تأثيل كلمة «سِكّين»

محمد علي عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 8150 - 2024 / 11 / 3 - 22:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

هل كلمة «السِّكّين» العربية جاءت من اللاتينية («سيكا» «sica») التي تعني : «الـخَِـنجر»، والتي جاءت منها تسمية «السيكاري» («حَمَلة الخناجر») وهي حركة اليهود الغيورين الَأحامِس («الزيلوت») المتطرّفين التي قادها يهوذا الجليلي اليهودي في القرن الأول الميلادي ضِدَّ الحكم الروماني؟

لا يبدو أصلُ «السِّكِّين» من الفعل العربي «سَكَنَ» [بمعنى : «هَدَأَ» و«جَمَدَ» و«ثَبَتَ» و«لَمْ يتحَرَّك»] لضعف الارتباط الدلالي بينهما ولأن الوزن «فِـعِّـيـل» عربيًا يُستخدم للتكثير (كَـ«سِكِّير»، و«خِمِّير»، و«قِدِّيس»، و«لِعِّيب» [كثير اللَّعِب]، و«صِدِّيق» [كثير الصِّدق أو التصديق]، و«جِلِّيس» [كثير الجلوس]، و«تِعِّيب» [كثير التَّعَب من العَمَل]، و«شِغِِّيل» [كثير الشُّغل]، و«حِرِّيف» [حادّ الطعم]، و«عِنِّين» [كثير «العُنَّة» وهي عجز الجِـماع)، و«سِمِّيع» [كثير السماع ومُرهَف الأُذُن للموسيقا]، و«شِرِّير» [كثير ارتكاب الشَّرّ]، و«ضِرِّيب» [كثير الضَّرب وربّما الشُّرب كقولنا في الدارجة المشرقية : «ضِرِّيب بوكس» و«ضِرِّيب كاس»]، و«شِرِّيب» [كثير الشُّرب، كقولنا : «شِرِّيب عَرَق» و«شِرِّيب مَتِّة»]، إلخ.

ولذلك يُرجّح أيضًا أن كلمة «بِطّيخ» ليست عربية الأصل لأنها ليست صيغة مبالغة. وربما صيغة «فِعِّيل» هي أساسًا مبالغة سريانية كما في «دِلِّـيل» أي «غير كثيف» (عكس «عَبي» [كثيف]) في العامية السورية.

فمن غير المرجَّح إِذَنْ أنَّ «السِّكِّين» تكثير للسَّكَن بمعنى «الهدوء» و«الثبات» و«تَوَقُّف الحَرَكة». ولا بُدَّ من البحث عن جَذر آخر يَدُلُّ على إحدَى وظائف «السِّكِّين» وصِفاتها. إِذْ ينبغي وجود رابط دلالي وصوتي بين الكلمة وجذرِها.

فبحسب معجم الدوحة التاريخي، يشير الجذر «سَكَنَ» في الأكادية والأوغاريتية والفينيقية والعِبرية والسريانية إلى المعاني الأساسية التالية : «سَكَنَ» و«إقامَ» و«وَضَعَ» وَ«وَظَّفَ» و«وَزَّعَ» و«رَهَنَ» و«مَنَحَ» و«أَورَثَ»… فلا رابط إِذَنْ بين أداة «السِّكِّين» والسَّكينة والهدوء والإقامة والتوزيع والرهن والمنح والتوريث.

لقد وَردَتْ كلمةُ «سِكِّيـن» بمعنى «الخَِنجر» [أداة القطع الحادّة] أو «الـمُدْيَة» [الشَّفْرة الكبيرة] في الـمَهرية بلفظ «سْكَايْن» وفي الحَرسوسية بلفظ «سْكِيْـن». ولكنْ لا نعرف أصلَها.

وتمتلك اليونانية كلمةً قريبة من «سِكِّين» باللفظ والمعنى وهي «سِيكِينِي» (συκινη) والتي تعني «سَيف» (قائمة مصطلحات هسيخيوس Lexicon of Hesychius). ولا نعرف أصلَها.

وقد استَخدَمَتِ التوراةُ أداةَ «السِّكِّين» ( סַכִּין) واستخدَمَها القرآنُ أيضًا («وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا» [يوسُف، 31]). ولكنَّ هذه الأداةَ وَرَدَتْ في العهد القديم بلفظة «ماخِيلِيت» (מַּאֲכֶלֶת) («ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ» [ سفر التكوين (בְּרֵאשִׁית) 22 : 10)؛ كما وردَتْ هذه الأداةُ بلفظة «سَكّين» (שַׂכִּ֣ין) في سِفر الأمثال 23 : 2. («وَضَعْ سِكِّينًا لِحَنْجَرَتِكَ إِنْ كُنْتَ شَرِهًا.»)

يقترح الصديق العزيز نضال رُستم أن «السِّكّين» قد تكون مشتقَّة من الجذر السرياني (سُك ܣܟ) بمعنى : «انتهى»، وَ«بَلَغَ»، وَ«وَصَلَ»، وَ«تَـحَدَّدَ»، وَ«حَدَّدَ»…

وربَّما يُقابِلُ هذا الجذرُ السرياني (سُك ܣܟ) الكلمةَ العِبريةَ «سِخ/سِك שֵׂךְ) بمعنى : «وَتَد حادّ» أو «شَوكة». وقد يقابلُه في العربية الجذرُ «شَكَّ» بمعنى : «غَرَزَ» و«وَخَزَ» و«خَزَقَ» [«أَصاب» و«نَفَذَ»] و«انتظمَ» [«طَعَنَ»] وَ«أَصابَ» وَ«التَصَقَ» (برِمحٍ أو سِلاح) ومِنهُ «الشِّكَّة» بمعنى : «السِّلاح الذي يُحمَل أو يُلبَس».

يبدو أنَّ الرابط الدلالي والصوتي قويٌّ بين «السِّكّين» وبين الجذور «سُك ܣܟ / سِخ שֵׂךְ / شَكَّ» التي تُفيد الإصابة بشيء حادّ [«بَلَغَ» وَ«أصابَ» و«حَدَّدَ» / «وَتَدٌ حادّ» وَ«شَوكة» / «غَرَزَ» و«وَخَزَ»].

#محمد_علي_عبد_الجليل (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل