أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - الأخلاق بين زمن العالم الرقمي والأزمنة السابقة














المزيد.....

الأخلاق بين زمن العالم الرقمي والأزمنة السابقة


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 11:48
المحور: المجتمع المدني
    


> "وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها، إن الله كان على كل شيء حسيبًا." – [النساء: 86]
"عامل الناس كما تحب أن تُعامل" – قاعدة أخلاقية عالمية
"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت..." – شوقي



في زمنٍ اختلطت فيه الحرية بالفوضى، والعفوية بالإساءة، أصبحت اللغة اليومية بين الناس حقل ألغام. فالكلمة لم تعد تُستخدم للبناء، بل للهدم أحيانًا. والتحية فقدت معناها، والحياء تراجع أمام "التجرؤ اللفظي". فهل ما زال للخطاب مهذبٌ موقع؟ وما هو المعيار الأفضل في التعامل؟ أهو المعاملة بالمثل؟ أم الارتقاء في الرد كما في الآية الكريمة؟


---

أولًا: قاعدة المعاملة بالمثل – العدل الظاهري

"كما تُخاطب تُخاطب، وكما تُحيي تُحيى" – منطق المعاملة بالمثل رائج منذ القدم. يقوم على العدالة التبادلية: من يحترمني أحترمه، ومن يشتمني أشتمه، ومن يُقصّر معي لا ألزم نفسي بالإحسان إليه.

إيجابياتها:

تردع الوقاحة.

تنشر المسؤولية الفردية عن السلوك.


سلبياتها:

تكرّس "رد الفعل" لا المبادرة.

تؤدي إلى دوامة من التوتر والانفعال.

تُبرر الانحدار الأخلاقي، إذا كان الطرف الآخر سيئًا.


مثال تطبيقي (حديث):
رجل في طابور يصرخ على من أمامه، فيرد عليه الآخر بنفس الصوت والأسلوب... ينتهي الأمر بشجار.
النتيجة؟ لم يحترم أحد، ولم يُحلّ الخلاف، بل تصاعد.


---

ثانيًا: قاعدة "حيّوا بأحسن منها" – الارتقاء الأخلاقي

الآية الكريمة تأمر بالرد على التحية، إما بمثلها أو بأفضل منها، وتفتح باب الإحسان في العلاقات اليومية. هذه القاعدة لا تقوم على رد الفعل، بل على الارتقاء بالرد، أي على تجاوز السلوك السلبي دون الانحدار إليه.

إيجابياتها:

تخلق بيئة إيجابية وإنسانية.

تُربّي النفس على كظم الغيظ.

تُصلح الخطاب الاجتماعي وتكسر دائرة العنف اللفظي.


سلبياتها (ظاهرية فقط):

قد تُفهم على أنها ضعف.

تحتاج إلى قوة نفسية وانضباط كبير.


مثال تطبيقي (ماضٍ وحاضر):
رجل يُلقي التحية: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"،
فيُرد عليه: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته"،
النتيجة؟ احترام متبادل، وطمأنينة في النفوس.


---

ثالثًا: بين الماضي والحاضر: كيف تغيّر ميزان التحية والخطاب؟

الزمن التحية الرد أثره الاجتماعي

الماضي تبدأ غالبًا بالسلام والابتسامة ترد بأفضل منها تقوية الروابط، محبة واحترام
الحاضر "هاي"، "أهلين"، أو تجاهل أحيانًا لا يُرد أو يُرد بفتور فتور في العلاقات، توتر مستمر


المشكلة: الخطاب اليومي فقد حياءه ودفئه، وحلّ محله "برود تواصلي"، وكأن المجتمعات فقدت ذاك الحياء الجماعي الذي كان يزين اللغة.


---

رابعًا: الحياء كقاعدة خطاب لا كزينة سلوكية

الحياء ليس مجرد خجل، بل سلوك ضابط للكلمة قبل أن تُقال. في الماضي، حتى المزاح كان ضمن حدود، وكانت المجالس تحفظ الألقاب، وتُراعى المقامات. أما اليوم:

تُنادى الأم باسمها في الشارع.

يُمازح الرجل المرأة بما يخدش.

يُضحك الأطفال على ألفاظ كانت تُعاقب بالأمس.


قال النبي محمد (ص): "الحياء من الإيمان."، فكيف نقبل أن يُطرد الحياء من الخطاب، ونزعم أننا نحيا بكرامة؟


---

خامسًا: أي القاعدتين أصلح لزمننا؟

المعاملة بالمثل تصلح فقط إن كانت بين طرفين متزنين.
لكن في زمن اختلطت فيه المستويات التربوية، والانفعالات اللحظية، فإن "الرد بأحسن منها" هو السبيل الأمثل لكسر دوامة العنف اللفظي، وبناء مجتمع متماسك.

ليس ذلك ضعفًا، بل قوة منضبطة، تجعل من الإنسان قدوة لا نسخة مشوهة ممن يسيء إليه.


---

خاتمة جامعة: الأخلاق تبدأ بالكلمة وتنتهي عند الحياء

الأخلاق لا تظهر في المواقف الكبرى فقط، بل تبدأ في طريقة السلام، ونبرة الصوت، ومتى نصمت ومتى نتكلم.
والحياد أمام الانحدار الأخلاقي ليس حياءً، بل تهاون يُطيل عمر الانحدار.
فلنختر من الآن:

أن نبدأ بالتحية لا بالتجاهل،

أن نرد بأفضل مما سمعنا،

وأن نُعيد للحياء كرامته، لأنه إن ضاع، ضاعت معه كل قيم الإنسان.



#رحيم_حمادي_غضبان (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفساد الأداري بين الفجور والتقوى
- التسول بين الفرد والدولة ...
- عبق الماضي
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهوربة الصين ...
- الشارع التونسي والحركات الأسلامية المعتدلة بين الحقيقة والوه ...
- الصحافة .حارسة الحقيقة
- اللعبة الأقتصادية من يحركها ولماذا لايعيش البشر سواسيه؟
- بين سطوة القوة وأنفلات الفكر .قرأة في عالم تحكمه المصالح بدو ...
- جريمة القتل ظاهرة تنذر بالخطر وتشريعات تحتاج وجهة نظر
- هل يتحقق الحلم العراقي بالوصول مرة ثانية لكأس العالم بكرة ال ...
- التيار الصدري وتحديث بطاقة الناخب هل تلويح للمشاركة في الأنت ...
- خور عبدالله بين المد الكويتي والجزر العراقي
- الحرية المطلقة وتفكك الأسرة المهاجرة في المجتمعات الغرببة ال ...
- الشرق الأوسط وتصاعد الأزمات وتجدد الحديث عن حل الدولتين
- الأزمات المتجددة في الشرق الأوسط وتجدد الحديث عن حل الدولتين
- الهند والباكستان. تصعيد عسكري وتحذيرات نوويه
- السويد بين مفترق طرق .هل تتحول العودة الطوعية الى تطهير ناعم ...
- الناتو بين الماضي والحاضر والمستقبل
- ماذا وراء انفجارات بندر عباس الأيراني
- أنتهاكات حقوق الأنسان ضد المرأة والطفل في مناطق النزاع السود ...


المزيد.....




- سكان غزة بين مخالب المجاعة: عشرات المطابخ المجتمعية تغلق أبو ...
- إسرائيل تغلق مدارس الأونروا في القدس الشرقية: مئات الطلاب إل ...
- منظمة دولية: أوكرانيا تحقق تقدما كبيرا في مكافحة الفساد
- والا: اتفاق محتمل لتولي صندوق إغاثة غزة مهمة إدخال وتوزيع ال ...
- سلطات الاحتلال تغلق 6 مدارس لوكالة الأونروا في القدس المحتلة ...
- رغم الاعتراف بعدم وجود أدلة كافية.. إسرائيل تمدد اعتقال علي ...
- بريطانيا تشترط إجادة المهاجرين للغة الانجليزية للحصول على ح ...
- الأونروا: جوع لم يسبق له مثيل وغزة أصبحت أرض اليأس
- 9 إصابات برصاص الاحتلال واعتقال آخران في البلدة القديمة بناب ...
- رومانيا تحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي متهم بجرائم حرب إلى النيا ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - الأخلاق بين زمن العالم الرقمي والأزمنة السابقة