أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - حين تنحني الإمبراطوريات: اتفاق اليمن وأميركا كعلامة على تغير بنية القوة العالمية














المزيد.....

حين تنحني الإمبراطوريات: اتفاق اليمن وأميركا كعلامة على تغير بنية القوة العالمية


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 11:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة: من الرماد تخرج إشارة النظام الجديد

لم يكن الخبر عن اتفاق “أولي” بين الولايات المتحدة وأنصار الله (الحوثيين) لوقف التصعيد في البحر الأحمر حدثاً عابراً في تسلسل الوقائع، بل إشارة بنيوية على تحوّل مزلزل في خرائط النفوذ العالمية. فحين تضطر الإمبراطورية لأن تفاوض من كانت تعتبرهم “كيانات هامشية”، فهذا لا يعني فقط تغيّر ميزان الردع، بل تصدع النموذج نفسه الذي كانت تحكم به العالم منذ ما بعد الحرب الباردة. نحن إزاء مخاض نظام دولي لم يعد يستقيم بسطوة الردع وحده، بل يتشكل في ظلال اللا-تماثل، واللاتكافؤ، والتكتيكات اللامركزية.



أولاً: من الحرب إلى التفاوض — لحظة التحول القسري

لقد دأبت الإمبراطورية الأميركية على ممارسة “الردع بالحضور” في البحار، حيث تكفي حاملة طائرات واحدة لتذكير من يلزم بـ”قواعد اللعبة”. غير أن ما جرى في البحر الأحمر، من استهداف متكرر لسفن تجارية وتحجيم لحرية الملاحة، ثم الرد الأميركي الذي لم يُفلح في تحييد التهديد، كشف عجز الردع البحري التقليدي أمام منظومات لا مركزية، رشيقة، وغير قابلة للاحتواء الكامل.
هنا، اضطرّت واشنطن للعب ورقتها غير المفضلة: التفاوض المباشر. ولأول مرة، يتم الاعتراف الواقعي — إن لم يكن السياسي بعد — بأن “أنصار الله” باتوا قوة لا يمكن تجاوزها، سواء في معادلة اليمن أو في أمن البحر الأحمر.



ثانياً: أن تُفاوض من كنت ترفض الاعتراف به — في قلب هذا الاعتراف انهيارٌ ناعم

من الناحية البنيوية، لا يعني التفاوض مجرد لحظة براغماتية، بل هو تخلٍّ عن تموضع سلطوي سابق. أن تتحول واشنطن من منطق التصنيف والإقصاء إلى منطق الحوار، فذلك لا يعبّر عن مرونة فقط، بل عن انكسار قسري في آلية الهيمنة التقليدية. لقد تم إفراغ أداة التصنيف (“منظمة إرهابية”) من وظيفتها الردعية، ولم يعد بوسع الخطاب القانوني الدولي أن يُخفي فشله أمام ديناميات الحرب الرمادية.



ثالثاً: من البحر الأحمر إلى قلب الجيوبولتيك العالمي — البحر كمرآة تشققات القوة

البحر الأحمر، الذي كان لوقت طويل ممرّاً آمناً للإمبراطوريات التجارية، أصبح فجأة ساحة اختبار مرعب للنموذج البحري الغربي نفسه. إن استهداف السفن، وتحدي القواعد البحرية الناظمة لحركة التجارة، يذكر بأننا أمام لحظات تاريخية مفصلية، ينطلق فيها فاعلون ضمن نظام آخر يتشكل في الظل — نظام من “السلطات اللامرئية”، التي تتحرك وفق منطق غير خاضع لقوانين الرأسمالية التقليدية.



رابعاً: اللاتماثل كسلاح المستقبل — حين ينهزم الصقر أمام الطائر المسيّر

لقد أدركت القوى الكبرى، ولو متأخرة، أن العصر لم يعد عصر الحروب الشاملة، بل عصر الحروب اللاتناظرية المحوسبة والمسيّرة. يكفي طائرة من دون طيار بتكلفة آلاف الدولارات لتعطيل ناقلة بمئات الملايين، أو لتغيير حركة التجارة العالمية. هذه اللامساواة في التكلفة تعيد رسم منطق الحرب نفسه، بل تُجبر الإمبراطوريات على مراجعة عقيدتها العسكرية. نحن نعيش تحوّلاً من العقيدة الهجومية إلى عقيدة التراجع المنظم.



خامساً: أميركا في مأزق التوازنات الجيواستراتيجية


في خلفية كل هذا، تقع الإدارة الأميركية بين مطرقة الداخل وسندان الخارج:
• في الداخل: ضغوط ادارية، تضخم، عجز عن تبرير الانخراط العسكري المكلف.
• في الخارج: إحراج أمام حلفاء لم تعد واشنطن قادرة على حمايتهم واقعياً، وخصوم (كالصين وروسيا) باتوا يملكون مفاتيح اللعبة في مجالات عديدة.

