أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - طرحة سوداء














المزيد.....

طرحة سوداء


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 7411 - 2022 / 10 / 24 - 20:37
المحور: الادب والفن
    


عاد أبي بعد صلاة الجمعة مكفهر الوجه عابسا كمن تهجمه عدو في الطريق ، بين عمتي وبين أمي كانت النظرات تنوب عن الكلام ..
لحقتُ بأخي الذي كان يخلع جلبابه الأبيض بعد أن رافق أبي في صلاته فربما التقطُ منه ما غير أبي وعكر مزاجه ..
على مائدة الغذاء غابت ضحكات أمي غياب مدح أبي على قصعة كسكسها التي يعبق سمنها البيت والتي تعوَّد أبي أن يكيل المدح ليد قد أعدتها ،فكأن كسكس هذه الجمعة قد أعد لمأتم . كانت عمتي تتطلع لأبي تحاول أن تفجر صرة عبوسه فتتراجع خوفا من أن يترك المائدة غاضبا قبل أن يتمم غذاءه ..
لعق أبي أصابعه ثم انسل الى غرفة نومه داعيا أمي اليه .. ضحكت عمتي وأومأت لأمي بغمزة تنهدت على إثرها أمي وقالت : "كِيْتي" وهي تحرك اصبعها الوسطى فوق كتفها كدليل "لاشيء" ؛ بعد برهة وصلني نداء منها ..
منعتني عمتي من تلبية ندائها الا وهي معي اثر كلمات تبادلتها مع أخي..
ما أن واجهتُ أبي حتى بادرني :
اسمعي، منذ اليوم لن تخرجي من البيت الا وانت محجبة ..
انقباض لف صدري ،وظلمة تغشت بصري، لماذا ؟لم أتجاوز العاشرة من عمري !!
بسرعة تتدخل عمتي بعد أن رأت دموعي تتسربل على خدي :
ـ الأمر من وحي خطبة امامك اليوم ،أليس كذلك ؟
وضع ابي عيونه بين رجليه ، ولم يزد عن القول :
ـ الامام لم يبلغ الناسَ غير أوامر الله ..
لا يستطيع ابي مجادلة عمتي فهو لا يملك علمها و لا ثقافتها، انشغل من صباه بالتجارة مع جدي وهي اهتمت بالدراسة وطلب العلم الى أن صارت أستاذة جامعية اضطرت للتقاعد بعد حادثة سير مع المرحوم زوجها ..بادرته :
ـ كيف تئد صبية فتكفن جسدها قبل الأوان ؟ وكيف استطاع فقيهك الغائب عن الحياة أن يقودك ويقنعك وأمثالك بهذا الرأي السحري الذي ارهبك وتركك تعود الى البيت مفزوعا تفرض أمرا ظلاميا؟ أي عقل سليم يكتم أنفاس طفلات الا إذا كان عقلا متشظيا يستقي معلوماته من غياهب الكهوف ، أو له في ذلك غاية ماكرة ؟ متى تنتبه الأوقاف الى أن فقهاء مساجدها صاروا لا يتمنطقون الا بتمديد كل ممل سقيم لا يراعي زمنا ولا تغيرات مفاهيم الخلق ، يسخر منه الناس ضاجرين بملل ؛هل تدري ما قاله ابنك حين سألته عن موضوع الخطبة ؟
" خرافات كالعادة تروى بصياح وتهويل لا تقنع أحدا ، كثير من أصدقائي ماعادوا يرافقون آباءهم الى المساجد أيام الجمع "..
انسلت أمي وهي تشدني من يدي ، وبقيت عمتي وجها لوجه مع أبي ..كانت حركة أمي تعكس رفضا لما أمر به والدي ..
حاولت من وراء الباب أن استرق قليلا مما يدور داخل الغرفة ، كلام كثير دار بين ابي وعمتي لم يتوضح منه غير هذه العبارات من عمتي وهي ترد على كل حجة من أبي :
ـ الإسلام لا يعترف برجال الدين ولا يخولهم حق الفتوى على الناس ؛ الدين عدل ، أمن وأمان يا أخي وليس لباسا ومظاهر،فالله لا ينظر الى صور الناس ؛ في المجتمع اعوجاجات أحق بالمتابعة والتنبيه من الخوض في التفاهات التي لا تتسلط الا على المرأة دون غيرها ..
تحول صوت عمتي الى همس كأنها تلقن أبي درسا خاصا ختمته بنصيحة قبل خروجها :
فقهاء يغيب عنهم العلم بحقيقة ربهم فظلوا يهرولون خلف التهديد والوعيد بالجنة والنار وعذاب القبر وما أحوجهم الى دعوة صارمة لتطبيق قانون العدل والمساواة بين الناس..
لم أفهم الكثير مما قالته عمتي لكن وجهها وهي تغادر الغرفة كان يرمي بشائر وينشر قناعات ..
كانت أمي متلهفة على نتيجة النقاش بين ابي وعمتي ، ضحكت هذه وقالت :
ـ أستغرب كيف غرق أخي في هذا "بوخرارب" من التزمت العقلي والانغلاق الفكري ؟
تربينا في أسرة لم يكن ابونا فيها غير تاجر للألبسة التقليدية ، يحضر دروس العلماء بين العشائين في مولاي ادريس والقرويين ، يناقش ويحاور ويتطلع لكل جديد ، وأمنا غيرت الحايك بجلابيب أنيقة تاركة شعرها يرتاح على كتفيها بلا غطاء عدا أيام البرد والمطر، ولا أحد تدخل في اختيارها
تتنهد أمي حتى أن دمعاتها شرعت تتلألأ في عيونها ثم تقول :
صارت بيوتنا مآتم لا حديث الا عن الأئمة والصحابة وأمهات المؤمنين و الاقتداء بالسلف وكأنه مفروض علينا أن نعيش زمانهم حتى نجد مقعدا في الجنة ،ولا تلفزة الا اذا كانت حديثا لفقهاء الظلام، اعلاء للذكورة وتسليط القهر على النساء ، وفرض واجب الطاعة والامتثال عليهن ، أشباح سلبوا منا العقل والإرادة .. معدلات الطلاق تتفاقم والكل يغرس راسه كالنعامة في الرمال ولا يجأر أحد بحقيقة والتي لا تعود للمرأة كما يحاول الفقهاء باساطيرهم تلبيسها للنساء..
صلى أبي العصربعد قيلولته وقبل أن ينظم الى مجلس القهوة انحنى على رأس أمي وقبله؛
ضحكت عمتي وقالت مازحة : يبدو ان أخي لم يبلغه خبر موت والدك الا اليوم وأقبل يعزيك ، الله يتقبل ...
ضحك الجميع وكنت السعيدة بينهم ، ارتميت على صدر خالتي وعانقتها فلولا وجودها اليوم معنا لاستقبلتني المدرسة غدا بطرحة سوداء كم عبتها على غيري من الصغيرات ...



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خجل
- بتلة ورد
- أنفاسها ترعف طيبا
- لحمة الشتات
- جمع الشتات : المقطع ماقبل الأخير من انغماس
- لحمة : المقطع الثالث من انغماس
- مرايا بيتنا
- مضيف قريب
- قناديل الوجع (التمفصل الثاني من قصة انغماس)
- موزونة ديال الجاوي تبخر المدينة
- هل حقا ماتت ضحى ؟
- يد رفضت أن تكون سفلى
- أمر سلطوي
- انغماس
- من تكون سناء؟
- جمرات تحت الرماد
- شوق
- لو نلتقي
- من سجني سميتك أنثى
- من قطر فيك فاسد العسل ؟


المزيد.....




- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - طرحة سوداء