أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق جبار حسين - العشائر في العراق : بين ترسيخ الفوضى وإجهاض العدالة














المزيد.....

العشائر في العراق : بين ترسيخ الفوضى وإجهاض العدالة


صادق جبار حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 02:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لطالما شكلت العشائر في العراق جزءًا أساسيًا من البنية الاجتماعية حيث كانت وسيلة لحفظ الأمن والاستقرار في غياب الدولة. إلا أن ضعف القانون وتراجع هيبة الدولة أدى إلى انحراف بعض الممارسات العشائرية مما حولها إلى أدوات تُكرس الفساد والظلم الاجتماعي بدلًا من تحقيق العدل اليوم بات الفصل العشائري و"الدكات العشائرية" والقضايا العشائرية واستغلال الأعراف القبلية وسائل ابتزاز تُقوض سلطة القانون وتحرم المواطنين من العدالة الحقيقية .
يُروى أن شخصًا ألقى القبض على لص دخل بيته لسرقته فكان أمامه ثلاثة خيارات جميعها لا تحقق العدالة .
إذا ضرب الص وسلّمه إلى الشرطة ستأتي عشيرته تطالب بالفصل العشائري بسبب تعرضه للأذى .
إذا لم يضربه وسلّمه إلى الشرطة قد يدّعي اللص أنه كان متواعدًا مع امرأة من العائلة مما يجرّ مشكلة أخرى تُطيح بكرامة صاحب البيت.
وإذا لجأ إلى قتل اللص دفاعًا عن نفسه وعائلته وممتلكاته سيجد نفسه متورطًا في قضية قتل ، حيث يثور أقرباء السارق مطالبين بالقصاص رغم كونه مجرمًا.
أمام هذه الخيارات العبثية خلص صاحب البيت إلى نتيجة مأساوية مفادها أن أفضل ما يفعله عند الإمساك بلصّ هو أن يمنحه "مصروف جيب" ويطلق سراحه حتى يتجنب دوامة الابتزاز العشائري والقانوني .
حيث بات أحد أبرز مظاهر الانحراف في التقاليد العشائرية الحديثة هو استغلال " الفصل العشائري" لتحقيق مكاسب شخصية على حساب العدالة حيث في السابق كانت الأعراف العشائرية وسيلة لضبط النزاعات ومنع الفوضى لكنها تحولت اليوم إلى تجارة مربحة لشيوخ العشائر الذين يسعون وراء الأموال والنفوذ وليس تحقيق العدالة هؤلاء الشيوخ الذين يُطلق عليهم ساخرًا " شيوخ الثريد " أو شيوخ التسعينات لا يهتمون بمظالم الناس بقدر ما يبحثون عن تعويضات مادية حتى لو كان الجاني لصًا والمجني عليه صاحب حق .
في ظل هذا الواقع المأساوي الظالم أصبح القانون عاجزًا عن تطبيق سلطته لأن كل قضية جنائية قد تتحول إلى نزاع عشائري يستنزف الضحية بدلًا من إنصافه ، كذلك خوف رجال القانون من ضباط ومنتسبين من سطوة العشائر وخوفهم من تطبيق القانون خشية ان يتعارض مع مصالح بعض الشيوخ مما يجرهم ويضعهم في مواجهة مع شيوخ العشائر .
أكثر الفئات تضررًا من تنامي نفوذ العشائر هم رجال الشرطة الذين أصبحوا عاجزين عن تطبيق القانون في مواجهة سطوة العشائر وخشيتهم من ردود فعل شيوخها. فكثيرًا ما يتجنب الضباط تنفيذ أوامر القبض على أفراد ينتمون إلى عشائر قوية خوفًا من التعرض للانتقام عبر " الدكات العشائرية " أو الفصل العشائري .
في حادثة وقعت حاولت قوة أمنية اعتقال أحد المطلوبين في محافظة ميسان جنوب العراق لكن سرعان ما تحولت العملية إلى مواجهة مسلحة بعد تدخل عشيرة المطلوب التي لم تكتفِ بتهديد أفراد الشرطة بل هاجمت منزل الضابط المسؤول عن العملية بوابل من الرصاص مما دفعه إلى مغادرة المدينة مؤقتًا حفاظًا على حياته . هذه ليست حالة فردية بل باتت ظاهرة متكررة في العديد من المحافظات حيث يجد رجال الأمن أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: إما تطبيق القانون وتعريض أنفسهم للخطر أو غضّ الطرف لتجنب مواجهة العواقب العشائرية .
لم يقتصر نفوذ العشائر على تعطيل دور المؤسسات الأمنية بل امتد ليشمل حتى الصراعات السياسية حيث أصبح اللجوء إلى التحكيم العشائري وسيلة لحل الخلافات بين المسؤولين بدل الاحتكام إلى القضاء ففي إحدى الحوادث الشهيرة نشب خلاف بين نائبين في البرلمان العراقي بسبب تصريحات مسيئة وبدل اللجوء إلى المحاكم تدخل شيوخ عشائرهما لحل النزاع عبر " فصل عشائري" بلغت قيمته مئات الملايين من الدنانير هذه الحادثة تعكس مدى تغلغل الأعراف العشائرية حتى في الطبقات السياسية التي يُفترض أنها تُمثل سلطة الدولة لكنها في الواقع تخضع لنفوذ العشائر أكثر من خضوعها للقوانين الرسمية .
لم يعد استخدام العنف العشائري مقتصرًا على النزاعات التقليدية بل أصبح أداة ضغط وابتزاز تُمارسها بعض العشائر ضد الأفراد والتجار وحتى المؤسسات الحكومية ففي بغداد والبصرة وغيرهما من المدن كثيرًا ما تُهاجم منازل مسؤولين أو رجال أعمال بوابل من الرصاص أو القنابل الصوتية لإجبارهم على دفع "تعويضات عشائرية" غير مبررة وهو ما يُعرف محليًا بـ"الدكة العشائرية" لأسباب أكثرها تافهة كا شجار بين أطفال او نساء .
رغم تصنيف هذه الممارسات ضمن قانون مكافحة الإرهاب إلا أن تنفيذ العقوبات بحق مرتكبيها يظل محدودًا بسبب خوف الضباط والقضاة من العواقب العشائرية ففي إحدى الحالات أُلقي القبض على أفراد من عشيرة تورطوا في "دكة" ضد أحد التجار، لكن سرعان ما أُطلق سراحهم بعد ضغوط مارستها عشيرتهم ، مما يعكس مدى ضعف القانون أمام سلطة العشائر .
إن انتشار الفساد والظلم الاجتماعي في العراق لم يكن نتيجة ضعف القوانين بقدر ما كان بسبب هيمنة العشائر على مؤسسات الدولة ، مما جعل سلطة العرف العشائري تفوق سلطة القانون . طالما استمرت هذه الهيمنة ، سيبقى تطبيق العدالة رهينًا بمصالح الشيوخ وأعرافهم ، ولن يتحقق الإصلاح إلا إذا استعادت الدولة هيبتها ، وفرضت سلطة القانون فوق الجميع ، دون خوف من سطوة العشائر أو تهديداتها .
إما أن يكون العراق دولة يحكمها القانون ، أو أن يبقى بلدًا تتحكم به الأعراف العشائرية ، حيث يصبح الدفاع عن الحق جريمة ، ويُصبح المجرم هو صاحب اليد العليا .



#صادق_جبار_حسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم تعد الهند بلد العجائب بل العراق
- إيران ودورها في تجهيل عقول الشباب
- بوكا معهد أعداد الإرهابيين
- بلد الحضارات يحكمه القطاء
- فوضى مواقع التواصل الاجتماعي في العراق : فساد وانحدار القيم ...
- الارهابي الذي أصبح بطل
- جند السماء الفرصة التي ضاعت
- بين صدام والأسد : دكتاتورية صدام حسين وعائلة الأسد : مقارنة ...
- ماذا لو خرج المهدي المنتظر ؟
- ثمن سقوط الأسد
- رجال الدين وشيوخ العشائر السرطان الذي يجب أستئصاله قبل أي تغ ...
- حكومة العتاكة و بنات اليل
- يقاطعون الكنتاكي ويركبون التاهو: ازدواجية المقاطعة في العراق
- العمامة رمز الجهل والتخلف والظلم
- أقتحام البرلمان : مسرحية جديدة من تأليف وإخراج مقتدى الصدر
- ملابس منى زكي الداخلية أهم من معانات العرب
- الجيش العراقي ماضيًا عظيم و مستقبل مجهول
- العدالة العرجاء في العراق
- إنتهت مسرحية محرم في العراق
- هل الحشد حامي الأعراض ام مصالح ايران


المزيد.....




- شاهد دبابات ومدرعات قتالية تجوب شوارع واشنطن احتفالا بالذكرى ...
- لواء سابق بالجيش المصري: القصف الذي تعرضت له تل أبيب لم يحدث ...
- الجيش الإسرائيلي: تدمير منصات صاروخية ومنصات إطلاق صواريخ أر ...
- +++ إيران تشدد على -حقها في الدفاع عن النفس- وإسرائيل تتوقع ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي لنظيره الألماني: عمليتنا في إيران م ...
- فيتسو يصر على حل مشكلة توريد الغاز الروسي إلى الاتحاد الأورو ...
- ليبيا.. عدسة (RT) ترصد قافلة الصمود في بويرات الحسون بعد مغا ...
- جدل في منصات التواصل حول نشر البنتاغون لبوست مع العلم الروسي ...
- بوتين: أخضع لفحص طبي شامل سنويا
- الجيش الإسرائيلي يؤكد مهاجمة منشأة غاز جنوب إيران


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق جبار حسين - العشائر في العراق : بين ترسيخ الفوضى وإجهاض العدالة