|
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٣ من ٣ )
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7799 - 2023 / 11 / 18 - 00:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٣ )
السيناريو الذي يحضى باجماع عالمي عليه ، هو سيناريو : حل الدولتين : دولة اسرائيلية واخرى فلسطينية . ترعيان التعاون والتعايش والسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين . لكن وقائع الاحداث التي جرت بعد اتفاقية : اوسلو ١٩٩٣ ، اثبتت ان الدولتين ادارتا ظهريهما لحاضر التعايش والتسامح والسلام ، واستلهمت كل منهما موروثها الدبني الخاص . استلهمت الدولة الاسرائيلية الاطروحات الصهيونية التي ترى ان دولة اسرائيل تمتد من النيل الى الفرات ، وان وظيفة الاسرائيلي في الحياة : العمل على بناء هذه الدولة ( دولة ذات حدود متحركة وغير ثابتة ، لا تشبه دول العالم الاخرى ذات الحدود الثابتة المنضوية تحت راية الامم المتحدة ) ، وتستلهم الدولة الفلسطبنية الرؤية العربية الاسلامية : التي ترى ان مهمة الدولة العليا هي الجهاد لهداية الشعوب غير المسلمة ، وبناء على ذلك فان حدود الدولة الفلسطينية هي الاخرى : متحركة وغير ثابتة . الدولتان اللتان خرجتا الى الوجود من معاهدة اوسلو لم تنصع اي منهما الى رؤية السلام بل ارتدتا الى الوراء ، الى ما خطته انامل الاجداد قبل مئات السنين عن : الارض المقدسة التي يجب ان تعود ملكيتها الى احد الفريقين المتصارعين : اما الى اليهود واما الى الفلسطينيين ، ورغم قوة حضور ياسر عرفات ، الّا انه لم يتمكن من صد عواصف اليمين الديني التي انبعثت من اسرائيل ومن داخل حدود السلطة الفلسطينية ، وحولتا الرجل الى كبش فداء ...
لم تتطور الدولتان ، الى افق حضاري اوسع وتتمكنا من تحويل مقولات : السلام والتعايش والتسامح الى سلوك يومي لمواطنيها ، غياب هذا التثقيف يفسح المجال للتثقيف المضاد الذي يدعو الى العنف والحرب والكراهية في المجتمعين : الاسلامي الذي تقوده حماس وكذلك في المجتمع الاسرائيلي الذي يقوده تيار التطرف الديني بقبادة : نتنياهو . وهكذا لم تثبت الدولتان اللتان خرحتا من اتفاقية اوسلو ١٩٩٣ بانهما :: راعيتان للتسامح والغفران والتعايش السلمي بل وريثتان طبيعيتان لفكر التعصب والعنصرية الذي تضج به جنبات تاربخ الشرق الاوسط . وانتشرت بسرعة البرق الاعمال العدائية بين الطرفين ، وعاد الفقهاء والحاخامات الى تبادل التهميش والتكفير وعدم الاعتراف بحق الآخر التاريخي في العيش في فلسطين . وحين تتبنى الامم المتحدة سيناريو حل الدولتين : فانما لتؤكد بان صراع الديانتين : الاسلامية واليهودية ابدي ، ولا ينتهي ابداً . والحقيقة ان صراع الشعوب ينتهي دائما بمقترحات من داخل الشعوب نفسها وليس من خارجها . وليس استمرار صراع الكوريتين ناتج فقط عن التدخل الخارجي ، وعن ما تلقته الكوريتان من مساعدات في خمسينيات القرن المنصرم ، انما للصراع عوامله الداخلية ، ومنها انشطار الوعي السياسي حول طريقة ومنهج ادارة الحكم . لكن اختلاف الوعي السياسي وارتباطه بالخارج لا يقوى على الثبات : لو ان حركات جماهيرية انطلقت في الكوريتين تدعوان الى السلام والتعايش والتقارب . لم يبلور العرب ولا الاسرائيليون حلاً انسانياً لنزاعهما ، ويؤسسا لحركات وتيارات سلام وتسامح سياسية عريضة ، بل انه كلما لاحت تباشير امل والتقت توحهات الطرفين على هدف الخروج من دوامة حروب الثأر التي لا نهاية لها : يتم قتل ( اسحق رابين والسادات ) ويتم صعود قوى العنف والتطرف ( حماس ونتنياهو ) ...
لم تنجح اي دولة عربية او اسلامية في ايجاد حل انساني لقضية التعددية الطائفية والقبائلية والحزبية ، ولهذا فشلت جميعها في تخليق معارضة حقيقية يتوقف على وجودها وحده التداول السلمي للسلطة في البلاد ، ( وهذا ما يفسر لنا الانفجار الوحشي للحروب الاهلية في العراق واليمن وسوربا وليبيا ، وفي اوقات سابقة في لبنان ) ...
يشير وجود مسألة : البدون الاجتماعية ، الى ان دول الخليج لم تستطع ايجاد حل عادل للصراع والتنافس بين قبائلها ، وان حرمان بعض القبائل من حقوق المواطنة ( البدون ) هو قرار مجتمعي قبل ان يكون قرار سلطة ، اذ السلطة في عالم البداوة القبلي : هي دائماً سلطة وراثية لقبيلة محددة : تتحالف مع قبائل اخرى لتكون عوناً لها في ادارة شؤون الحكم ، وليس شريكاً لها في السلطة ، ولهذا فان وجود مسألة البدون يعني اكتظاظ ثقافة المجتمعات الخليجية بتعالي القبائل على بعضها ، ونفيها لبعضها البعض ، وهذه الثقافة العنصرية هي حصيلة طبيعية لهرمية السلطة السياسية القائمة على تحالفات قبلية محددة وفي الكثير من الاحيان موروثة . فالتحالف مع القبيلة السائدة ( الحاكمة ) يحعل كل قبيلة متحالفة تدعي الشرف والاصالة ، وتشعر بنرجسية عالية ، وتبدأ تنظر بدونية الى القبائل البعيدة عن دائرة التحالف والسلطة . ولهذا فان مجتنعات الخليج وسلطاتها السياسية غير مؤهلة لاقتراح حل انساني عادل ( لا يمكن فصل العدالة عن الانسانية او فصل الانسانية عن ااعدالة ) : لمشكلة التعددية الدينية والعرقية في فلسطين ، ومثلهم العراق المكبل منذ بدء تأسيس الدولة عام ١٩٢١ بوهم الوحدة الوطنية ، وهو سيف حاد رفعه السنة مرة بوجه الشيعة والكرد كغطاء لتفردهم بالسلطة ، ورفعه الشيعة مرة اخرى بوجه الكرد والسنة لتبرير تفردهم بالسلطة ، فمكونات العراق آخر مَن يعوّل عليها في ايجاد حل انساني للقضية الفلسطينية ، طااما العلاقة الداخلية بينها تقوم على الاضطهاد والاستغلال . وهكذا بالنسبة الى بلدان شمال افريقيا وموقفها من الامازيغ . اذا حل العرب مشاكلهم الداخلية ، واولها مشكلة المواطنة ، لخففوا العنف الى حد كبير على مستوى الكرة الارضية ، ولانخفض القلق البشري الى مستويات ادنى ، ولتوصلوا بانفسهم - من غير وصاية خارجية - الى كتابة سيناريو جديد لحل مسألة التعددية الدبنية في بلدانهم يقوم على حرية الضمير ( الاعترف بحق جميع المواطنين بالايمان بما يشاؤون من معتقدات ، واحقيتهم في ممارسة طقوسهم الخاصة ) بمجرد ان يصل ممثلو الاديان الثلاثة الى الاعتراف بحرية الضمير : سيتم حتماً التخلي عن سيناريو : حل الدولتين والاخذ بشعار : الشعب مصدر السلطات والمرجعية الاولى للتشريع : ثقافته الديمقراطية ، ولغته الرسمية : لغة الاكثرية العربية والعبرية ) .
اثبتت جميع الاحداث اللاحقة لعام ١٩٤٥ ( عام القتل الجماعي عن بعد باستخدام السلاح النووي ، والعام الذي تحققت فيه هزيمة ارادة العدو ( اليابان ) وفرض شروط الصلح على الامبراطور بن الشمس : من غير التحريك التقليدي لقطعات الجيوش الجرارة ) ، لقد افتتحت امريكا عصراً جديداً للحروب : تحل فيه التكنولوجيا العسكرية المتطورة محل الجيوش التقليدية ذات النفقات الهائلة . وبعد ان صار القتل عن بعد بالطريقة المهولة التي جاءت بها امريكا سمة اساسية من سمات القوة الامريكية ، صار بامكان امريكا ان تكتفي بارسال مبعوث او بمكالمة هاتفية لتنهي الحرب الدائرة في اسيا او امريكا اللاتينية او في اوربا ، ودائماً تنتهي الحروب الثنائية بين دول القارات وفقاً لما تشاء مصالح امريكا وامنها القومي . وحين حركت امريكا سفينتيها الحاملتين للطائرات : ايزنهاور وفورد الى شرق البحر المتوسط ، فانما لتعلن : تقييداً واسعاً لارادة ايران وحزب الله ، تمهيداً لانهاء الحرب على غزة بهزيمتيهما ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٢ )
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ١ )
-
الاقتراب من الحقيقة
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ولا يستخدمونها ( ٤ : ايران )
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ( ٢ )
-
إنهما يسرقان صفات الله
-
حروب ثأر لا حروب تحرير
-
لا قداسة دينية للقدس
-
امكنة لم تتدثر بعباءة باشلار / الجزء الثاني
-
أمكنة من غير عباءة باشلار ١ من ٢
-
اللهجة التونسية
-
الشابي وابو رقيبة والعفيف الاخضر وفتحي المسكيني
-
عن كريم العراقي والشعر الغنائي
-
تونس العاصمة
-
اقصوصة
-
الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )
-
اركض بلا تعب في برية افكاري
-
الجنوب واله المدينة والشريعة ( 8 )
-
الجنوب والدولة القومية ( 7 )
-
لقد امر السلطان العثماني : اردوغان بهذا ، فماذا انتم فاعلون
المزيد.....
-
البابا فرنسيس والرئيس الفلسطيني يلتقيان في الفاتيكان: دعوات
...
-
“بيبي حلو صغير” استقبل تردد قناة طيور الجنة 2024 وسلى اطفالك
...
-
السيد الحوثي: معظم الانظمة العربية والاسلامية متسامحة مع امي
...
-
السيد الحوثي: هناك تسامح لدى بعض الانظمة الاسلامية تجاه جرائ
...
-
السيد الحوثي: انظمة عربية واسلامية تنفذ مخطط الشرق الاوسط ال
...
-
السيد الحوثي: مخطط -الشرق الاوسط الجديد- يتضمن تحريك انظمة ا
...
-
منح المسيحيين عطلة يومي (25 - 26) كانون الأول الجاري
-
السيد الحوثي: الشعب الفلسطيني لم يستثر اليهود عند وصولهم لفل
...
-
السيد الحوثي: العدو الاسرائيلي يسعى لمسخ الهوية الدينية للام
...
-
ماذا تقول الأقليات الدينية وما مخاوفهم بعد سقوط نظام الأسد ف
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|