الاتفاق مع أنصار الله، بهذا المعنى، ليس فقط تعبيراً عن لحظة تهدئة، بل إقرار بفشل الاستراتيجيا الكبرى في الإقليم. لقد أصبحت “التهدئة” هي الأداة الجديدة لحفظ ماء وجه القوة المتراجعة.


سادساً: التداعيات الجذرية — من صعود أنصار الله إلى انكسار مركزية واشنطن
1. صعود لاعب غير تقليدي إلى مرتبة “صانع سياسة بحرية”.
2. تفكك مركزي لنمط النفوذ الأميركي في الخليج والبحر الأحمر.
3. فتح الباب أمام وسطاء غير غربيين — الصين، روسيا، وربما تركيا وإيران.
4. تآكل فعالية العقوبات، والحصار، و”الحروب بالوكالة”.

هذا لا يعني بالضرورة أن أميركا انهارت، بل أن سقف سيطرتها ينخفض تدريجياً، لصالح بنية جديدة للعالم: متعددة الأقطاب، فوضوية، ولا مركزية.


خاتمة: عالم ما بعد الهيمنة — حين يصبح التفاوض مع الهامش ضرورة وجودية

الذي يجري ليس مجرد اتفاق بين طرفين، بل إعلان غير رسمي عن دخول العالم في حقبة “توازن الرعب اللامتماثل”، حيث لا تنتصر القوة، بل القدرة على تعطيل القوة. التفاوض لم يعد أداة للسلام فقط، بل أداة للبقاء. وأميركا، وإن لم تعترف بذلك علناً، فإنها تقول عبر أفعالها: لقد تغيّر الزمن، ولم نعد نملك ترف اختيار خصومنا.

فهل ستكون هذه لحظة تراجع تكتيكي يعقبها اندفاعة جديدة؟ أم بداية خضوع استراتيجي يمهّد لمرحلة ما بعد الإمبراطورية؟
الأسابيع المقبلة ستخبرنا، لكن المؤكد أن من يملك السيطرة على “الهامش”، بات يتحكم بمركز القرار العالمي نفسه.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البُنى التنبؤية: من السيطرة إلى الاستباق — تحوّلات السلطة في ...
- سِفْرُ التردّد (قصيدة صوفية)
- تحولات النظامين السوري واللبناني في هندسة إقليمية مضادة للمق ...
- القتل على الهوية في سوريا: جريمة مركّبة وخطاب مضلّل
- بعد صراع الحضارات: نحو تفكيك الخوارزميات وصعود السلطة اللامر ...
- كتاب بيان السيليكون العربي (النسخة الكاملة)
- بيان السيليكون العربي (ثورة الهوية الهجينة تحت الاستعمار الك ...
- أثر النور
- الهوية بين القومية والمدنية: قراءة عربية في المأزق الثقافي ا ...
- محمود عباس: حين يتحوّل -الصمت الرسمي- إلى شبهة تواطؤ
- بين المستعمِر والمستعمَر: في نقد إمكان التفاهم – تعليق على ط ...
- حينما وجدتني فيكِ
- نسيتني إلى ان تلقفني الله
- سماءٌ تمشي على قدمين
- نزع سلاح حماس وحزب الله: طرح إعلامي أم مشروع إستراتيجي؟
- صوامع الألم
- كتاب : “حين أنجبت الريح طفلًا”
- أنا الذي حلم بي القدر ثم نسيني قصيدة من خمسة فصول نثرية
- الجهاد بين فرض العينية ورؤية الدولة: قراءة فقهية في ضوء الفت ...
- حين يصير القلب وطنًا


المزيد.....




- فيديو تهكّم ترامب على خامنئي بجملة -فزنا بالحرب- يثير تفاعلا ...
- الحكومة البريطانية تدين هتافات مناوئة للجيش الإسرائيلي بثتها ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إيران قادرة على استئناف تخصيب ...
- ترامب يجدد دعمه لنتانياهو ويحذر من أنه -لن يتسامح- مع مواصلة ...
- ارتبط بتشبيه أطلقه محمد بن سلمان.. ما قد لا تعلمه عن جبل طوي ...
- خلف ترامب.. رد فعل ماركو روبيو على ما قاله الرئيس لإعلامية ي ...
- الضغوط تتصاعد لإنهاء الحرب في غزة.. ديرمر يزور واشنطن الأسبو ...
- ماذا نعرف عن مشروع قانون ترامب -الكبير والجميل- الذي يُثير ج ...
- بينيت يدعو نتنياهو للاستقالة.. إدارته للبلاد -كارثية-
- سوريا.. -جملة- مطبوعة على أكياس تهريب مخدرات مضبوطة تشعل ضجة ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - حين تنحني الإمبراطوريات: اتفاق اليمن وأميركا كعلامة على تغير بنية القوة العالمية