أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد زهدي شاهين - المثقف بين نموذجين -النشط الحيوي- و -والنشط الصامت-















المزيد.....


المثقف بين نموذجين -النشط الحيوي- و -والنشط الصامت-


محمد زهدي شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 7865 - 2024 / 1 / 23 - 22:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


غالباً ما يقع على مسامعنا هذا المصطلح، فيتبادر في أذهاننا سؤال برسم الاجابة، من هو المثقف؟ ومن يكون؟ وهنا نشير إلى أن هنالك عدة تعريفات للمثقف وهي تختلف من مفكر لآخر، لهذا فإننا نجد بأنه ولغاية الآن وحتى هذه اللحظة لا يوجد تعريف محدد للمثقف لا في الادبيات الفكرية عموما ولا في علم الاجتماع بالتحديد، لهذا فإننا نستنتج بأنه لن يتم الاتفاق على تعريف محدد على الرغم من توافقها الى درجة كبيرة، وهذا يقودنا إلى أن هنالك اجماع الى حد معين عن الصفات التي يتحلى ويتمتع بها المثقفون.
ولأهمية الموضوع فالتساؤلات فيما يتعلق بهذا الأمر نجدها جارية كجريان الماء، فهل المثقف هو من يقف في وجه السلطة معارضاً متحديا لها على الدوام، أم ان المثقفين هم خريجو الجامعات حملة الشهادات العلمية؟ وهل يا ترى لا بد من توفر شروط معينة في المثقف، كأن يكون يساريا أو يمينيا، دينيا أو لا دينيا، كاتبا أو اديبا أو طبيبا! أم يمكن بأن يكون لاعب كرة قدم، أو عامل أو مدرس أم موظف أو مجرد فلاح بسيط، أم ربة بيت أم برنسيسة!.
يا ترى هل المثقفون هم فئة معينة من اصحاب الانشطة الذهنية أو الفكرية كما كان سائدا في احدى الحقب من الزمن، وهل هذه الخاصية المتعلقة بالنشاط الفكري هي خاصية محددة لفئة أو طبقة معينة تمتاز بها دون غيرها من الفئات الاخرى، وهذا الرأي والاعتقاد قد رده ودحضه الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي وقام برفضه جملة وتفصيلاً، معللاً ذلك بأن خاصية التفكير أو النشاط الذهني هي خاصية يشترك فيها جميع ابناء المجتمع بما فيهم اصحاب الانشطة اليدوية أو البدنية التي لا تخلو من النشاط الذهني وكذلك فالأنشطة الذهنية تتطلب هي الأخرى نشاط بدنيا أو عضليا إلى حد ما وهذا ما نتفق معه.
وهل يشمل مفهوم المثقف ايضا كامل افراد المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه، وهذا الأمر بالذات ما نميل اليه ولكن وفق شروط معينة، فالبناء المجتمعي مكون من لبنات من ضمنها الفرد والأسرة والجماعات ، فهل من يقومون بممارسة دورهم الطبيعي والحيوي والتربوي والتثقيفي في الاسرة التي هي النواة الأولى في المجتمع، كتربية الاطفال وإعالة اسرهم ويقومون كذلك بالمهمات والواجبات الوظيفية والمجتمعية في محيطهم الاجتماعي المصغير على اكمل وجه واحسن صورة من خلال ممارسة وتجسيد القيم والفضائل والاخلاق الحميدة في حركاتهم وسكناتهم يتم اعتبارهم بأنهم مثقفون أم لا!.
تحضرني هنا بعض التساؤلات التي ابتدأ فيها الفيلسوف الفلسطيني "ادوارد سعيد" في مستهل حديثه في الفصل الأول من كتابة صور المثقف (ص١١)، حيث تساءل قائلا: هل المثقفون فئة كبيرة جداً من الناس، أم نخبة رفيعة المستوى وضئيلة العدد الى ابعد حد؟، وفي هذا المقام لعلنا نوفق في تسمية الأمور بمسمياتها ووضع الاسم على مسماه الصحيح.
بداية لا بد لنا من تناول مفهوم الثقافة، وهو مفهوم شمولي يستند الى مجموعة من السمات التي تميز مجتمع عن مجتمع اخر، وقد عرفها "إدوارد تايلر" في كتابه الثقافة البدائية (ص ٢٦) بأنها: الكل المركب الذي يضم المعرفة والمعتقدات، والفن والأخلاق والقانون والتقاليد والعادات، والقدرات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع. لهذا يمكننا القول بأن:
"الثقافة هي نمط حياة تخص وتميز مجتمع عن آخر". أما الثقافي فقد عرفه مجمع اللغة العربية بأنه : كل ما فيه استنارة، وتهذيب للذوق، وتنمية لملكة النقد والحكم لدى الفرد والمجتمع، واصطلاحاً هو "ناقد اجتماعي"، وبناء على هذا فإن مفهوم المثقف هو مفهوم متسع الدلالة كذلك على غرار الثقافة، فكل من يمارس جانباً معيناً من جوانب الثقافة كالعلوم والمعرفة والفن والفلكلور وخلاف ذلك فهو يسهم الى حد ما في ثقافة مجتمعة وأمته من جانب وزاوية معينة.
يشمل مفهوم المثقف وفقاً لبعض الرؤى في حده الأعلى الأدباء والكتاب وحملة الشهادات العلمية والإعلاميين والفنانين على سبيل المثال لا الحصر، وفي حده الادنى وفقاُ لقراءات اخرى هو من يمتلك التفكير الصحيح و الوعي والفهم وسعة الأفق، بغض النظر عن المكانة الاجتماعية والعلمية للشخص الذي يتحلى بهذه السمات والصفات، وهذا ما نتفق معه على أن ينعكس ذلك على سلوكه. ولقد عرفه "نعوم تشومسكي" بأنه: (من حمل الحقيقة في وجه القوة) لهذا فالمثقف وفقا لهذا التعريف هو إنسان يمتلك القوة والجرأة في قول الحق فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يُدحض الرأي إلا برأي رشيد.
يقع على كاهل المثقف دور ايجابي من الألف إلى الياء، نعم إن الأمر كذلك من الألف الى الياء لأن المثقف يحمل رسالة إنسانية نبيلة يتوجب عليه القيام بها أينما حل وتواجد، فالثقافة التي يتمتع بها الفرد قلت او كثرت لكونها نسبية ومتفاوتة من شخص لأخر ليست امراً نظرياً بل سلوكاً ايجابيا يُجَسد على ارض الواقع من خلال حركة فعالة في الأسرة والمجتمع، ويسقط هنا أمام هذا الميزان والمقياس والمعيار كل من يدعي زوراً وبهتاناً بأنه مثقف لأنه مطالب بأن يكون مثقفا بسلوكه الايجابي في كافة المحافل وأينما تواجد بشكل ايجابي وإن كان غير ذلك فهو شخص سلبي ينتحل ويوصف بصفة ليست له، وسلبية الفرد في هذا المقام تدحض وتنقض وتنفي الصفة عن الموصوف، وبالأحرى فإنه يعكس ويجسد الصورة السلبية للمثقف "المثقف السلبي" أو المثقف "المنشق" كما يصفه غرامشي.
ان ادوار المثقفين متعددة ومتنوعة ولكن ميزتها بأنها جميعا تصب في خانة العمل على التقليل من مساحة السلبيات والأخطاء والسعي من اجل توسعة دائرة الايجابيات، ويتوجب على المثقف ايضا بأن يكون يقظا ومتنبه على الدوام لكي لا ينحرف عن مسار مهمته التي اختارها بشكل طوعي.
إن دور المثقف المناط به يتجلى في المجتمع بشكل متفاوت كُل منا في موقعه ومجاله، سياسياً، وفكرياً، واجتماعياً، بغض النظر كما اسلفنا عن المكانة الاجتماعية والعلمية لنا، فالوالد الذي يسعى جاهدا بأن ينشئ ابناءه تنشئة وتربية حسنة وإن كان من البسطاء نعتبره مثقفاً لكونه يتحلى بالقيم والفضائل والأخلاق الحميدة ويساهم ايجاباً في عملية بناء المجتمع والحضارة الإنسانية، ونجده ايضاً جاراً ذو جوار حسن، وابنا بارً بوالديه لأنه يتحلى بالقيم والمثل العليا، وللتذكر فالقيم لا تجزأ ، فالمرأة الصالحة التي ترعى ابنائها والتي هي بمثابة سكناً لزوجها، وكذلك المعلم الذي يؤدي رسالته التربوية والتعليمية على اكمل وجه ويسعى من اجل ذلك جاهدا، والموظف والعامل والحرفي الذين يعملون ويتقنون ويحسنون اعمالهم على احسن واكمل وجه ايضا هم جميعا قطعا مثقفون ممن تنطبق عليهم هذه الصفة التي تنطبق ايضاً على الإعلامي الذي يؤدي رسالته الإعلامية بموضوعية متناهية، وكذلك الكاتب والأديب والمفكر الى آخره، لأن هذه الحالة المجتمعية المتجسدة بهذا الشكل الايجابي هي بحد ذاتها احدى الاهداف الرئيسة التي يسعى المثقفون من اجل الوصول اليها في المجتمعات، ومن يمارسون الحياة ودورهم الاجتماعي بهذا الشكل العذب ويحترمون الإنسان لكونه إنسان ويراعون مشاعر الإنسانية لا يمكن لنا نزع صفة الثقافة عنهم فهم حتما مثقفون حقيقيون، ولا يمكن القول بأن مفهوم المثقف يشمل فقط اصحاب الابداع المعرفي النظري والتطبيقي، كالمفكرين واصحاب الشهادات العلمية بل اوسع من ذلك كثيرا.
لهذا لا بد لنا كمجتمع من توخي الحذر من اسلوب التحديد وتخصيص فئة معينة نقوم بوصفها بهذه الصفة كون هذا الأمر يحمل في طياته تهكما واضحا من حيث لا ندري على مثقفين حقيقيين قد يكونون غالباً من البسطاء، فيتم عند إذن نزع هذه الصفة عنهم عنوة من خلال الغاء وتهميش وتقزيم مساهماتهم بالغة الأهمية في بناء مجتمعاتنا، وهذا بمثابة تحييد واغتيالً معنوياً لهم، وانتقاص من دورهم المحوري.
يرى الكاتب والمفكر والفيلسوف الفلسطيني "ادوارد سعيد" بأن الصوت الواحد والموحد والوحيد، يأتي دائماً على حساب اصوات جرى اخراسها، لهذا يمكننا هنا اعطاء وصف للمثقف بأنه هو:
كل من يساهم بشكل ايجابي في بناء مجتمعه كل في موقعه، فالحقل الاجتماعي متشعب وواسع جدا، وكل منا يساهم في بناء وتقدم وازدهار مجتمعه من زاوية معينةً، والمثقف ايضا لا يعمل على تشويه وتزييف الحقائق، ولا يباع ويشترى بثمن بخس مهما بلغ السعر، فالقيم والمبادئ غير قابلة للتسعير، ويمكن تلخيص ذلك بأن المثقف هو من بلغ الدرجات الرفيعة من الإنسانية، وهو الذي يتبع شعاع الحق ويدور حيث دار الحق لا يفارقه بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو العقائدي أو القومي، فاعرف الحق تعرف أهله.
