جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية
(Jadou Jibril)
الحوار المتمدن-العدد: 7420 - 2022 / 11 / 2 - 09:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقسيم السور
من الواضح أن تاريخ تكوين السور – الواردة في المصحف الذي بين أيدينا اليوم - معقد ، لأنه مر عبر تقسيمات المجموعات الأولية والتجميعات اللاحقة. ليس من المستغرب في هذه الظروف ملاحظة التمهيد في السور الحالية. هذه هي حالة سورة مريم حيث سبق أن عرضنا وجود ديباجة في وسطها ، في الآيتين 64 و 65 (1) ، أثر اندماج مجموعة في أخرى.
_____________________
(1) – سورة رقم 19 (مريم)
((وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 64 رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا 65))
_____________________
لنتناول حالة التردد الواضح في دمج سورة 9 - المعروفة بالتوبة أو البراءة - مع سابقتها ، سورة 8 الأنفال. ولعل أبرز دليل على هذا التردد هو غياب البسملة في رأس سورة 9 ، وهي الوحيدة التي حرمت منها في القرآن كله. إليكم تفسير هذا التردد المنسوب إلى الخليفة عثمان: "كانت [سورة] الأنفال من أوائل السور التي نزلت في المدينة المنورة ، وكانت البراءة من آخر السور التي نزلت. بما أن السورتين متشابهتان في الموضوع ، فقد اعتقدت أن السورة 9 تنتمي إلى 8. ومات النبي دون أن يؤكدها لنا. ولهذا السبب لم أفصل بين السورتين بصيغة البسملة". ورد هذا عند السيوطي ( الاتقان في علوم القرآن ج 1 ص 167).
لاحظ "بلاشير" – Blachère - أنه تم لحام هاتين السورتين لأول مرة أثناء تصنيف السورتين حسب طولهما المتناقص. وهكذا ، يشرح ، لدينا التسلسل التالي استنادا على عدد الصفحات لتبسيط الأمر: سورة 7 - الأعراف: 34 صفحة (مصحف طبعة القاهرة) ؛ سورة 8 - الأنفال: 13 صفحة ؛ سورة 9 - التورة: 26 صفحة ؛ سورة 10 - يونس: 18 صفحة. يستنتج من هذا أنه تم لحام السورتين 8 و 9 أثناء هذا الترتيب. ( كتاب "القرآن" ص 212).
تم الإبلاغ عن حالتين أخرتين لتقسيم مجموعة من الوحي إلى قسمين من قبل السردية الإسلامية التقليدية، ويتعلق الأمر بالسور القصيرة المرتبة في نهاية المصحف الإمام. يقال أن مصحف "أبي" قدم سورة 105 – الفيل وسورة 106- قريش في سورة واحدة ( السيوطي – الإتقان ج 1 ص 179 فقرة 852). ويذكر أن الخليفة عمر قرأ في الصلاة هاتين السورتين دون أن يفصل بينهما بصيغة البسملة: "بسم الله الرحمن الرحيم" (بلاشير - القرآن ص 666).
و حسب الرازي (850-923 م) ، كانت سور 93 - الضحى وسورة 94- الشرح في الأصل قطعة واحدة (السيوطي – الإتقان ج 1 ص 179 فقرة 854 ).
كما تجب الإشارة إلى أن سورة 103- العصر كانت في الأصل مجرد قطعة لم تكن مدرجة في إي من السور. علاوة على ذلك ، من الواضح أن الآية 3 منها هي إضافة لاحقة ، لأنها تشكل تطورًا يختلف ، في الطول ، بشكل ملحوظ جدًا عن الآيتين الأولاتين.
(( بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ 1 إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ2 إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ3)).
يمكن ملاحظة حالات أخرى من الدمج ، مثل التطور الذي يبدأ في سورة 6 - الأنعام الآية 92:
(( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)).
كما في الديباجات الأخرى ، يتبع موضوع تنزيل الكتاب عرض للقدرة الإلهية المطلقة. تمامًا كما يمكن للمرء أن يلاحظ في بعض السور القصيرة مجموعة واضحة جدًا من العديد من السور الأصلية كما في سورة 80 - عبس وهي قصيرة نسبيا، ولكنها تتكون من أربعة موضوعات - تطورات مستقلة: الأول عن الحادثة التي احتقر فيها النبي رجل أعمى ، والثاني في نزول القرآن ، والثالث عن غطرسة الإنسانية ، وأخيراً في وصف تنبؤي ليوم القيامة. كان من الممكن أن تكون هذه الموضوعات -التطورات الأربعة تشكل سورا مستقلة ، ولكن لا شك أن صدف تاريخ انتقال السرديات قد فرضت أخيرًا هذا التكوين.
وبالمثل ، يمكن للمرء أن نلاحظ في الآية 75 وما يليها من السورة 56 - الواقعة ، سرد /تطور كامل يبدأ بقسم قوي نموذجي لبدايات بعض السور المكية ويستمر بنوع معين في الديباجة ، وهو التأكيد على أصالة وصحة الكتاب السماوي. وقد يتضح هنا أن "التجميعات القرآنية" الأولى لم تهتم بتمييز الأجزاء المنزلة. وهذا ما يفسر العديد من حالات التمهيد المدمجة دون فصل في منتصف السور كما هي واردة اليوم في المصحف الذي بين أيدينا.
سورة الواقعة – الآية 75 وما يليها:
(( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ 75 وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ 76
إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ 77 فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ 78 لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ 79 تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ 80
أفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ 81 وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ 82 فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ 83 وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ 84 وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ 85 فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ 86 تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 87
فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ 88 فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ 89 وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ 90 فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ 91 وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ 92 فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ 93 وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ 94 إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ 95 فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 95 ))
لقد رأينا سابقا حالة معاكسة ، وهي حالة سورة 9 - التوبة ، وهي الحالة الوحيدة في المصحف الإمام بأكملها التي تخلو من الصيغة الاسترضائية - البسملة. وليس مستبعدا أن يكون ذلك فصلًا عرضيًا بسبب تقلبات كتابة النسخ ، ما لم يكن حذف البسملة أيضًا عرضيًا ، لأن أخطاء الناسخين لم تكن نادرة، وهناك عدة قرائن وردت في السردية التقليدية لا تنفي ذلك.
ويمكن توضيح هذه الظاهرة الأخيرة في الصفحة 295 من "مخطوطة سمرقند الكوفية" (2) (3) ، التي تعود إلى القرن الثاني للهجرة. وهكذا ، في سورة الأنعام ، يبدأ السرد /تطور من نوع نموذجي للمقدمات في الآية 92 على الشكل التالي:
((وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ 92))
أن الناسخ سار كما لو كانت بداية السورة. من ناحية ، بدأ هذه الآية في بداية السطر ، تاركًا فراغًا في السطر السابق ، حيث لا يوجد شيء يبرر مثل هذا التصرف ، ولا حتى أي تقسيم أساسي في هذا المكان. من ناحية أخرى ، تم حذف الاقتران التنسيقي ، مما قد يوشي أو يعزز الانطباع بوجود بداية السورة. و يمكن أن يكون حذف البسملة في سورة 9 - التوبة في الأصل مجرد خطأ ناتج عن خطأ الناسخ الذي يمكن مقارنته بالخطأ الذي المشار إليه في مخطوطة سمرقند.
____________________
(2) - لا تُعد المخطوطات عند علماء المسلمين مرتكزا لنقل النص القرآني , فالنص القرآني يُنقل شفاهيا بالحفظ في الصدور , من صدر الحافِظ إلى تلامذته وهكذا ويُنقل نقلاً متواتراً يستحيل معه التحريف او الخطأ. إن المخطوطات لا تُمثل اي أهمية لحفظ النص القرآني سالماً من التحريف، فإنهم لا يجيزون أبداً أي حوار او مناظرة حول مخطوطات المصاحف القرآنية , لإثبات سلامة نقل النص. فوسيلته الأولى والأعظم والفريدة التي لا ولن تتكرر لأمة في الدنيا هي خصيصة نقل النص حفظا في الصدور نقلا صحيحاً متواترا.
(3) - مخطوطة سمرقند وتسمى أيضا المصحف العثماني، والقراءة العثمانية، ومصحف سمرقند، وقرآن طشقند، ، محفوظة في مكتبة هاست إمام في طشقند. على أقل تقدير، تعود إلى أواخر القرن الثامن الميلادي أو أوائل القرن التاسع، وذلك لكونه مكتوبا بالخط الكوفي، ما بين عامي 765 و 855 ميلادية، أي ما بين منتصف فترة حكم ابي جعفر المنصور إلى بداية عهد المتوكل .
_____________________
------------------------------------ يتبع ~ البسملة والرحمن --------------------------------------
#جدو_جبريل (هاشتاغ)
Jadou_Jibril#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