حسن صالح الشنكالي
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 22:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُروّج لاستضافة القمم العربية في بغداد على أنها فرصة لتعزيز مكانة العراق إقليميًا، و”عودة إلى الحضن العربي”، لكن الوقائع التاريخية والتجارب السابقة تدفعنا إلى التساؤل الجاد عن الجدوى الحقيقية من مثل هذه القمم، لا سيما إذا كانت تُعقد في بغداد.
تاريخيًا، لم يجنِ العراق من القمم العربية التي استضافها سوى الخيبات والمزيد من التوترات. ففي قمة 1978، التي جاءت عقب اتفاقيات كامب ديفيد، لعزل مصر، كان العراق في طور وحدة سياسية مع سوريا، لكن القمة أسفرت عن قطيعة طويلة معها بعد اتهامات بالتآمر، استمرت قرابة خمسة عشر عامًا. ثم جاءت قمة 1990 في بغداد، وقد كانت العلاقات آنذاك بين العراق والكويت في أوجها، قبل أن تنقلب الأمور رأسًا على عقب، ويجتاح العراق الكويت بعد أسابيع قليلة، مما جرّ عليه حربًا مدمرة وعزلة عربية ودولية.
وفي قمة 2012، وبعد غياب دام لأكثر من عقدين، أنفق العراق ما يقارب 500 مليون دولار لتأمين القمة، ولم يشارك فيها سوى عدد محدود من القادة العرب، فيما غابت النتائج الملموسة تمامًا. اقتصرت الفائدة على تغطية إعلامية قصيرة المدى، فيما ظلت العلاقات العراقية-الخليجية تراوح مكانها.
والأدهى من ذلك، أنه وبعد عامين فقط، وتحديدًا في 2014، اجتاح تنظيم داعش الإرهابي مساحات شاسعة من العراق، بدعم غير مباشر من بعض وسائل الإعلام العربي، وسط صمت رسمي وشعبي عربي، والعراق يذبح، بينما كانت الشعوب والحكومات تتفرّج بصمتٍ بارد، وكأن ما يحدث لا يعني أحدًا سواه.
أما اليوم، مع الحديث عن قمة جديدة في بغداد، فإن السؤال يفرض نفسه مجددًا: ما الفائدة؟
العراق يواجه تحديات داخلية وأخرى إقليمية، ولا يمتلك حتى اللحظة سياسة عربية خارجية موحدة أو استراتيجية متماسكة تترجم إلى نفوذ أو تأثير. الأجواء الإقليمية مشحونة، والمواقف متباينة إلى درجة تجعل من التوافق العربي مهمة شبه مستحيلة. بل إن مجرد جمع القادة في مكان واحد بات إنجازًا بروتوكوليًا لا أكثر.
في ظل هذا، تبدو القمة المزمع عقدها في بغداد أقرب إلى مهرجان دبلوماسي عابر، مكلف ماديًا وفقير في مخرجاته، يُضاف إلى سجل القمم السابقة التي لم تثمر للعراق سوى مزيد من العزلة أو الأعباء.
فهل نعيد تكرار المشهد نفسه، بآمال عالية ونتائج هزيلة؟ أم آن الأوان لمراجعة هذا النمط من الاستعراض السياسي المكلف؟
#حسن_صالح_الشنكالي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