أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - رحلة زمنية














المزيد.....

رحلة زمنية


حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)


الحوار المتمدن-العدد: 7842 - 2023 / 12 / 31 - 16:15
المحور: الادب والفن
    


لنفترض وجوده في غابة .
يجلس الرجل فوق جذع شجرة قديمة ، يمسك بيده اليسرى عكاز اً خشبياً ضخماً، ولا يريم.
بينما تطير غربان في جميع الاتجاهات وهي تتحاشى الاقتراب من الرجل.
الرجل دون ملامح. تحتل مساحة وجهه بالكامل عيون مغلقة.
من المفروض طبعاً ، أن يكون الرجل أعمى، وهذا بالضبط ما تقترحه النصوص القديمة عن العرّافين . فهم لا يبصرون بعيونهم، لكن بقلوبهم وأرواحهم.
غير أن ذلك الرجل المفترض ليس عرافاً!
هو كما يشير إلى نفسه ، محدِّثاً بالصمت الكائناتِ التي حوله ، الماضي والحاضرَ والمستقبل.
بشكلٍ ما أدبي مجازي هو الزمن. وبشكل ما يبدو (الزمن الرجل) قلقاً في أثناء توصيف المشهد. لقد رأى في باصرته الكونية امرأة تفترش حقول القمح. رآها بجلاء، متربعة على مصطبة خشبية ، وتمسك بيدها اليسرى عكازةً خضراء ، بينما تحرك يدها اليمنى أمواج نهر يتدفق في البعيد.
يشعر الرجل بأنه وقع في الحب. يقرر كما في نص معاصر أن يذهب إلى المرأة. ينهض ، ويقطف لها قرون فانيلا ضخمة كانت تنمو في الزمن الأول.
تحدس المرأة بمجيئه، بل تراه في باصرتها أيضاً. هي أيضاً مجاز آخر للماضي والحاضر والمستقبل.
تسمح النصوص القديمة أيضاً بافتراض وجود رموز متنوعة للزمن. رجل وامرأة ! ما الخطأ في هذا ؟
دائماً كانت المؤرقات الديناميكية العظيمة للإنسان هي الماضي والحاضر والمستقبل.
ومنذ أن كان في الكهوف، وحين كان يطارد الماموثات، وأثناء تشييد الأبراج، وفي معمل صناعة السيارات، وفي أروقة مفاعل سيرن، كان ذلك التشابك الكمومي بين الأزمنة الثلاثة حاضراً. وكانت خيوطه ، تحبك النصوص ، فيما تحبك.
يسرع الرجل الوقور العاشق إلى المرأة . يسرع ولا يتباطأ رغم حمولته من جبال الزمن.
وتنهض المرأة رغم حمولتها المشابهة. تسرع إلى النهر، تفرد شعرها الطويل كالأشجار، وتكحل عينيها بأشعة نجم برتقالية من المستقبل . ثم ترتدي قلادات ملكة كانت تحكم العالم قديماً.
يلتقيان في البرزخ. لا يستطيعان الاقتراب، فثمة أمواج طاقة هائلة تصدر عنهما. يحاولان التشبث وعدم السقوط.
يحسم الرجل أمره، ويلقي بالماضي بعيداً، مما يعيد بعض التوازن إليه.
تفعل المرأة مثله، وتلقي بالماضي والحاضر معاً، فتقترب منه بثبات وأمان. يبادر حينها برمي الحاضر أيضاً، فيتوازنان ويستطيعان القول اللطيف "صباح الخير".
***
يلتقيان بعد مليون سنة. هي صيدلانية تدير صيدليتها الخاصة ، وهو رجل عابر . يقدم لها وصفة من طبيب العصبية . تقدم له الحبوب المهدئة، وتسأله من باب اللياقة عن تعاطيه أدوية أخرى قد تتعارض مع دواءه الجديد.
يبتسم العابر ، ويطلب منها علبة باندول. فتقترح عليه الاكتفاء بالحبوب المهدئة التي قد تساعده في تدبير صداعه.
يتشجع وبخبرها، أن ما يعانيه هو ليس الصداع. بل الكوابيس .
تنتبه المراة إلى يده اليسرى المعروقة كشجرة عجوز، وينتبه إلى يدها اليمنى التي تشبه حزمة سنابل.
يهم بإخبارها عن فقدانه لزوجته وطفله بسبب قذيفة ملعونة . وتهم بإخباره عن هجرة زوجها إلى ألمانيا وزواجه من سورية لاجئة هناك.
يهمان ببعضهما بعضاً ولا يذكران ماضيهما المشترك.
وكيف يذكرانه، وقد تخلصا منه طواعية للحصول على النجاة؟
ينزل ضباب ثقيل، يهبط من اللامكان. يغطي شوارع المدينة، يتسلل إلى تلك الصيدلية . يغيبان في الضباب ، يعودان إلى الغابات والحقول. ويقفان من جديد في البرزخ ، ولا يشعران برغبة هذه المرة في رمي الماضي والحاضر ، بل يسرعان معاً إلى رمي المسقبل،
ويرميان معه الماضي دون تردد.



#حسان_الجودي (هاشتاغ)       Hassan_Al_Joudi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الشوكلاه والذات والصداقة
- فخ الأسماء
- النص المقدس
- بخاخ أنف للحياة
- عن الهوية السائلة
- اللغة بيت الموت
- الحرب!
- يوم خميس تفجيرات أصابع نوبل
- الموت الرحيم في هولندا
- آنابيل
- الخزانة القديمة
- لا أحب النكات عن حمص!
- تقنية الشعر
- ثقافة الاغتصاب
- النعيم
- ذبابة الجندي الأسود ، صديقتي الجديدة
- كيف تغير عقلك؟
- العبور
- اللامنتمي
- رحلة في قطار الغرب السريع


المزيد.....




- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...
- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - رحلة زمنية