مراسلات تل العمارنة مزورة (2)‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)

الحوار المتمدن-العدد: 7618 - 2023 / 5 / 21 - 14:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تعرضنا في المقالة السابقة لعدد من القرى الصغيرة الواردة أسماءها في مراسلات تل ‏العمارنة باللغة الأكدية، وتأكدنا أنها تقع جغرافياً جنوب غرب الجزيرة العربية ، وقد ‏اختلط علينا الأمر حينما وجدنا أسماء الدول الحالية تحمل ذات أسماء القرى اليمنية ‏القديمة، فذهب خبراء الآثار إلى أن الأسماء الواردة بمراسلات تل العمارنة تشير إلى دبلوماسية ‏عالية بين الدول الكبرى في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، بينما ذهبنا نحن إلى أنها تشير ‏إلى تلك القرى والممالك العشائرية المتناحرة جنوب الجزيرة العربية في القرن السابع قبل ‏الميلاد، وأن دور الصهيونية العالمية قام على لملمة تلك الآثار والمراسلات القبلية من اليمن ‏خلسة ودسها في وادي النيل خفية لتتحول إلى مراسلات دبلوماسية بين الدول الكبرى بحجم ‏وادي النيل، خاصة بعدما نجحت الصهيونية في إطلاق أسماء القرى اليمنية القديمة على ‏الدول العظمى.. فمن ينجح الآن في إثبات أن اسم دولته ليس منسوخاً من اسم قرية يمنية ‏قديمة فهو إما عبقري محظوظ وإما موهوم وغبي .. لأن الصهيونية نسخت خريطة أسماء القرى والنجوع والوديان اليمنية بالكامل وقامت بتوزيعها على الدول مع مجموعات مناسبة من الآثار اليمنية تم توزيعها على الدول.. والجميع يفهم ذلك عدا المؤرخين وعلماء الآثار والكهنة، ما زالوا يكايبرون وينكرون الحقائق رغم وضوحها كعين الشمس ؛ لأن الاعتراف يعني أن عليهم الاعتذار عما يدرسونه لطلابهم في المدارس والجامعات والاعتراف بأنهم مجرد ألعوبة بيد الصهيونية استخدمتهم للنصب على الشعوب وخداعها واستعبادها.. وهذا أمرٌ محرج للغاية..

فكل أسماء الدول الحالية كانت أسماء ‏قرى ونجوع جبلية يمنية قديمة، مثل ( مصر والعراق وبابل وسوريا ودمشق ولبنان والأردن ‏وعمان وقطر والكويت وفارس والسند والكرد وتركيا واليونان وروما وإيطاليا وإسبانيا ‏وفرنسا وبريطانيا وروسيا وآسيا والصين والهند والتبت .. وليبيا والجزائر والمراقش والمغرب ‏والرباط وموريتانيا والسودان وإثيوبيا والحبشة والصومال .. وكل بحار العالم تحمل أسماء ‏أنهار صغيرة باليمن قديماً؛ البحر الأحمر والبحر الأسود والبحر الميت وبحر الروم المتوسط ‏والمحيط الأطلسي وحتى البحر الكاريبي...إلخ ، ما يعني أننا حينما نقرأ اسم ما في مراسلات ‏تل العمارنة حتماً سنجده إسماً لدولة كبرى حالياً، وفي الماضي كان اسماً لقرية جبلية ‏يمنية، والواضح بجلاء أن الأسماء الواردة في مراسلات تل العمارنة تشير إلى تلك القرى ‏الجبلية لا إلى تلك الدول الحالية، وهي لعبة صهيونية خبيثة ومثيرة للغاية .. ‏

‏ وعند البحث في التوراة مرة أخرى بشأن تلك الحقبة التاريخية التي ورد فيها ذكر مُصري، ‏سنتأكد أن مراسلات تل العمارنة إنما كانت تدور بين مقاطعات وإمارات صغيرة جداً ‏ومتجاورة في جنوب الجزيرة العربية، ومن يتمسك بأن "مُصري" الواردة في رسائل تل العمارنة ‏بأنها تعني بلاد القبط، فعليه حتماً أن يعتنق ما ورد بشأنها في التوراة، حين وصفها ملك ‏صعلوك بأنها مثل البوصة المرضوضة تدخل في كف من يتكئ عليها. فالنصوص التوراتية ‏تشير إلى حوارات متبادلة بين ملك أورشليم ويهوذا وممالك داود وسليمان ومقاطعة مُصري، ‏وعلاقات نسب ومصاهرة ومغازلة فتيات، ومشاحنات جنود حراسة وأمراء صعاليك، ولا ‏يمكن فهم دلالة مُصر فيها على أنها إمبراطورية القبط العظمى ببلادنا وادي النيل أبداً.‏

فنقرأ في التوراة: وَصَاهَرَ سُلَيْمَانُ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ، وَأَخَذَ بِنْتَ فِرْعَوْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى مَدِينَةِ ‏دَاوُدَ إِلَى أَنْ أَكْمَلَ بِنَاءَ بَيْتِهِ وَبَيْتِ الرَّبِّ وَسُورِ أُورُشَلِيمَ حَوَالَيْهَا. (ملوك أول3:1) وفي (سفر ‏الملوك 11:1) وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ ‏وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ . 2 مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «لاَ تَدْخُلُونَ ‏إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ ‏بِالْمَحَبَّةِ."... والمتأمل في هذا النص سيدرك ببساطة أن (مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ ‏وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ) هؤلاء كانوا عشائر صغيرة متجاورة إلى جوار مصرايم حيث اقترن ‏سليمان بابنة فرعون.‏

كان هناك إمارتين بارزتين في المنطقة؛ (مصرايم) غربي زهران و(بني سار) شرقي زهران، ‏وفي عهد الملك حزقيا ابن أحاز ملك يهوذا تمكن من تكتيل عشائر بني إسرائيل من حوله في ‏محاولة منه للتخلص من سيطرة (مصرايم) في غرب زهران، والتعاون مع آشوريي (بني سار). ‏وبعد أن نجح في حربه مع عشيرة الفلستيين سكان قرية (فلشة) أعلن العصيان على ملك ‏آشور (بني سار) وتقول التوراة: سفر الملوك الثاني 18: 7 وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ، وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ ‏كَانَ يَنْجَحُ. وَعَصَى عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ لَهُ.‏

‏... 14 وَأَرْسَلَ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى لَخِيشَ يَقُولُ: «قَدْ أَخْطَأْتُ. ارْجعْ عَنِّي، ‏وَمَهْمَا جَعَلْتَ عَلَيَّ حَمَلْتُهُ». فَوَضَعَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا ثَلاَثَ مِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ ‏وَثَلاَثِينَ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ. 15 فَدَفَعَ حَزَقِيَّا جَمِيعَ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ ‏بَيْتِ الْمَلِكِ. 16 فِي ذلِكَ الزَّمَانِ قَشَّرَ حَزَقِيَّا الذَّهَبَ عَنْ أَبْوَابِ هَيْكَلِ الرَّبِّ وَالدَّعَائِمِ الَّتِي كَانَ ‏قَدْ غَشَّاهَا حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا، وَدَفَعَهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ. 17 وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ تَرْتَانَ وَرَبْسَارِيسَ ‏وَرَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَصَعِدُوا وَأَتَوْا إِلَى أُورُشَلِيمَ. ‏وَلَمَّا صَعِدُوا جَاءُوا وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. 18 وَدَعَوْا ‏الْمَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُواخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. ‏‏19 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا الاتِّكَالُ الَّذِي ‏اتَّكَلْتَ؟20 قُلْتَ إِنَّمَا كَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى ‏عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ 21 فَالآنَ هُوَذَا قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَايم، ‏الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا، دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا ! هكَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مصرايم لِجَمِيعِ ‏الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. ‏

‏22 وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، ‏وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ 23 وَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، ‏فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ. 24 فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَال وَاحِدٍ مِنْ ‏عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرايمَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ 25 وَالآنَ هَلْ بِدُونِ الرَّبِّ ‏صَعِدْتُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ لأَخْرِبَهُ؟ اَلرَّبُّ قَالَ لِي اصْعَدْ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا».26 فَقَالَ ‏أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا ‏بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ».27 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ ‏أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ لِيَأْكُلُوا ‏عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟» 28 ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَ ‏قَائِلًا: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. 29 هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا، ‏لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ، 30 وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلًا: إِنْقَاذًا ‏يُنْقِذُنَا الرَّبُّ وَلاَ تُدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. 31 لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هكَذَا يَقُولُ ‏مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَاخْرُجُوا إِلَيَّ، وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ‏تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ . 32 حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضَ ‏حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضَ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أَرْضَ زَيْتُونٍ وَعَسَل وَاحْيَوْا وَلاَ تَمُوتُوا. وَلاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا ‏لأَنَّهُ يَغُرُّكُمْ قَائِلًا: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. 33 هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ ‏‏(سفر الملوك الثاني 18)‏

‎16 ‎وَأَهَاجَ الرَّبُّ عَلَى يَهُورَامَ رُوحَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَالْعَرَبَ الَّذِينَ بِجَانِبِ ‏الْكُوشِيِّينَ،‎17 ‎فَصَعِدُوا إِلَى يَهُوذَا وَافْتَتَحُوهَا، وَسَبَوْا كُلَّ الأَمْوَالِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ ‏بَنِيهِ وَنِسَائِهِ أَيْضًا، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ ابْنٌ إِلاَّ يَهُوآحَازُ أَصْغَرُ بَنِيهِ‎.‎‏ (سفر الأخبار الثاني 21)‏

هذه السياقات التي تدور بين مجموعات من زعماء العشائر بلقب" ملوك" لا يمكن بأي حال ‏إدراج إمبراطورية عظمى بينها... وهذه المصر هي التي يعود تسميتها إلى أحفاد نوح أو مصرايم ‏بن سام بن نوح، أما أرض كميت وادي النيل فهم لا يعرفون شيئاً عن هذا المصرايم إطلاقاً. ومن ‏الواضح جلياً أن اللغة التي كانت متداولة بينهم هي (الآرامية والعبرية اليهودية فقط كما ‏تذكر نصوص التوراة أعلاه) ولو كانت هذه العصابات والعشائر كبيرة عظيمة من شأنها أن ‏تتبادل المراسلات مع إمبراطوريات عظيمة مثل كميت إيجبت والصين والهند، لكانت حتماً ‏قد تركت أي أثر يدل على وجودها تاريخياً، لا مجرد حكايات وروايات، فالحضارة الجبتية ‏القديمة تركت ما يتحدث عنها من أهرامات ومعابد وقلاع وحصون تكفي للحديث عنها ‏بذاتها، وما البرديات والنقوش على الجدران إلا تفسير لألغاز هذه الحضارة العظيمة، أي عنصر ‏كاشف وليس منشئ، بينما التوراة هي عنصر منشئ لتاريخ وحضارة وإمبراطورية مزعومة، ‏فعشائر سليمان وداود ويهوذا وأورشليم لم تترك أي أثر، فهل كانت عظيمة حقاً بحجم ‏كميت كي تتبادل معها مراسلات بهذا الشكل ؟! بل إن هذه الممالك جميعها (بما فيهم ‏مصرايم ذاتها) جميعهم وقعوا تحت الاحتلال البابلي في وقت واحد، وعين البابليين منهم ‏حكام عملاء للدولة البابلية القديمة، وكانوا يتنازعون الملك فيما بينهم، وبعضهم يسعى ‏بالوشاية لملك بابل، وبعضهم يتمرد فيتعرض لحملة تأديبية، وبعضهم يتأخر في دفع الجزية ‏فيواجه اتهامات..إلخ.‏

والغريب أن التوراة ذاتها ذكـرت ســهواً‎ ‎في‎ ‎أحــد مقاطعهــا مفــردة مصــريم‎ ‎في‎ ‎ســياقها الحقيقــي أي بمعنــى العشــيرة أو القبيلـة، فتقول التوراة(زكريـا ١٨:١٤) "‏‎ ‎وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لاَ يَصْعَدُ مِنْ قَبَائِلِ الأَرْضِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ، لاَ ‏يَكُونُ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ‎. ‎وَإِنْ لاَ تَصْعَدْ وَلاَ تَأْتِ عشيرة المصريين وَلاَ مَطَرٌ عَلَيْهَا، تَكُنْ عَلَيْهَا الضَّرْبَةُ ‏الَّتِي يَضْرِبُ بِهَا الرَّبُّ الأُمَمَ الَّذِينَ لاَ يَصْعَدُونَ لِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ ". وعند تتبع لفـظ "مصـر" ‏الـوارد‎ ‎في‎ ‎المقطـع أعـلاه في النسخة الأصلية السريانية للتوراة نجده ينطق سـريانياً ‏‏"مصـريم" بمعنـى أن المقصـود هـو مصـر موسـى ويوسف الــتي وردت‎ ‎في‎ ‎هــذا المقطــع ‏بوصــفها عشيرة من بين القبائل والعشائر المطلوب منها أن تصعد إلى أورشليم، وليســت ‏مملكــة القــبط العظمــى‎.‎‏ بينما مترجمــي "الســبعونية" قــد أدرجــوا مصــريم الــواردة‎ ‎في‎ ‎المقطـع أعـلاه ضـمن حملـة التزوير حيـث حرفـت مـن مصـريم إلى إيجبتوس، وصار النص ‏الأصلي (عشيرة المصريين) والنص اللاتيني (‏family of Egypt‏) وخرجـت جميع الترجمات ‏الغربية المعاصرة مؤصلة هذا التحريف، فهل كان الشعب الجبتي القديم عشيرة ؟! أو قبيلة ؟! ‏أو ‏family‏ كما نقرأ‎ ‎في‎ ‎الترجمات الغربية المعاصرة (سفر زكريا 18-14)‏‎:‎
‎"And it shall be ‎،that whoso will not come up of all the families of the earth unto ‎Jerusalem to worship the King, the LORD of hosts, even upon them shall be no rain. And if ‎the family of Egypt go not up, and come not, that have no rain there shall be the plague, ‎wherewith the LORD will smite the heathen that come not up to keep the feast of ‎tabernacles.‎

ويدل ذلك على أن مصريم المنعوتة بوصف القبيلة‎ ‎في‎ ‎الأصل والترجمة هـي عينـها ‏مصــر موســى ويوسف والمجاورة لأورشليم، والمفروض أن أور شليم مقر للعبادة بالنسبة ‏للعشائر المجاورة لها ومن بينها عشيرة المصريين. فهــل كانــت إمبراطورية القــبط توصف بالـ ‏عشيرة ؟! أو قبيلة ؟! أو ‏family‏ أيام سليمان وداود ؟

