أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الفيدرالية السورية من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم















المزيد.....

الفيدرالية السورية من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفيدرالية السورية
من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم

إبراهيم اليوسف
ليس بخاف على أحد أن تاريخ سوريا الحديث، ولا سيما منذ انقلاب البعث1963 وحتى هذه اللحظة، من مرحلة ما بعد سقوط الأسد، هو في جوهره سردية مركزية مفرطة، متخمة بالقمع، والتهميش، والإقصاء الممنهج لمكونات البلاد المختلفة. وبدلاً من أن تضمن هذه المركزية وحدة الدولة، كما يُدعى، فقد كانت سببًا مباشرًا في تمزيق نسيجها الوطني، تدريجياً، وتحويلها إلى ما يشبه "الفيدراليات العفوية"، قبل أن تتحول في مرحلة ما بعد الثورة 2011 حيث باتت مناطق كاملة تُدار خارج سلطة دمشق، لكن دون أن تمتلك الحق الدستوري في إدارة ذاتها. إذ إن المفارقة تكمن في أن ما يُرفض اليوم تحت عنوان "رفض التقسيم" قد تحقق واقعيًا، أو ميدانياً، لا نتيجة للفيدرالية، بل لغيابها، بعد أن كانت ترسم نتيجة استبداد الأنظمة، على نحو معنوي، من خلال تعزيز- التكوينات- بعيداً عن أية وحدة وطنية منادى بها، مزعومة!
المركزية في شكلها السوري المستمر
ورم لا وحدة...!
على مدى بضعة عقود، وأكاد أقول: منذ تأسيس ما سميت بـ"الجمهورية العربية السورية" بدلاً من "الجمهورية السورية"، أُديرت سوريا بعقلية أمنية ترفض التنوع، وتختزل الدولة في العاصمة، والسلطة في الحزب، والشعب في الأكثرية المصطنعة. إذ لم تكن السلطة ترى في الكرد أو السريان أو التركمان أو الدروز أو العلويين سوى مكونات وظيفية، تُستخدم لتزيين الخطاب الوحدوي عند الضرورة، إلى أن وصلت إلى مرحلة التخمة الدعائية، فصار ذكر أحدها، أي: الكرد بشكل خاص، من قبيل الممنوعات، من دون أن تنال أية قومية أو إثنية أية حقوق فعلية، ثقافية كانت أم سياسية. وما إن اندلعت شرارة الثورة2011، حتى تكشف حجم هشاشة الوحدة الشكلية، إذ تهاوت مناطق بأكملها خارج السيطرة، وشكّل السكان المحليون إدارات ذاتية، بعفوية سياسية أو عسكرية، عجز المركز عن تفكيكها.
الفيدرالية لا تعني التقسيم
ينبغي أن يُفهم أن الفيدرالية ليست نقيض الوحدة، بل أحد أبرز أشكالها نضجًا. ففي دول مثل الهند والولايات المتحدة وكندا وسويسرا وبلجيكا، لم تمنع الفيدرالية من تكريس الانتماء الوطني، بل ساهمت في تدعيمه، عبر احترام خصوصيات الأقاليم، وضمان المشاركة المتوازنة في اتخاذ القرار. ففي الهند مثلًا، تعيش مكونات دينية وإثنية ولغوية هائلة التنوع في أقاليم مستقلة إداريًا، دون أن يطعن ذلك في وحدة البلاد. وفي المقابل، كانت الدول التي تمسكت بالمركزية المتعفنة، كالعراق السابق، وليبيا القذافي، وسوريا ما سميا بالأسدين، أكثر عرضة للتفكك الفعلي والانهيار الأمني والسياسي.
فيدراليات متباعدة الأقاليم
أو التجربة العالمية الممتدة
من المهم التذكير بأن الفيدرالية لا تقتصر على الدول ذات الامتداد الجغرافي الكبير فحسب، بل تشمل أيضًا دولًا ذات أقاليم متباعدة جغرافيًا أو ثقافيًا، ومع ذلك حافظت على وحدات متماسكة. ففرنسا، على سبيل المثال، رغم طابعها المركزي تقليديًا، تتبنى نظاماً لا مركزيا يمنح صلاحيات إدارية واسعة للمناطق، كما تدير أقاليم ما وراء البحار بقوانين تنظيمية خاصة تمنحها استقلالية واسعة في بعض الشؤون، دون أن يفصلها ذلك عن الدولة الأم. أما المملكة المتحدة، فتمثل نموذجًا مركبًا من اللامركزية السياسية، حيث تتمتع أسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية ببرلماناتها وسلطاتها التنفيذية الخاصة، مع بقائها ضمن السيادة البريطانية.
كما أن روسيا الاتحادية تتوزع على عشرات الكيانات المتنوعة ثقافيًا وعرقيًا، من جمهوريات ذات طابع قومي، إلى أقاليم فيدرالية بعيدة عن المركز جغرافيًا، لكنها ضمن عقد قانوني موحد. هذه التجارب تُظهر أن الفيدرالية ليست انقسامًا، بل عقد تعايش وتنظيم، وهي حل تاريخي لضمان توازن الهوية الوطنية مع الحقوق المحلية.
فيدرالية كردستان سوريا
حق لا مِنّة
حين يُثار الحديث عن الفيدرالية في سوريا، غالبًا ما تتحول الأنظار إلى الكرد، بوصفهم الجهة الأبرز تنظيمًا وإدارة. لكن من المعيب أن يُطرح النقاش على قاعدة "عدد الكرد في كل منطقة"، أو: لننتظر صناديق الاقتراع، وكأن الحقوق تُمنح ب"حسبة الرؤوس"!. إن إغراق أي منطقة بأعداد وافدة ومصطنعة من غير سكانها الأصليين، كما حدث في بعض مدن وبلدات الجزيرة وعفرين، وعبر مراحل، يجب ألا يُستخدم كذريعة لإسقاط حق السكان الأصليين في الإدارة الذاتية. فلو كانت الأرقام الملوّثة بالتهجير والتعريب والتمييز أساسًا للحقوق، لكانت كل مشاريع الاحتلال مسوغة.
ولعل أبرز ما يُطرح ضد الفيدرالية، وخصوصًا في مناطق الكرد، هو ذريعة التداخل السكاني، والتشابك الديموغرافي. لكن هذا الطرح في جوهره قوموي عنصري يخشى من اعتراف الدولة بوجود شراكة حقيقية مع الكرد. والرد على هؤلاء واضح: إن كانت المدن السورية مختلطة، فإن إدارة المكونات لا تعني الطرد ولا العزل، بل منح السلطات الفعلية للمجتمعات التي تشكل أغلبية متجذرة في مناطقها، مع احترام الحقوق الفردية والجماعية لجميعهم. فالكردي في الشيخ مقصود ليس غريبًا، كما أن العلوي في جرمانا ليس دخيلًا، وهكذا بالنسبة إلى كرد: دمشق- حماة- إدلب- الساحل، ممن كانوا يكادون يشكلون أكثرية في يوم ما هناك، خارج خريطة كردستان المجزأة، ولا أحد يجب أن يُطالَب بالرحيل. الفيدرالية لا تفصل بين الناس، بل تفصل بين السلطة القاهرة وحقوق الناس.
سوريا ليست كيانًا قابلًا للحكم المركزي بعد الآن
لقد فككت الحرب، كما فعل القمع من قبل، البنية الإدارية السورية إلى كيانات أمر واقع، يدير كل منها شؤونه بوسائل مختلفة. إذ إنه المناطق ذات الغالبية الكردية كانت ولاتزال تدار عبر "الإدارة الذاتية". كما وسيطرت في إدلب، تسيطر فصائل إسلامية على الأرض. إلى جانب تشكل لجان محلية في الجنوب، خلال بضعة عشر سنة من الحرب أو الثورة، قبل وصول هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل إلى دمشق وفق ترتيب دولي، عموده الفقري روسيا ودول أخرى. هذه ليست نتاج مشاريع تقسيم، بل هي نتائج حتمية لمركزية لم تترك خيارًا. إن غياب عقد وطني جديد، يقرّ بالتنوع ويُنظّمه دستوريًا عبر الفيدرالية، هو ما يُبقي هذا الانقسام مرشحًا للانفجار، لا العكس.
ومن هنا، فإنه لن يكون هناك استقرار في سوريا المستقبل، ما لم يُعترف لكل مكون بحقه في إدارة شؤونه. ولا يجب أن تُختزل هذه الحقوق ببعض الرموز الثقافية أو المهرجانات الفولكلورية. الفيدرالية لا تعني دولة داخل الدولة، بل مشاركة حقيقية داخل الدولة، تحت مظلة واحدة، وسقف دستوري واحد. إن رفض الفيدرالية بحجة وحدة سوريا، هو كمن يرفض علاج السرطان خوفًا من تغيّر شكل الجسد.
أجل. لن تعود سوريا واحدة كما كانت إلا إذا باتت دولة لجميع السوريين، بلا استثناء. وفيدرالية عادلة، متكافئة، شفافة، ليست تهديدًا لهذه الوحدة، بل هي في جوهرها ضمان لها. أما الاستمرار في المكابرة، والخوف من الاعتراف بالآخر، فلن يؤدي إلا إلى المزيد من التشظي والانفجار. كل هذا يؤكد، وعلى ضوء الواقع أن الفيدرالية ليست مؤامرة، بل مناعة، تحمي سوريا من التفسخ تحت قناع المركزية الواهية.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتحاد الديمقراطي: فرصة تاريخية لتصحيح المسار ب. ي. د، ما ل ...
- تجنيس الإرهاب ووطنية المثقف الكردي
- وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ النقد اليومي: هَلْ نَحْنُ هُوَاةُ أَذَى ...
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- خطر الأدوات التركية في سوريا الإيغور نموذجًا بين الخطة الأرد ...
- طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته
- إعادة تدوير التطرّف: كذبة تُهدد الدستور
- إضاءة في الذكرى العشرين لاغتيال الشيخ الشهيد د. محمد معشوق ا ...
- بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتي ...
- إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمري ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون بقلم الناقد ا ...
- تلويحة النار و دمعة الجبل: سفير عفرين جوان حسن في أغنيته الأ ...
- في حضرة المفارقة من -نبوءة التخوين- إلى السقوط في شراكه
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة المأزوم-2-
- من الاستعمار الخارجي إلى استعمار الذات: اللغة الكردية بين من ...


المزيد.....




- عائلات الرهائن الإسرائيليين تُطالب بإنهاء الحرب وتتّهم نتنيا ...
- مسؤولة: أمام ألمانيا ثلاث سنوات لتسليح جيشها لصد هجوم روسي م ...
- ترويكا.. الحلقة التاسعة
- قطار محمل بعدد هائل من الدبابات والمدفعية يتجه إلى العاصمة و ...
- فشل الخطة الامريكية الإسرائيلية للمساعدات واستعداد حكومة غزة ...
- رئيس بولندا المنتخب يعارض انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي
- الجيش الروسي يدمر 32 مسيرة جوية فوق مقاطعتي كورسك وأوريول خل ...
- شاهد.. الحي الذي نشأ فيه لامين جمال نجم برشلونة
- إلى أين يقود التصعيد الحالي الحرب الروسية الأوكرانية؟
- متظاهرون في باريس يطالبون بوقف حرب الإبادة في غزة


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الفيدرالية السورية من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم