أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سارة سامي - أنا ومدينتي














المزيد.....

أنا ومدينتي


سارة سامي
كاتبة وشاعرة عراقية


الحوار المتمدن-العدد: 8150 - 2024 / 11 / 3 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


هذه المدينةُ تعرفُني. تميزُّ ملامح أيّامي وتفاصيل ثيابي وتُومِئُ بوجهها لي في كلِّ مرةٍ أطرقُ أبوابها طالبةً كوباً من القهوة.
تستضيفني على مصطباتها وترَّحِبُ بي فوق موائدها.
ما أُحبُهُ بها، أنَّها تمارسُ دور الأم معي، في الوقت الذي يتنصل منه الجميع.
لقد كانت مدينةً صغيرة حين جئتها مستوطنةً قبل عقدين. أناسها قلائل وطرقاتها ضيِّقة. ولم تكن تجتذبُ اليها أحد.

فهي ضاحيةٌ هادئة من الجزء الشمالي الغربي من العاصمة.
لكنَّها كبرت وإزدهرت وطوُلَتْ عماراتها و إستقامتْ مبانيها. فجاءها عددٌ غفير من القاطنين الجدد. وقد جلبوا معهم صغارهم وكلابهم وقططهم، فلم تعد الشوارعُ تكفينا حين نستطرقها. و لم تعد المدارسُ ورياضُ الأطفال تتسعُ لهذا العدد الكبير من الصغار وفوضاهم .
حتى شيّدوا مبنىً جديداً ليكون روضتهم الجديدة ودعونا لإفتتاحه. ولأن المدينة أمٌ حنون تجمعُ أولادها فقد جمعتنا لحفلٍ كبير وخولتنا جميعاً بتسميةِ المبنى الصغير الجديد، كمن يُكلِّفُ الإخوة الكبار بإختيار اسمٍ لشقيقهم حديث الولادة.
وكان للإسم الفائز جائزةٌ نقدية.
لا أعرفُ لماذا اقترحتُ تسميتة المبنى ب "الزرافة القصيرة"، ربما لأعبث معهم واكون كعادتي ساخرةً ومازحةً في اكثر المواقف جدية.
فالجدية تقتلني. لا أحبُّها ولن تجعلني يوماً ارضخُ لها.

لقد فاز الإسمُ الَّذي يحملُ إسمَ الشّارعِ الذي تقعُ به الروضة، فأسموها على اسمه. اختيارٌ كان يمكن "لعمود الشارع" ان يختاره فهو اسمٌ بليدٌ وبائسٌ ومطروق!
فما الغايةُ من جمعنا إذن، إن كان الخيارُ "للشارع" بنهاية المطاف!
لكن السيدة التي فازت قررت أن تستخدم الجائزة لإستئجار مهرجٍ ينفخُ البالونات الملونة لأطفال المدينة، مما جعلني اغفرُ لها بلادتها وذوقها الكئيب.

مدينتي والخريف صديقانِ حميمان. فهو يستحمُّ على طرقاتها مرةً في العام بلا إستئذان. فتُناولهُ المنشفة دون أن تنبُس ببنت شفَّة.
تاركةً له الباب والجلباب، فلا يكترث.

أحبُّ في الخريف تمرُّدهُ على المدينة..
تآمره مع الرِّيح على خلقِ اكبر مساحةٍ للفوضى. إنَّه يُزعبقُ ويُزبِّل كطفلٍ مُشاغب ولا أحد يجرؤُ على ان يقول له لا. فمنذ أن حلَّ ومدينتي تكنسهُ عن الطرقات بلا جدوى. إنَّه ينفثُ صبغته وينثرُ قِشرته ويُصرُّ على أن يمازحها بأكثر اللحظات جدية.
وتمردهُ هذا يشبهني. فأنا حين يبردُ الكون من حولي انفضُ اوراقي عنِّي، تاركة ً يباس أغصاني ليُجابه قسوة الجوّ.
فأحاربَ القسوة بالقسوة، واليباس باليباس. ولا أتوانى عن زعبقةِ المدينة وقلبها إن تطلَّب الأمر.


إنَّها في النهاية أمي..
وأمي تغفر لي.



#سارة_سامي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل الرحيل.
- تأملات في الدين والسياسة - الإسلام
- عبرة
- تأملات في الدين والسياسة - العروبة
- عائشة وفاطمة
- خمسون حب
- ثوب وبنطال
- بطاقةٌ موحَّدة
- لقد سرقوا منَّا الخريف
- لو بقي العراق مملكة
- حبّْ وقبَّان
- لكلِّ يومٍ خريف
- رحيل
- تليُّف
- أنتِ هلاله
- الحصان الأزرق
- نيسان الكاذب
- مغناطيسية عطر


المزيد.....




- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...
- فيلم -ساحر الكرملين-...الممثل البريطاني جود لو لم يخشَ -عواق ...
- معبر رفح بين الرواية المصرية الرسمية والاتهامات الحقوقية: قر ...
- رواية -رجل تتعقّبه الغربان- ليوسف المحيميد: جدليّة الفرد وال ...
- وحش الطفولة الذي تحوّل إلى فيلم العمر.. ديل تورو يُطلق -فران ...
- جود لو يجسّد شخصية بوتين.. عرض فيلم -ساحر الكرملين- في فينيس ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سارة سامي - أنا ومدينتي