أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - النعيم














المزيد.....

النعيم


حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)


الحوار المتمدن-العدد: 7618 - 2023 / 5 / 21 - 12:57
المحور: الادب والفن
    


1-
يعتقد كل إنسان أنه جالس في مركز دماغه الصغير.
ولكن العقل الواعي في الحقيقة هو كوكب على حافة مجرة بعيدة جداً عن موقع حدوث الأمور الرائعة.
وكما تُسحب النجوم بجاذبية الثقوب السوداء ، فنحن نتأثر بمشاعر ورغبات غير واعية، تجرفنا بعيداً عن قدرتنا على تصورها.
ما يحدث أحياناً في أحلامنا ، هو أننا نتصرف وفق هذه الدوافع، وهي ربما أشد أماناً من فعلها في العالم الحقيقي.
ولكن عندما تدخل رغباتنا القوية إلى مدارنا سيكون صعباً تجاهلها.
السؤال الوجودي المهم هو هل علينا دوماً إجبار هذه الغرائز الأولية على العودة إلى الظلام من حيث نشأت؟
أم أنه أحياناً لا بأس أن تكون سيئاً!
2-
يحس بالاختناق منذ عقود بسبب تصرفاته الجيدة. يستعد بشكل ممتاز لمحاضرته القادمة ، يعيد أفكارها الرئيسية وينظّم طريقة عرضها. يختار الثياب المناسبة. يحلق ذقنه، وينظر في أخبار الطقس ليعرف ضرورة حمل المظلة.
يتناقش مع الطلاب، يصحّح لهم مشاريعهم بتفان، يؤدي جميع واجباته الأكاديمية كما يؤدي المؤمن طقوسه.
يختار الطعام الصحي المناسب . يلتقي مع الأصدقاء، يروي حكايات ما قبل النوم لأطفاله. يكتب عن تلوث هواء مدينته ومياهها. ينشر القصائد في الدوريات. يشارك في الأمسيات الأدبية بانتظام. يلعق مصاصات الحياة (تشوبا تشوب) اللذيذة دون انقطاع.
يتظاهر بالصوم في رمضان. يتظاهر بالكياسة أمام زميله الأكاديمي الذي يعيق إنجاز أبحاثه. لا يجرؤ على الذهاب إلى مدرسة أولاده والصراخ بوجه المعلمة، كي تكف عن تلقينهم الحلال والحرام. ولا يجرؤ على تأنيب بائع اللحم الغشّاش ، ولا الطلب من الموظف عدم إضاعة الوقت بالفطور والشاي .
يجهّز طبخة المحشي لعائلته، بينما تكون زوجته في عملها بالعيادة. ينام هاجساً بقصيدة ، ويستيقظ ليضع الجديد من فوط ( التصرفات الجيدة) في سراويل الحياة.
منذ ساعات يشعر بالحمق، يواصل تصرفاته الهولندية الجيدة. يختار الأفوكادو الجيد لصحة الشرايين، ويشرب شاي القرفة والبطيخ المرّ Bitter melon لخفض منسوب السكر الذي ارتفع بعد غداء غني بالكربوهيدرات. سيذهب بعدد قليل لساعة تريض، ويبتسم للعابرين بتهذيب، ويشكر السائقين المتوقفين عند إشارات عبور المشاة، ولا يعيد النظرة إلى امرأة جميلة ، ويتحاشى التمهل خلف جينزها الضيق صاحب كرامات النشور.
ثم يعود إلى الجلوس إلى اللابتوب كي يشاهد فيلماً بعد أن يعجز عن البدء في كتابة مسرحية يخطط لها منذ شهور.
إنها حياة التصرفات الجيدة!
تتملّق وتجامل في صفحات الفيسبوك ، تناقش أحياناً ، فتدرك أنك تلقي الافكار أسماكاً ميتة على قارعة الطريق، وتواصل إيهام ذاتك أنك تستحق الحياة. لقد ناقشتَ وكتبتَ ، وحملتَ القمامة إلى الحاوية، وذهبت إلى التسوق، وكتبت إعلاناً عن علبة مكملات غذائية وجدتها في الشارع، وسوف تقدم محاضرة ثقافية بعد أيام. ولديك مخطط لزيارة عيادة علاج فيزيائي لتعالج عرضاً لا يستحق أهمية ذكره.
المزيد من التصرفات الجيدة !
هل هي التزامٌ تام بتعليمات المخرج العبقري الذي أخرج ملايين الأفلام عن التصرفات الجيدة ، فذهبتْ إلى المحارق المصنوعة خصيصاً من معدن فضائي يملك منجمه صاحب الغبطة الأعظم؟
أم هي زواج كاثوليكي وارتباط بيد صانع تماثيل الشمع للمتاحف الرائعة ، والعمل لديه كما عملت قملةٌ في شعر سيسيفوس ؟
3-
يرغب فعلاً أن لا يتصرف بشكل جيد. لبس البنطال بالمقلوب مثلاً، تقليد مرقة الدجاج الضاحكة، أو بقرة ماجي. التهريج الكوني كما يفعل كل صاحب سلطة، وكما يفعل كل معارض!
وربما فقط، الخروج من منزله دون النظر في مخطط رحلات القطار، والانطلاق دون أدوية دوار الحركة، والنزول في أمستردام، أوربما مدينة أنتفيربن البليجيكة لزيارة متحف الشوكلاتة. أو مواصلة الرحلة، والجلوس قرب نافذة المشتري ومراقبة الكواكب الأخرى في رصيف المدن المجهولة ، والنزول في تلك المدينة التي يتذكرها من مشهد سينمائي . ...
ثمة امرأة أنيقة تحمل قمراً بين يديها، ملامحها شرق أوسطية، تياراتها الزمنية صافية حداثية كعين سبينوزا ذاته. تقاطيعها كسنابل قمح وتوليب.
لا يهم إن كانت تراه . ربما تحسبه مريضاً بالفصام ، حين يقترب نحوها ، ويكتب على جسدها أناشيد النسيان.
الأناشيد موشومة بالأصل على جسدها. لذلك هما لا يتذكران من منهما دعا الآخر.
هذا لا يهم!
ما هو جوهري أنه تصرف بشكل غير جيد. وأنه غير نادم على مخالفته لقوانين نيوتن التي حددت مسار حياته وقيدته بالقوانين الصارمة.
يكره نيوتن كثيراً، ولكنه يحبه أيضاً. خاصة أنه يحميه من السقوط من كوكب تلك المرأة.
يخبره نيوتن أن جبالها أشجار صندل، وأعشابها طيّبة طبيّة تصلح لوصفات الخلود، ويخبره أيضاً أن هناك كرات شوك ضخمة قد تثبت جسده للنسور ، وأنَّ خارج مدارها الفضائي توجد صواعق زيوس وهي تعاقب كل مغامر يزور عشيقته شرق الأوسطية.
يخبره نيوتن بضرورة شراء مظلة ليسقط سقوطاً آمناً. فيهزأ منه، لا بل يصغي، ولا يعرف المآل!
هل يذهب برفقة تلك السيدة إلى النعيم، أم يواصل ركوب القطار إلى حيث لا عين رأت ...ولا أذن سمعتْ
تصرخ به حينها تلك السيدة وهي تشعُّ بالأوتار الفائقة ، (معادلة الإله)، التي تلغي نيوتن الكلاسيكي وأينشتاين الحائر:
-لكنكَ لا تسمع ! أنت مصاب بصمم في أذنك اليسرى. كيف سمعتَ صوت ندائي؟
-لقد شفيتُ بالشعر.
-هل تكتبُ لي؟
-ثم ماذا؟
تصمتُ السيدة قليلاً، ثم تخبره عن كوخ قرب البحيرة، وعزلة خالدة، وداليات لا يجف حليبها، ونزهات في المياه والجسد والصلصال. زراعة الطعام العضوي، وتأليف كتب عن السعادة.
يحس باليأس ، فتلك السيدة الزيوسية تريد منه أن يبدأ بالتصرف بشكل جيد أيضاً.
يصمت قليلاً، ويتصرف بطريقة ليست جيدة وغير مهذبة. يطوي الطريق على ذراعه الذي بدأ جلده بالتغضن ، ويختار طريقاً جيداً ، يمر فيه على الصيدلية، لتجديد وصفته من دواء يجعله يتصرف بشكل جيد حتى الوصول إلى القبر.



#حسان_الجودي (هاشتاغ)       Hassan_Al_Joudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذبابة الجندي الأسود ، صديقتي الجديدة
- كيف تغير عقلك؟
- العبور
- اللامنتمي
- رحلة في قطار الغرب السريع
- قلة أدب بيئية!
- عن الشعر والموت
- 20 سنت أو سنة
- قانون نيوتن الثالث- الأم والتابوت
- (نص في موقف الاقتباسات والاعتقادات )
- أستقلّ طائراً
- المحقق مونك Monk
- مرقاب الشِّعر
- مشهد مسرحي
- شهيد الرموز
- عرج الوجود المتقطع
- الذرة الزرقاء
- كلمة المرور
- فطر القنفذ
- لافندر يا لافندر


المزيد.....




- الدوحة.. متاحف قطر تختتم الأولمبياد الثقافي وتطلق برنامجا فن ...
- من قس إلى إمام.. سورة آل عمران غيرتني
- إطلاق متحف افتراضي في دمشق يوثّق ذاكرة السجون في سوريا
- رولا غانم: الكتابة عن فلسطين ليست استدعاء للذاكرة بل هي وجود ...
- -ثقافة أبوظبي- تطلق مبادرة لإنشاء مكتبة عربية رقمية
- -الكشاف: أو نحن والفلسفة- كتاب جديد لسري نسيبة
- -هنا رُفات من كتب اسمه بماء- .. تجليات المرض في الأدب الغربي ...
- اتحاد أدباء العراق يستذكر ويحتفي بعالم اللغة مهدي المخزومي
- -ما تَبقّى- .. معرض فردي للفنان عادل عابدين
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء غزة الأطفال بقراءة أسمائهم في مدر ...


المزيد.....

- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسان الجودي - النعيم