أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الثرثرة .














المزيد.....

مقامة الثرثرة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8148 - 2024 / 11 / 1 - 12:15
المحور: الادب والفن
    


مقامة الثرثرة :

بين العقل والثرثرة علاقة عكسية , فكلما كان العقل صغيراً أصبحت الثرثرة كثيرة , وكلما كان العقل كبيراً أصبح الصمت أبلغ وأرقى , والاقتصاد في الكلام قوة , ولأبن عربي قول ورد فيه : (( كلما وسعت الرؤية ضاقت العبارة )) , اذ ان كثير المعرفة قليل الكلام , وكثير الكلام قليل المعرفة , والكلمات دون أفكار قلما ترتفع إلى فوق , ومن يتكلم بالكلمة ملكته , وإن لم يتكلم بها ملكها.

يقول الأمام الشافعي :
(( قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم ..... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ..... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ..... والكلب يخشى لعمري وهو نباح)) , ان الكلام كالدواء قليله ينفع و كثيره قاتل , فمن أطال الحديث فيما لا ينبغي فقد عرض نفسه للملامة , وقلوب الحمقى في أفواههم بينما أفواه الحكماء في قلوبهم , حيث ان ضربة الكلمة أقوى من ضربة السيف , فمن تكلم بما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه.

اللسان ليس له عظام لكنه يقتل , فهو رصاص قاتل , وقد خلق للإنسان لساناً واحداً وأذنين , لكي يسمع أكثر مما يتكلم , ومن الخير أن تزل قدم الإنسان بدلاً من لسانه , فكثرة الكلام تضيع الهيبة , وتظهر المتحدث أقل عزماً , وحتى الكلام التافه سيبدو أكثر وقاراً إن كان مقتضبا ًوغير محدد ومفتوحاً على كل التفسيرات , وكلما كثر الكلام يزيد احتمال قول أشيائاً تافهة أو غبية .

الصمت يجهد الآخرين لأن الاقتصاد في الكلام قوة , والتقليل من الكلام جَهْلٌ لمقاصدك , ويعطي الشخص جلالاً وهيبة , وربما يرهب الصمت من حولك ويخضعهم لك , والصمت وسيلة معرفية للحقيقة , ووسيلة علاجية يخلص الإنسان من القلق والتوتر في الحياة .

في عام ١٨٢٥ م اعتلى نيقولاس الأول عرش روسيا , واندلع تمرد يقوده الليبراليون يطالبون بتحديث روسيا لتلحق مؤسساتها المدنية والصناعية بباقي اوروبا , سحق نيقولاس التمرد المعروف (( بثورة الديسمبريين )) بوحشية , وحكم بالإعدام على احد قادة الليبراليين هو ( كوندراي ريلييف ) , وفي يوم الإعدام وقف ريلييف على خشبة الإعدام والحبل ملتف حول عنقه , وانفتحت خشبة الإعدام وتدلى ريلييف لكن لحظتها انقطع الحبل وأسقطه على الأرض , في ذلك الزمن كانت أحداث من هذا النوع تعني تدخل العناية الإلهية , وكانت العادة أن يتم العفو عن الشخص الذي نجا بهذه الطريقة , حين وقف ريلييف على قدميه مجروحاً ومتسخاً لكن واثقاً من نجاته قال في الجموع : (( أرأيتم أن روسيا لا تقدر أن تصنع شيئاً جيداً حتى الحبال )) , وصلت الرسالة بسرعة الى قصر الشتاء وأخبر القيصر بفشل عملية الشنق , فاغتاظ من هذه المفاجأة , ولكنه بدأ في توقيع العفو لكن فجأة توقف وسأل : (( هل قال ريلييف شيئاً بعد المعجزة التي حدثت؟ )) , فأجاب الرسول نعم : لقد قال إن روسيا لا يعرفون أن يصنعوا شيئاً حتى الحبال , حين سمع القيصر ذلك قال : ((عندئد علينا أن نثبت له عكس ما يقول )) , ومزّق العفو , وفي اليوم التالي أُعيد شنق ريلييف وفي هذه المرة لم ينقطع الحبل , ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني .

قالت العرب ( لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك) , ومن كثر هذره كثر خطاؤه , كما يقال الملافظ سعد , أمثال شعبية متداولة تؤكد لنا أن الكلمة التي ينطقها الانسان إما أن تصون كرامة الإنسان , وتنشر قيم التسامح والود بالمجتمع , وإما تكون قنبلة موقوتة تدمر الأخضر واليابس , وتهدم سلامة المجتمعات بما تحمله من قسوة لاذعة ولما كان الحُمق يُعْدِي , فقد قرأنا ان الأحنف بن قيس أمير تميم والملقب بحليم العرب يقول : (( إني لأجالس الأحمق ساعة فأتبين ذلك في عقلي , ولعلك تبينته في عقلك يومًا من الدهر , أو أصابك ولم تتبينه , وما أكثر من يصيبهم الحمق ولا يتبينون )) , وقد حدث مع الأحنف بن قيس ان جاءه أعرابي فلطم الأحنف في وجهه , فقال له الأحنف : لم لطمتني ؟ فقال له: أعطاني بعض الناس مالا , وطلبوا مني أن ألطم سيد تميم على وجهه , فقال له الأحنف : لقد أخطأت , لست سيد تميم , وإنما سيدهم هو حارثة بن قدامة , وكان حارثة رجلا غضوبا , لا يسكت على ضيم , ولا يحلم على جاهل , فجاء الأعرابي فلطم حارثة , فاستل حارثة سيفه وضربه على يده فقطعها , وما أراد الأحنف إلا هذا , فليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الرفوف والقيود .
- مقامة الجدل .
- مقامة الأنجذاب الروحي .
- مقامة الكذب .
- مقامة المطر .
- مقامة العقل .
- مقامة الشر .
- مقامة الشماتة .
- مقامة الثقافة .
- مقامة اللاجدوى .
- مقامة السدى .
- مقامة الشجن .
- مقامة التنوير و التعدد .
- مقامة الوعر .
- مقامة لن أنجو .
- مقامة النوى .
- مقامة لبنان .
- مقامة بيبي .
- مقامة الرقية .
- مقامة الشتيمة .


المزيد.....




- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...
- الممثل عادل درويش ضيف حكايتي مع السويد
- صاحب موسيقى فيلم -مهمة مستحيلة- لالو شيفرين : جسد يغيب وإبدا ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الثرثرة .