|
نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط - 5 -
جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية
(Jadou Jibril)
الحوار المتمدن-العدد: 7661 - 2023 / 7 / 3 - 08:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما هي آفاق الإسلام السياسي؟
من المهم أولاً محاولة فهم فعل ديناميكيات الربيع العربي على المدى الطويل؛ ثم محاولة دراسة التطورات الوطنية واستشفاف التنبؤات الإقليمية
يبدو أن المجال الديني السياسي في العالم العربي عرف تنوعا ملحوظا، لذا وجب التساؤل حول جدوى ومصداقية المقاربة العالمية للإسلام السياسي.
إن "الوهم" المتمثل في وجود "أممية إسلامية" تجمع "هياكل إسلامية دولية" معترف بها، من قبيل الإغاثة الإسلامية العالمية ، الإخوان المسلمين ، "الوهابية السلفية" ، و"التبليغ" ، و"الجهادية الدولية" ، أضحى مجرد "اختزال فكري " يؤدي إلى مغالطات ويولد نتائج تعاكس الواقع الفعلي القائم.
بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، قد تكون بُنيت بشكل جيد منذ البداية بمنطق أممي أساسا لمواجهة ظهور الحركات القومية العربية. وهذا بنية تجاوز الحدود التي رسمها الغربيون لتقسيم الأمة. ثم دخلت عقيدة الإخوان المسلمين في منافسة حادة وواضحة مع دساتير الهويات الوطنية والدول القومية التي شيدت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية والإمبراطوريات الاستعمارية.
ومع ذلك، سرعان ما وجد الإخوان المسلمون أنفسهم في تصادم مع المسألة القومية. وبعد تنافس مرير مع الأحزاب القومية، كان عليهم التكيف مع طابع الدولة الذي لا مفر منه، "الدولة الأمة". وهكذا، أن الاندماج السياسي التدريجي للإخوان المسلمين فرض عليهم وضع الأجندة الوطنية رأس القائمة على حساب أجندتهم الدولية الأصلية.
وقد تغلغلت القضايا الوطنية في خطاب الأحزاب التي خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين و سيطرت على همومها وأفعالها وأهدافها القريبة والبعيدة، وبذلك طغى الطابع القومي على "الحلم الأممي". ومع ذلك، فإن فرضية «الأجندة الدولية الخفية" لتشكيلات الإخوان المسلمين ظلت موضوع التساؤل. هذا، ما دأب خصومهم العلمانيون على التلويح به باستمرار على نطاق واسع ، لإظهار أن مشروع الأحزاب المنبثقة من الإخوان المسلمين هو نفس مشروع السلفيين والجهاديين ، لكن طريقة عملهم لتحقيقه مختلفة. ليخلصوا إلى القول إن كل "التطورات التحديثات العقائدية" التي قامت بها تلك لأحزاب طاعة الإخوان هي مجرد "تقية" قصد بلوغ مراكز السلطة والمسك بزمامها.
وقد غذت جملة من القرائن هذه الفرضية، منها بشكل خاص ما تم وصفه بـ "التجاوزات الاستبدادية للرئيس التركي أردوغان ، والحفاظ على "مبادئ الشريعة" في الدستور الذي اقترحه محمد مرسي في 2012 ، وقرب حركة الإصلاح اليمنية - المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين - من السلفيين اليمنيين والسعودية، والغموض الكبير الذي ظل يحيط بـ "الروابط الدولية" التي تجمع وتوحد شبكات الإخوان المسلمين.
لقد تمت الإشارة سابقا إلى "الانقسام الثلاثي" على الصعيد الأيديولوجي -الديني والسياسي والجيوسياسي بين "إسلاموية" الإخوان المسلمين و"إسلاموية" السلفية الوهابية.
يبدو أن التنافس الشديد وهذه الاختلافات القديمة تؤكد عدم توافق التحالف بين هذه الاتجاهات الرئيسية في الإسلام السياسي. لقد تم تجاوز القطيعة التي بلورها سيد قطب ورسختها "الجهادية الحديثة". فإذا كانت جسور لا تزال "شبه قائمة"، فهذا بسبب مسار أفراد معينين ، أما المشاريع فهي متباعدة.
فلا وجود لـ "لجماعة الإخوان المسلمين عالمية" منظمة هرميًا ولا مركزيًا ولا تراتبيا ، فكل تنظيم من تنظيماتها هو انبثاق محلي مستوحى من مبادئ مشتركة ولكنه يتمتع باستقلالية شبه كاملة تسمح له بالتكيف مع ميزان القوى على الصعيد الوطني. إن قدرة كل تنظيم محلي على احتضان تنوع السياقات الاجتماعية والسياسية التي تواجهه هي أحد مفاتيح نجاح الإخوان المسلمين.
يمكن للملاحظ اليوم أن يدرك بيسر وبوضوح أن حركة "مجتمع السلم" في الجزائر ، أو النهضة في تونس ، أو حماس الفلسطينية أو حزب العدالة والتنمية التركي مختلفة تمامًا فيما يتعلق بالتجربة في السلطة وفي المشروع السياسي الخاص بكل حزب منها ، وهذا على الرغم من أنها جميعًا انبثقت من معين واحد ومن إلهام مشترك. هذه الدرجة من الاستقلالية تجعل من الممكن تمامًا العثور، في سياقات الحرب والصراعات المسلحة، على تقارب للإخوان المسلمين مع مفهوم "الجهاد" والحركة السلفية.
وهكذا ، تحالفت جماعة الإخوان المسلمين الليبية مع الحركات الجهادية أثناء سقوط نظام معمر القذافي سنة 2011. كما أن حماس ظلت تشير بانتظام إلى "الجهاد" في سياق الحرب ضد الكيان الصهيوني. و في سوريا، اختار الإخوان المسلمين أحيانًا القتال إلى جانب الكتائب السلفية المعارضة لنظام بشار الأسد.
كما قاتل الجناح العسكري لحزب الإصلاح اليمني الإخواني (1) ضد الحوثيين إلى جانب المشاة السلفيين المدعومين من التحالف السعودي قبل أن يجدوا أنفسهم في مواجهة جماعة أبو العباس السلفية (2) في تعز في 2018. --------------------------- (1) - حزب التجمع اليمني للإصلاح ويُعرف باسم حزب الإصلاح، تأسس بعد الوحدة بين شطري اليمن في سبتمبر 1990 على يد عبد الله بن حسين الأحمر (قبائل حاشد) بصفته تجمعا سياسيا ذا خلفية إسلامية، وامتداداً لفكر الإخوان المسلمين. إنه تحالف قبلي - ديني أكثر من كونه حزباً سياسياً. وتعود أصولها إلى الجبهة الإسلامية، وهي مليشيا تابعة للإخوان المسلمين مولتها السعودية لمحاربة الجبهة الديمقراطية الوطنية الماركسية. أعادت الجبهة الإسلامية تجميع صفوفها بعد توحيد اليمن في 1990 ( حزب الإصلاح) ايضا بدعم مالي كبير سعودي. وكانت من أهدافه الرئيسية تعزيز علاقات اليمن مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. (2) - ظهرت "كتائب أبو العباس"، عقب تشكّل المقاومة الشعبية المسلحة ضدّ الاجتياح الحوثي لتعز في مطلع 2015، قادها السلفي عادل عبده فارع (أبو العباس) وتضم خليطاً من السلفيين وأفراد موالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، أصبحت بعد ذلك أداة بيد الإماراتية. ------------------------------
فهكذا التحالفات هي نتيجة لحالات وأوضاع محددة في مسرح الصراع المسلح العنيف، والتي تتطلب قدرا معينا من البراغماتية. إنها تحالفات تبين الطبيعة المحلية الأساسية لعملية وآليات صنع القرار داخل هذه الحركات.
يبدو إذن، أنه لا وجود اليوم لمؤشرات واضحة تؤكد وجود جماعة حركة إخوانية دولية تخفي أجندتها الحقيقية وتتستر عنها. نعم، حاولت قطر منذ سنة 1995 الجمع بين العديد من القادة الإسلاميين من جماعة الإخوان المسلمين.
استجابت هذه المبادرة أساسا وبالدرجة الأولى لسعي قطر - الإمارة الصغيرة الثرية – إلى تحقيق تأثير جيوسياسي (توسيع العمق الاستراتيجي)، ولم تكن نتيجة التزام النظام القائم بأفكار الإخوان المسلمين واستراتيجيتهم (3). ------------------------------ (3) - من المعلوم أن قطر - وهي محمية بريطانية - رحبت بالإخوان المسلمين المصريين في 1954 بعد اصطدامهم مع جمال عبد الناصر. ثم استضافت الإخوان المسلمين السوريين في 1982، بعد تمرّد حماة. وتلى ذلك قدوم الإخوان المسلمين من شمال إفريقيا (تونس والجزائر وليبيا) في تسعينيات القرن الماضي، بعد اشتباكاتهم مع أنظمة بلدانهم . ثم لحق بهم المنفيّين من السعودية بعد تضييق الخناق على الإسلاميين ومطاردتهم على خلفية أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة والهجمات على الأراضي السعودية في مدن الخبر والرياض والدمام. وفي 2004، أنشأت قطر مركز "الحوار الأمريكي الإسلامي"، وأسست الاتحادُ العالمي للعلماء المسلمين لتأطير الإسلام السنّي ومحاربة الإسلام الشيعي. وقد لعب القرضاوي دور الوسيط ومنسق أنشطة المنظمات الأوروبية والأمريكية. كما قامت قطر بإنشاء "مشروع النهضة" الذي يهدف إلى نشر الأيديولوجية الإسلامية وتنظيم الندوات والمؤتمرات في الدول الإسلاميةـ لهذا الغرض. وفي فبراير 2006، عُقِدت "ندوة المستقبل" في العاصمة القطرية الدوحة، والتي أضحت تعرف بـ "ندوة المستقبل للتغيير في الشرق الأوسط". خلال هذا اللقاء، تم توزيع المهام بين قطر- التي تكلفت بالشؤون الإسلامية- والولايات المتحدة التي تولّت تدريب أتباع الليبيرالية الشباب لاستعمال وسائل المعلومات التكنولوجية وشبكات التواصل الاجتماعي سعيا لنشر فكر وسبل التغيير المرجو (التعبئة الشعبية للانتخابات الرئاسية، التعبئة للحصول على عدد كبير من المقاعد في الانتخابات التشريعية، والتعبئة لتجنب كارثة انهيار النظام الاقتصادي، التعبئة لتجنب الفوضى... ). و تمثل هذا التغيير في تكييف وتغيير الخطاب بطريقة أكثر توافقية، مع تعزيز صورة ناعمة من خلال التركيز على القوة الناعمة، وفكرة أنّ الإخوان المسلمين سيمثلون الاتجاه "المعتدل" و"الديمقراطي" داخل الأسرة الإسلامية، مقابل الاتجاه الراديكالي والجهادي المناهض للديمقراطية. ----------------------------------
عموما ، يتم الاندماج في المجال السياسي للأحزاب المنحدرة من جماعة الإخوان المسلمين على مستويات مختلفة ، ووفقًا لجذور الارتباط الإقليمية المتنوعة ومن خلال جهات فاعلة غير متجانسة. في معظم دول المنطقة، أصبحت هذه الأحزاب قوة سياسية محلية ووطنية يُحسب لها حساب في المجال السياسي القانوني والشرعي. _____ يتبع: التطورات العقائدية للإخوان المسلمين _______
#جدو_جبريل (هاشتاغ)
Jadou_Jibril#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط - 4 -
-
نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط - 3 -
-
نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط - 2 -
-
نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط - 1 -
-
تمحيص القرآن بواسطة النظرية الرياضية للرموز
-
كسوف الشمس في 27 يناير 632: في تاريخ القرآن وفي حياة محمد -2
...
-
كسوف الشمس في 27 يناير 632: في تاريخ القرآن وفي حياة محمد -1
...
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 28 -
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 27 -
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 26 -
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 25 -
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 24 –
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 23 -
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 22
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 21 -
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 20 -
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 19
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 18
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 17
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 16
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|