كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 19

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية
(Jadou Jibril)

الحوار المتمدن-العدد: 7472 - 2022 / 12 / 24 - 10:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

صعوبات التدوين والتجميع

لا يزال تاريخ تطور وإصلاح الخط العربي غير مؤكد. وتم نسب لشاعر البصرة أبو الأسود الدؤلي (1) - الذي توفي عام 69 هـ/688 م - باختراع حروف العلة. وهناك رواية أخرى توضح لنا أن والي العراق عبيد الله بن زياد (الموفي عام 67 هـ/686 م) يطلب من كتّابه إدخال إشارة على حروف العلة الطويلة تسمح لنا بالتمييز على سبيل المثال بين (قال) و (قل !). ويقال إن خليفته ، الحجاج الشهير ، في عهد الخليفة عبد الملك ، أمر نصر بن قاسم (المتوفي عام 89 هـ/ 707 م) بإدخال علامات صوتية وتشكيلية في القرآن. وهناك رواية أخرى تنسب إلى يحيى بن يعمر الليثي ، (توفى عام 129 هـ/746 م) قارئ البصرة الشهير ، بإدخال حروف العلة التصريفية في زمن الحجاج، ويقال أنه من نقط المصاحف.
____________________
(1) - (16 ق.هـ/69 هـ) تقدمه السردية الإسلامية كأحد ساداتِ التابعين وأعيانِهم وفقهائهم وشعرائهم ومحدِّثيهم ومن الدهاة حاضرِي الجواب، وهو كذلك عالم نحوي وأول واضع لعلم النحو في اللغة العربية وشكّل أحرف المصحف، على الاصطلاح القديم بوضع النقاط على الأحرف العربية التي أصبحت فيما بعد حركات (َ ُ ِ)، وكان ذلك بأمر من الإمام علي بن أبي طالب على ما ذكر. وِلد قبل بعثة النبي محمد وآمن به لكنه لم يره، فهو معدود في طبقات التابعين، وصَحِب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ولاه إمارة البصرة في خلافته، وشهد معه وقعة صفين والجمل ومحاربة الخوارج. وتقر السردية الإسلامية بأنه واضع "علم النحو"، فهو أول من ضبط قواعد النحو، فوضع باب الفاعل، المفعول به، المضاف وحروف النصب والرفع والجر والجزم، وكانت مساهماته في تأسيس النحو الأساس الذي تكوَّن منه لاحقاً المذهب البصري في النحو. وقد اختُلف في اسمه ونسبه. أسلم في حياة النبي محمد، ولم يلقه على الرغم من أنه أدركه فهو ليس من الصحابة. علما أن كان يستقر جنوب مكة ، ولم يدخل المدينة إلا بعد وفاة النبي. كما قيل أنه روى بعض الأحاديث. لم يساهم في أي غزوة أو حرب إلا مع علي في حروب "صفين" و"الجمل" والحرب ضد الخوارج. بعد مقتل علي، أوذي أبو الأسود لمحبته علي، إلا أنه حين وفد على معاوية بن أبي سفيان أدنى مجلسه وأعظم جائزته، كما كان مقربًا من الوالي زياد بن أبيه الذي عهد إليه بتأديب ولده عبيد الله.
_____________________

يشير "بلاشير" – Blachère - إلى أن إصلاح الخط العربي تم بدون خطة شاملة ، وأنه "بدأ في عهد عبد المالك ، وسيتطور على مدى عدة أجيال، ولن يتم إنجاز إصلاحه إلا في نهاية القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي (2) . وهذا يبعد بمائة عام ، عن الرواية التي تقر أن كل هذا الإصلاح خرج بأكمله ودفعة واحدة من دماغ الشاعر أبو الأسواد الدؤلي. كان من الممكن أن يتم الإصلاح على مرحلتين. أولاً ، تمت الإشارة إلى الحركات الثلاثة القصيرة (نصب ، رفع ، جر) في أقدم المخطوطات بنقاط ذات ألوان مختلفة أو احتلت مواقع مختلفة ، فوق أو أسفل أو بجانب الحروف الساكنة. وفي وقت لاحق فقط تم تقديم علامات التشكيل لتمييز الحروف الساكنة من نفس التهجئة ، أو لتمييز الحروف الساكنة المزدوجة ، وأخيراً ، لتمييز التلاوة بصوت عالٍ.
__________________________
(2) - Régis Blachère. - "Introduction au Coran "
____________________

هذه الملاحظة قد تكون صالحة بالتأكيد لتاريخ تنسيق النصوص القرآنية ، والتي لم تفرض نفسها إلا بشكل تدريجي فقط وليس دفعة واحدة . لسوء الحظ ، لا تساعدنا البيانات القديمة ، لأن المخطوطات القرآنية القديمة التي بحوزتنا نادرًا ما تعود إلى ما بعد بداية القرن الثاني الهجري. أشار "جروهمان" (3) - Grohmann - ، حسب "إي. هرتسفيلد" - E. Herzfeld - ، المذكور في مجلة - Ephemerides Orientales O. Harrassovitz- عدد بتاريخ 28 يناير 1928 - إلى وجود مخطوطة قرآنية ضمن مجموعات "بلاد فارس" تحمل تاريخ 94 هـ - 712 م ، والتي تتوافق مع فترة حكم الوليد الأول (705-715م) خلفاً لعبد المالك. يشير "هرتسفيلد" أيضًا إلى نسختين مؤرختين في 102 هـ و107هـ (4) . إذا كانت هذه الإشارات صحيحة ، فسيكون لدينا هنا مخطوطات قرآنية مؤرخة . ويمكن أن تتطابق مع المخطوطات بالخط "الحجازي" لمكتبة باريس الوطنية (رقم 326) (5). علما أن المخطوطات التي عُثر عليها في الجامع الكبير بصنعاء عام 1972، فلا تزال صعبة التأريخ و مشكلة تأريخ أقدم القطع قائمة . إلا أن جل المتخصصين يجمعون على أن مخطوطات صنعاء هي أقدم المخطوطات المتوفرة إلى حد الآن.
__________________________
(3)- "أدولف جروهمان" (1887 - 1977) نمساوي مستعرب وسامي. كان مسؤولاً عن نشر البرديات العربية للمكتبة المصرية الملكية في القاهرة منذ عام 1930.
(4) - Grohmann, The problem of dating early Qur’ân, 216.

(5) - مخطوطات بالخط "الحجازي" ، ناسخها مجهول وغير مؤرخة.
_______________________________________

نظرًا لعدم توفر مخطوطات قديمة من القرن الأول للهجرة ، يعتمد المؤرخ على الشهادات التي وصلتنا. علما أن جميع المخطوطات التي ازدهرت قبل نهاية الدولة الأموية بفترة وجيزة (اختلاف بين اختطاف المصاحف) قد اختفت. وهناك دراسات مقارنة لحالة النص القرآني حيث كان يُمارَس شفوياً بشكل رئيسي حسب المناطق الرئيسية للإمبراطورية الإسلامية: شبه الجزيرة العربية وسوريا والعراق. ومن أقدم هذه المراجع المعروفة، مرجع ابن عامر اليحصبي (توفي عام 118/736)، ومن آخر الأعمال على المصاحف كتاب الاصفهاني (توفي عام 360 هـ - 970 م )، ولم يصلنا من أقدم المراجع إلا مرجع ابن أبي داود (المتوفى 316 هـ / 928 م) .

وتمر معرفتنا بهذه الكتب حاليًا من خلال اقتباسات أدخلها مؤلفون آخرون في كتاباتهم، وإما في تعليقاتهم على القرآن ، أو في كتب القراءات ، أو حتى في الأطروحات النحوية وغيرها.

علاوة على ذلك ، نجح التقليد ( السردية الإسلامية السائدة) في السماح إلا ببعض المتغيرات الصغيرة فقط. هذا ما اعترف به أحد مؤلفي القرن الرابع أبو حيان: لم يستشهد في عمله بالصيغ القرآنية التي من شأنها أن تحيد كثيرًا عن النص "العثماني". هذا المسند التاريخي له أهمية ، إذا ربطناه بالمعلومات التي وصلت إلينا بشأن الاضطهاد الذي عانى منه كل أولئك الذين أصروا على استخدام المتغيرات "غير القانونية" ، كما هو الحال مع أبو الحسن بن شنبوذ (245 هـ -328 هـ) (6) .
___________________________
(6) - كان يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروف يخالف فيها المصحف الإمام، مما يروى عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وغيرهما مما كان يقرأ به قبل جمع المصحف الذي جمعه عثمان بن عفان. ويجادل حتى عظم أمره. فتم القبض عليه وأحضروا القضاة والفقهاء والقراء وناظروه في حضرة الحاكم، ولم يرجع عما يقرأ به، فأشار بعقوبته ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع.
_______________________________

فهل الأطروحة التقليدية للتجميع العثماني سوى إعادة بناء رائعة ، حجبت المسار الفعلي لتطور تجميع قرآن – متعدد - ومحوه من ذاكرة الرجال عبر تكريس "صورة نمطية" فرضت أحيان بالقوة وبالسيف؟

إن نص القرآن له تاريخ، وبالتالي يقدم تطورًا بمرور الوقت. ولم تكن هذه القصة ممكنة إلا لأن طبيعة كتابة النص الذي سيصبح المصحف قد سلكت مسارات التفصيل والأسلوب و"التصحيح" والتنقيح ... باختصار ، كان نتاج صياغة تاريخية وليس إملاءً تم إنشاؤه من نص محدد مسبقًا ونهائي وجاهز للتحرير. لأنه في وقت النبوة ، كان لابد من أن تكون "الكلمة الإلهية" ترسم من الكتبة على حامل ، في وقت كان فيه الخط العربي في طور النشأة، وهذه هي العملية التي سعت الأجيال اللاحقة إلى محوها ، لإعطائنا صورة نمطية ومبسطة وأكثر اطمئنانًا للرسالة القرآنية - التي هي "كلام الحرفي والشخصي والأزلي" حسب السردية الإسلامية السائدة.
___________________ يتبع – "أسطورة عثمان" ____________________________________

#جدو_جبريل (هاشتاغ)       Jadou_Jibril#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات