أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميرغنى ابشر - العودة الى كوش: قراءة مروية في منشأ الكعبة المكية وأصول قريش -النباتية-!!














المزيد.....

العودة الى كوش: قراءة مروية في منشأ الكعبة المكية وأصول قريش -النباتية-!!


ميرغنى ابشر

الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 16:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مايشبه المقدمة:

صديقي/تي القارئ ليس من اليسير الربط بين إله قديم من مروي يُصوَّر بأسد ذهبي على عرش من ثعبان، وبين مركز العبادة وقبلة إلاسلام — الكعبة المشرفة. غير أن المقاربات اللغوية، والدلالات الرمزية، والمصادر الأثرية، تقودنا بتؤدة إلى فرضية يمكن أن تكتب هكذا: أن أبادماك، إله مروي الأعلى، كان يُجسِّد مركزاً كونيا يُعاد إنتاجه لاحقاً في شعائر مكة قبل الإسلام مترحلاً مع هجرات الخروج الأولى من النيل ولا يقدح ذلك في أصول التوحيد.
يتناسب هكذا فرض عقلاً مع نتائج البحوث العلمية المتأخرة والتي أنتهت لخروج الإنسان الأول من السودان، وبالطبع تاريخياً وتأسيساً على مرويات التراث يمكننا القول بأن الكعبة أسبق في البناء من ظهور أبادماك في الحضارة المروية ولكن آثارياً لا يمكننا الجزم بذلك .إذ أن الأسد كرمز ديني وعسكري كان معروف عند الكوشيين منذ زمن بعيد، حتى قبل العصر النبتي. فالأسد كان رمزًا للقوة الملكية منذ فترة كرمة (2500–1500 ق.م) وربما قبل ذلك.
بعض الباحثين مثل "رايس" (Rice) و"هالوف" (Hellhof) ألمحوا إلى أن عبادة أبادماك قد تكون تطورت من معتقدات محلية سابقة مزيجة بين القوة الحيوانية والألوهية الزراعية، لكنها لم تتبلور في شكل إله مستقل وموثق إلا بعد الانتقال إلى مروي، حيث ساد الطابع الأفريقي المحلي على حساب التأثيرات المصرية.
أبادماك: في النقوش المروية يظهر بأسد ثلاثي الرؤوس، حاملاً قوساً وسنابل، جالساً على ثعبان مجنّح. هذا التكوين البصري–الميثولوجي يُعبّر عن جمعٍ بين: السلطة، الخصوبة، الزمن، والخلود. يفسّر( Rilly 2012) هذا المشهد على أنه تمثيل للإله الأعلى في المروية، الجامع بين قوى الحياة والدم. والأسد، في المخيال الكوشي، لم يكن رمز القوة العنيفة فحسب، بل هو صورة للشمس (مُحيونة)، المركز، والدوام . كما أن جلوس الإله على الثعبان يشير إلى سيطرة على الزمن والدورة الكونية، وهي رمزية تتكرّر لاحقاً في الشعائر الدينية المكية.
يروي بعض التراث الإسلامي أن الكعبة حين بُنيت، كان هناك ثعبانٌ مقرّبٌ هو من دلّ إبراهيم على قواعد البيت القديم. هذه الرواية تُقابلها صورة أبادماك الجالس فوق ثعبان مجنّح — كأنه يكشف عن "قواعد المركز"، سواء كان معبداً أو بيتاً سماوياً. مما يفتح الباب أمام تأويل مشترك للرمز بين المروي القديم والمكي المتاخر فرضاً، وفقا للنص القرآني الذي يحدثنا أن أول بيت وضع للناس هو الذي ببكة، فرغم غياب مطابق صريح لكلمة "بكة" في النقوش المروية، إلا أن الجذر الصوتي المقارب لها نجده في مفردة (maka / mak) وتعني: "الإله" أو "المكان المقدس" في المروية، وترد كثيرًا في السياقات اللاهوتية. وهي تقابل "مكة" من حيث الجذر الصوتي والدلالة المركزية.
من كوش إلى قريش: الجذر والجوهر:

تُعد المقاربة بين كوش وقريش أقرب وأعمق من نظيرتها مع "كور" المروية. فـ"كوش"، بوصفها بيئة زراعية ملتفة بالنخيل والحياة، تحمل دلالة خصوبة ومركزية، تتقاطع مع معنى "قريش" كمجتمع ارتبط بالتجارة والقداسة. فمن الناحية الصوتية، نلحظ تقارباً لافتاً بين "كوش" (Kush) و"قريش" (Quraysh)، حيث تنتهي الكلمتان بصوت شبيه (ش/ش)، وتبدأان بصوتٍ حلقي (ك/ق) قد يتبدل حسب اللهجات القديمة. هذا التوازي يدعم فرضية أن "قريش" قد تكون تحويراً لغوياً محلياً لاسم "كوش".
وقد ورد في الأثر المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب قوله: "أنا من قريش وقريش من كوش"، وهو قول وإن اختلفت طرقه، إلا أنه يشير إلى استبطان هذه العلاقة العرقية–الحضارية في الوعي العربي المبكر.
بذلك تكون قريش امتداداً للذاكرة الكوشية، لا قطيعة معها. وتتحوّل مكة من ثقافة صحراوية صخرية جرداء، إلى صدى بعيد لصوت النيل.

كوش و"خُشّة": الأسم الحامي النابت من الأرض:

في شمال السودان، يُطلق على تجمعات النخيل الصغيرة الكثيفة المتشابكة الاوراق (الجريد) "خُشّة". والمثير أن كلمة "كوش" قد تعني أصلاً — حسب قراءات بيئية ولغوية — الأرض المحاطة بالنخيل، أو الوادي المكتنز بالحياة. إذ نجد في المرجع الأساس لريلي ودي فوغت:" تم التحقق من أن كلمة Kush/Qes في اللغة المروية تنطق qusa أو kwəºa، ، ثم تُرجمت في اليونانية Χους (Kous)."
لكن الأهم من "دا كلّو": الباحثون رجّحوا أن معنى Kush يعود إلى وصف نباتي أو بيئي أصيل، وهذا يدعم ربطها بمفردات مثل “خُشّة” – أي الأشجار النخلية الكثيفة الملتفة – كما في عامية اهلنا فى نهر النيل وشمال السودان. ويلاحظ احتفاء بالخصوبة والحياة في طقوس العبور (الختان والزواج) *ونظم اكليل سعف النخيل (كوشة/qusa) للعرسان.
هذا يجعل من كلمة "كوش" ليست اسماً سياسياً فقط، بل توصيفاً حيّاً للطبيعة التي تحتضن الإنسان.

مايشبه الخاتمة:
إذا جمعنا بين الأسد (الشمس)، والثعبان (الحكمة، الزمن)، و"مك" (المركز)، و"كوش" (النخل/الأرض)، ثم أسقطناها على فكرة البيت المقدّس في مكة، فإننا لسنا أمام استعارة، بل أمام استمرارية كونية–ثقافية.
أبادماك، كما تُظهره النقوش، ليس فقط إله مروي بل هو (المكي الابدي)، إنه نقطة تقاطع رمزية كبرى بين الجنوب النيلي والشمال الحجازي — بين معبد مصوّرات ومسار الكعبة.
ومن هنا فإن العودة إلى مروي وكوش هي عودة إلى قلب الفكرة، لا إلى تمني ترفي متوهم طمره كتاب التاريخ .

المراجع:
• Rilly, Claude & De Voogt, Alexander. The Meroitic Language and Writing System (2012)
• Rilly, Claude. Recent Research on Meroitic (2007)
• المصادر الإسلامية المتأخرة حول بناء الكعبة (روايات الكلبي، ابن إسحاق)
• المعجم النوبي–العربي، موسى حميدة (1995)



#ميرغنى_ابشر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جولياني تُخبئ قِطافها
- جولياني تُخبئ قِطافها
- صالون المجتمع السوماني* يحتفي بالروائية السودانية تسنيم طه
- إلى ثَوْرَجِيَّة حِدَادها مَحَبّة
- يا خَاطِرِي
- مَسِيحُ الْغَرامِ
- النَّار في الَخْمرِ والْجِنسِ والْبِدَايَات
- (12 رجل غاضباً) ورشة متقدمة في فن القيادة وتغيير القناعات!!
- جَمَاجِمُ المُبْدِعِين
- رسم الباليرنيا على كوب أمي
- أَناشِيدُ غَرْقانُ
- في قطار -البداوي-..بوابة تُرْعة في قرية ود سلفاب تُحَرِّر عد ...
- السودان جمالياً.. -ماء الشهوة- المروي يُنثر في معبد -إيزيس- ...
- الوجه الإفريقي لبروميثيوس اليوناني ، قراءة إحفورية
- لماذا انا علماني وصوفي ،أرفض الدولة الدينية؟؟
- إفهومة -الإسلاموعروبية- ومستقبل الهويات في السودان
- ينبئاني
- صُورَة
- وَهَم قَصْر سُلَيْمَانَ.. الآثار بين الدارِسين والهُواة.. بح ...
- شَجْوٌ السَمَنْدَل


المزيد.....




- -صورة نادرة لا تحدث كل يوم-.. جدل بعد لقطة جمعت رئيس لبنان و ...
- حدث تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات وطريقة ت ...
- “بأعلى جودة سلي أطفالك” ثبت تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد ...
- قداس التنصيب .. البابا الجديد ليو يدعو لوحدة الكنيسة
- بزشكيان: المسلمون ملزمون بمواجهة الظلم والجور والدفاع عن الم ...
- القبلية والطائفية في المجتمعات العربية بين الترابط والتفكك
- الاحتلال يسلم 9 اخطارات بوقف العمل والبناء شرق سلفيت
- البابا ليو يتعهد بجعل الكنيسة رمزا للسلام في العالم
- “حميــدو والــراعــي الكـذاب“ تردد قناة طيور الجنة 2025 على ...
- الفاتيكان يشهد تنصيب البابا ليو الرابع عشر بحضور قادة العالم ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميرغنى ابشر - العودة الى كوش: قراءة مروية في منشأ الكعبة المكية وأصول قريش -النباتية-!!