أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - العيد 80 للنصر - الجزء الثالث - ملف خاص















المزيد.....

العيد 80 للنصر - الجزء الثالث - ملف خاص


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 14:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



* اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

1) لماذا تحتفل روسيا بعيد النصر في 9 مايو/أيار ؟

في تمام الساعة 22:43 بتوقيت وسط أوروبا (أي في الساعة 00:43 من يوم 9 مايو بتوقيت موسكو)، جرى في ضاحية كارلشورست في برلين توقيع وثيقة استسلام ألمانيا دون اشروط.

في 2 مايو 1945، سيطر الجيش الأحمر على برلين – عاصمة ألمانيا النازية. وخلال العملية الهجومية الاستراتيجية على برلين، تمكّنت القوات السوفياتية من القضاء التام على بقايا الجيش الألماني، الذي كان يُعدّ الأقوى في أوروبا آنذاك، وبذلك وضعت نهاية لحرب أشعلتها الإمبريالية الألمانية البربرية. وقبيل نهاية العمليات القتالية، وتحديدًا في 30 أبريل، أقدم الفوهرر أدولف هتلر على الإنتحار، رافضًا الوقوع في أسر القوات السوفياتية. وفي أعقاب ذلك، تولى الأدميرال الكبير كارل دونيتس قيادة الرايخ، وقد وافق على توقيع الإستسلام غير المشروط.

وفي مساء يوم 8 مايو 1945، الساعة 22:43 بتوقيت وسط أوروبا (00:43 من يوم 9 مايو بتوقيت موسكو)، تم في ضاحية كارلشورست ببرلين توقيع وثيقة إستسلام ألمانيا دون شروط. وقد وقّع الوثيقة رئيس هيئة أركان القيادة العليا للفيرماخت، الجنرال-فيلد مارشال فيلهلم كايتل، فيما تَسلَّمها نيابة عن الإتحاد السوفياتي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة السوفياتية، المارشال غيورغي جوكوف، وعن قوات الحلفاء المشتركة نائب القائد الأعلى للقوات الاستكشافية المتحالفة، آرثر تيدر.

مثّل توقيع وثيقة استسلام ألمانيا غير المشروط نهايةً مظفّرة للحرب الوطنية العظمى التي خاضها الشعب السوفياتي ضد الغزاة النازيين، كما أعلن عن نهاية الحرب العالمية الثانية في القارة الأوروبية. لقد تمكّنت الأمم الحليفة – ممثلة بالإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا – من القضاء على الفاشية الهتلرية، وتحرير ألمانيا من النظام الإرهابي الهمجي الذي حكمها منذ عام 1933.
-------

2) سقوط برلين 1945: دراسة تحليلية في المعركة الأخيرة ضد النازية والسرديات المتنازعة

ألكسندر سامسونوف
كاتب صحفي ومحلل سياسي
مؤرخ وخبير عسكري روسي
بوابة Military Review بالروسية

3 مايو 2025

مقدمة:
تُمثل معركة برلين (أبريل–مايو 1945) ذروة الحرب العالمية الثانية على الجبهة الشرقية، وتتويجًا لإنتصارات الجيش الأحمر السوفياتي بعد أربع سنوات من القتال الضاري ضد ألمانيا النازية. المقال الأصلي للكاتب ألكسندر سامسونوف، بعنوان «سقوط برلين: لقد أجهزنا عليها!»، يعيد تسليط الضوء على هذه المعركة من منظور روسي نقدي، رافضًا سرديات ما بعد الإتحاد السوفياتي والغرب التي قللت من شأن الدور السوفياتي أو شوهته.
تستند هذه الدراسة إلى المقال المذكور، مع توسيع التحليل وتأصيله تاريخيًا وعسكريًا، ومقارنته بمصادر موثقة.

أولاً: الخلفية الاستراتيجية للمعركة
بحلول ربيع عام 1945، كانت الجبهة الشرقية قد إخترقت الدفاعات الألمانية بالكامل. الجيش الأحمر، بقيادة المارشال جوكوف من الجبهة البيلاروسية الأولى، والمارشال كونيف من الجبهة الأوكرانية الأولى، كان قد اجتاح بولندا، واجتاز نهر الأودر، واستعد للهجوم النهائي على برلين. بينما كانت القوات الغربية بقيادة أيزنهاور تندفع من جهة الراين، إختار القائد الأعلى للقوات السوفياتية، ستالين، التسابق مع الوقت لتحقيق نصر حاسم على برلين قبل وصول الحلفاء الغربيين إليها.

يؤكد سامسونوف أن الهدف لم يكن سياسيًا فحسب بل أخلاقيًا وحضاريًا، إذ كان من الضروري أن يكون إسقاط عاصمة النظام النازي بيد من تحمل العبء الأكبر في هزيمته: الإتحاد السوفياتي.

ثانيًا: طبيعة المعركة وتفاصيلها العسكرية
بدأ الهجوم السوفياتي على برلين في 16 أبريل 1945، بعد تمهيد ناري غير مسبوق، شاركت فيه أكثر من 40 ألف قطعة مدفعية، وقرابة 7 آلاف دبابة، وأكثر من 5 آلاف طائرة دعم. في معركة زيلياو هايتس (Seelow Heights)، واجهت القوات السوفياتية مقاومة شرسة من الجيش الألماني التاسع، ما تسبب في تأخر التقدم عدة أيام وتكبد خسائر فادحة.

غير أن الحسم جاء مع تقدم القوات السوفياتية إلى داخل المدينة نفسها، حيث خاض الجنود قتال شوارع ضارٍ ضد القوات الألمانية والمتطوعين الأجانب النازيين. في هذا السياق، يدحض سامسونوف السرديات الغربية التي تزعم أن الجيش الأحمر ارتكب "فظائع منهجية"، معتبرًا إياها جزءًا من حرب دعائية تهدف إلى تلويث صورة المنتصر السوفياتي وإعادة صياغة سردية الحرب على أسس سياسية.

بحلول 2 مايو 1945، وبعد إنتحار هتلر في 30 أبريل، إستسلمت حامية برلين بقيادة الجنرال فايدلينغ. رفع الجندي السوفياتي ميخائيل يغوروف وزميله ملكتوف علم النصر الأحمر فوق مبنى الرايخستاغ، وهو المشهد الذي أصبح رمزًا لانتصار الحق على النازية.

ثالثًا: السرديات التاريخية المتضاربة
يرى الكاتب أن سقوط برلين أعاد ترسيخ دور الاتحغاد السوفياتي ليس فقط كقوة عسكرية عظمى، بل كمنقذ حضاري للبشرية من النازية. إلا أن هذا الدور جُوبه بمحاولات تهميش وتشويه منذ التسعينيات، خاصة بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي.

يشير سامسونوف إلى أن العديد من المؤرخين الغربيين، ومن تبعهم من "المؤرخين الليبراليين" الروس، ساهموا في إحياء سردية مضادة تساوي بين النظامين النازي والسوفياتي، من خلال مفاهيم مثل "الإحتلال السوفياتي" لأوروبا الشرقية، أو إتهام الجيش الأحمر بالاغتصاب الجماعي والنهب. وعلى الرغم من وجود تجاوزات فردية، إلا أن هذه السردية تُغفل السياق الكامل للحرب ومجرياتها، بما فيها جرائم الإحتلال النازي في الأراضي السوفياتية، التي خلفت أكثر من 27 مليون قتيل.

رابعًا: البعد الرمزي والسياسي لسقوط برلين
في نظر سامسونوف، كانت السيطرة على برلين إنتصارًا رمزيًا وماديًا على النازية، وإستعادة لكرامة روسيا التي أُهينت في عام 1941. كما كانت رسالة للغرب بأن الإتحاد السوفياتي هو من أنقذ أوروبا من الوحش الفاشي، وأنه لن يسمح بتكرار السيناريو الذي أدى إلى قيام النظام النازي.

