خرطوم الفحشاء بطِرت معيشتها، فهل تُسكن مساكنها بعد هلاكها؟!(٦ / ٦)

محمد الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 7976 - 2024 / 5 / 13 - 02:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    

◇◇
¤الموتّد انخلع
واتوتّد المخلوع

¤وجاعت بيوت الشبع
وشبعت بيوت الجوع

هذه الأبيات يتغني بها
من تبدلت احوالهم من سكان الخرطوم
ممن كانوا لا يعرفون الجوع

قلنا ان زيادة اسعار الغاز
ورفع الدعم عن دقيق الخبز
ادخل الجوع الي بيوت الكثيرين

والجوع نوع من الظلم
الذي يتعرض له الناس
ولا يرضاه الله
لأن الناس "عيال" الله
وهو "ربهم"
ولذلك جعل الله اطعام الطعام مما يدخل الجنة ومنعه مما يدخل النار، وجعل اكبر الأعمال ثوابا عند الله هو الإنفاق:
¤ {لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنِیۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ فَأَصَّدَّقَ}

فهؤلاء هم اصحاب النار قد علموا سبب دخولهم فيها:

¤ {وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِینَ}

والمكذبين بالدين:

¤ {فَذَ ٰ⁠لِكَ ٱلَّذِی یَدُعُّ ٱلۡیَتِیمَ}

¤ {وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ}

والله جعل من ينفق علي المساكين والفقراء كأنما اقرض الله:

¤ {إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِینَ وَٱلۡمُصَّدِّقَـٰتِ وَأَقۡرَضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا یُضَـٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرࣱ كَرِیمࣱ}

والله يمكّن الذين يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن لم يفعلوا استبدلهم:

¤ {هَـٰۤأَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن یَبۡخَلُۖ
وَمَن یَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا یَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِیُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤء
ُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡا۟ یَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُونُوۤا۟ أَمۡثَـٰلَكُم}

وفي السنة:
(ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع)

ولقد كان نظام الزكاة فاعلا في العهود الأولي للإسلام، فلم يكن يجوع احد ولا حتي الطيور !!!
فهذا امير المسلمين يخاطب ولاته:

(انثروا الحبّ علي رؤوس الجبال
حتي لا يجوع طائر في بلاد المسلمين)

ولهذا كان الناس يحبون الإسلام والمسلمين، لأن الفرد في المجتمع المسلم يأمن الجوع والعوز، فالمسلم للمسلم كالبنيان "يشدّ بعضه" بعضا. فأفضل خصلة في المسلمين هي معاونتهم لبعضهم البعض، واولي الناس بذلك هم اولو القربي:
{وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِۚ}
ولذلك أمر الله بصلة الرحم والتي تعني:
(مساعدة الأقرباء المحتاجين)
فعبارة (وَصَلَ رَحِمَه) ليس من باب (الوصال) الذي هو ضد الهجران !!
وانما من باب قولهم في اللغة العربية مثلا:
"وصلته بمائة دينار"
يعني منحته مائة دينار
ولقد عبّر القرآن عن هذا بلفظ أوضح وهو (ايتاء) ذي القربي:
كما في قوله تعالي:

¤ {إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ  وَإِیتَاۤءِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ}

¤ {وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِیرًا}

ولقد بيّنا في مقالة سابقة ان صلة الارحام تكون باليد وليس بالرجل. ولأن الصلة هي صدقة فإن الله يعوض المتصدق علي رحمه زيادة الرزق، ولأنه حينما يحمل لقريبه هذه الصدقة يقتطع من زمنه فإن الله يعوضه زيادة في العمر.

◇◇
من اشدانواع الظلم الذي وقع علي الغلابة في الخرطوم هو حرمانهم من الاستظلال في بيوت الله،

{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن یُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِی خَرَابِهَاۤۚ}

لأن المساجد اصبحت في الأصل مغلقة الا قبيل وبعيد الصلوات بدقائق، علما بأن الأصل ان يكون المسجد مفتوحا، وهذا ما كان عليه الناس في الماضي، ونذكر ايام اجدادنا ان عابر السبيل والمنقطع كان ينزل في المسجد، وقد روي عن ابن عمر انه كان ينام في المسجد قبل ان يتزوج، ولم اجد في الدين قولا صحيحا واضحا يجوز اقفال المسجد، لأن دخول المسجد حق للمسلم في اي وقت وليس فقط للصلوات المفروضة، وهناك سنة الاعتكاف تكون في المسجد، لكن في الخرطوم رأيت في بعض المساجد كالمسجد الكبير بامدرمان ان شرطة النظام العام تطرد الناس من المسجد عقب الصلوات مباشرة. وهذا حدث بعد صيانة المسجد في ٢٠٠٨ وقد حدث بعد ذلك مباشرة غزو الحركات المسلحة لامدرمان وقد نبهنا لذلك ولكن (كلام القِصَيِّر ما بنسمع)، وللاسف هم يعتقدون انهم عمّروا
المسجد بصيانته لكن اعمار المساجد يكون بمجيئ الناس اليها، يكون بكثرة الزوار فالناس يدخلون ويخرجون في كل الأوقات:

{إِنَّمَا یَعۡمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ یَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰۤ أُو۟لَـٰۤئكَ أَن یَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِینَ}
فهاهو القرآن يقول ان المساجد تعمر بالناس، واتحدي اي شخص يأتيني بدليل يجيز غلق المساجد في وجه من يريد المكوث بها!!!
لا حول ولا قوة الا بالله!!!


◇◇
لماذا تظل المساكن خالية بعد الإهلاك:
=============
يقول تعالي:

¤ {فَتِلۡكَ مَسَـٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِیلࣰاۖ}

هناك آية تفسر ذلك:

¤ {فَتِلۡكَ بُیُوتُهُمۡ خَاوِیَةَۢ بِمَا ظَلَمُوۤا۟ۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَآیَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ}

فالبيوت الخاوية عبرة للمعتبر
ففي أية اخري:

¤ {وَعَادࣰا وَثَمُودَا۟ وَقَد تَّبَیَّنَ لَكُم مِّن مَّسَـٰكِنِهِمۡۖ}

□■ جاء في تفسير {لم تسكن من بعدهم}:
"فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا منها" [الطبري]
========
"وَقَوله: ﴿فَتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهمْ إِلَّا قَلِيلا﴾ أَي: خربنا أَكْثَرهَا. وَيُقَال: معنى الْقَلِيل هَاهُنَا أَن الْمُسَافِر ينزل مسكنا خرابا، فيمكث فِيهِ يَوْمًا أَو بعض يَوْم"
[السمعاني]
========
"وقيل: البطر سوء احتمال الغنى: وهو أن لا يحفظ حق الله فيه.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: لم يسكنها إلا المسافر ومارّ الطريق يوما أو ساعة ويحتمل أنّ شؤم معاصى المهلكين بقي أثره في ديارهم، فكل من سكنها من أعقابهم لم يبق فيها إلا قليلا"
[الكشاف]
=====

□■ في النهاية وباختصار:
نعتقد أن معاصينا هي التي اوردتنا الهلاك.
ونعتقد ايضا أن شؤم تلك المعاصي سيظل يلازم البلدة،
حيث ستنفقد البركة،
فلن تكون التجارة كما كانت،
ولن تكون الصناعة كما كانت،
ولن تكون الزراعة كما كانت.. الخ..

#محمد_الصادق (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات