جابر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 23:44
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
شهدت إيران، في السنوات الأخيرة، تصاعدًا مقلقًا في تنفيذ أحكام الإعدام، خاصة بحق أبناء القوميات غير الفارسية، مثل العرب، والبلوش، والأكراد، والأتراك. وبدلًا من التراجع عن هذه السياسة القمعية، لجأ نظام “ولاية الفقيه” إلى حيلة إحصائية جديدة تهدف إلى خداع الرأي العام المحلي والدولي، عبر تغيير موقع تنفيذ أحكام الإعدام دون تغيير هوية الضحايا.
فوفقًا لتقارير صادرة عن وسائل إعلام فارسية معارضة، فإن النظام عمد إلى نقل المحكومين بالإعدام من الأقاليم ذات الأغلبية القومية – كبلوشستان، وكردستان، والأهواز – إلى سجون المحافظات المركزية الفارسية، مثل أصفهان، ألبرز، ويزد، ليُنفذ فيهم الحكم هناك. وبذلك، يظهر في الإحصائيات الرسمية أن تلك المحافظات هي الأكثر تنفيذًا للإعدامات، في حين يتم التعتيم على الانتماء القومي للضحايا.
هذه السياسة التي يُروَّج لها على أنها “توزيع جغرافي عادل”، ما هي إلا خدعة مكشوفة تهدف إلى التقليل إحصائيًا من حجم الجرائم المرتكبة ضد أبناء القوميات، وإظهار صورة زائفة لسياسة النظام الإيراني تجاههم.
في عام 1443 هجري شمسي (الموافق 2024 ميلادي)، تم تنفيذ أكثر من 1500 حكم إعدام في إيران. ورغم أن النسبة الكبرى من هذه الأحكام استهدفت البلوش والعرب والأكراد، إلا أن الإحصائيات الحكومية تجاهلت هذا الواقع، وادّعت أن محافظات مثل أصفهان وألبرز ويزد تصدّرت المشهد.
لكن الحقيقة تتكشّف عند الغوص في تفاصيل الضحايا. فدراسة دقيقة لأسماء المحكومين ومناطق سكنهم تُظهر أن 35٪ من الإعدامات طالت أفرادًا من القومية البلوشية، بينما بلغت نسبة الإعدامات ذات الطابع السياسي – والتي استهدفت المعارضين من القوميات غير الفارسية – 94٪، وهو رقم صادم يعكس حجم الاستهداف المنهجي لتلك الفئات.
إن الإعدام في إيران لم يعد مجرد عقوبة قضائية، بل أصبح أداة سياسية تُستخدم لترهيب الأقليات، وكتم أي صوت معارض. وما تغيّر في الآونة الأخيرة هو الأسلوب، لا المضمون؛ فالنظام بات أكثر دهاءً في إخفاء جرائمه تحت غطاء الأرقام، وتقارير إعلامية مضللة، تُفرغ الإحصائيات من مضمونها الإنساني.
السجون المركزية الفارسية، التي لم تكن تاريخيًا مراكز رئيسية لتنفيذ الإعدامات، أصبحت اليوم مسارح لجرائم تُرتكب بصمت، بعد نقل الضحايا من مناطقهم الأصلية. الهدف من ذلك واضح: منع أي تركيز إعلامي أو حقوقي على الأقاليم القومية التي لطالما كانت مستهدفة بالبطش والتنكيل.
لكن، وعلى الرغم من هذا التمويه، فإن الحقائق لا يمكن أن تُخفى إلى الأبد. فالأرقام، مهما تم التلاعب بها، لا تستطيع طمس حقيقة أن سياسة الإعدام في إيران تستهدف بشكل رئيسي أبناء القوميات غير الفارسية، وأن ما يتغيّر ليس جوهر السياسات، بل فقط طريقتها في الظهور أمام العالم.
الإعدام مستمر، بل بوتيرة متصاعدة، وما تغيّر فقط هو العنوان الجغرافي. أما الضحايا، فهم ذاتهم: المقموعون، والمحرومون من أدنى درجات العدالة، والواقعون في قبضة نظام لا يتورع عن القتل باسم القانون.
#جابر_احمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