أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - ستائر















المزيد.....

ستائر


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 7618 - 2023 / 5 / 21 - 08:03
المحور: الادب والفن
    


الساعة على وشك منتصف النهار، وضوء الشمس في يوم صيفي قائظ قد حرك ستائر نافذه غرفة النوم بلهيب رقراق .. فتحت نجوى عينيها لكن ما لبثت أن أغمضتهما من جديد، واضعة ذراعها على وجهها ،فاشعة الضوء كانت اقوى من أن تحتملها مقلتاها..
من شهر وقبل أن يعلن الصيف لهيبه المبكر بعد سنة من جفاف شح فيها المطر، ونجوى تفكر في تغيير ستائر غرفتها بأخرى أكثر سمكا وأشد غمقا . يداهمها أمر مفاجئ فتنسى الستائرالى أن يأتي يوم جديد ،تضرب الشمس عيونها صباحا فتنتبه للستائر التي يجب أن تغيرها..
أكثر من مرة خرجت لتقتني ستائر جديدة ، فتتدفق عليها، ذكريات ماضية في الطريق، فتقصي كل غرض قد خرجت من أجله ؛ كم حاولت أن تتغلب على نسيانها هذا لكن لا تلبث ان تسقط فيه وتتمرغ في جديد طارئ تنشغل به الى أن يتبخر الأصل الذي كانت تعول على إنجازه ..
اليوم يوم الستائر عبارة وضعتها في صلب عقلها وعلى طرف لسانها ترددها :
الستائر ، الستائر ، الستائر ...ولاشيء اليوم غير الستائر ..
تعد فطورها وهي تركز في نوعية الستائر التي تناسب ألوان غرفتها ، تتناول ما أعدته وألوان الستائر هي ما يرفرف أعلاما بألف نوع وشكل، مصفوفة أمام بصرها ، تضيف لغرفتها جمالا ورونقا ، تغير لباسها وهي تدندن:
طلع الصهد فالراس
ودوخني حر اليوم
النسيان راه وسواس
يجيب لعتاب واللوم
الرضا بواقعها ما يملأ صدرنجوى بقناعة ،فهي قد فقدت أمها وهي صغيرة ، وكان ابوها غارقا في السياسة تبتلعه بمشاكلها الى أن أخذت عمره ففقدت نجوى كل حنان قد يعوضها غياب الأم، ملأت الغربة كيانها وكادت أن تبدد شخصيتها التي تشرذمت حين هاجر أخوها الى كندا لاتمام دراسته ، ولم يتبق لها غير الغربة تعقد معها ألفتها ..
طرقات على الباب تقرع سمعها فترد باسمة :
ـ ستائر انتظري..
تتوالى الطرقات ..من هذا المتعجل الذي اتى ليشغلها عن الستائر؟
يفاجئها بالباب رجل أشعث كث اللحية ذابل الجسم يبادرها بسلام ..
تدير وجهها وقد أقفلت الباب وهي تقول : "الله يسهل "
صدى الرجل يصل اليها متقطعا كأنه يتوسل أمرا :
ـ نجوى أرجوك ، تمهلي ..
بسرعة تعيد فتح الباب وقد فاجأها الرجل وهو يردد اسمها . تقف أمامه متفرسة في وجهه .."أعد ما قلته"
يخفض الرجل بصره ويردد ـ
لم أقل شيئا للا نجوى ، بادريني بأكل الله يرحم الحاج المعطي..
ردد العبارة بمسكنة وتذلل ولدت في نفسها شفقة ورحمة
تزداد استغرابا ، الرجل يعرف اسمها واسم المرحوم أبيها ، ربما أحد ممن كان تحت سلطة أبيها .. تشرع له الباب وتدعوه للدخول قبل أن تتحقق ممن يكون .. تتركه وتقصد المطبخ لتجلب له أكلا ..
حين عادت وجدته يتفرس في محتويات البيت ، وكأنه يسترجع ذكريات ماضية .. ركبتها رهبة جعلتها تأخذ كل الحذر وهي تضع له ما يسد به جوعه .. فما أثارها في الرجل أكثر بكثير مما استكانت اليه، وقد شرع يتصرف وكأن لا أحد يستطيع مقاومته ..
دلفت الى غرفة نومها، أخذت هاتفها وحاولت ان تستدعي خالها ، إذ يلزمها مؤنس يصد عنها ما قد يباغثها ، فصدماتها السابقة في فقدان أمها ثم قتل أبيها غدرا من قبل رجل دنيء الأصل رضيت به زوجا ، جعلها تشك في زائر غريب كم تؤنب نفسها بتوبيخ وندم أن سمحت له بالدخول الى البيت وهي وحيدة بلاحماية.. بسرعة يفاجئها الرجل بباب غرفة نومها يتطلع اليها في خبث فتضطرب، عيناه تنفذان الى دواخلها في وقاحة لم تلاحظها من قبل ، يسقط الهاتف من يدها :
ـ من أنت ؟ وماذا تريد ؟ تركتك تأكل وأنا بك واثقة ، وأمهلتك حتى تنهي أكلك ثم أسألك عمن تكون ؟
كشر الرجل عن أسنان سوداء :
ـ أحقا لم تعرفيني ؟ أنا فعلا تغيرت ..ألم تكوني تسخرين من سمنتي ؟ ..أنا إسماعيل ، زوجك، حبيبك ، من كنت تسمينه "عبل " خرجت أمس من السجن واليك بادرت بزيارة ..شوق الى مطلقتي العزيزة ..
ترتعب ، حلقها يجف ، والحصرم ما يتوقف في حنجرتها ، كل مافيها يهتز من رعب ، عشرون عاما غيرت شكله.. كان بدينا حليق اللحية ، أقصر قامة مما هو عليه الآن ..وها هو أمامها بشعر طويل ، ولحية كثة ، ضامر الجسم وقد غارت عيناه فصارت كل عين في وقب عميق تحيطه حراشيف وقشور. تتجلد متحملة نظراته الوقحة عساها تخفي عنه خوفها ، لكن عقلها شغال، يبني حلولا لنجاتها.. تراجعت قليلا الى الخلف ، تمسكت بستائر النافذة ..
ـ ماذا تريد مني ، قتلت أبي ،وافترقنا بطلاق ،فماذا تريد بعد ؟
يسترسل في ضحكات المكر مكشرا عن أنيابه فتتبدى أكياس صغيرة تحت عينيه كأنها مملوءة بسوائل على وشك الانفجار، رعب أكبر يتملكها ، شيطانا يتبدى لها، جثة أبيها تتماوج أمام ناظرها، بدقة تراقب الزائر أمامها في لحظة تحاول أن تطرد صورة أبيها حتى لا يغيبها أثر الحادثة عن حضور البديهة ، فينقض عليها كما انقض على أبيها حين فاجأه وهو يفتح خزينته فطعنه بسكين بلارحمة ثم ارداه قتيلا..ولم يتم القبض عليه الا بعد شهرين من بحث وتربص..
يتقدم خطوة منها ، عيناه تتحركان كبوصلة تحدد موقعا ، أدركت أنه يتقصد أسهل طريقة للارتماء عليها وشل حركتها "قاتل، خبرته كبيرة بكيفية الانقضاض على ضحاياه ".. يرن الهاتف ، فيتراجع ،و بلهجة آمرة يقول :
ـ ردي على الهاتف،ربما يكون حبيبا،خطيبا جديدا،أليس كذلك؟
أدركت أنه يريد أن يتمكن منها فتعمدت أن تترك الهاتف يرن فوق سرير نومها، لاتوليه التفاتا، حذرة من أن تفقد قدرة تركيزها على الزائر .. يقترب أكثر من السرير ، ثقته بنفسه شجعته على أن يمد يده ليلتقط الهاتف،استغلت انحناءه و نثرت ستائر النافذة بقوة، والقتها عليه فصار يتخبط داخلها كمن ركبه مس من جنون ، يضرب يمنة ويسرة يحاول الانفكاك من شرنقته ..
بسرعة تفتح النافذة وتقفز منها الى حديقة البيت تستغيث.
حاول الهروب بعد أن تخلص من ستائر النافذة فوجد حراس الحي بالباب وقد تنبهوا لاستغاثتها فأطلقوا الكلاب تنهشه نهشا الى أن اتى رجال الشرطة ..
خسيس وضيع ، لم ينفع فيه سجن ولا عقاب يوم أتى لخطبتها لم يكن غير موظف بسيط قفز بالتملق يرتقي السلالم بسرعة بعد أن ساعد اباها في الانتخابات الجماعية فاستخصه الأب كاتبا له حين تم انتخاب أبيها عمدة للمدينة ، ما أن تزوجها بعد تزلف كبير لأسرتها حتى ظهرت أطماعه و نوازعه الشريرة .. انحطاط نفسه جعله يتاجر بأسرار ابيها لصالح منافسيه من تيارات أخرى وعليه يتآمر.
ذات ليلة .تسلل اللئيم من غرفة نومها وحاول سرقة وثيقة سرية وخطيرة من خزانة أبيها ولما كشفه الأب أرداه اللئيم قتيلا ثم عاد الى جانبها لينام قرير العين حتى إذا اصبح الصباح روج مع من روجوا عن أبيها التلاعب بميزانية الجماعة فانتحر اتقاء للفضيحة ..لكن دهاء الشرطة كان اقوى من نفسه الشريرة فكشفت لعبته بأثر دم لا يكاد يبين وجد على وسادة زوجته فكان الخيط الذي عرى جريمته التي تم على إثرها حل حزب وتوقيف أشخاص آخرين.. شهران وهو فار متخف في قبو أحد معارضي أبيها الى أن كشفته الزوجة الثانية للمعارض ..
لم تنس نجوى ستائر نافذتها ، رحل الصيف وحلت تباشير الخريف بعد إقامة عند خالها لشهور ،وعاد أخوها من كندا، وقد هدأت زوابع زائرها القاتل اللئيم الذي تم الحكم عليه بالمؤبد لتختار ستائر لنافذة غرفة نومها وهي أكثر صلابة واوفر ثقة بنفسها ،بين عيونها قرار حتمي : لاثقة في سائل متمسكن ، ولا شفقة على دنيء وغد..



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طحن الزعفران
- أنثى اسمها عنبر
- حبة لؤلؤ
- زيارة ...
- صدرية صفراء وخاتم ذهبي
- أيور
- كنت أفر من أبي
- لو يمهلني عمري !!..
- أنثى من عهد الشباب الأول
- أنثى مغربية
- هوس
- طرحة سوداء
- خجل
- بتلة ورد
- أنفاسها ترعف طيبا
- لحمة الشتات
- جمع الشتات : المقطع ماقبل الأخير من انغماس
- لحمة : المقطع الثالث من انغماس
- مرايا بيتنا
- مضيف قريب


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - ستائر