|
مفهوم السيادة والوعي الطائفي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7879 - 2024 / 2 / 6 - 21:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السيادة والوعي الطائفي
ضعف الوعي بأهمية مفهوم : السيادة ، لدى شباب العراق يشكل معلماً من معالم وعيهم السياسي في هذه المرحلة . لقد تم بشكل مدروس تغييب اهمية مفهوم السيادة : لصالح بعث وإبراز ونشر مفهوم الطائفة والوعي الطائفي ...
جميع نشاطات الحكومة السياسية والثقافية ، ونشاطات الأحزاب والمليشيات الحاكمة ، وكذلك الطريقة التي يتم بها اخراج الطقوس الدينية : ترمي الى التأكيد على اهمية مفهوم : الفرقة الناجية ، الواردة في الحديث المنحول على النبي محمد ( والعجيب أن الفرق الاسلامية تختلف على رواية معظم الأحاديث النبوية ، ولكنها تتفق على صحة هذا الحديث ، رغم كونه قد تسبب بالاحتراب بين طوائف الدين الاسلامي ) ، ولكي تسوّر المذاهب نفسها بسور حديدي مانع لاختراق الطوائف الأخرى : غذت أعضاءها بضرورة التمسك بمفهوم : الولاء والبراء ، وجعلته مفهوماً مقدساً لا يتكامل ايمان المرء إلّا بإثبات الولاء للمذهب ولاعضائه والتبرؤ قولاً وعملاً من المذاهب الأخرى ومن اعضائها . ينتمي مفهوم الولاء والبراء تاريخياً إلى فترة الصدام الكبير بين الصحابة في الحرب الأهلية المسماة : بالفتنة الكبرى ، في صدر الاسلام ، وكان ذلك الصدام الدموي بين عوائل قريش على السلطة السياسية ( الخلافة ) ، وقد ولد الفكر الإسلامي بمعظمه (تفسيراً وفقهاً وعلم كلام ) لتزكية هذه العائلة أو تلك من عوائل قريش (كأن يكون المرء في الحزب العلوي ، او الأموي ، فعليه التبرؤ من أعضاء احزاب العباسيين ، والفاطميين ) . وفي الاوان الذي نعيش تؤكد جميع نشاطات الاحزاب الاسلامية على أهمية التضامن الطائفي : باحتكار جميع وظائف الوزارة التي منحتها المحاصصة لأبناء الطائفة وتهميش ابناء الطوائف الأخرى ، ومثل هذا يحدث في الانتخابات الدورية ، وبهذه الطرق اللاوطنية يتم تطبيق مفهوم : الولاء والبراء ، أن التمسك بتطبيق هذا المفهوم الطائفي يؤجج الخلافات الاجتماعية والسياسية ، ويصرف أنظار الناس عن غياب الكهرباء ، وغن نتائج التحقيق بسرقات القرن ، وعن تدخل تركيا وإيران في الشؤون الداخلية ...
لم تتطور اوربا سياسياً ، وتشرع ببناء دولتها الحديثة : الا بعد عام ١٦٤٨ : العام الذي ولد فيه مفهوم : السيادة ، اثر اتفاقية " وستفاليا " وانتهاء الحروب الطائفية ، فالدولة الاوربية الحديثة : تطورت إلى ما هي عليه الآن بفضل مفهوم السيادة الذي استولد داخل حدود كل دولة مفاهيم سياسية إنسانية عظيمة من مثل : مفهوم المواطنة ومفهوم : حقوق الانسان . اللذين بفضلهما أصبحت شعوب اوربا تتكون من مواطنين لا رعايا : لا فرق أمام القانون بين اسود وابيض ، وبين مسلم ويهودي ، وبين ذكر وأنثى ، وبين عربي وكردي . الكل سواسية كأسنان المشط أمام القانون . الوعي الطائفي السائد في العراق يمنع من تكامل بناء الشعور الوطني : الذي يحدد نوع العلاقة التي تربط بين أجهزة الدولة وبين أبناء المجتمع . وقد أجج شعور العداء المستخدم بين طوائف الاسلام في العراق : استخدام الدستور لمفهوم المكونات : كردي وعربي سني وعربي شيعي وأيزدي وشبك : فصرنا أمام انفجار بركان من الهويات التي يفضل كل منها - متوهماً - ابن هويته ، وليس ابن وطنه . لا يوجد في دساتير الدولة الحديثة مصطلح المكونات بل يوجد مفهوم : الأمة أو الشعب حيث يحتفظ كل فرد من الشعب بدينه وبلغته ، ولا يحابي في العمل العام ابن الهوية ويرفعه درجات على غيره من المواطنين ...
يشعر المواطن الاوربي بأن الدولة التي يعيش فيها : دولة ولدت داخل التاريخ وليس خارجه ، فهي ابنة شرعية للاحداث ( الحروب والصراعات البشرية ) وليست ابنة نصوص ماضية ، واهم الاحداث التي تكونت الدول الأوربية تحت سماء أفكارها السياسية هي احداث الثورات التي اجتاحت اوربا في منتصف القرن التاسع عشر . ( وهي تشبه احداث ثورات الربيع العربي من الناحية الشكلية : ناحية انتشارها ) فالدولة الاوربية القائمة الان : دولة تاريخ ، دولة بشر ، وليس دولة آلهة ، صنعوها في السماء وارسلوها بمركبات فضائية خاصة لى الأرض ، فأصبحت مقدسة لا يجوز تغيير قوانينها وتشريعاتها . والاوربيون مستمرون للآن في صناعتها - لتلبية حاجاتهم ، وفض نزاعاتهم ، وإدارة شأنهم العام : وقد تطورت عبر التاريخ ( والتاريخ يعني وثائق تتحدث عن صراعات بشرية وثورات سياسية واقتصادية وتكنولوجية ، وكوارث طبيعية في زمن محدد ومكان معين ) ولم تمنعها النصوص القديمة من التطور وتغيير تشريعاتها وقوانينها بما يتلائم ومستجدات ظواهر الوعي والاقتصاد والعلم . والحقيقة أن الدولة الحديثة : دولة ثورات أنجزها الناس ضد قيود النصوص القديمة : الطائفية ( وتعني الطائفية في حقيقتها العملية : الولاء لابن الدين والبراءة من ابن الديانة الأخرى ، أو البراءة من ابن القبيلة الأخرى أو المدينة الاخرى . ) فالنص القديم الطائفي يراعي فئة قليلة على حساب الملايين ، فقامت الملايين بالثورة على هذه الفئة القليلة وجعلوا اوطنهم مكاناً مريحاً للعيش والإبداع لترقية أساليب العيش . لكن الابداع لا يتحقق من غير إطلاق الحريات .
في الدولة ذات السيادة يصبح الوطن : بكل خيراته ، ملكاً لجميع ساكنيه : لكن ذلك لن يتحقق إلا بعمل مؤسسات الدولة انطلاقاً من مفهوم المواطنة المساواتي أمام القانون ، وانطلاقاً من مفهوم حقوق الإنسان ، ويعبر دستور الدولة الحديثة عن هذا الوعي الجديد باستخدام مفهوم الشعب أو الأمة بدلاً من مفهوم المكونات : الحاضنة الطبيعية للمفهوم الطائفي . وتولد الثورات نتيجة التمسك الشديد من قبل رموز العالم القديم : بامتيازات و( حقوق ) فئة صغيرة من المجتمع . اذ تروم الثورات في النهاية : تخليص الوطن من : المحاصصة والطائفية والمكونات وإحلال مفهوم المواطنة في الدستور بدلاً منها ، وجعل الوطن ملكاً لجميع ساكنيه وليس لدين واحد أو لطائفة من هذا الدين . كما أن حرب التحرير الشعبية تبلورت كوعي وكاستراتيجية تعبئة وقتال بعد تبلور مفهوم : السيادة ، اذ يعرف الثوار - على عكس العمل العسكري الامبراطوري الديني - بانهم يقاتلون من أجل طرد الاستعمار وتجريده من قرار امتلاك ثروات البلاد ومنعه أو كبته من تقرير مستقبل البلاد ومصيرها ...
نجحت الشعوب الاوربية - وليس الأديان أو الطوائف الدينية في بناء دولة المواطنة وليس دولة الطائفة التي تطورت إلى دولة مساعدات شاملة : دولة رفاه . والدول الاوربية لم تصل إلى هذا المستوى ( وتتحول إلى دولة جذب لشباب العرب والمسلمين : يهاجرون إليها كلما ضاقت بهم سبل العيش وشعروا كبشر بحاجتهم الى شيء من الحرية للعيش بكرامة ) لو لم تقم بتوفير : المظلة القانونية للحريات ، والمظلة الاقتصادية للعيش الكريم : اللذين من تحققهما على أرض الواقع : يعيش الناس بكرامة ، ولا كرامة للإنسان اذا لم يتوفر احد هذين الشرطين .( لكن لا يتحقق العيش الكريم إذا استمر الخارج الإقليمي بسرقة دولارات النفط .
من سمات الدول الفاقدة للسيادة : عدم السيطرة على ادارة الشؤون العامة ، بعد أن شاركتها السيادة ( باعذار مختلفة ) تنظيمات شعبية سمحت لنفسها بحمل السلاح ، وتنظيم نفسها عسكرياً وفقاً لقواعد تعبئة ، لا تعمل بها الدولة وغير مستوحاة من تراثها العسكري ( ميليشياوية وغير نظامية ) .. ومن سمات الدول التي بدون سيادة : فقدان السيطرة على إدارة ثرواتها ، وتسرب الكثير من وارداتها عن طريق عملاء الخارج : الى الخارج .. ومن سمات الدول التي بدون سيادة : فقدان السيطرة على منافذها الحدودية ، وذلك واضح من كثرة المهربين ، وكثرة العصابات وعدم وصول الضرائب إلى خزينة الدولة ... واهم علامة من علامات فقدان السيادة : أن ميليشيات الحشد الشعبي - كما يجري الأمر في العراق والسودان واليمن وسوريا ولبنان - تتحكم باخطر القرارات وهي قرارات الحرب والسلام ، والأ وتضرب القواعد الأمريكية بامر من دولة أخرى هي ايران ، وقد ارتكبت قبل ذلك جريمة : خطف ثوار تشرين وقتلهم أيام حكم الجلاد عادل عبد المهدي ، باهانة مقصودة لمحاكم الدولة وقضائها ...
تهرب الدولة التي تفقد السيطرة على سيادتها - كما هو الحال في العراق - الى الامام بتشكيل لجان تحقيقية ، وحين يراحع العراقيون مهمات اللجان التي شكلتها الحكومات المتعاقبة : من حكومة علاوي إلى حكومة السوداني الحالية ، سيكتشفون بأن جميع هذه الحكومات قد غدرت بهم وخدعتهم . اذ لم تعلن آية لجنة عن نتائج أعمالها : ومن ضمنها اللجنة التحقيقية التي تشكلت اثر فرار جيش المالكي ، وتسليمه ثلثي العراق الى عصابات داعش . وآخر هذه اللجان تم تشكيلها قبل أيام لتسويف قضية قصف ايران لاربيل وقتل المدنيين ، وبرأيي أن مهمة الاحزاب الوطنية ، والشخصيات الوطنية من الكتاب والمثقفين هي تذكير الناس بهذه اللجان ، ودعوتهم إلى التظاهر والمطالبة بالنتائج ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا سيادة في العراق
-
اين انتم ؟؟
-
المطربة الواعدة : حنين الشاطر
-
جنوب افريقيا : دولة مؤسسات إنسانية
-
ما الكارثة ؟
-
نتنياهو حماس / حماس نتنياهو
-
الدولة الاسلامية ومفهوم السيادة ( ١ )
-
اضاءات على انتخابات المجالس المحلية في العراق
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٥ )
-
في اللغة العربية وعنها
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٤ )
-
ضوء على بعض عالم المهاجرين
-
ماذا تعني حروب الثأر ؟
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٣ من ٣ )
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٢ )
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ١ )
-
الاقتراب من الحقيقة
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ولا يستخدمونها ( ٤ : ايران )
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ( ٢ )
-
إنهما يسرقان صفات الله
المزيد.....
-
400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في إيران -تحيّر غروسي-
-
-حرب القمامة- في كولومبيا.. عقاب قاس من جامعي النفايات
-
فرق الإطفاء تواصل محاولات إخماد الحرائق في جزيرة خيوس اليونا
...
-
ترامب يسعى لإغلاق ملف الحرب الإيرانية بنهاية درامية.. هل ينج
...
-
نتنياهو وبزشكيان يشيدان بإنجازات بلديهما -التاريخية- في الحر
...
-
القسام تعلن استهداف دبابة بعد تنفيذها كمينا آخر مركّبا في خا
...
-
إيران تحتشد في ساحة الثورة وتؤكد صمودها في وجه التحديات الإس
...
-
إسرائيليون يعتبرون نتنياهو -ملك إسرائيل- وآخرون يرونه خطرا ع
...
-
هكذا خططت إسرائيل لقتل الفلسطينيين في نقاط توزيع المساعدات
-
ما بعد الحرب.. إيران في مواجهة اختبار الداخل وإعادة التموضع
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|