من التاريخ الشفهي لإقليم الأهواز - الحلقة الأولى

جابر احمد

الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 21:46
المحور: قضايا ثقافية
    

في عهد الشيخ خزعل

إذا كان التاريخ الأهوازي القديم والمتأخر قد سُجل من قبل مؤرخين مرموقين ورحالة معروفين، فإن هذا التاريخ بقي معظمه، بعد فشل الثورة الدستورية ومن ثم ضم الإقليم على يد رضا شاه إلى جسم الدولة الإيرانية، شفهياً.

وقد انتبه إلى هذه الحالة بعض الدارسين العرب الأهوازيين، فأخذوا يدونون التاريخ في دراسات علمية. ولعل الكتاب الذي صدر مؤخراً للكاتب الأهوازي حبيب الزبيدي حول انتفاضة “فلاحي الونج” و”شاوور” بقيادة حيدر الطليل وما أفضت إليه بإعدام قادة هذه الانتفاضة خير دليل على ما نقول. وذلك إلى جانب من دون ونشر عن الشاعر الشعبي الأهوازي طاهر اسحاق القيم وألفيته المشهورة.(1)

ومن هنا فإنني أعتقد بأن تدوين التاريخ الشفهي سيفتح الباب على مصراعيه أمام الباحثين الأهوازيين لدراسته دراسة علمية وإظهار جميع جوانبه الغامضة، بما فيه التركيز على تدوين سيرة تاريخ الوجهاء والثوار الأهوازيين.

بعد عودتي من المنفى في عام 1979 إثر سقوط نظام الشاه، وبحكم العلاقات الاجتماعية التقيت بعدد كبير من كبار السن من وجهاء أبناء الشعب العربي الأهوازي. منهم من كان ضمن المبعدين الذين أبعدوا أيام رضا شاه إلى شمال إيران؛ ومن بينهم “نعمة بن سعدون” و”ماذي بن لفته بن صويدج”. ولا أزال أذكر جيداً الهوسة المتداولة آنذاك:
سن وأعرض لفتة بن صويدج

ولكني، ومن الأسف، لم أُحط بملابسات هذه الهوسة،
كما أنني وبسبب الانشغال بهموم وطنية أخرى لم أُولِ أهمية لمثل هذه الأمور، حتى ضاعت علي فرصة كتابة ما رواه لي هؤلاء الأعزاء عن معاناتهم وكيفية نقلهم من وطنهم ونفيهم إلى شمال إيران.

ومن الوجهاء الأجلاء الذين التقيتهم وجالستهم كان خالي، الوجيه المرحوم ملا نعمة الشبيبي (رحمه الله). وكان قد ولد في مدينة الخفاجية عام 1279 شمسية، ودرس في مدارسها الدينية فتعلم القرآن والقراءة والكتابة. وكان رحمه الله حافظاً للقرآن يتمتع بذكاء حاد. كما أنني كنت أعرفه كخالٍ منذ نعومة أظفاري، وإنه كان يأتينا بين فترة وأخرى إلى قريتنا، في الفنيخي، فيجالس جدي الشيخ جبر الساعدي ووالد زوجته. كنت حينها طفلاً صغيراً أقوم على خدمتهم.

وبعد عودتي من المنفى، كما قلت سابقاً، قد سنحت لي فرصة اللقاء به كثيراً، فكنا نتحدث عن الماضي، وعن عمله في عهد الشيخ خزعل وما بعد حكمه.

أولاً: في عهد الشيخ خزعل

حدثني رحمه الله عن عمله في جباية الضرائب في عهد الشيخ خزعل قائلاً: أنني كنت أيام الشيخ خزعل ضمن مجموعة يجيدون القراءة والكتابة. نعمل في جمع الضرائب بحكم منه، نُجبِيها من مناطق الحويزة وشط بني طرف. إلا أنني لم أسأله عن نسبة الضرائب وحجمها، وليس من شك بأنه كان عليماً بها بفضل عقله الراجح. فكان تحديده لحجم الضريبة يتم بعد تقديره حجم المنتج، بإلقاء نظرة على الحقل. ويطلق على هذه العملية من قبل المواطنين الخرص،
ويسمون من يقدرون حجم الإنتاج بالخراصة. وعادة ما كانت تقديراتهم قريبة جداً من الواقع.

وحسب شرحه لي لم تكن الضرائب تدفع إنتاجاً من المحصول، إنما كانت تدفع نقداً. وقد سمى لي هذا النقد فقال إنه الچرخي.

يقول: دأبنا على حمل النقود، بنهاية كل موسم، على ظهور الخيول، نذهب بها إلى المحمرة، ليستلمها عمال الضرائب المعنيون من قبل الشيخ خزعل في قصره بالمحمرة.

وهنا تكمن الأهمية في دراسة هذه الحالة من قبل الإخوة الباحثين، لإضفاء طابع أكاديمي عليها، وتبيان وقائع تلك المرحلة عبر منهج بحث علمي ومرجعية نظرية رصينة.

وكما حدثني المرحوم خالي، لم يكن هناك تشريفات ديوانية لاستلام الضرائب منا، ولم يكن هناك عدّ لها أصلاً. إنما يتم استلام حمائل النقود ويشكروننا، ثم يستقبلوننا في مجالس خاصة يدعون إليها مطربي ذلك الوقت لإقامة الحفلات لجامعي الضرائب؛ وتستمر هذه الحفلات إلى وقت متأخر من الليل.

وإنه ليؤسفني تخلفي وقتئذ عن إدراك أهمية ما كان يحدثني خالي عنه، فتركته رهين ذاكرتي ولم أدونه. ولكن بعد مرور عدة عقود على ذلك اللقاء، عدت اليوم وأدركت أهميته، لأدون بعض ما سمعته خوفاً عليه من الضياع. لذلك من واجبي تدوين ما سمعت، على أمل أن أفتح بذلك نافذة أمام الباحثين الأهوازيين ممن يتوخون البحث العلمي والأكاديمي، للبحث في تلك المرحلة.

ومن بين الأمور التي حدثني عنها خالي حديثه عن شاعر شعبي اسمه طاهر اسحاق القيم، وعلاقاته بالشيخ خزعل، وأسمعني قصيدته المعروفة بالألفية، التي تبدأ بحرف الألف وتنتهي بحرف الياء. لقد حالفني الحظ آنذاك وسجلت ما ألقاه علي من قصيدة الألفية ونشرت آنذاك على صفحات منشورات محلية. كما نشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي ومسجلة صوتياً من قبل أحد أحفاده وهو الدكتور عبد النبي القيم.
وإني لا زلت أحفظ مطلع القصيدة التي يقول فيها:

*ألف آه من الدهر يا طه
قصور شمّخ ويا الأرض واطاها

إلى آخر حرف الياء. كما قص علي قصة عن علاقة الشاعر القيم بالشيخ خزعل، وعن سوء فهم حدث بينهما، انتهى بسماح الشيخ له بالمغادرة.
وعند ذلك وجه المرحوم الشيخ اسحاق وجهه نحو الشيخ خزعل شارحاً له حالته المادية مخاطباً إياه ببيت أبوذية ما زلت أحفظه، بعد مرور أربعة عقود من سماعه من خالي.

والأبوذية يقول فيها ما يلي:

شطر شط العراق وشطر شطاك
ولا واحد يخيط بعد شطاك
يقولوا لي الرفاقة الشيخ شطاك
شقللهم يبو اجفوف الصخية

فبادره الشيخ بمنحه كل ما يطلب وأمر بإكرامه وحل كل ما يعكر صفوه.

وبهذا أنهي ما سمعته عن الشيخ طاهر اسحاق القيم، على أمل أن يقوم عشاق الشعر الشعبي والباحثون في مجال العلوم الإنسانية بالبحث العلمي في تلك الحقبة. خاصة تدوين السيرة الذاتية للشاعر طاهر اسحاق القيم وغيره من شعراء ممن عاشروا حكم فترة الشيخ خزعل.

الرحمة لجميع من وردت أسماؤهم في هذه المذكرات الموجزة.

*القصيدة كاملة في الرابط التالي https://alnakhil.ir/57318/

#جابر_احمد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل