أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - طاولة ونافذة














المزيد.....

طاولة ونافذة


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8011 - 2024 / 6 / 17 - 11:04
المحور: الادب والفن
    


هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها إلى هذا المطعم.
لقد سمع عن وجباته اللذيذة و خدمته التي أشاد بها كل من ارتاده من أصدقائه. عزم خوض التجربة بناءً على آرائهم و اعتمادًا على ثقته بهم. الآن وجد ميزة جديدة جعلته يتأكد في أنه لن يندم على اختياره.
اللوحات المعلقة على الجدران البيضاء و أصص النباتات التي زينت بها زوايا المكان، والموسيقا الهادئة التي تبث لحنًا غربيًا، هذه الأشياء فجرت داخله إحساسًا مثيرًا ونادرًا للغاية.
وقف وسط المطعم محتارًا كعادته، يبحث عن مكان مناسب. فكر في طلب المساعدة من النادل، إلا إن سماع اسمه من أحدهم جعله يلتفت.
الصوت قادم من شخص يجلس على طاولة قرب النافذة، أنه زميل له كان في الجامعة.
شعر بلمسات برد لذيذة و منعشة تسللت إليه من النافذة الكبيرة، حلقت به لأيام الدراسة الرائعة حينما تبادلا ذكريات تلك الأيام.
حسد في سره الصديق على حسن الانتقاء، وتمنى لو أن له تلك المقدرة على رصد الأشياء الجميلة دون الوقوع في الحيرة والتردد.
تنفس الصعداء بعد تركه أمر أختيار وجبة الطعام لهذا الصديق عندما أبدى حيرته إزاء الأصناف الكثيرة التي في القائمة.
- هل تزوجت؟
بدا كحديقة متساقطة الأوراق وقت الخريف. سؤال الصديق غير ألوانه، بث في داخله رغبة للهرب ليرسم ابتسامة تهكم، وعيناه تقول: ليتني لم أفعل!
- نعم. تزوجت.
- وكيف هي زوجتك؟ هل ما زالت جميلة كما كانت أيام الجامعة؟
السؤال الثاني كان كالرصاصة التي يتلقاها حصان هزيل يترنح بينما العالم ماثل أمامه.
- تزوجت من إحدى قريبات أمي، فتاة طيبة نالت موافقة الجميع.
استدار نحو النافذة، تقافزت الذكريات أمامه وطوفان من أفكار عادت من بعيد اعتراه.
الصمت الذي ساد بينهما، منحه وقتًا لاسترداد أنفاسه.
ذكرى حبيبته تمنح الضباب سببًا ليهبط، فيرى نفسه على حقيقتها. أحرق بيده الحب داخل قلبه، فتمكن البرد من عظامه، فالحب المحترق لا يدفئ، بل يمنح مزيدًا من الرماد.
حانت منه التفاتة ثانية صوب النافذة، ثمة قط مختبئ خلف شجرة.
- لا بأس.
بهذه الكلمة ختم الصديق حديث الشجون، قبل أن يضع في فمه قطعة لحم، ليعرض عليه العمل معه.
ظل يحدق في طبق الطعام أمامه قائلًا بعد هنيهة:
- أنا لا أعمل في الهندسة!
- كيف ذلك؟ ألم نتخرج معًا في نفس القسم؟!
شعر بالأسى ينبعث من صلب الكلمات المحترقة في جوفه.
- والدي ارتأى العمل معه، لم يترك لي خيارًا آخر.
الصمت هذه المرة كان متفقًا عليه من الاثنين. شعرا بالأرض قد امتلأت بالكلمات المتساقطة التي لا طائل منها.
- كيف وجدت الطعام؟
أدرك أن هذا السؤال ما هو إلا محاولة من الصديق للخروج من النفق الذي دخلا فيه دون رغبتهما، وحين لم يجب على السؤال، عاود الصديق سؤاله:
- كيف تمضي وقتك؟
- أعصره بين أسناني!
قالها كمن يحدث نفسه.
نظر إلى أقفاص العصافير التي وضعت عند المدخل، شعر كأنها مرآة تعكس حياته، لا تستخدم إلا لتزيين المكان وإشاعة روح السلام لمن ينظر إليها، وهذا هو أكبر إنجاز لها.
- هل ما زالت لوحاتك زاهية الألوان؟ كنت رسامًا بارعًا! لطالما حلمت بإقامة معرض للوحاتك.
- لم أعد أحلم بشيء.
شبك الصديق كفيه قرب ذقنه ليقول بعد إطلاقه لتنهيدة قصيرة:
- يا صديقي، الواقع يرسم لك الحدود بينما الأحلام تمنحك الأجنحة، لقد أغلقت عليك بابًا من أبواب الحياة!
شعر كأنه يلاحق القطارات، وعند كل محطة يبدأ بالترنح حين يشعر بأن هذه المدينة ليست هي التي يروم المكوث فيها.
- لم أكن أملك زمام الأمور. كان عليّ اختيار ما يناسبني.
- والحرية يا صديقي خيار من تلك الخيارات.
بينما أخذ يفكر بكلمات الصديق، راحت عيناه تحدقان بما وراء النافذة .



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفر .. ثلاثة
- صباح كهرماني
- شاي بنكهة النعناع
- قراءة نقدية في المجموعة القصصية ( الوشاح الأحمر ) للكاتبة فو ...
- سيدة الشمس
- زوج الكلبة
- رسالة امرأة غير صالحة للنشر
- زهرة الكالا البرية
- خالتي نرجس
- درج خشبي
- مَنْ أنت في أي علاقة؟
- حنين العودة
- حلم غاف
- حكاية قبل النوم
- حديث قبل الفطور
- حروف بخط اليد
- حدث في العاشرة مساءً
- قصائد متفرقة
- جلست أحتسي فقري
- بيرة بالليمون


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - طاولة ونافذة