أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - خجل














المزيد.....

خجل


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 7399 - 2022 / 10 / 12 - 17:26
المحور: الادب والفن
    


هي فتاة خجول ،لكن ثقتها في النفس تبلغ درجة اليقين، بلا غرور لما تريد وما اليه تطمح .. تشرد أحيانا كأن أحداثا غيبية قد سلبت فكرها وتفكيرها ، فتوهم الناظر اليها كأنها قد فقدت الإحساس بالزمان والمكان ، بعيدة الانتباه عما يجري حولها، غائبة عن محيطها ، كمغترب داهمه حنين الوطن ،لكنها بسرعة تفاجئ محدثها برد أو سلوك يهدم كل الظنون، فطنة وذكاء ،تواريهما بعصير رمان يكتسح خديها وهي تتصدى برد أو تتجاهل مدحا يكال لها ، طمطمة يصير محياها :" اضربها بزرعة يسيل دمها "
هي السعدية تلميذة السنة أولى إعدادي ، اثيرة أساتذتها ،مقارنة بباقي تلاميذ قسمها، جمال موهوب وقد متناسق، لايعيبها غيراستغراق في الانطوائية،وانعزال تام عن زمرة الإعدادية ، تتجنب المشاركة ضمن مجموعات العمل المدرسية ،محترسة من عقد علاقات صداقة، وباستثناء زميلتها التي تشاركها مقعدها والذي لم تغيره من بداية السنة الدراسية ،فقلما يمكن مشاهدة السعدية في زمرة متدامجة في نشاط أو متسلية بلهو، حتى في الحفلات المدرسية فهي تفضل أن تساهم بأعمال فردية تصب فيها كل ما يثير الدهشة والتصفيق ،ابداع بأروع ما يمكن أن يصوره عقل شاعرة وفكرفنانة ،خلاقة بتفكير راق، فتفاجئ الجميع من داخل المؤسسة وخارجها ، لكنها بسرعة تنسحب عند النقاش خصوصا اذا كانت هي مركزالاهتمام وليست أعمالها الإبداعية ..
قد يوعز سلوك السعدية هذا لهدوئها وحبها للاستقلالية ،أو لانتمائها سوسيو ثقافيا لطبقة فقيرة بالرغم من أنه لا يظهر عليها تقتير في ما تلبس أو ما تقتني من أدوات عمل كما قد يتبدى على غيرها ..
ذات حصة دراسية كان أستاذ الاجتماعيات يترقب انجاز تمرين كتابي قدمه لتلميذات وتلاميذ القسم حين لفت انتباهه أن وجه السعدية يتلون بامتقاع وقد عضت على شفتها السفلى كانها تريد قضمها ، تترنح في جلستها كمن يقتعد القتاد، أو كأن صدمة داخلية قد فاجأتها؛ بسرعة غضت بصرها ، حين رفعت راسها فوجدت أستاذها يتابعها بنظر، دفنت راسها بين راحتيها وقد استغرقها تفكير بينها وبين نفسها ..
من الذي غير السعدية ؟ هل داهمها كمراهقة صغيرة من يقعد خلفها بحركة لاترضى عنها ؟ ربما ..فالسعدية لازالت ذات ملامح طفولية كأنها في مدرسة إبتدائية، وليس لديها مناعة ولا خبرة تقيها من الانزلاق من الزخم الاغرائي الذي قد يتربص بالأطفال المراهقين ..
من حركات السعدية فوق مقعدها أدرك الأستاذ أن ما يحركها بعيد عن أثر وجداني ينقر بخوف في عيونها ،او بإساءة لحقتها ممن خلفها بسرعة خمن..ألا يكون حيضا مباغثا قد فاجأ السعدية ، ربما حيضها الأول ، و صُبَّة الدم قد لفتها بصدمة وخجل ، ذعرا مما قد يكتشفه تلاميذ قسمها ؛ من هنا استحوذ الخوف على عيونها، مفاهيم الحياء والخجل حين تهوي بفجاءة وثقل على كل غر بلاخبرة "لو أن السعدية كانت ملمة بتوجيهات استباقية لاستعدت لكل مفاجأة من هذا القبيل ، لكن يظهر أنها مغيبة عن تربية جنسية مما طواها بخوف وخجل " ..
ظلت عيون الأستاذ مصوبة الى السعدية تركزفيها وقد وضع سبابته على أنفه إشارة دعوة الى التزام الصمت ؛ اعتذر للتلاميذ لحظة ثم غادر الحجرة الى اقرب دكان، غاب قليلا ثم عاد مسرعا بصندوقة بيضاء .. عند نهاية الحصة وقبل استعداد التلاميذ للانصراف طلب من السعدية وعلى مسمع من جميع التلاميذ ان تظل في مكانها لاستفسارها عن أمر خاص ..
بعد انصراف الجميع دفع الأستاذ للسعدية بالصندوقة البيضاء .. رغم المفاجأة التي لفتها والحياء الذي قمطها ، تجلى ارتعاشة في يديها وشحوب شفاهها ، ظلت تستمع الى أستاذها ،ثقة وهدوء،و رأس ينغرس في لوحة مقعدها ، لكن مع بسمة خفيفة تتحدى عيونها فتحسس محدثها بانفتاح على أن كل ما يخترق مسامعها تتقبله بلا ضجر ،ثم باغتته بصراحة غير معهودة حين قالت وراسها مركوز في مقعدها:
ـ لأول مرة أعيش تجربة الحيض ، كان يلزم أن تنبهني أمي قبل حدوثها حتى تجنبني حرجا مفاجئا،لكن ..
تتنهد ثم تصمت ..
أتى رد الأستاذ هادئا :
لكن ماذا ؟ لاعليك، ربما لازالت أمك تراك طفلتها الصغيرة أو هي نفسها أكثر منك خجلا..
من عينيها طفرت دمعات وقالت :
ـ هو الخوف من ابي الذي يلفنا جميعا .. المبالغة في التحريم حتى تحول كل من في البيت الى احتراس وحذر وتعامل بنفاق حتى نستطيع تعدية يومنا بلا مشاكل، أنا لك مدينة استاذي بهذا الانفتاح وهذه الحرية التي لقنتني بها درسا في احترام كرامة الآخرين، والتستر على كل ما قد يوقعهم في الحرج بين غيرهم ، تنهدت ومسحت دمعة انحدرت على خدها ثم تابعت :
ـ تربية العسكرة والتشدد في الحرام والحلام تحول آباءنا الى ملاك لأرواحنا، وتجعل من أمهاتنا جثثا بلاروح .. ما وقع لي هو بسيط وعاد في حد ذاته لكن عند البعض فضيحة مدوية قد تثير الضحك كما تثير القرف والتشهير ..
يرد الأستاذ قبل ان ينصرف ويترك السعدية تصلح من حالها :
ـ ليس في الأمر فضيحة ،انما هي تربية ووعي وتفهم ...



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بتلة ورد
- أنفاسها ترعف طيبا
- لحمة الشتات
- جمع الشتات : المقطع ماقبل الأخير من انغماس
- لحمة : المقطع الثالث من انغماس
- مرايا بيتنا
- مضيف قريب
- قناديل الوجع (التمفصل الثاني من قصة انغماس)
- موزونة ديال الجاوي تبخر المدينة
- هل حقا ماتت ضحى ؟
- يد رفضت أن تكون سفلى
- أمر سلطوي
- انغماس
- من تكون سناء؟
- جمرات تحت الرماد
- شوق
- لو نلتقي
- من سجني سميتك أنثى
- من قطر فيك فاسد العسل ؟
- فيك جمعت عشقين


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - خجل