|
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 17
جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية
(Jadou Jibril)
الحوار المتمدن-العدد: 7441 - 2022 / 11 / 23 - 06:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عناوين/ أسماء السور
ليس هناك خلاف بخصوص عناوين وأسماء السور المدمجة في المصحف من بدايات الإسلام حتى يومنا هذا. ومع ذلك ، علما أن هذه الأسماء لا تظهر في أقدم المخطوطات القرآنية المعروفة. وينبع غيابها من تاريخ تكوين وتجميع الوحي في السور ، وهو تاريخ التفت به بعض الضبابية، كما هو حال التاريخ المبكر للإسلام. ، كما أن تكون سور القرآن عرف سيرورة أدت إلى المفهوم الحالي للسورة. علاوة على ذلك ، كان من المفترض أن تفي خطابات التوقيع بوظيفة العنوان حتى تاريخ متأخر. لكننا رأينا أن هذا النظام صمد فقط خلال المرحلة الأولى من جمع الوحي في مجموعات. وقد تسبب انقسام هذه السور في أن تحمل نفس الأحرف دون محاولة التفريق بينها. ومع ذلك ، يبدو أنه كانت هناك بعض المحاولات في هذا الاتجاه ، مثل المرور من "ألم" إلى"ألمص" ، أو إلى "ألر". لكن هذه الظاهرة ظلت نادرة. لم تعد الحروف قادرة على أداء وظيفة العنوان الخاصة بها ، ومن ثم جاء استخدام تسميات أخرى. وقد تم تطويرها بطريقة مرتجلة للغاية ، حيث أن العديد من السور كان لها عدة أسماء منذ البداية ، كما يوضح السيوطي في كتابه "الاتقان في علوم القرآن" ضمن فصله عن "أسماء السور". وغالبًا ما يكون هذا العنوان مرتبطا بالكلمة الرئيسية التي تميز السورة ، إما لأنها موجودة فيها حصريًا ، أو لأنها تستحضر موضوعًا معينًا. في بعض الأحيان ، يتم استخدام الأحرف الغامضة في السورة لتسميتها ، وهي مجرد عودة طبيعية إلى المصادر أو المنهجية الأولى المبكرة .
أصر الموروث والسردية الإسلامية - وفقًا للسيوطي- ، إرجاع عناوين/ أسماء السور للنبي الذي كان قد اعتمدها. ومع ذلك ، فإن السيوطي يخبرنا بالحديث عن أنس بن مالك ، الصحابي الشهير للنبي ، يقول عن النبي: ("لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران وكذلك القرآن كله"). لكن سرعان ما يشير مباشرة أن هذا "التقليد" غير مؤكد (1). وتوشي هذه الشهادة أن اعتماد عناوين السور الحالية لم يُفرض إلا بعد ترددات عديدة ، وأن هذه العناوين لم تُدمج في متن الوحي إلا في وقت متأخر ، حتى بعد الحروف المتقطعة - الغامضة. _______________________ (1) – ها هو الحديث: قال: "سألت أبي عن حديث حدثنا به خلف بن هشام قال حدثنا عبيس عن موسى بن أنس عن أبيه أنس عن النبي (ص): ("لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران وكذلك القرآن كله"). وهناك من يعتبر أن إسناده صحيح ، ومن يعتبره حديث غريب، لا يصح رفعه (حسب البخاري). ____________________
كشفت أبحاث علم المخطوطات الحديثة عن تطور في صيغة عرض عناوين السور ضمن كتلة أجزاء من مخطوطات صنعاء / اليمن ، المكتشفة سنة 1972. لاحظ "بوتمر" - Bothmer ، الذي درس هذه المخطوطات ، أن الكتبة الأوائل (من نهاية القرن الأول للهجرة) استخدموا صيغة "نهاية السورة"، مثل المخطوطات المسيحية الأولى للكتاب المقدس. بعد ذلك ، استخدموا صيغة: "نهاية السورة - وبداية السورة". بعد ذلك ، تم اختزال الصيغة إلى جزئها الأولي: "بداية السورة " . وهكذا تغيرت المعادلة الإرشادية للسور ، فانتقلت من آخر السورة إلى بدايتها. علما، أن هذا التطور برمته هو في حد ذاته تمثل مرحلة من تطور سابق شهد التكوين التدريجي لعناوين السور. _________________ (2) - (1918 - 2009) ، قام "بوتمر" (الذي كان يعمل مساعدًا في معهد تاريخ الفن بجامعة "لا سار" - la Sarre) بإنجاز ميكروفيلم يضم 35 ألف صورة في 1997 ، وترك نسخة في دار المخطوطات في صنعاء وأحضر نسخة أخرى إلى ألمانيا. أصدرت اليونسكو قرصًا يحتوي على 651 صورة فقط. ولكن ماذا عن الميكروفيلم الكامل الذي أحضره بوتمر معه إلى ألمانيا؟ لا أحد يتحدث عن هذا الميكروفيلم ولا أحد يعرف مصيره. بين عامي 1983 و 1997 ، عمل "بوتمر" على مشروع "ترميم وفهرسة المخطوطات العربية التي تم العثور عليها في المسجد الكبير في صنعاء ، اليمن ( مخطوطات صنعاء). ________________________
تصر السردية الإسلامية على أن أسماء السور كانت معروفة في عهد الرسول ومشهورة ومعلومة، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن هذه التسمية كانت متداولة في ذلك العهد. وتم الاستناد على جملة من الأحاديث للتدليل على ذلك، إذ ورد فيها أسماء السور كما هي واردة في المصحف الذي بين أيدينا اليوم.
ويذهب الكثيرون إلى أن الظاهر أن وضع هذه الأسماء كان بأمر النبي وتعليمه، وقد جزم السيوطي في كتابه "الإتقان" بأنها توقيفية قال: وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولو لا خشية الإطالة لبينت ذلك". وذهب "ابن الأنباري" إلى حد الجزم "أن اتساق السور كاتساق الآيات والحروف ، كلها عن النبي ، فمن قدم سورة أو أخرها، فقد أفسد نظم القرآن".
ليس هناك نص عن النبي يدلّ على تسمية السور جميعها، ولكن ورد في بعض الأحاديث تسمية بعضها من النبي، أما بقية السور فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة.
يمكن إيجاز ما ورد بهذا الخصوص في الموروث والسردية الإسلامية كما يلي: تقسم تسميات سور القرآن إلى ثلاث مراتب: - المرتبة الأولى: ما ثبتت تسميته عن النبي، مثل البقرة وآل عمران.
- المرتبة الثانية: ما "ثبتت" – استنادا على معايير علوم الحديث الإسلامية - تسميته عن الصحابي، مثل ما رود في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير بخصوص سورة الحشر، سورة بني النظير.
- المرتبة الثالثة: ما سمَّاه من بعد الصحابة من التابعين إلى يومنا هذا. علما أن المشهور من ذلك أن المسلمين يسمون السور بدايتها، مثلاً: سورة إنا أعطيناك الكوثر، سورة قل هو الله أحد، إلى غير ذلك. لكن، ما هو مؤكد، لم يرد عن النبي أمر ولا نهي بتسمية سورة باسم ما. وبعد عصر الصحابة كثر تسمية السور ببداياتها ومطالعها، وذلك من عمل الناس واجتهادهم فيما يظهر. وورد لبعض السور أكثر من اسم.
عموما إن السورة القرآنية الواحدة قد تُخصّص باسم واحد، أو قد يكون لها أكثر من اسم، ومن السور التي اختصّت باسم واحد (النساء، وطه، والأعراف، والشورى، ومريم، والمدثر، والأنعام). ومن السور التي لها أكثر من اسم، سورة الفاتحة، حيث ذكر لها عدّة أسماء(أم القرآن ، وأمّ الكتاب، والسبع المثاني، والكافية، والشافية، بل وقد ورد بخصوصها خمس وعشرين اسم. ومن السور أيضاً التي عُرفت بأكثر من اسمٍ سورة التوبة؛ فهي سورة البَحوث، والفاضحة، والمنقرة، وقد عدّ لها السيوطي عشرة أسماء، وسور الإسراء أيضاً من السور التي لها أكثر من اسم؛ فقد عُرِفت بسورة سبحان، وسورة بني إسرائيل. ___________________ يتبع - كِتَابُ القُرْآن ______________________
#جدو_جبريل (هاشتاغ)
Jadou_Jibril#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 16
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 15
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 14
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 13
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 12
-
ورقة البردي نادرة من عصر الهيكل الأول
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 11
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 10
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 9
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ - 8
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 7
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 6
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 5
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 4
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 3
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 2
-
كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 1
-
التاريخ المبكر للإسلام وشحة الآثار المادية
-
رأي الإسلام في الكتاب المقدس العبري
-
كيفية تعامل اليهود مع النصوص المزعجة والمحرجة
المزيد.....
-
مانحون مسلمون يقاطعون الحكومة الكندية بسبب موقفها من غزة
-
فرنسا : احتفال بعيد يهودي في الإليزيه يثير جدلا حول مدى التز
...
-
لأول مرة.. المستشار الألماني يضيئ شمعة -حانوكا- مرتديا القلن
...
-
المقاومة الإسلامية تستهدف عددا من مواقع تابعة للاحتلال
-
شاهد: جنود إسرائيليون يحتلفون بعيد الأنوار اليهودي على الحدو
...
-
-جي ستريت- مجموعة ضغط يهودية تختلف مع -أيباك- بشأن حرب غزة
-
ماكرون ينتهك مبدأ العلمانية.. احتفال بعيد يهودي في الإليزيه
...
-
ماكرون يدعو البابا فرنسيس للمشاركة في إعادة افتتاح كاتدرائية
...
-
شاهد: بمشاركة الرهبان وكما في كل عام.. بدء عملية تنظيف تماثي
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقع مسكاف عام
المزيد.....
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
-
التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا
...
/ علي أسعد وطفة
-
ظاهرة الهوس الديني في مصر - مقال تحليلي
/ عادل العمري
-
فرويد والدين
/ الحسن علاج
المزيد.....
|