أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية الشمس تولد من الجبل محمد البيروتي وموسى الشيخ















المزيد.....


رواية الشمس تولد من الجبل محمد البيروتي وموسى الشيخ


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7785 - 2023 / 11 / 4 - 22:59
المحور: الادب والفن
    


قليلة هي التجارب الروائية التي جمعت شخصين في عمل روائي واحد، فعربيا تعتبر رواية "عالم بلا خرائط" لعبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا من أهم الروايات على هذا الصعيد، وتأتي تجربة محمد البيروتي وموسى الشيخ ضمن (التجريب الروائي)، فما يميز "الشمس تولد من الجبل" أن الحاكي "موسى الشيخ" والسارد هو محمد البيروتي، الأول "الشيخ" أخبر/قص الأحداث على البيروتي الذي قام بصياغتها روائيا، وهذا ما يجعلها رواية واقعية، فالأسماء بمجملها حقيقية وكذلك الأحداث، وهذا يحسب للرواية، حيث أننا في فلسطين والمنطقة العربية بتنا في أمس الحاجة إلى نشر تجاربنا النضالية للجمهور أدبيا، خاصة بعد أن عزف القراء عن الكتب السياسية، وأخذوا يتجهون إلى الروايات تحديدا.
الرواية تعتبر سيرة ذاتية "لموسى الشيخ" ابن بلدة عقربا جنوب شرق نابلس، الذي ترك بلدته ليعمل في الكويت، وبعد أن سمع بتشكيل جيش التحرير الفلسطيني، فضل ترك عمله والتطوع في الجيش، وهذا استدعى منه الذهاب إلى العراق حيث تدرب وتعلم أصول العسكرية، وقبل حرب 1967 ينتقل إلى الأردن التي كانت تتشكل من شرق الأردن والضفة الغربية للمشاركة في الحرب، لكن من أن يصل إلى الأردن حتى يعلم أن الضفة الغربية سقطت بيد الاحتلال ومعها الجولان السوري وسيناء، من هنا قرر البقاء في الأردن والمشاركة في العمل الفدائي مع حركة القوميين العرب.
يحدثنا عن معركة الكرامة وكيف أن قيادة حركة فتح قررت مواجهة قوات الاحتلال القادمة من غرب النهر، رغم معرفتها أنها لا تستطع أن تواجه قوات جيش نظامي مدعوم بالمدرعات والدبابات والطيران، لكنها كانت تريد رفع معنويات الجماهير العربية بعد هزيمة 67، وكان لها ما أرادت، تم تحقيق الانتصار بعد أن تدخلت مدفعية الجيش العربي المرابطة على جبال السلط، مما أوقع خسائر كبيرة في جنود الغزاة وتحقق أول انتصار عربي على الجيش الذي لا يقهر.
ثم ينقلنا إلى العمليات الفدائية التي خاضتها الثورة الفلسطينية التي استقطبت العديد من المقاتلين العرب ليكونوا جزءا منها، وهذا ما جعلها ثورة عربية بكل معنى الكلمة، فنجد فيها المصري والسوري والسعودي والعراقي والأردني والسوادني، إلى أن يقع أسيرا بيد الاحتلال.
يحدثنا عما لاقاه من معاملة قاسية في سجن عسقلان على يد "زيتون" الدرزي الذي مارس سادية مفرطة بحق الأسرى، وهنا يأخذنا إلى المواجهة مع السجان وإدارة سجون الاحتلال من خلال الإضراب عن الطعام بعد أن قدم "أبو علي شاهين" إلى سجن عسقلان واستطاع تنظيم الأسرى ليكونوا صوتا واحدا أمام بطش الاحتلال، وهنا يتعرف القارئ حجم المعاناة التي تقع على الأسير المضرب عن الطعام وما يواجهه من عذاب.
ينجح الأسرى في تحصيل بعض من حقوقهم، بعد أن دفعوا شهداء ثمنا لهذا الحقوق التي انتزعوها من براثين الغاصب، تنتهي أحداث الرواية بعد عملية تبادل الأسرى ويتحرر "موسى الشيخ" من الأسر بعد أن حكم عليه بثلاث مؤبدات، وهنا يستعيد قول "زيتون" الدرزي السادي: "قديش محكوم يا كعروت...محكوم ثلاث مؤبدات يا عكروت؟...إن رحت المؤبد الأول يا عكروت... قالها ولحس أصبعه مرة أخرى وقربها من عيني "يبقى المؤبد الثاني يا عكروت" وإذا راح المؤبد الثاني يا عكروت ... هذه المرة لحس أصبعه الوسطى، الأصبع التي ترمز إلى معاني الرذيلة، لحسها ودفعها داخل عيني قائلا: يبقى المؤبد الثالث يا عكروت.
زيتون يقف أمامي، يقرأ الأسماء، نظري مثبت على شفتيه، ينتزع الاسم من الورقة انتزاعا وكأن روحه هي التي تنتزع وليس الأسماء، وأخيرا نطق الحروف هل هي سخرية القدر، زيتون بداته الذي استقبلني بأصابعه الثلاث وقد أغلق على كل الأقفال إلى أبد الآبدين، أقفال السجن، أقفال الأمل، أقفال الحياة، زيتون ذاته يزيل الأقفال والمتاريس، مع كل حرف من اسمي يسقط قفلا، مع كل مقطع يسقط بابا، ومع كل كلمة يسقط سجنا، تلاشت زنازين السجون وأحدة إثر الأخرى، ...وها أنذاا ركب الطائرة من جديد، أنطلق نحو البعيد. نحو بداية الطريق من جديبد" ص319و320، تركيز "الشيخ" على "زيتون" الدرزي اكثر من غيره من السجانين يعود إلى أنه فلسطيني عربي تم غسل دماغه من الصهاينة بحيث أصبح أكثر توحشا منهم، فقد ذكره روائيا في العديد من محطات الأسر وكأنه يريد أن يحاكمه/يعاقبه على سلوكه المتوحش مع الأسرى، وعلى كونه خائن لأبناء قومه العرب الفلسطينيين، لهذا كان حضوره متكررا وبهذه الشكل المعيب والمخزي.
الفدائي
على مر الزمن كان المقاتل الفلسطيني يمتاز بالنبل، بالصلابة، بالتضحية، حتى انه وصل إلى مرتبة القدسية، فقد كان يقاتل حتى آخر طلقة، وكان يؤثر نجاة رفاقه على نفسه، "موسى الشيخ" قدم أكثر من صورة للفدائي، فعندما كانوا في العراق وتقرر ذهابهم إلى جبهة الأردن، كانوا بهذا الروح: "وبدأنا نصرخ في السائق كي يسرع بنا نحو الجبهة خوفا من أن تنتهي الحرب ويحرز العرب النصر قبل أن نصل ويفوتنا شرف المشاركة فيها" ص54، هذه الروح لم تخبت رغم الصدمة التي وجدوها بعد وصولهم، فقداهزم العرب في الحرب، ولم يعد هناك جيوش تقاتل، لكن الفدائي لم يستسلم وقرر البقاء قريبا من الأرض المحتلة، لعل وعسى يأتيهم فرصة للقتال من جديد، وهذا ما كان في معركة الكرامة.
فبعد أن صدرت الأوامر من "أحمد جبريل" بضرورة الانسحاب والابتعاد عن الكرامة، لعدم تكافئ القوة بين الفدائيين وجيش الاحتلال، إلا أن المقاتلين كانوا يشعرون بالمرارة، مرارة إطاعة الأوامر العسكرية والرغبة الجامحة في القتال وملاقاة العدو: لن يغيب عن ذاكرتي أبدا، مشاهد الصدمة العميقة التي أصابت زملائي في الموقع، شعور هائل بالمهانة وتحقير الذات.... لقد وقعنا في متاهة التناقض، بين تنفيذ الأوامر العسكرية التي وجهها لنا القائد العسكري للجبهة الشعبية أحمد جبريل، بعدم الاشتراك في القتال، وبين شعورنا بالإحباط والمذلة الناجمة عن عدم الاشتراك فيها" ص72، نلاحظ أن "موسى الشيخ" ما زال يتحدث عن مشاعر المقاتلين دون أن يتحدث عن فعلهم، ودورهم في القتال، وهذا الأمر يحسب له، فهو لا يريد أن يقدم لنا أشخاص من فولاذ، بل أشخاص من لحم ودم، أشخاص إنسانيون، يشعرون بما نشعر به، لهذا بعد أن ابتعدوا مسافة آمنة عن الكرامة، وشاهدوا المعركة تشتعل، قرروا المشاركة فيها من خلال أطلاق قذائف الهاون القصيرة المدى، لكن عبقرية المقاتل ورغبته في القتال جعلته يستخدما هذه الطريقة لإيقاع خسائر في صفوف العدو: "كان ضمن المقاتلين في قاعدتنا الضباط التميز في كتيبة المغاوير العراقية، محمود ذياب عثمان، والذي قال لنا أننا يمكن أن نشارك بفاعلية، عبر استخدام مدفع الهاون الموجود بحوزتنا، بعد تذخير القذائف بحشوتين دافعتين إضافيتين، بحيث يحقق القصف مدى كاف لضرب حركة الدبابات وناقلات الجند" ص72، بهذا التصرف كان المقاتل الفلسطيني (مطيعا للأوامر العسكرية) وفي الوقت ذاته يلبي طموحه كفدائي في المشاركة في القتال، وهذا يشير إلى عبقريته وقدرته على الإبداع.
قلنا أن الفدائي كان يؤاثر التضحية بنفسة لتأمين حياة رفاقه، يحدثنا "موسى الشيخ" عن "عبد الكريم" قائد مجموعة فدائية، تم كشف أمرها قبل أن تصل إلى موقعها، فيصدر أمرا للمجموعة: "بالانسحاب تحت غطاء رشاشه، محددا لهم الاتجاه نحو الجنوب، ...الانعطاف شرقا واجتياز النهر...عارضت المجموعة هذا القرار، فإما النجاة جميعا أو الموت سويا، لكن عبد الكريم، حسم الأمر قائلا: الوقت يداهمنا.. وسوف يطوق المكان بكامله وسوف تضيع النجاة للجميع، كانت أوامره حاسمه، فانصاعت المجموعة واتجهت نحو الجنوب بحركة دورانية، زحفا على البطون في حين أستأنف هو إطلاق النار، مع الانسحاب التدريجي نحو الشمال، لجر المعركة بعيدا عن مسار المجموعة... راوي هذه الحكاية محمود الضميري لم تطاوعه نفسه على الانسحاب، تاركا عبد الكريم وحيدا، في المواجهة...وكانت التعزيزات الإسرائيلية قد وردت بكثافة، حيث تم طويق عبد الكريم من كافة الجهات، لكنه استمر لثلاث ساعات كاملة يشاغل المهاجمين قبل أن تصيبه طلقة قاتلة... عندما أحاطوا بالفدائي القتيل، بدا على الجنود الدهشة، فلم يكونوا يتصورون أنهم خاضوا كل هذه المعركة مع فدائي واحد، رأيتهم رؤى العين، يؤدون له التحية العسكرية، أما أنا فقد انسحبت بين الصخور، ولم يكن هناك من جدوى لفعل شيء" ص98و99، اللافت في هذا الحدث أنه يؤكد عظمة الفدائي، وأنه فعلا كان يضحي بنفسه ليكون رفاقه في مأمن، فالفدائي لم يكن مجرد اسم، بل كان فعل، فعل خارق مقرونا بالإبداع، من هنا وجدنا عبد الكريم يجبر عدوه على احترامه حتى بعد مقتله، أليست هذه قدرة تتجاوز العقل والمنطق والتحليل؟
وعندما يتم اسر الفدائيين كان يتم بسبب: "أمع انتهاء ذخيرة المحاصرين عندها لا يعود بوسع من بقى على قيد الحياة غير الاستسلام" ص144، لهذا نقول إن أنبل ظاهرة عربية وجدت هي ظاهرة العمل الفدائي الذي جسد القول بالفعل، النظرية بالتطبيق، فكان مثلا لكل ما هو نبيل/معطاء/صادق/مخلص.
بعد الوقوع في الأسر يستمر الفدائي بنهجه، من خلال الاحتفاظ بنبله وتمسكه بأخلاق المقاتل الشهم، وأيضا بقدرته على مواجهة العدو ببسالة، يصدر أمر ل"موسى الشيخ" بتصفية أحد العملاء في السجن، لكن أخلاقه كمقاتل وكعسكري تجعله مرتبك: "لم يكن هذا الاحتمال قد دخل في حسابي سابقا، فالقتل والموت في الاشتباك كانا مقبولين لدى كل من التحق بجيش التحرير والحركات الفدائية الفلسطينية، لهذا تم إعدادنا، أما إعدام شخص أعزل وهو نائم في فراشه؟ هذا أمر كبير" ص153، أيضا نجد تركيز "موسى الشيخ" على المشاعر التي تحكمها القيم التي نشأ عليها، فرغم أنه عسكري وعليه إطاعة أوامر القادة، إلا أنه يرى نفسه ليس مجرد آلة قتل تزجه حسب ما يريده المسيطر عليها.
وإذا ما ربطنا هذه الحالة مع حالته أثناء معركة الكرامة، نتأكد أن هناك تأكيد على إنسانية الفدائي وعلى ما يمتز به من أخلاق وقيم، وكأنه يريد الرد على ممارسة بقية (الجنود) الذي يطيعون الأوامر مهما كانت غير إنسانية وما فيها من وحشية، دون أن يشعر (المنفذ) بأي مشاعر بالذنب تجاه من قتله، وهنا تكمن أهمية وأفضلية الفدائي على بقية المقاتلين الذي ينفذون كل ما يصدر لهم.
وعن الصمود في الحقيق رغم هول التعذيب وشدته، يحدثنا عن "مؤيد البحش" الذي تعرض لأبشع أنواع التعذيب وأقساها ومع هذا لم يعترف: "عندما عاد البحش إلى سجن نابلس، لم يكن قد أدلى بأي اعتراف يدينه في المحكمة، كانت يداه مشلولتان فقدتا الإحساس نهائيا، إلى درجة أنه لم يكن يشعر بوخزات الإبر أو كي السجائر" ص165، لم يقتصر بسالة الفدائي على الصمود أمام التعذيب وما فيه مر رهبة ووحشية، بل تعداه إلى رفض المغريات رغم ما فيها من (حرية)، "علي الجعبري" من الذي تم أسرهم، وكان من عادة قادة الاحتلال أن يقابلوا هؤلاء الأسرى ليتعرفوا على طريقة تكونيهم وتفكيرهم، "موشي ديان" وزير الحرب في دولة الاحتلال يطلب من "علي الجعفري": "أريدك أن تحمل رسالة لياسر عرفات، وأنا على استعداد لأن أطلق سراحك على الفور، سوف تخبره أن إسرائيل على استعداد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي فورا. أجابه الجعبري على الفور: أن إطلاق سراحي الفوري سوف يثير الشكوك بأنني أتعامل معكم، وأنني من سلم المجموعة التي قاتلتكم.. لذا أنا أرفض طلبك.
ـ إذا رفضت طلبي فإن مصيرك المحتوم هو الذهاب إلى السجن، ربما أزورك هناك بعد عشر سنوات.
ـ ذلك افضل من أن أهم بالعمالية" ص236و237، هذا الحدث يؤكد أن الفدائي تحكمه الأخلاق، وينكر ذاته في سبيل قضيته، قضية تحرير فلسطين.
وإذا ما توقفنا عند طلب "ديان" نتأكد أنه يريد ما هو أبعد من مجرد إيصال رسالة لعرفات بإنهاء الصراع، فهو يريد تمزيق الصف الفلسطيني من خلال عرض فكرة القبول بدولة الاحتلال من قبل الثورة الفلسطينية، ومن ثم تمزيق الثورة وجعلها تخوض صراعا داخليا يضعفها، ويبقي المحتل في مأمن من العمليات الفدائية، من هنا كان "علي الجعفري" يعي خطورة ما طلب منه، فآثر السجن على (الحرية)، فقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، محافظا على إبقاء الثورة بعيدا عن مكائد المحتل.
وعندما يخوض الأسرى إضرابا عن الطعام ويصيبهم الألم والاضطرابات الجسدية والنفسية، يخاطبهم المقاتل العراقي "أبو عروبة" بقوله: "هذا ليس إضرابا عن الطعام، ما نقوم به هو صراع قومي عروبي ضد الحركة الصهيونية، لن أسمح أبدا للقومية العربية أن تهزم أمام أبناء الزناة الصهاينة، المجد للعروبة، المجد للثورة، النصر لنا" ص301، فبعد هذا الكلمة تم حسم امر الاستمرار في الإضراب، هكذا كان الفدائي، فكل من انتمى للثورة كان يمتاز بالقوة والقدرة على تجاوز الصعاب، مؤمنا بأن قضيته ستنتصر، لأنها قضية قومية، وطنية، إنسانية.
قومية الثورة
اللافت في الثورة الفلسطينية أنها لم تقتصر على الفلسطيني فحسب، بل امتدت لتصل إلى كل الأقطار العربية، من هنا كان "أبو عروبة" يمثل صورة عن قومية الصراع في فلسطين، يركز "موسى الشيخ" على هذا الأمر من خلال حديثه عن مجموعة كبيرة ممن شاركوا في الثورة من خارج فلسطين، منهم: "بجواري جلس عبد الغفور جمعةـ يمني من مدينة عدن، وعلى يساري فوزي الزعبي، أردني من مدينة الزرقاءـ وكان أحد أسرى الدورية التي كان يقودها فاروق سحويل" ص143، ويحدثا عن أحد الضباط الأردنيين الذين سهلوا وساهموا في إيصال المقاتلين إلى فلسطين المحتلة: " مطلع عام 1968 توجهت مجموعة قتالية تضم علي الجعفري نحو تهر الأردن مستقلين سيارة عسكرية أردني يقودها ضابط أردني يحمل رتبة مقدم، وقد دأب هذا الضابط وفي الخفاء، على تقديم المعلومات المختلفة للفدائيين المتوجهين نحو الداخل في القاطع الذي كان تحت أمرته، وفي هذه الحالات لم يكن يأخذ معه سائقا بل يقود السيارة بنفسه ويقدم لهم ما يحتاجونه، وعند النهر يودعهم بحرارة متمنيا لهم النجاح والسلامة" ص234، وهذا دليل على أن الثورة كانت حاضنة لكل الشرفاء العرب، وكانت تمثل بارقة الأمل في التحرير وعودة الكرامة العربية التي فقدت بعد هزيمة 1967، من هنا وجدنا الضابط يسهم وبفاعلية في الثورة من خلال موقعه كقائد ميداني، يعطي المعلومات والخرائط ويمدهم بالدعاء وكأنه قائدهم.
السعودية أيضا ساهمت في الثورة وشاركت فيها من خلال: "رخا والذي التحق بتنظيم الصاعقة لتقديم واجبه للقضية القومية، واعتقل أثناء قيامه بعمل عسكري،... كان قليل الكلام فيما يتعلق بمهمته، لكنه كان واسع الثقافة وخصوصا في مجال الثقافة الاشتراكية والثورية" ص263، كل هذا يؤكد أن قضية فلسطين هي قضية كل العرب، لهذا وجدنا العديد من أخوتنا العرب يشاركون كمقاتلين في استعادة فلسطين المحتلة.
شخصيات بارزة
جمال عبد الناصر
يتناول "موسى الشيخ" العديد من الشخصيات التي كان لها أثر في مسيرة الثورة الفلسطينية والقضية العربية، فهناك ذكر ل"جمال عبد الناصر" في اكثر من موضع، منها: "اختلف الأمر في الكويت، فالسياسة هناك كانت متاحة للجمع، ولم يكن غريبا سماع جمال عبد الناصر يخطب بصوته الجهوري المؤثر وانطلاقته في الحديث لساعات وساعات عبر أجهزة الراديو في المقاهي والمحلات، في حين كان الرجال في عقربا يضعون أنفسهم تحت عدد من الألحفة والبطانيات ويخفون صوت المذياع إلى أقصى حد لكي يسمعوا إذاعة صوت العرب وخطب جمال عبد الناصر" ص37، هكذا كان عبد النصر، يسمع في السر ويسمع في العلن، يسمع رغم التهديد السجن وما فيه من تعذيب وقسوة، في الأردن، ويسمع بأريحية في الكويت، وهذه إشارة إلى مكانة عبد الناصر، وإلى أن الكويت كانت تنعم بحرية غير متوفرة في بقية الدول العربية.
ونلاحظ أن السارد يذكر الاسم كاملا "جمال عبد الناصر" وهذا يشير أن الاحترام والتقدير والمحبة التي يكنه له، من هنا وجدناه يكرر الاسم وبشكل كامل.
الأمير فهد الصباح
ومن الشخصيات المهمة التي تناولتها الرواية الأمير "فهد الصباح" الذي شارك كمقاتل في الثورة مقدما لها كل ما يقدر عليه، وهل هناك أغلى وأههم من النفسة، فقد شارك الأمير في العديد من العمليات داخل الأرض المحتلة، وأيضا قدم للمقاتلين كل ما يحتاجونه.
رغم أننا نتحدث عن أمير، إلا أنه كان شعبيا: " لم آتكم قائدا بحكم كوني أمير، من هذه اللحظة أرجوكم أن تخاطبوني بلقبي الذي أحبه "أبو الفهود" وإذا ما قبلت قيادتكم فكوني ضابط مدرب في الجيش الكويتي، ولكوني ساهمت معكم في معركة غزة كضابط في الجيش المصري أثناء الحرب التي دارت رحاها قبل عام، أنا هنا باعتباري عربي أدافع عن بلادي العربية" صص85، بهذه الروح كان الأمير فهد الذي تخلى عن كل الرفاهية والامتيازات التي كان يحصل عليها كأمير في الكويت، وجاء إلى الأغوار ليشارك في الثورة الفلسطينية، ليشارك في تحرير فلسطين التي يعتبرها جزءا من كيانه العربي.
ياسر عرفات
وكان "ياسر عرفات" حاضرا في أكثر من موضع في الرواية، أبرزها حضوره في معركة الكرامة ودوره في تحقيق أول نصر عربي على جنود الاحتلال: "هل خاض ياسر عرفات المعركة، كان هذا السؤال الذي طرحناه على أنفسنا، وشكل لاحقا واحد من ألغاز معركة الكرامة، بصفته قائدا لقوات العاصفة، لم يكن مطالبا بأن يفعل ذلك، فواجبات قادة الجيوش وهيئات الأركان تحتم عليهم قيادة المعارك من أماكن آمنة.
كان ياسر عرفات آخر من رأيناه في الكرامة قبيل المعركة، كما كان ياسر عرفات أول من شاهدناه فيها بعد انتهائها، مما يدل على انه كان في مكان قريب، على أقل تقدير" ص76و77، وكلنا يعلم ما كانت للثورة أن تتمدد وتصل إلى ما وصلت إليه دون معركة الكرامة التي رفعت شأن المقاومة وأسست مقاتلين/فدائيين بروح وأخلاق وعطاء عرضناه حينما تحدثنا عن المقاتلين الفدائيين وما كانوا عليه من بسالة وتضحية، فكان لمعركة الكرامة ولقائدها ومقررها "ياسر عرفات" الدور الأكبر في استمرارية الثورة وبقائها.
أبو موسى
السارد يتناول "أبو موسى" من خلال دوره كجندي أردني في معركة الكرامة: "على مدخل وادي شعيب باتجاه السلط، أطلقت بطارية المدفعية الأردنية بقيادة ضابط صغير التحق لاحقا بحركة فتح، عرف بلقبه كقائد لأكبر انشقاق تشهده الحركة في مطلع الثمانينات (أبو موسى)نحو عشرة قذائف ثم سكتت لأمر لم نعلمه" ص74، وهذه إشارة إلى أن حركة فتح كانت المنفذ لكل العناصر المتمردة على ما هو رسمي عربي، إن كانوا مدنيين أو عسكر.
أحمد جبريل
تم تناول "أحمد جبريل" في أكثر من موضع في الرواية، وغالبيتها جاء بصورة سلبية، خاصة عندما تحدث عن عملية تبادل الأسرى ورفض "أحمد جبريل" شمل "عمر قاسم" في عملية التبادل: "تمكن أحمد جبريل من إطلاق سراح كافة المعتقلين من القيادة العامة، لكنه لم يطالب باثنين منهم، هما إسماعيل الدبج وعمر قاسم، على الرغم من أن الاثنين شكلا طليعية الجبهة الشعبية في السجون، من حيث القدرات القيادية والوعي السياسي.
تصرف أحمد جبريل كان مفهوما بالنسبة لعمر قاسم، فقد تلاسن بشدة مع أحمد جبريل بعد معركة الكرامة، وهناك من شهد بأنه صفع جبريل على وجهه" ص241، وهذه إشارة إلى أن "أحمد جبريل" لم يتصرف كقائد جبهة تسعى لتحرير الأرض والإنسان، وإنما تصرف على دوافع شخصية وحسابات متعلقة بشخصه دون أن يراعي مصلحة فلسطين بتحرير قادتها من سجون الاحتلال.
أبو علي شاهين
قدم بصورة إيجابية في أكثر من موضع، وهذا يعود إلى دوره في تنظيم الأسرى داخل سجون الاحتلال، وجعلهم قوة مؤثرة وفاعلة: "كان أبو علي شاهين قد أسس بناء التنظيم المسيطر الحديدي، لقد بنى حول فتح قوقعة متماسكة، وقد كان محقا في ذلك في فترة التشظي التنظيمي والاعتقالي أثر مقتل اثنين" ص288، إذا ما توقفنا عند هذه الشخصيات وغيرها مثل "رمضان بطة، محمود العالول أبو علي بسيسو" نجدها شخصيات حقيقية، فالسارد أراد بهذه العمل الواقعي كشف جزء من تاريخ الثورة الفلسطينية وما انجزته وحققته وأخفقت به، وما وجود أسماء كبيرة ساهمت في الثورة إلا من باب الأمانة التاريخية للثورة الفلسطينية.
الرواية من منشورات الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة الحق يجب أن تقال
- الشكل والمضمون في رواية -الخطوات- عزت الغزاوي
- المجازر الصهيونية في كتاب -مجرم لا متهم- سحر أبو زلام، ريم م ...
- القيادة في كتاب -لكي لا تكون القيادة استبدادا- خالد الحسن أب ...
- الإصلاح الحزبي في -كتاب كيف يحلو الحصاد، العودة إلى مبادئ ال ...
- الشعر وتقديم الواقع في قصيدة -طفلان يبتسمان-
- دور الإيمان في قصيدة خبر جذوعك- زيد الطهراوي
- البعد الأسطوري للفرح في ومضة -ما تيسر من فرح- عبد السلام عطا ...
- أثر العدوان على الشاعر في ومضة -لم يتكروا- سميح محسن
- سفاهة الأدب في رواية -ليلة واحدة في دبي- هاني نقشبندي
- العدوان والمواجهة في رواية -الرب لم يسترح في اليوم السابع- ر ...
- يوميات غزة
- الفدائي بين الأمس واليوم
- لغة الشخصيات في رواية -إلا أنت- وفاء جميل العزة
- أثر الحرب في رواية -جرماتي، أو ملف البلاد التي سوف تعيش بعد ...
- دوافع التمرد في قصيدة -صاعدا شجرا عاليا- جمال قاسم
- الاجتماعية الفلسطينية في رواية -أمضي أم أعود- فوزي نجاجرة
- (الهولودية) في رواية -مليحة- محمد البيروتي
- مناقشة كتاب ما بين الأبيض والأسود
- الرواية كحاملة للمشروع التحرري العربي في كتاب -الاتجاه القوم ...


المزيد.....




- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية الشمس تولد من الجبل محمد البيروتي وموسى الشيخ