أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة وجع بغداد .















المزيد.....

مقامة وجع بغداد .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8158 - 2024 / 11 / 11 - 18:31
المحور: الادب والفن
    


مقامة وجع بغداد :

يصرخ الشاعر عبد الزهرة السوداني : (( بغداد يا وجعي وكل خسارتي , باعوك رخصا والورى تتحير)) , وقد علق احد الأصدقاء قائلا : (( لو لم يحتو ديوانه ( غربة روح ) غير هذا البيت لصار جديرا بالقراءة )) , وبغداد هي التي أجمع المؤرخون والرحالة والبلدانيون على وصفها بأنها : (( أم الدنيا , وسيدة البلاد , وجنة الأرض , ومجمع المحاسن والطيبات , ومعدن الظرائف واللطائف , ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة وكبرا وعمارة , كثرة مياه , وصحة هواء , وبغداد التي قرأنا عنها في تاريخ البلدان لليعقوبي , ومقدمة تاريخ بغداد للخطيب البغدادي , ومعجم البلدان لياقوت الحموي , ومؤرخين ورحالة , اختصر الإمام الشافعي وصفهم لها بقوله مع رجل يحاوره: (( أدخلت بغداد؟ قال: لا, فأجابه الشافعي: لم تر الدنيا ولا الناس )) .

أيها الشاعر , ان قرأت شيئا عن شقاء النسور , فلا تسأل سوى عن تحليقها الذي لايعرف نهاية , او الذي لا يريد الا امتدادات كتابة جديدة للافاق , انها حكمة الفدائي الأبدية , ولو كان يتأمل وردة نازلة او صاعدة في البال , أيها الشاعر ما الذي رأَيتَ ؟ لمّا نَظَرتَ خلفَ كتِفِك , أشياؤُكَ الجَميلةُ لن تَلحَقَ بك , فادّخرْ شَهقاتِكَ , لمَوسمٍ آخر , ولا تَسَلني عن احمرارِ عَينَيّ , ذلكَ أدنى النَزف , من قلبٍ يَسحَلُ الخَفَقان.

((بَغْدَاد .. نَخْلَةُ دِيُورِيْت سَائِل عَثُوقُهَا بَضَّةٌ كَأَثْدَاءِ الْكَوَاعِب ..هِيَ الزَّوْراءُ .. كَانَت لِلْأَضْيَافِ وَالأَطْيَاف شَمْسُهَا أَبْرِيزُ مُزْعَفَر كَخَدِّ عَفْرَاءَ خَفْرَاءَ )) , وبغداد هي التي تناجيها لميعة عباس عمارة : ((ريحة تراب الدرب مرشوش عصرية , سهرة أحباب على شاطئ ودنيه گمرية , وفزة هلا بجية محب بلا ميعاد , وبغداد عمر الگضه والبعد ماينعاد , وعمر اليچي ويسوه لو وياك الي ميعاد )) .

انت مثلي لا تغريك عاطفة , ولا تروي عواصفك مهارات تقليدية عابرة , كل ما ينضج فيك سيمفونيات , لا تزحزحك عن قصيدة تسأل فيها عن الجوهري والهامشي خلف الفاظ تتبع موسيقى قلبك الى جبل هموم الصدر , اذ ليسَ في بغداد حِدأةٌ تُغنّي , فاللصوصُ الأوفياء لدينِ السَرِقة , جعَلوها تَجوع , في بَلدِ الفِئران , ويُبدّل هذا الهواء شهيقي بفحم , فأغفوا على حلم الهواء النقي , وان لا يكون امام بيتي قتلى صدفة , او دما امام قلبي صارخا بضميري .

أيها الشاعر اتذكر تلك الأغنية ؟ (( واوصل على بلادي , ويه اذان الفجر ,شكد حلوه بغدادي , مشتاق اطير ويه الهوى , واوصل على بلادي , ويه اذان الفجر, شكد حلوه بغدادي )) , ((بَغْدَاد .. سُرَّةُ خَاصِرَةِ الْمَعْمُورَةِ , الْيَوْمَ مَفْتُوقَة, وَلَحْمُ نَهْدِ الْحَضَارَةِ الْيَوْمَ تَعَفَّنَ , وَصَبَّارٌ شَحِيمٌ مَصْفَّحٌ لَاطَتْ بِهِ ألأنذال هِيَ بَغْدَاد .. أَسْتِيرُهَا مَرْدَخَايَ لِسَرِيرِ أَحْشُوَيْرُوش بَغْدَاد .. تَسَنَّهَتْ نَفْسُ سَراتِهَا تَفَسَّخَ هَوَاءُ أَضْرِحَتِهَا خَمَّ خَمْرُ خِمِّهَا )) ,

