أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درباس إبراهيم - حين يذبح التاريخ الكردي بسكاكين الأيديولوجيا!














المزيد.....

حين يذبح التاريخ الكردي بسكاكين الأيديولوجيا!


درباس إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 18:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في زمن يتصارع فيه الشعب الكردي على هوية الحاضر، يذبح تاريخه بسكاكين الأيديولوجيا. فبين من يرفع راية الدين كهوية أبدية، ومن يرفع راية العلمانية كخلاص نهائي لمواكبة العصر، تضيع أسماء وشخصيات كردية ساهمت في تشكيل هوية هذا الشعب، وقادت ثوراته، ودافعت عن كرامته ووجوده، وساهمت في بروز اسمه بين الأمم. ليس لأنهم لم يكونوا أبطالا أو مؤثرين في مجالهم، بل لأنهم لا يشبهون النموذج الذي يريد كل تيار فرضه على الذاكرة الجمعية الكردية.

لا يخلو تاريخ الأمم من الشوائب والنواصع. فالتاريخ لا يكتب حسب المزاج الأيديولوجي ولا وفق الأمنيات، بل يكتب كما هو: بسلبياته وإيجابياته، بإخفاقاته وإنجازاته. فإما أن نقبل التاريخ بكليته كما هو، ونضعه على طاولة التشريح المعرفي لاستخلاص الدروس والعبر، أو أن نمسحه كليا من الذاكرة ونبدأ من الصفر، وهذا وهم يصعب تحقيقه.

إن الصراع الداخلي الذي يشهده الشعب الكردي في تقييم تاريخه وشخصياته لا يخضع لمنطق موضوعي، بل تحكمه أهواء أيديولوجية خطيرة. فشريحة من الكرد تتنكر لرموزهم التاريخية بدافع الأيديولوجيا، سواء كانت دينية أو علمانية. فالعلمانيون يهاجمون الشخصيات ذات الخلفيات الدينية، والدينيون يقللون من شأن الرموز المدنية أو القومية أو اليسارية. هذه الظاهرة وإن بدت فكرية في ظاهرها، إلا أنها تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بالهوية والانقسام الداخلي. وبدلا من تكامل الرموز، نجدها في حالة صراع دائم. وكأننا نقول: إما أن تكون علمانيا فتتبرأ من التاريخ الديني، أو أن تكون دينيا فترفض الحداثة والعلمانية. وكأن الوعي الجمعي الكردي عاجز عن رؤية التعدد والتنوع بوصفهما مصدر قوة، لا تهديد.

التاريخ الكردي زاخر بالشخصيات الدينية والعلمانية واليسارية والقومية في مختلف المجالات، التي خاضت نضالا كبيرا ضد الطغاة، ودفعت أثمانا باهظة من أجل تحرير شعبها من الاستعمار. من الشيخ سعيد بيران، ومحمود الحفيد، والملا مصطفى البارزاني، وعبيد الله النهري، إلى عبد الرحمن قاسملو، ومقداد مدحت باشا، وليلى قاسم، والقاضي محمد، ومحمد أمين زكي،وجلادت بدرخان، وجكر خوين، وشيركو بيكس، وغيرهم الكثير ممن شكلوا ملامح الهوية الكردية.

ولعل صلاح الدين الأيوبي أبرز مثال على هذا التنازع الأيديولوجي. إنه شخصية عظيمة يحظى بإعجاب واسع لدى معظم المسلمين وحتى غير المسلمين، لكنه يتهم أحيانا في الخطاب القومي الكردي بأنه لم يقدم شيئا ملموسا لقضية شعبه. وهنا لا بد أن نفهم أن الشخصيات التاريخية هي أبناء زمانها وسياقاتها التاريخية، ولا يجوز أن نقيمها بمعايير عصرنا الحالي، وإلا ارتكبنا ظلما تاريخيا بحقهم. لا يمكن محاسبة رجل عاش في القرن الثاني عشر بمنطق القرن الحادي والعشرين. كما أن احترام هذه الشخصيات لا يعني بالضرورة تبني توجهاتها الفكرية، بل الاعتراف بدورها التاريخي. فعلى سبيل المثال، لو وضع الشيخ سعيد بيران في حقبة صلاح الدين الأيوبي، ونُقل صلاح الدين إلى زمن الشيخ سعيد، ربما كانا سيتبادلان الأدوار في ضوء ما يفرضه السياق التاريخي عليهما. ولهذا يجب أن نتحرر من عقلية المحاكمة الأيديولوجية التي تختزل الإنسان في توجهه الفكري أو خلفيته الاجتماعية، بدلا من تقييمه بموضوعية متحررة من الانغلاق.

إن التاريخ ليس ملكا لجهة دون أخرى، بل هو إرث جماعي لا يختزل في أيديولوجيا ضيقة. إن احترامنا لتاريخنا لا يعني تجميده أو تمجيده دون نقد، بل يعني أن نقرأه بوعي، وأن نحترم من سبقونا، حتى حين نختلف معهم. فالتاريخ لا يكتب بالعقائد ولا بالعقد، بل بالدماء التي سفكت، والتضحيات التي قدمت، والأفكار التي انتشرت، والوفاء الحقيقي هو أن نتعلم من هؤلاء ونستفاد من تجاربهم، لا أن ندفنهم تحت رماد الانقسام الأيديولوجي.



#درباس_إبراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساسة الشرق الأوسط: أدوار متضخمة في مسرحية عالمية!
- حركة التغيير الكردية، من القمة إلى القاع!
- التعبير الصامت في الزمن الصاخب!
- عندما يتحول المستشار العراقي إلى طبّال!
- العلاقة بين السوداني والكردستاني!
- الخلافات الكردية، والقلق الأمريكي!
- السلطة العراقية الرابعة الفاسدة!
- الصراع الكردي_الكردي على رئاسة الجمهورية!
- الإعلام الكردي الحزبي ومعضلة المهاجرين!
- الصدر والإطار التنسيقي وإيران !
- هجرة شباب إقليم كردستان إلى أوروبا!
- إقليم كردستان، أزمات كثيرة وحلول عقيمة!
- حلبجة ما بين الفاجعة والإهمال!
- جو بايدن والقضية الكردية!
- الكاظمي في ١٠٠ يوم!
- أرنب السباق، وأرانب الأحزاب !
- الحرب العالمية الثالثة بين كورونا و البشرية !
- د.برهم صالح، والمحور الإيراني في العراق!
- جغرافية كردستان !
- كردستان، بين نار أميركا وإيران!


المزيد.....




- نتنياهو: هاجمنا إيران لمنع -محرقة نووية- وهذا ما قاله عن -تغ ...
- أنور قرقاش يعبر عن إدانة الإمارات الضربات الإسرائيلية على إي ...
- الجيش الأردني: نسقط الصواريخ والمسيرات التي تنتهك مجالنا الج ...
- سكان القدس يخزنون المؤن وسط تصاعد التوتر مع إيران
- نيكولا ساركوزي يفقد وسام الشرف الفرنسي بعد إدانته رسمياً
- لماذا هبت دول عربية وتركيا لمساعدة سوريا؟
- نتنياهو: العملية الإسرائيلية قد تؤدي إلى تغيير النظام في إير ...
- تركي آل الشيخ لجمهور الزمالك: لا تصطادوا في الماء العكر
- وزير الخارجية القطري ونظيره الفرنسي يؤكدان أهمية الاستقرار ف ...
- إسرائيل لم تخطر بريطانيا بهجماتها مسبقا


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درباس إبراهيم - حين يذبح التاريخ الكردي بسكاكين الأيديولوجيا!