ندى مصطفى رستم
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 07:57
المحور:
الادب والفن
في زمن الخداع الجماعي، كانت البداية مزحة:
"بتروحي كم يوم وبترجعي."
جملة بريئة ظاهريًا، لكنها تحوّلت إلى مرسوم نفي مفتوح، وإلى غربة قسرية طالت حتى استقرت في تفاصيل الروح.
عشر سنوات مرّت، وأنا أعيش في منفى مؤقت تحوّل إلى واقع دائم. عشر سنوات من الاغتراب لم تكن مجرد وقت،
بل تاريخ جديد، كُتب بالدمع والحسرة. غادرتُ وطني وفي القلب شوق مؤجل، على أمل العودة حين تشرق شمس الحرية، ويزول الاستبداد. لكنّ شمس الوطن تأخرت كثيرًا، وخلفتني أواجه واقعًا باردًا، شمسًا لا تشبه دفء البلاد، وأرضًا لا تحمل ذات المعنى.
الغربة، في بعدها السياسي، ليست مجرد مسافة تُقطع أو لغة تُتعلّم، بل جرح مفتوح لا يلتئم. غُرّبنا لأننا طالبنا بأبسط حقوقنا: الكرامة، الحرية، والعدالة. لكنّ صوت "حرية" الذي صدح ببراءة، قوبل ببطشٍ ممنهج، وقمع دموي، ترك خلفه مآسي لا تُعدّ.
اليوم، وأنا في العقد السادس من عمري، لم يعد الانتظار مجرد فعل، بل أصبح هوية. أصبحتُ أعدّ السنوات كما تُعدّ الأحكام القضائية، وأحمل همّ الصحة لا لأعيش، بل لأصمد حتى أعود، حين يصبح الوطن قابلًا للحياة مجددًا، بعد أن يُحاكم الجلاد، وتُفتح ملفات الدم والدمار.
فرحتُ حين دقّ ناقوس هروب المجرم، لا لأنني صدّقت أنه نال عقابه، بل لأنني رأيت في الحدث خيط أمل رفيع. لكنّ الفرح بقي ناقصًا، مشوبًا بقلق، لأن العدالة لم تتحقق بعد، ولأنّ يدًا لم تُحاسب، وما زالت الضحايا تنتظر الاعتراف.
القضية ليست شخصية، بل إنسانية وسياسية بامتياز. أنا لست مجرد فرد نُفي، بل أمثّل جيلًا كُسر مرتين: مرة يوم اعتُقل حلمه، ومرة حين طال غيابه عن أرضه.
الغربة قاسية، لكنها ليست أقسى من فقدان الوطن. فالوطن ليس جغرافيا فقط، بل كرامة، وحق، وصوت لا يُكمم. وما زلت، رغم السنوات، أحمل إيماني بأن الحرية آتية، وبأن للظلم نهاية، حتى وإن طال الطريق. وحتى ذلك اليوم، سأبقى أكتب، أروي، وأتذكّر... لأنّ التوثيق مقاومة، والذاكرة وطن لا ينتزع.
#ندى_مصطفى_رستم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