كانت بغداد ذات هيبة وحضور و اخلاق وقيم عالية, ونظام حافظ على هوية المجتمع الاخلاقية , وارسى قيمه مع كل ما قيل و يقال عنه صدقاً كان او كذباً, هذا هو العصر بلادنا ساومته في السوق فلم تربح سوى خسارتها , غازلت قوة الأشياء فيه فامتلأت صدور الحاكمين ضواء , فلعقنا سيفها كي نخفي عارها فذُبحنا مرتين , أبلاد هذه أم بقايا اساطير من الشرق القديم ؟ أم حدّ سكين مشى الحفاة عليها باسم الصداقة و الابوة والنيابة عن الرعايا ( الشعب ) الغشيم ؟

(( بَغْدَادُ قَمَرُهَا كَبِرْكَةِ حَلِيبٍ , انْقَشَطَتْ دَجَلَتُهَا دَهَالِكَ سَتْرِ الطَّيَّارَاتِ بَغْدَادُ مِسَلَّةٌ .. أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ دَانِيَةُ الْقُطُوفِ كَانَتْ هِيَ الْقَوْراءُ.. صَارَتْ لِلْأَشْبَاحِ لَا لِلْأَزْوَار دَرَسَتْ سَدَّتَهَا مَوْئِلَ سَادَتِهَا مِنْ حِينٍ أَكَلَ ثَوْرَهَا الْأَبْيَضُ سَقَطَتْ كَمِنسَأَةِ سُلَيْمَان و.. الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ , فَعَزَفَ عَنْ رُكْنِ أَبِي لَيْلَى طَوَّاسٍ جَامِعَهَا فَاخْتَلَطَتْ تَمَائِمُ عَيَّارِهَا وَعِمَائِمُ بَازَارِهَا وَالْفَسَاتِينُ وَالسِّلاَبُ وَاللَّقَايا وَالْأَسْلَابُ وَالأَذَانُ وَالرَّفَثُ بِالنَّفِير, ِالْيَوْمَ بَغْدَادُ حَنْظَلَتْ دَجَلَتُهَا , غَارَتْ وَنَفَقَتْ غَزَالَاتُهَا , لَا رَطَبَ مِنْ حَضْرَتِهَا يُجْنَى لَا مَأْمُورَةَ سَعَفَاتِهَا الصَّفِيح بَغْدَادُ نَخْلَةٌ لَا تَشْبَهُ النَّخْلَ تَحَجَّرَتْ مَا إِنْ انْحَنَتْ تَضْمُدُ رَأْسَ بَانِيَهَا )) .

كانت بغداد تكرم الادباء والفنانين والعلماء والمتفوقين و رجال الثقافة والاعلام , وتصنع جوّاً ثقافيا نشطاً وحراكاً ابداعياً كبيراً ما نزال نفتقد وجوده ولا نصل الى معشار مثله بعد عشرين سنة من الحكم الديمقراطي , كانت هنالك مهرجانات كبيرة مشرّفة رائعة التنظيم كثيفة الحضور عراقياً وعربياً و عالمياً كمّاً و نوعاً, حولت بغداد الى قبلةٍ ثقافية وابداعية يشار لها بالف بنان , وكنا نرى ونسمع دائما عن لقاءات المسؤولين بالشعراء والكتّاب والفنانين والاعلاميين و تكريمهم لهم واحتفائهم بهم , بل ان العديد منهم كانت تربطهم بهم صداقات شخصية ولهم عندهم حظوة وكلمة.

((بَغْدَاد ..هِيَ تَخْتَبِئُ فِي كَشْفَةِ وَادِي نَوَارَسٍ تَشْتَكِي أَرْجَاءَ نَسَمَاتِ الرُّوحِ مِنَ الذَّكْرَى مَسَاءَاتٌ فِي نَوَازِعَ التَّشَكُّلِ , أَقْمَارٌ مُسْتَعِدَّة وَآثَارٌ تَجْرِي كَالْهَمَسِ فِي ضَغَطَاتِ النَّبَاتِ عَلَى شَرَائِطِ الْخَيْمَةِ , يَسْكُنُهَا الشَّوقُ تَصْمُدُ حَتَّى يُبَارِكَ مَا أَقَامَتْهُ فِي دُورَةِ مَسَاءٍ بَازِغَةٍ تَفِيضُ , هَا هِيَ تَخْلُو إِلَى مَصَابٍ مُتَشَابِكَةٍ , وَحَصَائِدَ نُورٍ تُنَارُ )) .

بغداد , زادها الاحتلال الامريكي خراباً, وسلمها بايدي اقل ما يقال عنها جاهلة بأدارة بلد وبتطوره, وتحسين حياة ناسه , مع انه بلد يعد من ذوات الغنى والثروات الطبيعية والبشرية ايضاً, ولكنه ترك في حالة فوضى ضاربة , شجعت الاطماع الدولية شرقاً وغرباً , مسنودة بالعامل الداخلي الذي بيده السلطة على الفرهود المقنن , حيث وجد الفاسقون فرصتهم , مبهورون بحياتهم الخاصة , منتشون بكأس السلطة لما وفرته لهم من جبال ثروات , وسهول رخص شراء نفوذ متوج بعلة ضعف المعارضة, التي خوى بعضها للاسف منهكاً من جراء سياسة العصا و الجزرة , كحاصل طغيان فساد شرس ممثلاً بنظام المحاصصة المقيت.

(( بَغْدَادُ .. مَرْبَطُ أَفْرَاسِ عُلُوجِ الْعَجَمِ وَالْمَغُولِ وَالْيَانْكِي , مَاذَا خَارَجَ الْخَيْزُرَانُ وَقُرَيْشٌ غَيْرَ بَابِ الشَّيْخِ تَزْكُمُ الأَنْفَاسُ مُحَارِقَهَا , وَأَعْطَانُ بَسْتَانِ الْخَسِّ وَإِصْطَبلَاتِ اللَّامِي , أَيْنَ الْجَوَاسِقُ وَالْمَقَاصِفُ وَقِيَانُ كُلُّوَاذٍ وَطَاسَاتُ الْقُطُرْبَلِي ؟ بَغْدَادُ .. (إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ) بَغْدَادُ ..الْجَرْدَاقُ وَالدَّنَانُ ذَهَبَتْ وَأَهْلُهَا ذَهَبُوا , (سَكِرَتْ جَرَذَانُهَا فَمَشَتْ فَوْقَ شَوَارِبِ الْبَزَّازِينَ) بَغْدَادُ ..الْيَوْمَ خَالِيَةٌ مِنَ الْبُزَاةِ فَتَوَهَّمَتْ فِيهَا الزَّرَازِيرُ أَنَّهَا صَارَتْ شَوَاهِينَا )) .

أيها الشاعر هلا صحت كما صاح مصطفى جمال الدين :
(( بغداد ما اشتبكت عليكِ الاعصرُ إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ
مرّت بك الدنيا وصبحك مشمسٌ ودجت عليك ووجه ليلك مقمرُ
وقست عليك الحادثات فراعها ان احتمالك من أذاها اكبرُ
حتى اذا جُنت سياط عذابها راحت مواقعها الكريمة تسخرُ
فكأن كِبركِ اذ يسومك تيمرٌ عنتاً – دلالُك اذ يضمك جعفرُ
وكأن نومك اذ اصيلك هامدٌ سِنةٌ على الصبح المرفه تخطرُ )) .

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة ذاكرة الخشب .
- مقامة امنيات مظفر الثلاث .
- المقامة المتشائمة .
- مقامة الخيبة ونسيانها .
- مقامة النقاء .
- مقامة الحضن الدافيء .
- مقامة التسامي .
- مقامة الردود المفحمة .
- مقامة الثرثرة .
- مقامة الرفوف والقيود .
- مقامة الجدل .
- مقامة الأنجذاب الروحي .
- مقامة الكذب .
- مقامة المطر .
- مقامة العقل .
- مقامة الشر .
- مقامة الشماتة .
- مقامة الثقافة .
- مقامة اللاجدوى .
- مقامة السدى .


المزيد.....




- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة وجع بغداد .