أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة نخلتي حلوان .














المزيد.....

مقامة نخلتي حلوان .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 7980 - 2024 / 5 / 17 - 20:15
المحور: الادب والفن
    


لاأدري كيف جاءت قصة نخلتي حلوان في مجلسنا ألأسبوعي هذا اليوم , ولكن اذكر ان الموضوع تفرع عن حديث مسهب عن مندلي , وحلوان تبعد عن حدود مندلي حوالي 70 كم شرقا داخل الأراضي الأيرانية, يمر بها ثم سربيل زهاب طريق الحريرالشهير , وقد كانت سابقا ضمن أراضي العراق الى ان تنازل عنها الباب العالي في الدولة العثمانية الى دولة الصفويين في تسوية ماوراء حربهما .

وقد اسهبنا في الحديث عن نخلتين عجيبتين متجاورتين تكادا تتعانقان ,بسقتا في ناحية متواضعة بحلوان (في آخر سواد العراق) , ,وقد لبثتا حيناً من الدهر يمر بهما الناس في الغدو والرواح , فلا يسترعيان انتباه إنسان , حتى نزل بهما مطيع بن إياس الليثي , وكان شاعراً متمكناً يسلك بقريضه فجاجاً متشعبة, فتحدث عنهما حديثاً جازت به الركاب, وتناقله الرواة فتسامع به الوزراء والخلفاء, وقد ضرب الدهر ضرباته بالنخلتين فطواهما في عنف عن الوجود منذ ألف ومائتي عام, ليبقى حديثهما في الشعر معطراً بعبير الخلود.

ويحكى ان الشاعر مطيع بن إياس كان قد قال أبياتاً في جارة له أحبها في الري , ثم اضطر الى مفارقتها , فلما كان في طريقه مر بعقبة حلوان , فجلس يستريح إلى نخلتين هناك وذكر صاحبته فقال :
(( أسعِداني يا نخلتي حلوان ** وابكيا لي من رَيبِ هذا الزمانِ
واعلما أن رَيبهُ لم يزل يفْـ ** ـرُقُ بين الأُلافِ والجيرانِ
ولعمري لو ذقتما ألم الفر ** قةِ أبكاكما الذي أبكاني
أسعِدَاني وأيقِنا أنّ نحساً ** سوف يلقاكُما فتفترقانِ)) , وقد جعلت هذه الأبيات لنخلتي حلوان تاريخاً وذكرى بين الأدباء والشعراء, وقد ورد عن طه حسين في (حديث الأربعاء) : ان المنصور أراد أن يقطعهما, فلما أنشد هذا الشعر كره أن يكون النحس الذي يفرق بينهما, وأراد المهدي أن يقطعهما, فنهاه المنصور عن ذلك, وعندما مر الرشيد بحلوان وهو ذاهب إلى طوس, هاج به الدم , ووصف له الطبيب جُمّاراً, فلما سئل الدهقان أشار إلى النخلتين, ولم تكن في حلوان غيرهما, فقطعت إحداهما, ثم مر الرشيد بالأخرى, فرأى عليها هذه الأبيات, فندم وقال: لو علمت أن هذه الأبيات قيلت في هاتين النخلتين ما عرضت لهما, ولو قتلني الدم.

كانت حياة اللهو والمرح قد غمرت مطيعاً بمباهجها الفاتنة, فاصطحب الخلعاء, ونادم الظرفاء, وتحفز إلى أسراب الكعاب يسارقهن البسمات, ويخالسهن الصبوات, غير أن الدهر لم يفلته من كيده, فقد أوقعه في غرام جارية فاتنة تحت يده, فملكت عليه فؤاده وتخطفت أزمة رشاده, ثم حزبه الخطب الملم , فاضطر إلى بيعها اضطراراً, وهام في الآفاق على وجهه فقذفت به النوى إلى حلوان , ثم برح به الشوق إلى حسنائه, واشتعل الحنين في أحشائه فنظر فيما حوله ذات اليمين وذات الشمال فرأى عن كثب نخلتين متجاورتين ترتفعان في الأفق إلى مدى شاهق, وقد هبت بهما رياح منعشة, فرنحت عطفيهما, وحاولت أن تضمها ضماً يبرد الغلة وينقع الشوق, فاشتبكت فروعهما السامقة في أجواز الفضاء وقتاً غير قصير.

ذلك المنظر العاطفي الأخاذ, عصف بالشاعر عصفاً عنيفاً, فتذكر ملاعب الصبوات, وعهود المسرات, وحسد النبات على التئام شمله, واكتمال صفائه, وكأنه تصور للنخلتين آذاناً تسمع وعقولاً تفهم , فأخذ يحدثهما بضربات الدهر, وفتكات الأيام , ثم استشهد بنفسه على صحة ما ادعاه, فذكر جاريته الحسناء وكيف كانت تذهب شجونه وتسري همه, غير أن الزمان لا يبقى على أنس, فاستل روحه من جسمه, ووقف له بالمرصاد أنى سار وهو لا بد سيقف للنخلتين موقفه منه, فتبدلان وحشة بعد أنس, وتناءيا غب لقاء, وهكذا يتشاءم الشاعر تشاؤماً يرفه عن خاطره, ويبرد من لوعته, وفي النفوس من يلحقها الألم الممض فتشتعل من الغيظ اشتعالاً, ولقد علل مطيع نفسه بما سيلحق النخلتين - قبل وقوعه - فبردت جوانحه وطفق يصف شجونه المتحاربة, إذ يقول:
((أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من ريب هذا الزمان
أسعداني وأيقنا أن نخساً ... سوف يأتيكما فتفترقان
ولعمري لو ذقتما ألم الفر ... قة أبكاكما الذي أبكاني
كم رمتني صروف هذي الليالي ... بفراق الأحباب والخلان
جارة لي بالري تذهب همي ... ويسري دنوها أحزاني
وبرغمي أن أصبحت لا تراها العين مني وأصبحت لا تراني )) , وإذن فقد روح الشاعر عن نفسه ,وكأن النخلتين قوة أصاختا لشعره فأسعدتاه بما يريد, أو هكذا تخيل ذلك, فخف إلى بغداد بارد الصدر, وقابل صديقه حماداً فأسمعه ما قال في النخلتين من الشعر, وعبر عن سروره بما تخيله من الإسعاد والعون.

وتمضي الأيام في سيرها الرتيب فتميل على قوم بالرفاهية والأمن, وتلهب آخرين بسياطها الملتهبة, فتصهر الأفئدة, وتحرق الجلود, ومنهم حماد صاحب مطيع, فقد ثارت به عاصفة هوجاء كادت تطيح بحياته, فتذكر شعر صاحبه, وخف إلى سدرتين مائلتين بقصر شيرين, وهو يظن كل الظن أنهما ستسعدانه, وستمثلانه دور النخلتين أصدق تمثيل, وينظر حماد إلى السدرتين الشاخصتين فلا يحس براحة, فينقلب إلى منزله ساخطاً ناقماً, ويجمجم بحروف حزينة تألف منها هذان البيتان:
((جعل الله سدرتي قصر شير ... ين فداء لنخلتي حلوان
جئت مستسعداً فلم تسعداني ... ومطيع بكت له النخلتان)) .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة التثويل .
- مقامة العراق , ألأختيار قبر ام كفن .
- مقامة الرفقة .
- مقامة العراق , مشيناها خطا :
- مقامة المشي .
- مقامة أسبقيات قوة العراق.
- مقامة الشجاعة .
- مقامة النخلة .
- مقامة ابن الملوح ( المقامة المطولة ) .
- مقامة الهلوسات (العقد الثامن - الشيخوخة).
- مقامة التملك .
- مقامة المستملحات : ( تواصل صوفي ).
- مقامة السالكين .
- مقامة الطأطأة .
- مقامة السدى .
- مقامة الصواع .
- مقامة 2024.
- مقامة العتيبة
- مقامة العقاب .
- مقامة الحب المستحيل .


المزيد.....




- الناشط علاء عبد الفتاح يفوز بجائزة -بن بنتر- الأدبية رغم سجن ...
- ثبتها الــــآن .. تردد قناة ناشونال جيوجرفيك لأعظم الأفلام ا ...
- الفائزة بنوبل للآداب هان كانغ: لن أحتفل والناس يقتلون كل يوم ...
- علاء عبد الفتاح: الناشط المصري يتقاسم جائزة -بن بنتر- الأدبي ...
- اعلان 1 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 167 مترجمة Kurulu? Osma ...
- -مندوب الليل- يحصد جائزة الوهر الذهبي واحتفاء بالسينما الفلس ...
- عفيف: من المؤسف ان بعض وسائل الاعلام في لبنان تصدق الرواية ا ...
- روسيا تسلم سوريا قطعا أثرية اكتشفها الجيش الروسي في تدمر
- الإمارات العربية إلى جانب 6 دول أخرى تشارك في مهرجان -أسبوع ...
- دور قبائل شرق ليبيا في الحرب العالمية الثانية


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة نخلتي حلوان .