ولكي لا نضع أنفسنا هنا أمام جدلية تقول بأننا جميعنا مثقفون، اذ لا يمكن حين ذلك نفي هذه الصفة عن اي شخص عاقل، ويقابلها رأي أخر يقول بأننا جميعنا غير مثقفين لأننا غير معصومين عن ارتكاب الأخطاء والسلبيات بين الفينة والأخرى، ما يقطع الطريق هنا عن تولد هذه الجدلية هو معيار القيم والأخلاق والدور الايجابي المناط بالمثقف الذي في حال ما قام بارتكاب احدى الاخطاء أو الزلات والهفوات يسارع بالاعتراف بذنبه ويبادر بتقويم نفسه ولا يتأخر أو يتوانى عن تقديم الاعتذار والتوبة. ولا بد من التذكير هنا بأن القيم لا تجزأ، فالأب المثقف الحاني نجده ايضاً مخلصاً متفانيا في عمله، والمفكر المثقف المبدع نجده زوجاً طيباً، والزوجة المثقفة الصالحة أياً كانت ديانتها ونحلتها نجدها أم صالحة ولبنة سليمة للبناء، والمثقف الثائر على الظلم بوعي نجده شخص منصف، والطبيب الإنساني نجده زوجا صالحا واباً حنونا عطوفا وصديق صدوق، وهكذا دواليك، ومن أهم القواسم المشتركة التي تجمع بينهم جميعاً، قيامهم بأداء الأمانة بمسؤولية تامة على أكمل وجه، وإن اخطأ أي منهم هنا وهناك، يقوم نفسه بنفسه ويبادر مسرعاً في تصويب خطأه على عكس ادعياء الثقافة الذين ينغمسون في براثن الخطأ والخطيئة دونما تراجع، ولا أجد هنا ما استرشد به افضل من قول الفيلسوف الإيطالي "أنطونيو غرامشي" إذ يقول: (إن بإمكان المرء القول بإن كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع)، وفي حال ما كان يرمي اليه "غرامشي" نفي صفة المثقف عن بعض الشخوص لكونهم سقطوا أمام المعايير التي يتم من خلالها ووفقا لها تحديد من هو المثقف لأنهم انحرفوا عن مهمتهم، فهذا ما نتفق معه، لأنهم يمارسون الثقافة بمفهومها السلبي وهم الذين قام بوصفهم "غرامشي" بالمثقفين المنشقين.
لهذا فإننا نجد بانه من الصواب عدم وصف فئة معينة بهذا الوصف ووسمها بهذه الصفة، ولا بد اذا من تسمية الأمور بمسمياتها ووصف المثقف الذي يقوم بتأدية دور عام كالناقد والمفكر والكاتب والاديب وكل من ينخرط ويتفاعل مع قضايا وهموم مجتمعه الكبير بِ "المثقف النشط الحيوي"، وذلك انصافاً لغيره من المثقفين في ساحات المجتمع الاخرى الذين يندرجون تحت مسمى "المثقف النشط الصامت" والصمت هنا لا يعني الصمت المطبق، فالمثقف النشط الحيوي يكون تأثيره في دائرة متسعة وهو صاحب نشاط فكري غزير، أما المثقف الصامت فيكون تأثيره ضمن دائرة ضيقة، وهذا الدور الثقافي المحدود يساهم نوعا ما في بنية المجتمع الثقافية السليمة وهو مؤثر وبالغ الأهمية، فهو اذا نشط سلوكيا في بيئته ووسطة الاجتماعي وكما قال الامام جعفر الصادق: (كونوا لنا دعاة صامتين) والمقصود من مرامي الكلام في هذه العبارة أي بمعنى كونوا لنا دعاة بأخلاقكم وسلوكم الايجابي بين الناس، وهذا بحد ذاته يسهم في تربية وتنمية افراد المجتمع إذ يعزز من حضور مكارم الاخلاق و القيم حتى تصبح وتمسي سمة للمجتمع، وهذا هو الوعي بعينة واعظم صورة من صور عمارة الأرض التي كُلف بها الإنسان وهي عمارة النفس البشرية (بناء الإنسان). وهنا لا بد من التطرق إلى مسألة غاية في الأهمية فعندما نقول بأن نموذج المثقف النشط الحيوي هو صاحب نشاط فكري غزير لأنه واسع المعرفة والاطلاع وقام بتوظيف قدراته بشكل موسع في حقل من الحقول أو بشكل أوسع من ذلك قليلاً، فهذا لا يعني بأننا نقوم بنفي هذه الميزة ايضا عن النموذج الأخر الذي يقع تحت مسمى المثقف النشط الصامت فهو ايضا قد يكون واسع الاطلاع و يمتلك نشاطا ذهنيا غزيرا ولكن الفارق بين هذا وذاك عائد لعدة اسباب منها بأن ميوله الشخصية هي التي حثته ودفعته الى توظيف قدراته في هذا الجانب أو هذا الحقل المعين، وقد يكون ذلك بسبب امتلاك القدرة على التعبير أو عدمه والتي تتطلب فصاحة البيان واللسان ، وخير دليل لنا على ذلك قصة موسى وهارون عليهما السلام، فهارون كان افصح لسانا من اخيه موسى، وإن جاز لنا الوصف هنا فموسى عليه السلام يمثل هنا ولو بالحد الأدنى النموذج الصامت الذي يعبر عن رسالته الإنسانية السامية من خلال سلوكه، وقمنا بوضع هذا المثال بين ايدي القراء الأعزاء من باب تقريب الصورة لا أكثر.
نحن هنا لم نذهب كذلك الى ما ذهب إليه غرامشي في تصنيفه للمثقف بين المثقف العضوي والمثقف التقليدي، فنحن نتفق معه الى حد كبير ولكننا تعمقنا وغصنا اكثر واكثر في بحر المجتمع، وللتوضيح هنا فهو لا يزدري ثقافة البسطاء بل يحاول أن يرتقي بها وهنا بالذات نحن لا نتفق معه لأننا نراها بأنها عين الثقافة والوعي وهي حتما ثقافية راقية بحد ذاتها ولكننا بحاجة الى تنميتها مجتمعيا حتى تصبح سمة عامة لأفراد المجتمع ما استطعنا الى ذلك سبيلا، وكان من الافضل استخدام مصطلح يشير الى العمل من اجل زيادة معرفة واطلاع البسطاء الذين يمارسون اسمى درجات الثقافة عوضا عن استخدام كلمة يرتقي بها. نحن نرى بأن النموذجين اللذان يندرجان تحت مسمى "المثقف النشط الحيوي" و "المثقف النشط الصامت" هما افضل النماذج التي تعطي وصفا منصفا للمثقفين.
إن المثقف العضوي عند غرامشي هو الذي يقوم بوظيفة اجتماعية من اجل التغيير ويشغله هم مجتمعه أو شعبه وينحاز له على الدوام وهو ذاته الذي نقوم نحن بوصفه بالمثقف النشط الحيوي. أما المثقف التقليدي عند غرامشي فهو يشمل الفئة التي تنحاز للطبقة الحاكمة وكل من ينشغل بهموم الشريحة التي هو منها فقط كالأديب الذي ينظر للأدب من اجل الأدب فقط، وللعالم الذي ينظر للعلم من اجل العلم، وهذا ما لا نتفق معه فيه لأنهم يساهمون بشكل أو بأخر بالدور التثقيفي في فئاتهم وشريحتهم التي ينتمون اليها هذا عدى عن ادوار اخرى يمارسونها خارج هذا النطاق المحدود وهذا ما نعتقد بأنه خطأ قد وقع فيه غرامشي لأغفاله إياه، وهم يقعون ضمن ما نسميه نحن بالمثقف النشط الصامت، فالمقياس الذي نأخذه في التصنيف هو الدور الايجابي المعزز بالقيم والأخلاق الإنسانية الرفيعة وعلى النقيض من ذلك الدور السلبي الذي يضرب ويخلخل تركيبة وبنية المنظومة القيمية والأخلاقية الإنسانية والامثلة على ذلك كثيرة فحتى لو حاز الفرد منهم على اعلى الشهادات العلمية فهو في نهاية الأمر أو في نهاية المطاف يمارس دورا سلبياً هابطاً كالأديب الذي يقوم بتأليف عدة روايات على سبيل المثال لا ينتفع بها ولا تقوم ولو بالحد الادنى من معالجة بعض القضايا الاجتماعية وفي ذات الوقت تحث على الرذيلة على سبيل المثال فهي كالزبد تذهب جفاءً.
ان الثقافة التي يتحلى بها الفرد هي فعل يجسد على ارض الواقع إما بالكلام والتعبير أو بالكتابة أو من خلال ممارستها والقيام بها بالفعل والحركات، وهنا لا بد لي من التطرق الى ما ذكرته في مادة الطبقات أو الفئات الإنسانية التي نشرت لي في مجلة تسامح في عددها السابع والستين، الصادر في عام ٢٠١٩م والتي قمت فيها بوضع تقسيم للفئات الإنسانية من خلال اختياري لشكل "المعين" الذي يمثل هرمان علوي وسفلي قمت من خلالهما بتقسم الطبقات أو الفئات الإنسانية وفقا لهما الى خمسة طبقات أو فئات، وما زلت امعن النظر والتفكير في هذه المادة لغاية يومنا هذا لعلها ترى النور العالمي، وقد تطرقت فيها الى مفهوم "الدائرة التربوية" التي قلت فيها بأن:
المنظومة الفكرية التي تتكون عند الفرد هي ما تميز كل منا عن الاخر، كالقيم، والاخلاق والمثل العليا والايدولوجيا الفكرية والعقائدية التي ترتبط و تتأثر بطبيعة الحال بسبب تفاعل عدة عوامل ودوافع مع بعضها البعض. هذه المنظومة والبصمة الشخصية لنا تنعكس على سلوكنا الفردي، فسلوكنا هو إذن بمثابة مرآة لقناعاتنا المختزنة في داخل كل منا، وهذه المنظومة الفكرية او المفاهيم للفرد لا تأتي عن طريق الصدفة بل من خلال التربية، والتربية كما هو معلوم للجميع غير محددة في جانب معين، كالتربية عن طريق التعليم المدرسي أو من خلال واقعة معينة، فالتربية تشمل التربية الاسرية، والتربية المدرسية، والتربية المجتمعية عن طريق الاستماع والمشاهدة والممارسة، فكافة العوامل التي يتعرض لها الفرد على مدى سنوات عمرة هي التي تبني هذه المنظومة لدية، فهي غير محددة في جانب معين او لمرحلة عمرية معينه. فالكائن البشري مخلوق يتطور باختلاف مراحل حياته، والتربية بطبيعة الحال تقوم بصقل شخصيته، وتسير جنباً الى جنب مع هذا التطور.
لهذا فالتربية تعتبر النقطة المركزية والمحورية في دائرة دورة حياة الإنسان التي تسير بنفس اتجاه عقارب الساعة ولا تتوقف الا بتوقف وانتهاء حياة الفرد، والمستوى الثاني في هذه الدائرة يمثل المنظومة الفكرية لدى كل منا، وهي تدور في فلك التربية، واما المستوى الثالث فهو السلوك الشخصي وهو ما يراه ويلاحظه الآخرون، اي بمعنى تفاعلنا مع الاخرين الذي يعتبر مرآة لمنظومتنا التربوية، وقيمنا الاخلاقية، والعلاقة التي تربط ما بين السلوك والعاطفة هنا (الاحساس والمشاعر، المرتبطة ارتباطأً وثيقاً بعملية التربية) هي علاقة متداخلة، طردية وعكسية في آن واحد.
من هنا نؤكد كما ذكرنا سابقا بأن ثقافة الفرد هي فعل يجسد على ارض الواقع إما بالقول كالخطابة والنقاش والحوار أو من خلال الكتابة أو من خلال الممارسة بالفعل والحركات ايضا، وبإيجاز فالثقافة هي فن وسلوك وصورة سلوكية ظاهرة تكون ترجمانا للصورة القيمية والمعرفية الباطنية.
وفي هذا المقام فإننا نجد بأنه من غير المنصف بأن يتم نسب صفة المثقفين وفقا للصورة المشهورة والشائعة بين الناس، لهذا يجب تسمية المفكر بالمفكر والاديب بالأديب، والناقد بالناقد وهكذا،
لعلنا هنا قد قدمنا اجابات لتساؤلات الفيلسوف الفلسطيني "ادوارد سعيد" التي جاءت في كتابه صور المثقف، بحيث تبين لنا من أن المثقفين هم فئة كبيرة جداً من الناس، وليسوا نخبة رفيعة المستوى وضئيلة العدد إلى ابعد حد، وبناءً على هذا فقد يكون المثقف راعي اغنام أو فلاح بسيط، وزير لوزارة أو اميرا لإمارة أو كاتب ومفكر وأديب، أو رب اسرة فقير أو عامل في مجال ما، أو مدرس أو حرفي كالنجار والحداد أو لاعب موهوب أو بائعة خبز أم تحنو على ابنائها، لهذا فالمثقفون ليسوا طبقة أو شريحة مجتمعية منفصلة بذاتها. فالمثقف هو كل من يسهم ويسعى جاهدا من اجل نشل اسرته ومجتمعه من براثن الجهل والتعصب مقلصاً بسلوكه العذب مساحة السلبيات وموسعاً دائرة الايجابيات. لهذا يمكننا القول بأن المثقف و المثقفين بشكل عام بمثابة " انبياء في مجتمعاتهم، حملة مشاعل تنير وتضيء دروب السالكين، وهم اصحاب قيم ومبادئ يؤمنون بها حق اليقين، حملة رسالة إنسانية نبيلة واصحاب ضمير حي صفتهم الاستقامة وعدم الانحراف، تتجلى فيهم صفة الرحمة والليونة والسهولة ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ويمشون على الأرض هونا متواضعين للخلق، اصحاب خصال حميدة. لهذا فإننا نرى بأنه من الأنسب اعطاء وصف للمثقفين من خلال الصفات التي يتمتعون ويتميزون بها، فمن الصعب جدا كما ذكرنا سابقاً اعطاء تعريف محدد للمثقف، فقد يكونوا من شريحة معينة أو من شريحة اخرى، وقد يكونوا من اصحاب الانشطة الذهنية أو الانشطة البدنية التي تتطلب هي الأخرى نشاطا ذهنيا، فبالإضافة الى ذلك النشاط الذهني الذي يبذله الحرفي على سبيل المثال اثناء مزاولته لحرفته فإنه يقوم ويمارس ايضا ادوار اخرى في المجتمع كتكوين وبناء اسرة وعلاقات اجتماعية في بيئته ومحيطه، لهذا فنحن نتفق على أن (كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع) وذلك وفقاً للمقاييس آنفة الذكر.



#محمد_زهدي_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيتو الاميركي حاضر لمنع انفاذ قرار محكمة العدل الدولية
- تداعيات اغتيال الشيخ صالح العاروري
- توجه المزاج العام الاسرائيلي
- اتساع رقعة الحرب وامتداداتها
- مصر تحذر إسرائيل من قطيعة بالعلاقات
- اطلالة على مشهد خطاب -نصر الله- المرتقب اليوم
- طوفان الاقصى والصدام العالمي الكبير
- خاطرة مقتضبة
- المؤتمر الثامن لحركة -فتح- المؤتمر التأسيسي للمرحلة القادمة
- ضرورة تحديث الخطاب العام مع الجمهور الفلسطيني
- صورة فوتوغرافية قد تغير مجرى الاحداث السياسية
- فلسطين وجوهرتها القدس قضية العرب والمسلمين الأولى
- الاستفتاء قد يغني عن الانتخابات
- قضيتنا الفلسطينية والنظام العالمي الجديد
- اجتماع الامناء العامين للفصائل والترقب سيد الموقف
- الدولة العبرية وبداية نهاية النهاية والافول
- احتضار القيم في الغرب وتنامي النزعة العنصرية
- قراءة في انتخابات مجالس اتحادات الطلبة في جامعاتنا الفلسطيني ...
- كيف ننقل الوضع الفلسطيني من حالة الوهن والضعف الى حالة القوة ...
- المشهد الفلسطيني وجذور النكبة الفلسطينية


المزيد.....




- تُعتَبَر هذه البحيرة الضخمة في إسبانيا إنسانًا وفقًا للقانون ...
- -لا نريد أن نعيش نكبة أخرى-.. شاهد ما قاله رياض منصور عن إخر ...
- هل تؤدي عمليات تجميل الوجه إلى الإصابة بالإيدز؟
- منحته 3 آلاف جنيه إسترليني.. بريطانيا ترحل طالب لجوء إلى روا ...
- شرطة نيويورك تداهم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب
- تقارير: إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة من أجل اتفاق غزة ...
- بيان صادر عن المنبر العمالي العربي المناهض للإمبريالية والصه ...
- طريقة علمية لتجنب الكآبة
- -كلاشينكوف- تكشف عن درونات جديدة بمواصفات مميزة
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي استهدف عدة مناطق في غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد زهدي شاهين - المثقف بين نموذجين -النشط الحيوي- و -والنشط الصامت-