ونظراً لأن شعب الجزيرة – برغم وحدة النطاق الجغرافي – إلا أنها لم يحدث في تاريخها أن ‏توحد شعبها تحت لواء واحد كما كان الحال في مملكة القبط العظمى على مدار ‏التاريخ، كان الشعب العربي عبارة عن ممالك وإمارات صغيرة متجاورة متناحرة طول الوقت ‏ولم يحدث بينها اتحاد أبداً رغم وحدة اللغة والعرق العربي، بل على العكس كانت تتزايد ‏الهوة باختلاف اللهجات.. فمثلاً الكوشيين والخولانيين(الحميريين) والكنعانيين ‏والمصرايمين واللوبيين ...إلخ، هؤلاء جميعهم عشائر تسكن مناطق متقاربة في الجزيرة، ‏حتى أن التوراة في سياقها لا تتحدث عن مملكة بني إسرائيل بصفتها إمبراطورية تناطح ‏إمبراطورية وادي النيل وإنما في سياق عشائر وقبائل تتحد وتفترق وتقتسم الحكم أحياناً .. ‏

‏ ( والكوشيين نسبة إلى أرض كوش كما يقول ابن المجاور: زَبيد وما اتصل بها من سهول ‏تهامة إلى منطقة جازان شمالاً) وقد ورد أن زراح الكوشي حارب مملكة يهودا بجيش كبير ‏من الكوشيين ولكنهم هُزموا وغنم بنو إسرائيل منهم خياماً وضأناً وجمالاً كثيرة (سفر أخبار ‏الأيام الثاني 14 /8-14) ، وفي هذه دلالة ظاهرة على قرب موطن الكوشيين هؤلاء من أرض يهودا ‏وأنهم من قبائل العرب التي كانت تسكن الخيام وترعى الغنم والإبل ويظهر كذلك أن جبال ‏رازح اليمنية الواقعة إلى الشرق من أرض جازان قد أخذت اسمها من إضافتها إلى ذلك القائد ‏الكوشي (زارح) الذي ينطقه الناس اليوم رازح بالقلب اللساني وهو شائع على ألسنة الناس ‏حتى اليوم . وقد جاء في سفر يشوع بنص صريح يؤكد أن موطن بني يهودا كان بأرض ‏اليمن الذي جاء في كل نصوص التوراة بلفظ (التيمن-תימן) يقول النص: وكانت القرعة ‏لسبط بني يهودا حسب عشائرهم إلى ناحية أدوم برية صين نحو الجنوب أقصى التيمن) ‏‏(خروج 15/1)‏

وكما سبق وأوضحنا مقال د. أحمد داود أن مصر هي بالكلدانية "مصري" أي بلهجة بني ‏المشرق، وبلهجة الكنعانيين في جبل غامد " مصرايم" وتعني المصريين أو عشيرة المصريين، ‏وهي تقع على تلة أو ربوة في نبعة ماء ويجري فيها وادٍ سيلي ينضب في الصيف وينحدر إلى ‏الغرب باتجاه البحر الأحمر ويدعى وادي مصريم أو وادي شيحور، وهناك عشرات المواضع في ‏التوراة التي تؤكد أن مصر المقصودة إنما هي قرية أو بلدة عشيرة المصريين من أبناء حام. ‏تقول التوراة " وعشيرة مصرايم إن كانت لا تصعد.." ويكفي هنا أن نذكر قرب المكان ‏حيث كان إخوة يوسف يذهبون ويعودون من القرية مرات متتالية، لجلب القوت، لأن أخاهم ‏يوسف كان قائماً على الخزائن يبيع الحبوب، وطلب منهم أن يعودوا إليه بأخيه الصغير دون ‏يعرفهم بنفسه، وعادوا إلى أبيهم بهذا الطلب وجاد لهم أبوهم بالصغير فقال يهوذا لأبيه أنا ‏أضمنه من يدي تطلبه .. إنه لولا أنّا تلبثنا لكُنّا الآن قد رجعنا مرتين "(تك 43:9،10) ‏
‎
يُتبع ...‏‎
‎
‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏‎
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏‎ ‌‎
‎
‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏‎
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏‎
‎
‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي‏‎ ):
‏https://cutt.us/KFw7C‎
‎
‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA
‎
‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏

#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)       Mohamed_Mabrouk_Abozaid#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات