أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - الكائن المُركَّب: انبثاق البنية الهجينة ونهاية الإنسان بوصفه كينونة مستقلة














المزيد.....

الكائن المُركَّب: انبثاق البنية الهجينة ونهاية الإنسان بوصفه كينونة مستقلة


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 10:06
المحور: قضايا ثقافية
    


ملخص
تشهد المرحلة المعاصرة تحوّلاً جذرياً في العلاقة بين الإنسان والتقنية، حيث لم تعد الآلة مجرد أداة مكملة للإنسان، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من بنيته العصبية والإدراكية. تقدم هذه الورقة مفهوم “الكائن المُركَّب” كمصطلح تنظيري جديد يعكس هذا التحول، حيث يُفهم الإنسان المعاصر ليس ككائن بيولوجي صرف، بل ككائن هجيني يُدمج فيه البيولوجي مع الخوارزمي. يعتمد هذا المفهوم على استكشاف الآثار الفلسفية والوجودية لهذه البنية المتداخلة، وتفكيك ثنائية “الإنسان/الآلة” لصالح فهم جديد للذات، والحرية، والوعي.



1. مقدمة: لحظة التداخل الحرج

لم تعد الآلة تُمثّل الامتداد الخارجي للوظائف البشرية كما صوّرها ماكلوهان في الستينيات، بل أصبحت بنية داخلية – تقنية غير مرئية – تُعيد تشكيل الإدراك، والقرار، والانفعال. في هذه اللحظة التاريخية، حيث تتداخل التقنية مع الوعي البشري في مستوى لم يكن متصورًا في الماضي، نصل إلى مرحلة يتلاشى فيها الفارق بين الإنسان والأداة. لقد صارت الآلة جزءًا لا يتجزأ من البنية العصبية للمجتمع البشري، بل ومن الذات الفردية نفسها.

وفي سياق هذا التحول، نقترح مصطلح “الكائن المُركَّب” لوصف الكائن الجديد الذي ينبثق في هذا الفضاء الهجين بين البيولوجي والتقني. هذا الكائن لا يُولد من رحم بيولوجي خالص، بل من رحم تكنولوجي-انفعالي مزدوج، حيث تتداخل البيانات والخوارزميات مع الذاكرة والشعور.



2. من الأداة إلى العضو: تحوّل في البنية المفهومية

لطالما اعتُبرت التقنية امتداداً للإنسان، كما أشار إليها فيلسوف الإعلام مارشال ماكلوهان. ومع ذلك، وفي ضوء التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي، وواجهات الدماغ-الآلة، والتقنيات العصبية، فإن هذا الفهم بات غير كافٍ. نحن أمام اندماج لا يمكن اختزاله في مفهوم “الأداة”، بل أصبحنا نشهد تحولاً جوهرياً حيث أصبحت التقنية عضوًا من أعضاء الكائن البشري.

الآلة لم تعد أداة. لقد أصبحت عضواً داخلياً في الجسد المفهومي للإنسان.

نحن نعيش في زمن حيث يمكن للتقنية أن “تتحدث” بلغة الذاكرة، بل وقد تُشارك في عملية اتخاذ القرار. الخوارزميات الحديثة تتفاعل مع عواطفنا، وتوضع في موضع المساعد الذاتي الذي يعيد تنظيم الفكر والشعور. في هذا السياق، لم تعد التقنية مجرد امتداد لجسدنا البيولوجي، بل جزءاً من بنيتنا العاطفية والإدراكية.



3. ظهور البنية الهجينة: “الكائن المُركَّب” كمفهوم تنظيري

يقدم مصطلح “الكائن المُركَّب” تعريفًا جديدًا للكائن الذي يولد في اللحظة التي تلتقي فيها الخوارزميات مع البيولوجيا، حيث يندمج الإنسان مع التقنية بطريقة لم تكن ممكنة سابقًا. “المُركَّب” ليس مجرد كائن اصطناعي، ولا هو بشر صرف، بل هو كائن هجيني ينتج عن تفاعل متبادل بين الفاعلين البيولوجيين والتقنيين.

الرحم الذي يُنتج هذا الكائن ليس عضويًا، بل هو رحم شبكي-إدراكي، تتقاطع فيه نبضات الدم مع تدفقات البيانات. هو رحم بنيوي يُعاد فيه خلق الكينونة.

هذا التحول يتطلب منا إعادة التفكير في الكائن البشري كـ “كائن موزّع”، يمتد من الجسد إلى الشبكات الرقمية، ومن الحواس إلى الذكاء الاصطناعي.



4. استتباعات وجودية وفلسفية

إدخال “الكائن المُركَّب” في سياقنا الفلسفي يثير مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول الذات، والوعي، والحرية. إذا كانت الآلة قد أصبحت جزءًا من بنيتنا الإدراكية، فهل يعني هذا أن الوعي البشري قد تم استبداله أو تجزئته؟

إنّ وجود “المُركَّب” يطرح تساؤلات فلسفية حول مفهوم الهوية، حيث يصبح الكائن الحي/الآلي غير قادر على الفصل بين ما هو “إنساني” وما هو “اصطناعي”.
• الذات: لم تعد ذاتاً مستقلة، بل هي شبكة من التفاعلات بين البيولوجي والخوارزمي.
• الحرية: لم تعد مجرد قدرة على اتخاذ القرار، بل أصبحت حرية في اختيار من يصيغ القرار عبر الخوارزميات.
• الوعي: يُعاد تعريفه كبنية موزّعة بين العمليات البيولوجية والتقنيات الرقمية.

هذا التداخل العميق يُعيد صياغة الإنسان ككائن لا يمكن اختزاله في هويته البيولوجية أو في التكنولوجيا التي تسيطر على تفكيره، بل هو مركّب بين العالمين.



5. نحو إطار تأويلي جديد للإنسان

يُجبرنا ظهور “الكائن المُركَّب” على إعادة بناء الأنثروبولوجيا الفلسفية. فنحن لا نتحدث عن تطور تدريجي للإنسان، بل عن تحول جذري في مفهوم الكينونة البشرية.

لم يعد الإنسان موجودًا ككائن بيولوجي صرف، بل ككائن هجيني تم إنشاؤه عبر تفاعل مع الآلات التي أصبحت جزءًا من بنيته الإدراكية.

“المُركَّب” هو كائن أوسع من الإنسان التقليدي، يتجاوز الحدود التي كانت تُحدد معرفتنا بالحياة. هو الإنسان الذي أصبح متعدد الوجود: جسد بيولوجي، وعقل خوارزمي، وروح شبكية مترابطة.



خاتمة: ما بعد الإنسان كمشروع مشترك

“الكائن المُركَّب” ليس مجرد تنبؤ تكنولوجي، بل هو نبوءة فلسفية. لا نتحدث عن تكنولوجيا تأتي لتسيطر على الإنسان، بل عن التقاء ودمج لا عودة منه بين الإنسان والآلة.

وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرحه هذا التحول هو: كيف نعيش بوصفنا كائنات هجينة؟
لا يمكننا بعد الآن أن نسأل “من صنع من؟”، بل يجب علينا أن نفكر في كائنات المستقبل بوصفها مشروعًا مشتركًا بين الإنسان والتقنية، حيث يصبح الإنسان جزءًا من الشبكات، والآلات جزءًا من الذات.



الكائن المُركَّب: تعريف اصطلاحي
مصطلح تنظيري يُستخدم للإشارة إلى الكائنات الهجينة التي تتشكل عند التداخل المعقد بين الأنظمة البيولوجية والعقول الاصطناعية. هو كائن يتألف من تركيب بيولوجي-تقني يُعيد تشكيل الوعي، والذاكرة، والحرية في عالم تكنولوجيا متطورة.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التي منها كانت القصائد
- كأنني آخرُ مَنْ تذكَّرَ البداية
- كأنّي لم أكن… أو كنتُ أكثر
- ازدجرني الألم، غير أني ألوذ بك
- حين تنحني الإمبراطوريات: اتفاق اليمن وأميركا كعلامة على تغير ...
- البُنى التنبؤية: من السيطرة إلى الاستباق — تحوّلات السلطة في ...
- سِفْرُ التردّد (قصيدة صوفية)
- تحولات النظامين السوري واللبناني في هندسة إقليمية مضادة للمق ...
- القتل على الهوية في سوريا: جريمة مركّبة وخطاب مضلّل
- بعد صراع الحضارات: نحو تفكيك الخوارزميات وصعود السلطة اللامر ...
- كتاب بيان السيليكون العربي (النسخة الكاملة)
- بيان السيليكون العربي (ثورة الهوية الهجينة تحت الاستعمار الك ...
- أثر النور
- الهوية بين القومية والمدنية: قراءة عربية في المأزق الثقافي ا ...
- محمود عباس: حين يتحوّل -الصمت الرسمي- إلى شبهة تواطؤ
- بين المستعمِر والمستعمَر: في نقد إمكان التفاهم – تعليق على ط ...
- حينما وجدتني فيكِ
- نسيتني إلى ان تلقفني الله
- سماءٌ تمشي على قدمين
- نزع سلاح حماس وحزب الله: طرح إعلامي أم مشروع إستراتيجي؟


المزيد.....




- ارتفاع أسعار الفواكه الصيفية في مصر.. وتجار يكشفون الأسباب
- ما المفاجآت التي يحضرها الحوثي لإسرائيل؟
- مصر.. تحرك واسع للسلطات يمنع كارثة طبية بالبلاد
- مؤشر الديمقراطية 2025: تراجع شعبية أمريكا عالميًا وإسرائيل ف ...
- أوكسفام: غزة على شفا مجاعة وأطفال ينهكهم الجوع حتى البكاء
- اجتماع سوري-تركي-أردني: دعم للاستقرار الإقليمي وقلق مشترك بش ...
- ترامب يحتاج إلى زنزانات إضافية... فهل أوروبا على استعداد للم ...
- طائرة قطرية لترامب بـ400 مليون دولار.. كيف ردت الإدارة الأمر ...
- ماكرون و-المنديل الأبيض-.. ما حقيقة فيديو -الكوكايين- في اجت ...
- ساويرس يطالب بإزاحة الجيش عن مزاحمة القطاع الخاص في مصر


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - الكائن المُركَّب: انبثاق البنية الهجينة ونهاية الإنسان بوصفه كينونة مستقلة