يرتبط سقوط برلين أيضًا، في التحليل الجيوسياسي، ببداية الحرب الباردة. إذ بدأت التوترات مع الحلفاء الغربيين منذ تلك اللحظة، وظهرت معالمها في خلافات يالطا وبوتسدام، ومحاولة الغرب حرمان الإتحاد السوفياتي من ثمار نصره.

خامسًا: دحض الخطابات الغربية المهيمنة
يبرز سامسونوف قضية التزييف المنهجي لذاكرة الحرب، من خلال سينما هوليود، وكتب التاريخ، والخطاب الإعلامي، حيث غالبًا ما يُختزل النصر على النازية في معارك مثل نورماندي أو إنزال صقلية، في حين يُهمش دور ستالينغراد، وكورسك، وعمليات بيلاروسيا وبرلين. ويصف ذلك بأنه «تطهير إيديولوجي للحقائق»، هدفه نزع الشرعية عن روسيا المعاصرة، كوريثة الإتحاد السوفياتي.

ويرى أن إعادة الاعتبار للحقيقة التاريخية أمر ضروري لحماية الذاكرة الجمعية الروسية، وتعزيز الهوية الوطنية في وجه محاولات الإذلال والضغط الغربي.

خاتمة:
كانت معركة برلين فصلًا حاسمًا في التاريخ الإنساني، حسمت مصير أوروبا والعالم لعدة عقود. تؤكد الدراسة، استنادًا إلى مقال سامسونوف، أن النصر السوفياتي لم يكن فقط عسكريًا بل حضاريًا. وأن محاولات تشويه هذا النصر لا تصمد أمام الحقائق التاريخية والأرشيفات الوثائقية. وتدعو إلى مقاومة هذا "التحريف التاريخي" من خلال التوثيق، والتعليم، والحضور الإعلامي النشط.
---

3) كيف إحتفلنا بعيد النصر ال50

سيرغي كريـلوف
أستاذ في قسم الدبلوماسية بجامعة MGIMO، دبلوماسي سوفياتي وروسي، ونائب وزير الخارجية الروسي في الفترة من 1993 إلى 1996.

بمناسبة يوم النصر في 9 مايو 2025، سنحتفل بالذكرى الثمانين للنصر في الحرب الوطنية العظمى.
وسنحتفل به، أولاً وقبل كل شيء، بأنفسنا، لأنه عيدنا نحن: لقد تحمّل الشعب السوفياتي العظيم هذا النصر بثمن باهظ من التضحيات والمعاناة غير المسبوقة، ونحن نكرّم ذكرى أولئك الذين جعلوا هذا النصر ممكنًا.

سينضم إلينا كل من لا يريد، مثلنا، أن ينسى أعظم مأساة في القرن العشرين. سنكون سعداء برؤيتهم شخصيًا في موسكو، وممتنين لهم (ولمن لا يستطيع المجيء لأسباب مختلفة) على كلمات الدعم وتفهّم موقفنا. لا سيّما وأن التعبير العلني عن هذا الموقف يتطلب اليوم قدرًا كبيرًا من الشجاعة الشخصية.

ولا داعي على الإطلاق للرد على أولئك الذين يسعون إلى نسيان عام 1945، أو من يحاولون مرة أخرى (كما حدث سابقًا في التاريخ) طمس كل ما يتعلق بروسيا باللون الأسود، وتقديمها من جديد كـ"جحيم مجسد". هؤلاء لا يستحقون انتباهنا. عاجلاً أم آجلاً – وربما عاجلاً – فإن الكراهية والحقد ضد روسيا الحالية، ضد الشعب السوفياتي المنتصر الذي بفضله يعيشون منذ عقود في ظل السلام والازدهار، ستلتهمهم من الداخل. وسيدمّرون أنفسهم تمامًا كما يدمرون إقتصاداتهم وأسس ازدهارهم السابق من خلال قراراتهم وأفعالهم.

