومة الاتحادية في بغداد، ومع القوى الإقليمية والدولية على حد سواء.

إن تجاوز هذه الأزمة البنيوية يتطلب ما هو أكثر من إرادة حزبية آنية؛ إنه يستدعي إرادة سياسية جماعية للاتفاق على مشروع دستوري شامل يُعبر عن تطلعات المجتمع الكردستاني بكل مكوناته. فالدساتير، بطبيعتها، لا تُبنى على المساومات اللحظية، بل على التوافقات العميقة والاعتراف المتبادل، وعلى أساس توزيع عادل للسلطة والثروة، وضمان الحقوق الفردية والجماعية. إنّ أي مشروع حقيقي للإصلاح السياسي في الإقليم لا يمكن أن يتحقّق ما لم يتم وضع دستور دائم تُشارك في صياغته جميع الأطراف، ويُقر عبر آلية ديمقراطية شفافة، مثل الاستفتاء الشعبي. وحده هذا العقد الدستوري الجديد يمكن أن يُؤسس لحكومة قوية ومستقرة تُعبر عن الإرادة الشعبية، وتُدار بمؤسسات فاعلة تخضع الجميع لسلطة القانون.

بصريح العبارة، لا يمكن الحديث عن استقرار سياسي أو تطوير مؤسسي في إقليم كردستان في ظل غياب الدستور. فالمسألة لم تعد ترفا قانونيا، بل أصبحت ضرورة وجودية لبقاء المشروع السياسي الكردستاني نفسه. ومن دون إطار دستوري ناظم، ستبقى الحكومة مؤجلة، والحماية القانونية ضعيفة، والمواطنة ناقصة، والمواقف هشّة. لقد آن الأوان لإعادة بناء النظام السياسي في الإقليم على أسس دستورية متينة تكفل الحقوق، وتُرسخ التوازن، وتفتح أفقا جديدا للتنمية السياسية والمجتمعية الشاملة.



#درباس_إبراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يذبح التاريخ الكردي بسكاكين الأيديولوجيا!
- ساسة الشرق الأوسط: أدوار متضخمة في مسرحية عالمية!
- حركة التغيير الكردية، من القمة إلى القاع!
- التعبير الصامت في الزمن الصاخب!
- عندما يتحول المستشار العراقي إلى طبّال!
- العلاقة بين السوداني والكردستاني!
- الخلافات الكردية، والقلق الأمريكي!
- السلطة العراقية الرابعة الفاسدة!
- الصراع الكردي_الكردي على رئاسة الجمهورية!
- الإعلام الكردي الحزبي ومعضلة المهاجرين!
- الصدر والإطار التنسيقي وإيران !
- هجرة شباب إقليم كردستان إلى أوروبا!
- إقليم كردستان، أزمات كثيرة وحلول عقيمة!
- حلبجة ما بين الفاجعة والإهمال!
- جو بايدن والقضية الكردية!
- الكاظمي في ١٠٠ يوم!
- أرنب السباق، وأرانب الأحزاب !
- الحرب العالمية الثالثة بين كورونا و البشرية !
- د.برهم صالح، والمحور الإيراني في العراق!
- جغرافية كردستان !


المزيد.....




- تحفة فنية نجت من انفجار بيروت.. والترميم يكشف هوية الرسامة
- أعداد نملة الإبرة الآسيوية تبلغ ذروتها في أمريكا.. ولسعتها م ...
- العراق.. صور من مكتب ممثل خامنئي في النجف بعد ضربة إسرائيل ب ...
- هجوم غير مسبوق ورد انتقامي.. فيديو لتبادل إسرائيل وإيران ضرب ...
- وزير الخارجية المصري: الهجمات الإسرائيلية على إيران تدفع الم ...
- الصفدي يبحث مع نظرائه الدوليين التصعيد الإسرائيلي الإيراني
- ليبيا.. المشري يستنكر عرقلة -قافلة الصمود- ويدعو لاحترام الإ ...
- -حقائق صادمة!-.. ماذا يحدث لجسم الإنسان عند تحطم الطائرة؟
- الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة.. قصة صعودها وأجندتها
- -تسنيم-: مقتل 3 من العلماء النوويين الإيرانيين و3 من الحرس ا ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درباس إبراهيم - حكومة كردستانية مؤجلة... ودستور مفقود!