أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - رأس الـحـكــمـة وجـبـل الـجـلــيــد















المزيد.....

رأس الـحـكــمـة وجـبـل الـجـلــيــد


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7966 - 2024 / 5 / 3 - 00:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تعد صفقة " رأس الحكمة " التي وقعتها مصر والإمارات في 23 فبراير 2024 خبرا جديدا، لكنها تظل واقعة بحاجة إلى نظرة متفحصة، والذهاب إلى أعمق من سطحها الظاهر، لأن تلك الصفقة في واقع الأمر هي الجزء الأعلى من جبل أوضاع اقتصادية وسياسية يختفي تحت السطح. الاعلان عن الصفقة جاء بصفتها عقدا لتطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة باستثمارات تقدر بنحو مئة وخمسين مليار دولار يحصل الصندوق السيادي الإماراتي ِ بموجبها على حق تطوير 170 مليون متر مربع تمتد على نحو 50 كيلومترا من أفضل شواطئ الساحل الشمالي المصري، وتحصل مصر على 35 % من إجمالي أرباح المشروع، منها أحد عشر مليار إسقاط ديون. وقد لاحظ المراقبون الغموض الذي أحاط بتفاصيل الصفقة منذ الاعلان عنها، والاكتفاء بالحديث عن خطوطها العامة، بل ومازالت الأسئلة المثيرة للقلق معلقة في الفراغ : على أي أساس سيتم تسعير الأرض؟ ما هي الطرق التي سيحصل بها المستثمرون الإماراتيون على خمسة وستين بالمئة من عائدات المشروع، كيفية تعويض القبائل التي تسكن تلك المنطقة؟ وعلاوة على كل ذلك فإن الحكومة لم تعلن أي خطة بشأن انفاقها الدفعة الأولى التي ستتسلمها والتي تبلغ 15 مليار دولار. ومن اللافت للنظر أن اتفاقية كبرى كهذه لم تعرض على البرلمان لإقرارها. أخيرا، وربما أولا، يبقى مجهولا مصير الأراضي الشاسعة التي سيقوم عليها المشروع وما إن كانت ستؤول إلي الشركة الاماراتية؟ أم أن هناك عقد انتفاع بالأراضي لمدة محددة ؟. وتصبح المخاوف على أرض الوطن مشروعة تماما إذا علمنا أن الصفقة تمت في ظل تعديل اللائحة التنفيذية للقانون رقم 14 لسنة 2012 بقرار آخر رقم 215 في 2017 يسمح بتمليك العرب والأجانب الأراضي المصرية، هذا في الوقت الذي أقرت فيه حكومة الإمارات في 30 يناير 2021 تعديلات على قوانين التجنس لديها تسمح بحصول الأجانب على الجنسية الإماراتية، كان من نتيجتها أن حصل خمسة آلاف اسرائيلي على الجنسية الإماراتية مع احتفاظهم بجنسية الكيان الصهيوني. وعلى ضوء السماح المصري بتمليك الأجانب أراض مصرية، وعلى ضوء تجنس الاسرائيليين بالجنسية الاماراتية، يقفز السؤال واضحا: هل تصبح قطعة ضخمة من أرض الوطن ملكا لمستثمرين اسرائيليين يتخفون وراء جوازات سفر عربية؟. جدير بالذكر أن صحيفة "هآرتس" العبرية أشارت بهذا الصدد في فبراير 2021، إلى أنّ النظام الحاكم في الإمارات استهدف الإسرائيليين تحديدا بتعديله قوانين الجنسية، وأوضحت " هارتس" أن الحصول على جنسية الإمارات "فرصة للإسرائيليين ليس فقط للعمل في أبو ظبي، بل وللحصول على جنسية ستمكّنهم من زيارة دول محظور عليهم زيارتها". وفي ظل التساؤلات العديدة التي تحيط بالصفقة الغامضة، وشروطها، فإننا نجد أنفسنا في واقع الأمر أمام ليس رأس الحكمة بل رأس التغلغل الصهيوني في أهم مواقع الأمن القومي، بعد تغلغله في الاقتصاد، ذلك أن رأس الحكمة تقع على بعد 70 كيلومترا فقط عن موقع القاعدة البحرية الضخمة لمصر في شرق مرسى مطروح، و80 كيلومترا غرب محطة الضبعة النووية، ومن ثم ستضع دولة الكيان يدها على قطعة غالية من أرض الوطن من دون قتال بفضل أو بسبب دور الإمارات وكيلا متقدما لدولة الكيان، تربطه بها علاقات تجارية وسياسية واقتصادية وثيقة، بلغت حد قيام الإمارات بإنشاء خط بري لتصدير السلع إلى الكيان من ميناء دبي عبر السعودية والأردن. وتأتي صفقة رأس الحكمة في سياق سياسة مصرية سمحت بخصخصة الموانئ والمطارات وقطاع الاتصالات وكلها مرافق تمس الأمن القومي المصري مباشرة، كما يدور الحديث حاليًا عن صفقة مماثلة لدولة خليجية أخرى في منطقة رأس جميلة في شرم الشيخ.
ويشير على القماش في كتابه " الكتاب الأسود في قطاع الأعمال وبيعه إلى الصهاينة " إلى أن التغلغل الصهيوني في الاقتصاد المصري وركائز الأمن القومي بدأ مع سياسة الخصخصة عهد رئيس الوزراء عاطف عبيد الذي ترأس الحكومة من 1999 حتى 2004، وأن مسئولا مصريا كبيرا في البورصة صرح لصحيفة " معاريف" بأن الصهاينة يستطيعون:" الاستثمار في أسهم الشركات المصرية، وانه لا توجد بهذا الشأن أي معوقات أو تعليمات تمنع ذلك". وفي ذلك الاطار تم بيع الفنادق الكبرى والشركات السياحية والقصور التاريخية والحدائق وهدم مؤسسات بالعمد للاستفادة ببيع أرضها وجرت أكبر عملية تصفية لمؤسسات القطاع العام وصولا إلى 30 مايو 2021 حين تمت تصفية أكبر مصنع للحديد والصلب في الشرق الأوسط في 30 مايو 2021، وهو المصنع الذي تم انشاؤه عام 1954 وساهم في تسليح الجيش وبناء الجسم الرئيسي للسد العالي، كما بلغ عدد المصانع التي أغلقت في مصر في السنوات الأخيرة بمختلف الذرائع نحو أحد عشر ألف مصنعا، كان آخرها مصنع أبو قرقاص لانتاج السكر في يناير هذا العام ، وعمره يزيد عن مئة وخمسين عاما. وقد لا يتسع المجال هنا لتسجيل كل المصانع والشركات القومية الكبرى التي أغلقت بالعمد، وأعلن عن إفلاسها بالعمد، مما أدى إلى تدمير الصناعة الوطنية. وبالرغم من سياسة " بع كل ما يمكن بيعه" فإن الدين الخارجي على مصر بلغ 164 مليار ونصف مليار جنيه ، أما فوائد وأقساط الديون وحدها فتبلغ حتى سبتمبر 2024 واحدا وخمسين مليار دولار!
وعلاوة على آثار السياسة الاقتصادية التي مكنت التغلغل الصهيوني حتى رأس الحكمة، فإن مصر تعيش للمرة الأولى في تاريخها في ظل خطر وجودي يمس نهر النيل شريان حياتها، وذلك بعد توقيع اتفاقية الخرطوم الخاصة بسد النهضة في 23 مارس 2015 التي غيرت جذريا الوضع القانوني لنهر النيل من نهر دولي تتشارك فيه أكثر من دولة، إلى نهر عابر للحدود ، بما يمنح أثيوبيا الحق في بناء أي سدود عليه بمفردها. ويتضح من كل ذلك مدى صدق العبارة التي قالها كيسنجر من أن مصر لا بد أن تظل " طافية على السطح مثل سفنجة كبيرة، لكن بلا وزن"، وحجر الزاوية في ذلك التدهور المتسارع هو اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات مع مناحم بيجن في 17 سبتمبر 1978، والتي أطلقت يد الكيان ليعربد في المنطقة ويقوم بإبادة الشعب الفلسطيني في غزة، ويشن غاراته على سوريا، ولبنان، ويشارك في بناء سد النهضة، وتقسيم السودان، وتدمير ليبيا والعراق. وقد جاءت الاتفاقية السيئة الصيت نتيجة لخوف الطبقة المصرية الحاكمة من الكفاح ضد اسرائيل، لأنها تعلم أن قوة الشعب ستظهر في مجرى ذلك الكفاح ، وأن صوته سيعلو مطالبا بحقوقه في ثروات بلاده، بينما الأفضل لتلك الطبقات الحاكمة أن تعيش وكيلا للاستعمار تحظى بفتات ما يلقيه بدلا من خسارة كل شيء في فوران وضع شعبي ثوري، وهو خوف وصل بالطبقة الحاكمة إلى التنازل مجانا عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية شكلا، وللكيان الصهيوني فعلا. وهكذا فإن صفقة " رأس الحكمة " هي مجرد رأس جبل الجليد الذي يطفو على سطح الأوضاع الاقتصادية والسياسية المصرية العامة التي بلغت في ظلها الفروق في الدخول حدا خياليا، وبهذا الصدد نشرت جريدة الشروق المصرية في 10 مارس 2014 نقلا عن مجلة "فوربس" أن هناك ثمانية مصريين يملكون 156 مليار جنيه.. بينما تنفق 83% من الأسر المصرية أقل من ألفي جنيه شهريًا. ولا شك إن إضعاف مصر بهذه الصورة يمثل أقصى طموح لدولة الكيان وأهدافها، ذلك أن شعار اسرائيل " من النيل إلى الفرات" لا يعني أن تحتل اسرائيل تلك المناطق احتلالا مباشرا بل أن تخضعها سياسيا واقتصاديا لدوائر الاستعمار العالمي وفي مقدمتها أمريكا.
***

د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأغنية تدخل إلى الشماتة والعبودية
- محمود قرني .. قصيدة الوداع
- تغريبة القافر
- ما الذي أغضب ابنة نجيب محفوظ مني ؟
- نافذة - قصة قصيرة
- مجمع اللغة العربية .. معجم جديد
- زيــارة إلــى بــلــزاك
- تـعــب فــي الــركــبـــة . قصة قصيرة
- الــســودان .. يــا أخـــت بــلادي
- مرحبا بالكسل الجميل
- حـكـايـات مـراسـل إذاعـــة
- محمد عبد الوهأب .. ميلاد الأغنية العربية
- في ذكرى والدي
- أول العشق - قصة قصيرة
- سيد حجأب .. عيون إيفلين
- حادثة 4 فبراير .. البكأء على المأضي
- لماذا ينتحر الأدباء ؟
- قــصـة انـقـضـى عـلــيــهــا مــئــة عـــام
- ولــمــاذا نــكــتـــب إذن ؟
- مــغــالــطــات الــتــرجــمــة إلــى الــعــامــيــة


المزيد.....




- وجهة واعدة في الشرق الأوسط.. كيف أصبحت السعودية رائدة في قطا ...
- أذربيجان تطالب وزير الداخلية الفرنسي بالاعتذار
- -قوات دولية وتطبيق حل الدولتين-.. هل توصيات القمة العربية قا ...
- من هم قضاة محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائ ...
- في محكمة العدل الدولية: إسرائيل تعتبر قراءة جنوب إفريقيا للق ...
- المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من ...
- مبادرة تسلق جبال ويليز..طفل في السادسة يحاول إنقاذ عائلته في ...
- بوتين من الصين: لا خطط حاليا لتحرير خاركوف
- وزير الخارجية الأمريكية يمنح سلطات كييف حرية قصف الأراضي الر ...
- حزب تركي يدعو لتجمعات جماهيرية ضد محاكمة قيادات كردية بارزة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - رأس الـحـكــمـة وجـبـل الـجـلــيــد