ومع ذلك، لم يكن الوضع دائمًا كذلك. أودّ، بشيء من الحنين، أن أستذكر كيف احتُفل بيوم 9 مايو قبل ثلاثين عامًا، في عام 1995. في موسكو، جرى التحضير بشكل جدي للغاية للاحتفال بالذكرى ال50 للنصر – وكانت العلاقات المتطورة إيجابيًا مع الدول الكبرى في العالم تفتح المجال للأمل في تعميق التفاهم المتبادل من خلال الإحتفال المشترك بهذه الذكرى الهامة. وقد أُخذ بعين الاعتبار أيضًا أن أهمية النصر بدأت تُقلل عمدًا في الخارج، وحتى في بلادنا، التي كانت قد إجتازت للتوّ إضطرابات داخلية شديدة، ظهرت (وخاصة في أوساط الجيل الشاب) مؤشرات على عدم الرغبة في معرفة الماضي وتقديره بعمق. كثيرون إنغلقوا على عالمهم الداخلي، وكأنهم إنفصلوا عن حياة البلاد وهزاتها السياسية الداخلية المستمرة.

تقرر تنظيم مسيرة للمحاربين القدامى في الساحة الحمراء، وعرض عسكري في شارع كوتوزوفسكي في منطقة بوكلونايا غورا، وإستقبال إحتفالي في الكرملين. وُجهت الدعوات إلى رؤساء الدول المشاركة في التحالف المناهض لهتلر، وإلى أعضاء رابطة الدول المستقلة، وإلى قادة بعض الدول الأخرى. وقد إستجاب تقريبًا الجميع للدعوة بشكل إيجابي. حضر إلى موسكو معظم قادة دول أوروبا الغربية (رغم أن العديد من هذه الدول، كما هو معلوم، لم تكن في بداية الحرب في صف التحالف المناهض لهتلر)، وحضر رئيس جمهورية الصين الشعبية جيانغ زيمين، ورئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، ورئيس وزراء بريطانيا جون ميجور، والأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي، وغيرهم كثيرون. لم يروا في المشاركة ما قد يُعد إنكارًا للماضي، مهما كان مؤلمًا.

أُثير نقاش طويل أثناء التحضيرات حول مسألة دعوة المستشار الألماني. كانت هناك آراء متباينة. كثيرون اعتقدوا أنه لن يأتي إلى موسكو، وحتى إن جاء، فإن مجرد وجوده في هذه الإحتفالات قد يُستقبل بشكل سلبي من قبل المجتمع الروسي. لكن الرئيس بوريس يلتسين حسم الأمر قائلاً إن الدعوة يجب أن تُوجه إلى كول، وهو من يقرر إن كان سيأتي أم لا. وأضاف أنه، أي يلتسين، واثق بأن كول سيفهم الأمر بشكل صحيح وسيأتي إلى موسكو. وهذا ما حدث. ولكن، بالطبع، لم يكن قرار كول بالحضور سهلاً. فقد تبيّن لاحقًا أن العديد من المقربين منه نصحوه بالإمتناع عن هذه الزيارة، وإرسال ممثل عنه، أو تفويض سفيره لتمثيل ألمانيا في الفعاليات. وكان المبرر أن هذه الخيارات مقبولة بروتوكوليًا وستُفهم بشكل أفضل في ألمانيا من سفر المستشار بنفسه. لكن كول لم يُصغِ إلى هذه النصائح، رغم إدراكه أنه سيتعرض لإنتقادات قاسية بسبب هذه الرحلة.

وصل إلى موسكو في وقت متأخر من الصباح، برفقة مساعد، ومترجم، وعدد قليل من رجال الأمن، وبعض الصحفيين. كان في إستقباله سفير ألمانيا في موسكو، وأنا، كنائب لوزير الخارجية حينها، ومسؤول عن الشؤون الأوروبية، بما في ذلك العلاقات مع ألمانيا. (وهنا تجدر الإشارة إلى أنه، وفقًا للخطة المعدّة آنذاك، كان يرافق ضيوف الشرف طيلة إقامتهم في موسكو ممثلون من الجهات الحكومية الروسية، ويفضّل أن يكونوا من المؤسسات المتعاونة مع بلد الضيف).

كان كول مركزًا للغاية، منغلقًا، ومتوترًا – وكان ذلك مفهومًا. فبالنسبة لنا، 9 مايو هو يوم النصر. أما الألمان فينظرون إلى أحداث عام 1945 بشكل مختلف تمامًا. على الأقل، كانوا ينظرون إليها هكذا قبل ثلاثين عامًا، عندما كان العديد من شهود تلك الحقبة، بل وحتى بعض المشاركين فيها، لا يزالون أحياء. وكان على المستشار أن يأخذ آراءهم بعين الإعتبار. ولهذا كانت برنامجه في موسكو مختلفًا عن برامج الضيوف الآخرين. على وجه الخصوص، لم يحضر لا إلى الساحة الحمراء، ولا إلى العرض العسكري. بل توجه مباشرة بعد وصوله إلى مقبرة ليوبلين، حيث دُفن 495 من أسرى الحرب الألمان السابقين. وقد أُعيد ترميم قسم المقبرة الخاص بالألمان في أوائل التسعينيات على يد مختصين روس، وبتمويل من "الاتحاد الشعبي الألماني للعناية بمقابر الحرب في الخارج"، وكان يبدو بمظهر لائق: لا إهمال ولا تخريب.

وللوصول إلى موقع القبور، كان لا بد من إجتياز بضع مئات من الأمتار عبر المقبرة، التي كانت، كما هو معتاد في هذا اليوم، مكتظة بالناس – من الشباب، والمحاربين القدامى، معظمهم بملابس بسيطة، وكثيرون منهم يحملون أوسمة المعارك على صدورهم. زيارتنا، مصحوبة بالشرطة بمصابيحها اللامعة، وطاقم الحماية الذي كان يفسح الطريق بلطف ولكن بحزم، جذبت الإنتباه بالطبع. ولا أستبعد أن كول كان يخشى من أن يتعرض لهتافات معادية. فمن المستحيل عدم التعرف عليه – طويل القامة، ممتلئ الجسم، بوجهه المميز الذي يلفت الأنظار دائمًا. وبالفعل، حاول كثيرون الإقتراب منه. بدا أن الحراس توتروا واستعدوا لإبعاد الناس. لكن كول أشار لهم أن يتوقفوا. وعندما أدرك أن الناس يشكرونه على الدعم الذي تلقوه من ألمانيا في أوائل التسعينيات، وعندما تُرجمت له كلمات عجوز قالت إنها تصلي لله من أجل صحته لأنه لم تعد هناك حرب بيننا، ظهرت الدموع في عينيه. وقد أثرت فيه هذه الحادثة بشدة، وسمعته بعد سنوات، وأنا أعمل في ألمانيا، يرويها أكثر من مرة لمعارفه.

وفي الكرملين، وخلال كلمته في الإستقبال الرسمي، خرج بوريس يلتسين عن نص الخطاب، وتوجه إلى كول بالشكر على حضوره، وقال إنه يرى في ذلك تعبيرًا عن الإحترام لروسيا. وأعرب عن ثقته بمزيد من التقارب بين روسيا وألمانيا، مؤكدًا بشكل خاص أن أوروبا الموحدة (وكان الكثيرون حينها يؤمنون حقًا بأنها ستتوحد) سيتم بناؤها بمشروع روسي-ألماني مشترك. وبشكل عام، جرى تنظيم كل ما حدث في موسكو في ذلك اليوم بطريقة لا تُهين، وبالأحرى لا تُسيء إلى الألمان.

وقد جرى التأكيد بوضوح على التمييز بين ألمانيا الحالية والنظام الذي كان قائمًا فيها حتى ربيع عام 1945.

ومع ذلك، فقد كانت الزيارة إلى موسكو مرهقة جدًا لكول. وكان من أوائل المغادرين من الكرملين. وحدث ما لم يكن في الحسبان: تعطلت طائرة كانت متوقفة أمام مبنى مطار فنوكوفو وكان من المقرر إقلاعها قبل طائرة المستشار. وبسبب ذلك، وأثناء سحب الطائرة المتعطلة بعيدًا وتحريك طائرة "لوفتهانزا" الألمانية إلى مكانها، اضطر كول للبقاء في موسكو لفترة أطول مما كان يتوقع. وكان من الممكن رؤية توتره وهو يمشي ذهابًا وإيابًا، ويطلق الشتائم على الطائرة المعطّلة وصاحبها – رئيس إحدى الدول الأوروبية الصغيرة التي نشأت حديثًا (وبدعم ألماني)، ولم تسلم من إنتقاداته حتى إدارة المطار، التي من وجهة نظره لم تكن مرنة بما يكفي للسماح له بعبور بضع مئات من الأمتار على مدرج الطائرات للوصول إلى طائرته. أما مساعدوه، فكانوا يحاولون الابتعاد عنه قدر الإمكان.

لم أذكر عبثًا أن القيادة الروسية تعاملت بكثير من العناية حتى لا تجرح مشاعر الألمان في 9 مايو 1995 ولو من طرف خفي. بل على العكس، شدد الرئيس يلتسين في خطابه في العرض العسكري على أن أوروبا، وروسيا، وألمانيا تعيش في سلام فقط لأنها استخلصت دروس الماضي.
-----
يتبع ...



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 580 - الزحام في سوريا
- العيد 80 للنصر - الجزء الثاني -عملية بارباروسا عام 1941: تحل ...
- طوفان الأقصى 579 - «الانتقام الذاتي»: من من العرب ساعد إسرائ ...
- العيد ال80 للنصر – أسباب إنتصار الإتحاد السوفياتي على ألماني ...
- طوفان الأقصى 578 - نتنياهو يعلن عن هجوم -مكثف- في غزة وتهجير ...
- مناهضة الصهيونية – بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي – الجزء الخا ...
- طوفان الأقصى 577 – هل ستؤثر -حجج- إسرائيل المدعومة بالصواريخ ...
- مناهضة الصهيونية – بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي – الجزء الرا ...
- طوفان الأقصى 576 – نتائج غير سارة – البريطانيون يعودون للحرب ...
- مناهضة الصهيونية – بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي - الجزء الثا ...
- طوفان الأقصى 575 – الهند وباكستان في انتظار الحرب الرابعة
- مناهضة الصهيونية – اللجنة السوفياتية لمناهضة الصهيونية وانتق ...
- طوفان الأقصى 574 – معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية؟!
- مناهضة الصهيونية – اللجنة السوفياتية لمناهضة الصهيونية وانتق ...
- طوفان الأقصى 573 – انفجار ميناء الشهيد رجائي – قراءة تحليلية ...
- مناهضة الصهيونية – اللجنة السوفياتية لمناهضة الصهيونية وانتق ...
- طوفان الأقصى 572 – المجر تعلن انسحابها من المحكمة الجنائية ا ...
- مناهضة الصهيونية – الصهيونية = العنصرية والتمييز العنصري - ا ...
- طوفان الأقصى 571 – البابا فرنسيس تحدّى الصمت الغربي بشأن غزة ...
- مناهضة الصهيونية – الصهيونية = العنصرية والتمييز العنصري - ا ...


المزيد.....




- رئيس وزراء باكستان: قواتنا -صنعت تاريخًا عسكريًا- أمام الهند ...
- مسؤول إيراني لـCNN: المحادثات النووية -غير جادة- ونستعد لسين ...
- الهادي إدريس في بلا قيود: تدمير البنية التحتية في السودان سب ...
- -سرقة الرياح-: ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح ...
- انفجارات تهز كشمير.. مخاوف من انهيار الهدنة بين الهند وباكست ...
- ليلة وداع مولر - بايرن يحتفل بدرع الدوري بثنائية في شباك غلا ...
- الخارجية الأوكرانية: كييف وحلفاؤها مستعدون لوقف غير مشروط لإ ...
- ترامب: وقف للنار بين الهند وباكستان
- رام الله.. الروس يحتفلون بذكرى النصر
- باكستان والهند.. وقف لإطلاق النار


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - العيد 80 للنصر - الجزء الثالث - ملف خاص