|
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 18
جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية
(Jadou Jibril)
الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 - 04:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جمع وتدوين القرآن
إن تثبيت عناصر تحرير القرآن تم بشكل تدريجي وعلى عدة مراحل. لا يزال جمع القرآن ظاهرة معقدة يكتنفها غموض كثيف. هذه الظاهرة ليست فقط بسبب الندرة الشديدة للتوثيق القديم، ولكن أيضًا بسبب طبيعة الوحي وعلاقته بالنص.
لقد رأينا سابقا كيف فرضت الديباجة وعلامات الحروف المصاحبة لها على النص القرآني من ضرورات خارجية تحريرية وكتابية بحتة ، بما يتوافق مع ممارسات العصر.
وينطبق الشيء نفسه على مشروع جمع القرآن ، الذي يُنظر إليه على أنه أمر لا غنى عنه ، والذي سيتم إدراجه في منطق "الوحي المدون" ، في حين تم فرض مشروع "الكتاب" هذا، فقط لاحقة ، بعد اكتمال الوحي.
حتى فكرة الجمع بين نصوص الوحي المتناثرة في مجموعة استُقبلت بالدهشة في البداية، وفقًا لما ورد في السردية والموروث الإسلاميين (1) ، _______________________________________ (1) - في آخر هذه الورقة تلخيص للكيفية التي حسمت بها السردية والموروث الإسلاميين هذا الأمر بطريقة قطعية ونهائية. ______________________________________
وبحسب روايات السردية الإسلامية ، استقبل الخليفة أبو بكر أمر جمع القرآن بدهشة كبيرة بل باستنكار في البداية. وتقول الرواية، ترتب على انتصار المسلمين في معركة اليمامة ( ضد أنصار مسلمة الذي ينعته المسلمين بمسيليمة الرسول الكاذب) أن توفى عدد كبير من حفظة القرآن ، وأثار هذا الأمر عمر بن الخطاب، وخشي أن تقضي المعارك على من بقي من الحفاظ- علما أن المسلمين واجهتهم - بعد وفاة النبي الكثير من المعارك- فذهب إلى أبي بكر الصديق وقال له: "إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعه وإني لأرى أن تجمع القرآن". فقال له الخليفة: "كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله – ص- ؟"، وبعد إصرار عمر قبل الخليفة الأمر. ثم عين زيد بن ثابت ، أحد أمناء النبي، للإشراف على إنجاز بهذا المشروع الجريء. لكن هذا الأخير تعرض بدوره للأمر استنادا على ذات الحجة التي أدلى بها الخليفة، وفي النهاية قبل زيد الأمر.
فكيف يمكن تفسير دهشة المسلمين الأوائل – بل استنكار بعضهم- لفكرة جمع النصوص المنزلة في كتاب واحد؟ وهذه "الدهشة" - وربما استنكار- صدرت عن أهم رفيق للنبي وشاهد من الدرجة الأولى لنزول الوحي الإلهي.
حاليا يمكن قراءة "القرآن" دفعة واحدة ، بحيث يمكن تصفحه بإيماءة بسيطة ، ولا يمكننا بأي وجه من الوجوه أن نتخيل أو نتصور أن هذا النص المقدس كان يتم تقديمه مقسمًا إلى عشرات من "الأوراق" الخالية من أي رابط عضوي وبدون احتمال الوحدة في البدايات الأولى. من الواضح أن هذه الدهشة تشهد عند المسلمين الأوائل ، أصحاب النبي ، على أنها نوع من "الثورة" في إدراك النصوص المنزلة ، التي ظلت حتى ذلك الحين كوحدات مستقلة في معانيها ، لاقتراح جعلها فجأة "كيان جديد وغير متوقع بالمرة". كان الوحي بـ "صيغة الجمع"، ثم جاء على حين غرة اقتراح - غير مسبوق - "كلا واحدا مجموعا": "القرآن - المصحف".
يعيد لنا "القرآن" - نفسه - بنية الوحي المتقطعة والمتعددة ، والتي يجسدها العديد من "المواد المكتوبة على وسائل مادية متاحة".
جاء في سورة الحجر آية 87 : ((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ )). (2)
من الصعب تحديد طبيعة هذه الوحدات التي تم الكشف عنها والتي تسمى " المثاني" ، ولكن ما هو مؤكد أنها تقدم بنية الجمع للموضوعات التي تم الكشف عنها. ___________________ (2) - التفسيرات الواردة في السردية الإسلامية مختلفة ومباينة ولكل مفسر وراوي رأي في معنى أو المقصود بـ " المثاني". ___________________
عندما يتحدث القرآن عن "الآيات" التي سبقت القرآن ، يتحدث عنها في صيغة الجمع ويحدد كل منها.
جاء في سورة الأنعام آية 91: ((وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)).
ورد فيها توبيخ اليهود لإخفائهم لفائف معينة من (القراطيس) بين مجموعة (القراطيس) التي سُجلت فيها، ( الكتاب) الذي نزل على موسى.
وهناك أيضًا سؤال عن "الصحف" المنسوبة إلى إبراهيم وموسى في سورة النجم وسورة الأعلى.
سورة النجم آية 36 - 37: ((أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)).
سورة الأعلى آية 18 - 19 : ((إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى ، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)).
بل وأكثر من ذلك ، فإن تعدد الدعائم هنا (الصحف) ينعكس - إذا جاز التعبير - في تعدد دعائم الأصل السماوي ، والتي سميت أيضا "صحف". وقد وُصِفت هذه الصحف بأنها مُبجَّلة ومُعظمة ومُطهَّرة في حوزة الكتبة النبلاء والأبرياء، كما جاء في سورة عبس آيات 13 - 16 : ((فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ، مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ)).
وهذه الصحف المطهرة "كتابات ثابتة"، كما جاء في سورة البينة آية 2 - 3: ((رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)).
وهذا يؤدي بنا إلى ملاحظة أن الوحي لم يتم تقديمه كـ "تكوين واحدي" ، ولكن دائمًا في شكل مجموعات تحتوي كل منها على وحي متعدد ، وهذا بلا شك وفقًا لشكلها السماوي الأصلي. في هذه الظروف قد يتم فهم وبسهولة أن مشروعًا لجمع النصوص التي تم الكشف عنها في مجموعة، قد تكون خضعت لأمر معين غير مكشوف ويمكن أن يكون قد صدم أكثر من واحد، ويبدو بجلاء، وحتى بـ "العقلية الإسلامية الأصلية الصرفة" أنه عمل من قبيل "البدعة"، أي أمر تم ابتداعه، أي إحداث شيء لم يكن موجودا من قبل (3). _______________________________ (3)- عرّفها الشاطبي حيث قال: هي طريقة في الدّين مخترعة، تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبّد لله تعالى، تدخل غريب عن الإرادة الإلهية. _______________________________
ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد، أن الروايات التي وصلت إلينا عن تاريخ جمع القرآن تعطي أو تستند على تبريرات عرضية بحتة. عندما اقترح عمر جمع الوحي على الخليفة أبو بكر ، كان ذلك بعد المعركة ضد "مسيلمة". لذلك فهو لا يتماشى مع تاريخ النص الموحى في زمن النبي. وفقًا لهذا المنطق ، إذا لم يمت هؤلاء الرجال الذين كانوا حاملي النصوص القرآنية موتًا عنيفًا ، لما كان هناك المشروع الجمع أصلا. لأنه ، بشكل عام ، لم يكن من الضروري حتى اللجوء إلى مجموعة مكتوبة لضمان حفظ النصوص المنزلة: كان كافياً تكوين هيئة من قراء القرآن للتخفيف من مخاطر مثل هذا الفشل ، عرضيًا أم لا. .. ومع ذلك ، اعتبارا لبدائية الخط العربي وقتئذ ولضعف الكتابة العربية في ذلك الوقت ، لا يبدو أن هذا اللجوء إلى الكتابة كان الحل الأنسب والأكثر فاعلية ، لأنه ، على أي حال ، رغم التدوين، كانت الحاجة كبيرة إلى "قارئ" لما تم تدوينه وجمعه.
من الواضح على أي حال أن هذا المنطق الذي أشرف على مبادرة جمع كل النصوص المنزلة لم يستفد من استمرارية الماضي الذي كان يسعى إلى تحقيقه ، ببساطة لأن هذا الماضي لم يكن ينطوي على مثل هذا الإنجاز. وفكرة الجمع العام والكامل لجميع الوحي لم يكن لها مكان في التمثل الذي كان الناس عليه ، خلال حياة النبي محمد ، للتكوين النصي للوحي. كان هذا في شكل عدد معين من المجموعات التي تحتوي على عدد كبير أو أقل من الوحي. قد أرضى هذا الحال الجميع ولم يكن هناك سبب لاهوتي أو تاريخي لمثل ذلك الجمع كما تم.
ربما لم يكن مشروع مثل "المصحف الإمام" ، الذي نسق الوحي الذي كان بصيغة الجمع ، في العادات الكتابية في ذلك الوقت. وطبعا لا يمكن للمرء - إطلاقا - أن يعتبر أن النبي محمد لم يكن قادرا على التنبؤ بمثل هكذا الكتاب وعدم اتخاذ التدابير اللازمة لترك نسخة كاملة للمسلمين، والتي كانت ستجنب خلفائه الاضطرار إلى أخذ زمام المبادرة بهذا الخصوص ، وهي مهمة ثقيلة جدا بقدر ما هي محفوفة بالمخاطر. هل كان من الضروري في هذه الظروف الاعتقاد - كما يرى "بلاشير" - "بخصوصية الروح العربية التي ، التي يمتصها الحاضر ، ولا تتوقع المستقبل أبدًا. لم يفكر أحد في تكوين النصوص القرآنية لأنه لم يشعر أحد بالحاجة إلى القيام بذلك خلال حياة محمد"( 4). أو بتفسير هذا من خلال "احتمال وشيك لقيام الساعة - آنذاك - الذي كان من شأنه أن يجعل مثل هذا المشروع عديم الفائدة" ( 5). سيكون هذا بمثابة إثم مفارقة تاريخية، نشأت فكرة "الجمع في مصحف" في وقت متأخر ، ولأسباب لم تعد لها صلة بالعصر النبوي. _______________________________ (4) - Blachère, Régis, Introduction au Coran, Paris, 1959 صفحة 25 (5) – نفس المصدر السابق ص 22 - 25 __________________________
وقد أشار "بلاشير" محق تمامًا في الإشارة إلى أن "تجميع" أبو بكر كأنه لم يكن ذات فائدة كبيرة ، لأنه بمجرد تدوين النص القرآني على "صحائف أو صحف" ، لم يشعر أحد بالحاجة إلى الرجوع إليها. ووفقا للسردية الإسلامية، تم إيداعها في مقر الخليفة ولما توفى انتقلت إلى خليفته عمر ثم ابنته حفصة أرملة الرسول. وبالتالي، لا يبدو أن النص كان ذا فائدة كبيرة للمجتمع الإسلامي الناشئ الجديد ، وعلى أي حال لم يكن مفيدًا بشكل كبير في معالجة مشاكل الاسترسال التي – حسب السردية - تم اكتشافها في أعقاب وفاة قراء وحفظة القرآن.
لم يدم هذا الوضع طويلاً ، حيث تم ، وفقًا للسردية والموروث الإسلامي ، طرح قضية "جمع القرآن" مرة أخرى على المحك في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وهذه المرة الداعي لذلك ليس خشية ضياعه وإنما قضية ذات طابع فني وتقني.
حسب رواية السردية الإسلامية السائدة للوقائع ، خلال حملة عسكرية في "أرمينيا" و"أذربيجان" ، كان هناك خلاف بين محاربين عراقيين وسوريين حول كيفية تلاوة القرآن ، مما دفع قائدهم العسكري إلى مطالبة الخليفة بتوحيد قراءة نص القرآن.
أحضر عثمان بن عفان نص "تجميع" أبو بكر التي كانت في حوزة حفصة وقدمها إلى لجنة لغرض إعداد "مصحف موحد" و إنشاء عدد معين من النسخ منه لتوزيعها على مختلف أرجاء "الإمبراطورية الإسلامية": خصوصا الكوفة ، البصرة ، دمشق ومكة. وبعد إنجاز المهمة أمر الخليفة بإتلاف جميع النسخ الأخرى الموجودة باستثناء نسخة حفصة ، التي أعيدت إليها.
إلى جانب "صحف" حفصة ، لوحظ أن عددًا من "الصحف" الخاصة الأخرى قد تم إنشاؤها في تلك الأثناء: منها الخاصة بعمر بن الخطاب ، وسالم بن معقل ، المتوفى بعد عام واحد فقط بعد الرسول ، وعبد الله بن عباس ، ابن عم الرسول ، عقبة بن عمير ، - تمت الإشارة لنسخة منه القرن الرابع الهجري- والمقداد بن عمرو المتوفى سنة 33 هـ وكان معروفا أولا في الشام ، وأبو موسى الأشعري المتوفى سنة 52 هـ ، وعرف في البصرة، ومصحف علي ، ابن عم الرسول ، المتوفى في 40 هـ ، (تم تداول عدة تلاوات باسمه ، واحدة منها مقسمة إلى سبع مجموعات من السور، ومصحف أبي بن كعب المتوفى عام 23 وكان مثل علي أحد كتاب الوحي وأمناء النبي، وعبد الله بن مسعود ، المتوفى عام 30 هـ ...(6) _______________________ (6) - يقول القرطبي: "قد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص". ______________________
لكن، مع الأسف الشديد، في حوالي القرن الرابع للهجرة ، لم يعد هناك أي أثر لهذه المجموعات (الصحف أو المصاحف الخاصة). ولا نعرف اليوم إلا القليل منها والتي ورد ذكرها من خلال بعض التفاصيل أوردها بعص مؤلفو تاريخ القرون الأولى للإسلام. وهناك جملة من الاختلافات بين تلك الصحف أو المصاحف وتتعلق بمتغيرات معينة ، مثل ترتيب السور ، والذي قد يختلف من مجموعة إلى أخرى ، حتى لو كانت تحترم بشكل صارم الترتيب التنازلي لطولها عموما. وسبق لـ "بلاشير" أن عرض جدولاً مقارناً للترتيب المعتمد لبعض السور في مصحف أبي بن كعب وابن مسعود و"المصحف الإمام" لعثمان، ولاحظ تباينات واضحة فيما يتعلق بترتيب السور. إن مجموعات السور التي تحمل نفس الأحرف الغامضة – المتقطعة تبدو ترتيبيا مرتبطة جيدًا في "المصحف الإمام" ، وقليلا في مصحف ابن مسعود ومتباعدة في مصحف أبي بن كعب (7). ___________________ (7) – "بلاشير" المرجع السابق ص 46 – 47 . _____________________
إن ترتيب السور الوارد في المصاحف التي بين أيدينا اليوم هو واحد من بين الترتيبات التي تم اعتمادها سابقا، وقد أصبح هذا الترتيب سائدا في ظروف غامضة وضبابية. هناك أكثر من دافع للتساؤل عن "التوحيد" الذي قام به عثمان وتاريخ إنجازه. فإذا كان السبب الظاهر هو توحيد التلاوة ووضع حد للاختلاف بخصوصها عبر الأمصار، تظل تساؤلات بخصوص عدم حدوث الإجماع آنذاك، وبخصوص إصرار عثمان على وضع يده على مختلف المصاحف الخاصة والصحف وفرض إتلافها وحرقها، من أجل اعتماد "المصحف الإمام" دون سواه.
علاوة على ذلك ، فإن الدوافع المنسوبة إلى مبادرة عثمان الإصلاحية: تجاوز الفروق في القراءة ، لا تتوافق - كليا- مع الطريقة التي اعتمدها لتحقيق ذلك. فقد أنشأ لجنة مسؤولة "جمع" القرآن - وقيل نسخ ما ورد في "صحف أبي بكر - لتوزيعها على أركان الإمبراطورية. كان من الممكن فهم هذا الحل وعدم التساؤل بخصوصه لو لم يكن الخط العربي (الكتابة بالعربية) غير ناقص وخال من العلل في زمن عثمان، إذ كان ناقصا بشكل خطير وغير مضبوط بالمرة، إذ ظلت اللفظة الواحدة تحتمل أكثر من قراءة . وهذا يدفع إلى تساؤل آخر، هل المصحف الذي بين أيدينا اليوم لم يتم ضبطه فعلا وعمليا إلا في عهد الخليفة الأموي عبد الملك ( 685- 705 ) ؟ ___________________________________________________________
ورقة ملحقة
من المؤكد أن القرآن لم يجمع في عهد النبي في مصحف واحد، وتوفي الرسول دون أن يكون الوحي المنزل قد جمع في شيء. كان النبي في حياته يقرأ المسلمون القرآن بين يديه، ومن ثم فلم تكن هناك حاجة ماسة إلى جمعه بين دفتي كتاب واحد. إذ كان النبي يستحفظ أصحابه ما ينزل عليه من القرآن عقب نزوله، وكان له كُتاب يكتبون بين يديه وبأمره وبإقراره ما ينزل عليه من القرآن، وكان إذا نزل عليه شيء من آيات السور الكبيرة يدعو بعض من يكتب له، فيقول: "ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا"، حتى تكتمل السورة بآياتها التابعة لها. وحسب رواية أنس بن مالك أنه قال: "جمع - ( بمعنى حفظ) - القرآن على عهد النبي - ص- أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد" - وتؤكد السردية والموروث الإسلاميان أن قول أنس لا يعني أن هؤلاء الأربعة هم الذين حفظوا القرآن في عهد النبي دون سواهم.
وتوفي النبي والقرآن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور – وتصر السردية الإسلامية على التأكيد من حيث الكتابة فقط لا من حيث الحفظ في الصدور، وهذا يعني أن القرآن - كما هو وارد في المصاحف التي بين أيدينا اليوم- بترتيبه ونصه كان محفوظا في صدور الصحابة. وإن أمر أبي بكر بـ "الجمع" ترتب على انتصار المسلمين في معركة اليمامة أن استشهد فيها عدد كبير من حفظة القرآن ، وأثار هذا عمر بن الخطاب، وخشي أن تلتهم المعارك من بقي من الحفاظ - ومعركة اليمامة ليست إلا واحدة من الغزوات التي واجهت المسلمين بعد وفاة النبي - وفكر عمر في هذا، ولما استقر به الرأي ذهب إلى أبي بكر وهو بمجلسه من المسجد، فقال: "إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعه وإني لأرى أن تجمع القرآن". فقال له الخليفة: "كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - ص ؟"، ولم يزل عمر بالخليفة يقنعه بالرأي حتى شرح الله صدر أبي بكر لذلك. ووقع اختيار أبي بكر على زيد بن ثابت للقيام بهذه المهمة دون غيره من الصحابة وفيهم من هم أكبر منه سنا، وأقدم سابقة في الإسلام، وحسبك أن تعلم أن زيد بن ثابت حين أوكل إليه الخليفة هذا العمل كان سنه لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، فأي ثقة هذه التي تجعل الصديق يقدم على هذا العمل، وأي كفاءة يحملها زيد بن ثابت تجعل الصديق يعهد إليه للقيام بهذا العمل! لقد أوجز الصديق مبررات اختياره في جملة قصيرة هي قوله لزيد: "إنك رجل شاب، عاقل لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتتبع القرآن واجمعه". وهذه الجملة تحمل بين طياتها ثلاثة أمور مهمة هي: الشباب والجلد والقدرة على تحمل أعباء العمل في جد ومثابرة، والأمانة التي تجعل صاحبها يراعي الله ويراقبه في كل خطوة، وسابق التجربة والخبرة. وذكر القرطبي عن أبي بكر الأنباري قوله: "ولم يكن الاختيار لزيد بن ثابت من جهة أبي بكر وعثمان على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن - وعبد الله أفضل من زيد وأقدم في الإسلام وأكثر سوابق وأعظم فضائل- إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد الله"، ثم يعقب بقوله: "فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله – ص - حي أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار". وزيد بن ثابت وصفه النبي – ص - بأنه أعلم أصحابه بالفرائض، وكان من الصحابة الستة أصحاب الفتوى، وهم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن، وكتبها لرسول الله - ص ، وقرأها عليه، وكان يقرئ الناس بها حتى مات (ملحوظة: إذا كان الأمر كذلك، فهذا جمع وترتيب نهائي للقرآن، فلماذا لم يتم اعتماده؟) . واتبع زيد بن ثابت منهجا دقيقا منضبطا أعان على وقاية القرآن من كل ما لحق النصوص المقدسة الأخرى من مظنة الوضع والانتحال، وحفظه من عوامل النسيان والضياع. وكانت آلية الجمع تلتزم بالآتي: كان كل من تلقى من رسول الله – ص - من القرآن يأتي به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان زيد بن ثابت لا يكتب إلا من عين ما كُتب بين يدي النبي - ص ، لا من مجرد الحفظ والمبالغة في الاستظهار والوقوف عند هذا، وما ثبت أنه عُرض على النبي - ص - عام وفاته، وما ثبت أنه من الوجوه التي نزل بها القرآن، وكانت كتابة الآيات والسور على الترتيب والضبط اللذين تلقاهما المسلمون عن رسول الله - ص -، ولا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان، أي إنه لم يكن يكتفي بمجرد وجدان الشيء من القرآن مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه مسموعا، مع كون زيد كان يحفظ، لكنه كان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط !. وأمر أبو بكر أن يجلس عمر وزيد على باب المسجد، ولا يكتبا إلا من جاءهما بشاهدين على أن ذلك المكتوب من القرآن كُتب بين يدي رسول الله. وبهذه الدقة العلمية والاحتياط الشديد جُمع القرآن ، وحظي هذا العمل برضى المسلمين، وقال عنه الإمام علي بن أبي طالب: "أعظم الناس في المصاحف أجرا: أبو بكر، هو أول من جمع بين اللوحين" … والقرآن - مضمون المصحف الذي بين أيدينا اليوم – هو كلام الله الحرفي وكل الوحي الذي نزل على النبي. هذا ما عليه إجماع الأمة ولا يجوز الخروج عليه.
__________________ يتبع - صعوبات التدوين والتجميع __________________
#جدو_جبريل (هاشتاغ)
Jadou_Jibril#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 17
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 16
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 15
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 14
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 13
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 12
-
ورقة البردي نادرة من عصر الهيكل الأول
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 11
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 10
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 9
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 8
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 7
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 6
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 5
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 4
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 3
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 2
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 1
-
التاريخ المبكر للإسلام وشحة الآثار المادية
-
رأي الإسلام في الكتاب المقدس العبري
المزيد.....
-
“التعليم بالأناشيد والأغاني” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة 2
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قابلية الاحتلال على تحمل
...
-
المقاومة الاسلامية في العراق:هاجمنا للمرة الثالثة هدفا حيويا
...
-
أجمل الاغاني على قناة طيور الجنة.. تردد قناة طيور الجنة الجد
...
-
بحماية مشددة من شرطة الاحتلال..مستوطنون يقتحمون المسجد الأقص
...
-
حماس: استهداف الحرائر بالسجون تجاوز لكل القيم الدينية والحقو
...
-
نائب قائد حرس الثورة الاسلامية العميد فدوي:لانستبعد أي هجوم
...
-
“صار عنا بيبي ياأطفال” استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
“انا البندورة الحمرا” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2
...
-
ماما جابت بيبي… تردد قناة طيور الجنة 2024 تحديث جديد على ناي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|