أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل شاكر الرفاعي - في اللغة العربية وعنها















المزيد.....

في اللغة العربية وعنها


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7831 - 2023 / 12 / 20 - 07:27
المحور: الادب والفن
    


في اللغة وعنها

انا في عراك دائم مع اللغة ، قد نصطلح أحياناً ، ولكننا سرعان ما نعود لعداوتنا القديمة : حتى أنني كثيرأً ما أتساءل : ان كان اصل علاقة البشر بلغاتهم يقوم على : العداوة ام الانسجام !!!

بالنسبة لي لم تولد هذه العلاقة المرتبكة : منذ البدء ، بل بدأت تقريباً في سن المراهقة : يوم بدأتً احاول تقليد ومحاكاة : الرافعي والمنفلوطي وطه حسين ، وسيواهم من زعماء البيان العربي ، فكنت اصف ما اكتبه بانه خربشة على جسد اللغة ( العظيمة ، المقدسة ، لغة الوحي التي أبى الله أن يبلغ رسالته : الًا بكلماتها واصوات ومخارج حروفها ) ، فتولد عندي احساس عميق بتبكيت الذات ، ولا اعرف ان كانت جميع اللغات تعذب أبناءها هذا العذاب الذي عشته في مراهقتي وصدر شبابي ...

لم يمنحني غرامي المستمر باللغة فرصة أن أذهب بعيداً عنها ، وان اقرأ في ما يجب أن اقرأ فيه من معطيات الفكر البشري في مجالات العلوم الإنسانية الاخرى ، وحتى حين اطلع على ما يكتبه أدباء جيلي من نصوص : فإن التدقيق اللغوي في المبنى ، وتتبع منهج فقه اللغة : يأخذني بعيداً جداً عن المحتوى وعن التقنيات الكتابية : كأنما كتّاب العربية لا قدرة لهم على طرح الاسئلة الكبيرة التي كان يطرحها في ذلك الزمن ( بداية السبعينيات ) التنافس الشرس بين العلم والدين ، بين الرأسمالية والاشتراكية بين الفاشستية والديمقراطية ، بين الحرية كأفق للنجاة الفردي وبين نظريات الس ياسة والدين الداعية إلى الحفاظ على روح الجماعة ، وطاعة " أولي الامر " الذين يحكموننا بقوّة التغلب ، لا بقوة الاصوات الانتخابية ( بقوة الرأي العام ) ...

لن ينته العراك بين الكاتب الخارج من مستوى اجتماثقافي محدد ، وبين طموحه في استخدام لغة لا تشبه ابداً لغته الاولى : لغة الأهل والشارع والمحلة ، لغة الذكريات والدفء والوضوح ، لغة العطف والقسوة والمدح والهجاء : لغة الوضوح كله والصدق كله ذات الدلالات والرموز والايحاءت السهلة البسيطة . كل ذلك سيغادره ما ان يبدأ بالتعرف على موروثه وما يضم من نظريات وشروح وتفاسير ومذاهب تعج بالتناقضات ، ومعبأة جميعها بعلامة العصور القديمة : عصور التخلف والتي سمتها : التعصب ، فيشعر الكاتب أنه بلغته الجديدة هذه : غريب غربة اجتماعية عميقة - قبل أن تكون فلسفية - من اقرب الناس إليه ، فيغدو تأنيب الضمير سلوته الوحيدة في هذا الانفصال .
وهذا هو العقاب الثاني الذي توجهه اللغة لكتابها : الشعور العظيم بتأتيب الضمير وهو شيء يختلف عن : تبكيت الذات وجلدها ...

هذا التاريخ الموجز لعلاقتي باللغة العربية في شبابي : والذي يتضمن النقيضين : محبة ونفور ، صداقة وخصام ؛ طاعة لقواعد اللغة وتمرد عليها : يطل من جديد في كهولتي ، لكن بانحياز واضح : للغة عوام الأمة ، معجون بحب جارف لحوارات الناس العفوية وهم يمارسون حياتهم اليومية في الاسواق والشوارع والمقاهي وداخل البيوت ، ودفاع عن همسات العشاق في لحظات اللقاء الغرامي النادرة . موقف الكهولة هذا : جاء تحصيل حاصل لتأمل في تجربتي مع اللغة العربية ( واللغة هي مجموعة اصوات ذات جرس : يمنحها تميزها وشخصيتها وسط لغات البشر الاخرى ) : اصوات تعبر عن رؤيتي للعالم الذي اعيش فيه ، وهذه الرؤية لا يدرك معناها الًا مَن تعلم ما تتضمنه اصوات لغتي من دلالات . ومن هنا يأتي اعتزاز الناس بلغاتهم من حيث كونها حاملة لسر رؤيتهم عن العالم ، وكيفية التعبير عنه على شكل مواقف في الحياة ، ولهذا فان رقابة الناس على ما تحمله نصوص الكتاب من مضامين : سابقة على رقابة مؤسسات الدولة ...

اشكالية اللغة العربية مع كتابها تقوم على أنها تحدرت اليهم بقواعد صارمة مقدسة ، وعليهم طاعتها ، فاللغة هي التي تفكر وبالتالي تقرر بالنيابة عنهم ، وهي حين تنطق من خلالهم : لا تملك بنيتها معاييرَ وضوحٍ كافية : يساعد على بقاء وحدة الجماعة مستمرة ، فهي شاركت في تفتيت بنية الجماعة : حين لم تعبر بوضوح عن مضمون المشترك الرؤيوي الذي تحمله أصواتها للمجموعة البشرية الناطقة بها ، فالقرآن الذي يجمع أكثر من مليار عربي ومسلم على صحة مسلماته وأحكامه ، يصف نفسه بالقول : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ . سورة : البروج ، الآية ٢١ ) فالمعنى الاصلي للقرآن موجود فقط في اللوح المحفوظ الذي لا يمكن النفاذ إليه : وذلك لأن اللوح المحفوظ موجود قبل اللغة العربية ، وسابق على عملية التلفظ وشحن المفردات اللغوية بالمعاني والدلالات والرموز ...

ثم إن القرآن يؤكد هذا المعنى الخطير بعدم الوصول إلى القصد الإلهي ، او الى الغرض الإلهي بالقول في سورة الرعد : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب : الآية : ٣٩ ) فالمعنى العميق للقرآن والدلالة الكبرى التي ينطوي عليها ، او سر الرؤية المشتركة للعرب التي تحملها اصوات اللغة العربية : يعبر عنها القرآن بتعبير آخر هو : أم الكتاب ، وتعبير ام الكتاب يرد مرة أخرى في سورة الزخرف : ( وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم : الآية ٤ ) فهذه الآيات توحي لي بأن القرآن الاصلي موجود في ام الكتاب عند الله ، في مكانة عليّة ، وانه لا احد يمكن أن يقوى على فك معانيه ذلك لأن : قرآن اللوح المحفوظ أو قرآن ام الكتاب : سابق على كل لغة بشرية وعلى كل لغة ، وانه من الصعب على البشر الوصول إلى المعنى الأصلي للقرآن ...

هذا الغموض في المعنى : هو الذي جر الى الفتنة الكبرى التي سقط فيها الآلاف من المسلمين من بدو العرب الذين تحولوا إلى عبيد في خدمة هذه العائلة القريشية أو تلك . ..

رفع الغموض عن دلالة اللغة الكبرى هو الخطوة الأولى المطلوبة في توضيح المعنى العميق لحياتنا بتوضيح نوع النشاط السياسي والاقتصادي والديني والثقافي الذي تقوم به فيها . ورفع الغموض يتطلب اول ما يتطلب : الشفافية ، وهي مهمة لا يقوم بها كاتب واحد مهما أُوتيَ من مواهب ومن ثقافة ، انها مهمة مجموعة من الكتاب : يقومون بها بحب ، تتطلبه مراجعتهم الجذرية لكل ( الأصول ) التي قيدوا حركتنا لها ، ومنعوا بها تفكيرنا من التفتح والازدهار ...



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٤ )
- ضوء على بعض عالم المهاجرين
- ماذا تعني حروب الثأر ؟
- هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٣ من ٣ )
- هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٢ )
- هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ١ )
- الاقتراب من الحقيقة
- انهم يسرقون صفات الآلهة ولا يستخدمونها ( ٤ : ايران )
- انهم يسرقون صفات الآلهة ( ٢ )
- إنهما يسرقان صفات الله
- حروب ثأر لا حروب تحرير
- لا قداسة دينية للقدس
- امكنة لم تتدثر بعباءة باشلار / الجزء الثاني
- أمكنة من غير عباءة باشلار ١ من ٢
- اللهجة التونسية
- الشابي وابو رقيبة والعفيف الاخضر وفتحي المسكيني
- عن كريم العراقي والشعر الغنائي
- تونس العاصمة
- اقصوصة
- الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )


المزيد.....




- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل شاكر الرفاعي - في اللغة العربية وعنها