أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - أخلاقيات اللذة














المزيد.....

أخلاقيات اللذة


حسين علي
كاتب

(Hussein Ali Hassan)


الحوار المتمدن-العدد: 7600 - 2023 / 5 / 3 - 22:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كانت «النملة» تسعى سعيها اليومى بحثًا عن الرزق، تصادف أن سقطت على مقربة منها قطرة عسل، اتجهت النملة إلى العسل فرحة، واقتربت من حافة القطرة ومدّت أناملها الرقيقة والتقطت قليلًا من العسل وتذوقته، راق لها طعم العسل، وحين حاولت الذهاب إلى حال سبيلها، جذبها طعم العسل، فعادت وأخذت رشفة أخرى، وبعدها استجمعت إرادتها، وقررت الانصراف بعيدًا عن العسل، ولكن شيئًا ما همس في أذنها «إن العسل لذيذ، وحلو المذاق، وقد لا تتاح لكِ فرصة الحصول عليه مرة أخرى.. لا تكونى بلهاء وتنصرفى تاركة الاستمتاع بمذاقه الحلو».
عادت أدراجها واقتربت من حافة قطرة العسل. عاودت الرشف واستغرقتها اللذة، ونسيت كل شىء، وظلت تغوص إلى عمق قطرة العسل، وحين ارتوت، أرادت أن تعود إلى ما كانت عليه من سعى في الأرض، اكتشفت أن لُزُوجةَ العسل كبلت قوائمها، والتصق كامل جسدها بالأرض، فأدركت أن نهايتها قد حانت؛ انتابها فزع ورعب، وحاولت بكل ما لديها من طاقة الفكاك من العسل والتملص من قبضته، ولكن باءت كل محاولاتها بالفشل. وظلت على هذه الحال من الجمود إلى أن فارقت الحياة.

تستغرقنا اللذات وتطغى، وتستحوذ علينا فتنسينا أنفسنا. وقد يبدأ الاعتياد على ممارسة أحد الأفعال اللذيذة مصادفةً أو عن قصد؛ ثم نكرره مرة ومرات حتى يصبح هذا الفعل جزءًا من حياتنا نأنس به وننجذب إليه، ولا نقدر على الاستغناء عنه. إن الإنسان- وكذلك الحيوان- يحرص على تكرار الأفعال التى أشبعت رغباته، وحققت له نجاحات. وفى كتابه «ما فوق مبدأ اللذة» يضرب فرويد مثالًا عن تشبث الأطفال بالتكرار، واستمتاعهم به؛ فيقول: «إذا كنت قد رويتَ لطفلٍ حكايةً لطيفةً، فإنه سيصرّ على سماعها منك مرات عدَّة، دونما ملل، مفضّلًا إياها على أى حكاية جديدة. ويشترط عليك أن تعيدها بدقة. وإذا حصل أن اقترفت (جريمة التغيير) فيها، فسيقوم الصغير بمقاومتك مُبديًا غضبه، وسيطالبك بتصحيح ما اقترفته من خطأ، لأنَّ المتعة لديه، في هذا المثال، تكمن فقط في شرط التكرار، لا في الحكاية!».

إذا اقتصرت اللذة على المتع الجسدية والحسية، وأهملت الجوانب العقلية والروحية؛ فإنها في هذه الحالة تجرد الإنسان من أعز ما يملك؛ وبالتالى لن يكون ثمّة فرق- في هذه الحالة- بين الإنسان والحيوان. إن من يلهث وراء اللذات الحسية سوف تستغرقه اللحظة الحاضرة المؤقتة، ويتناسى الماضى ويغفل عن المستقبل. إن السعى لإشباع رغبات الجسد ومتعه؛ يُدخِل الإنسان في سلسلة من الخسائر، ولا أدل على ذلك من النظر إلى حياة أولئك الذين أدمنوا التدخين- رغم ضرره البالغ- أو شاربى الخمور بإسراف شديد، أو الذين لا يكفون عن إقامة علاقات جنسية مؤقتة وعابرة دون التفكير في العواقب؛ كى ندرك خطورة الاستسلام للمتع الحسية.

ولقد ظهرت طوال تاريخ الفكر البشرى تيارات ومذاهب فلسفية رأت أن «اللذة» أو «السعادة» أو «المنفعة»- وكلها بمعنى واحد- هى معيار الفعل الأخلاقى، فالناس يبحثون عن سعادتهم، وليس أدل على ذلك من أن تنظر إليهم في حياتهم اليومية المعتادة، فتجدهم بالفعل يسعون إلى تحقيق ذلك، ومن ثمَّ تكون السعادة إحدى غايات السلوك البشرى ومعيار الأخلاق. إن «الخير»- في نظر تلك المذاهب الفلسفية- يتمثل في اللذة أو الفعل الذى يؤدى إليها، و«الشر» هو الألم أو ما يؤدى إليه؛ لأن كل إنسان بفطرته ينزع نحو تحقيق اللذة، ويجتهد لتجنب كل ألم. ولقد تعرضت الفلسفة الأبيقورية ومذهب المنفعة العامة وكذلك فلسفة جون ستيوارت مل إلى انتقادات حادة جرَّاء رؤية هؤلاء الفلاسفة إلى اللذة بوصفها مقياسًا مرجعيًا للأخلاق. ورأى خصوم هذه المذاهب الفلسفية ونقَّادها أن نظرية تلك المذاهب «لا تلائم سوى الخنازير وحدهم».

حقيقة الأمر إن أنصار مذهب اللذة قد اختلفوا حول طبيعة اللذة: هل هى حسية، أم عقلية، أم حسية وعقلية معًا؟ وهل اللذة سيكولوجية أم أخلاقية؟ وهل الخير يكمن في اللذة الفردية التى يحكمها مبدأ الأنانية أم اللذة الجماعية التى تقوم على الإيثار وتحقيق الخير للجميع؟ إننا لو بحثنا في خبرتنا اليومية لاستطعنا أن نتحقق من أن هناك لذات نبيلة، ولذات حقيرة. وعلينا كبشر أن نوازن بين اللذات، بمعنى أن نستخدم عقولنا في تفضيل لذة على أخرى، ولا نتهافت على لذة قريبة وسريعة يعقبها على المدى البعيد شقاء وتعاسة. وبطبيعة الحال لا يمكننا أن نساوى بين اللذات الحسية التى يتساوى فيها الإنسان مع الحيوان واللذات العقلية التى تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، بل ربما كان من الأفضل للمرء أن يكون إنسانًا محرومًا ومتألمًا بسبب هذا الحرمان؛ من أن يكون خنزيرًا متلذذًا.
إن أساس السلوك الإنسانى ينبنى على الميل إلى اللذة والنفور من الألم، لكن بمرور سنوات العمر وبفضل التربية؛ يعتاد المرء على كبح جِمَاح بعض اللذات التى تتعارض مع المبادئ الإنسانية والتعاليم الدينية والعادات والتقاليد السائدة، كما يعتاد أيضًا على تحمل أنواع معينة من الألم من أجل خير أعظم.



#حسين_علي (هاشتاغ)       Hussein_Ali_Hassan#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل للحيوانات عقل؟
- الفضائل الزائفة
- حضارة اللفظ
- الجرى وراء السراب
- أزمة علم الطبيعة «2–2»
- أزمة علم الطبيعة «1 – 2»
- الدين والعلم والعقل العربي
- إسلام بلا مسلمين‏..‏ ومسلمون بلا إسلام
- الجشع البشري
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «4»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «3»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (2)
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (1)
- الخرافة.. والعلم
- ليس بالكتل الخرسانية وحدها تـُبنى الأوطان
- هل لدينا فلاسفة؟
- وجوه .. وأقنعة
- الصورة الذهنية والواقع الفعلي
- الدين المعاملة
- فلسفة التغافل


المزيد.....




- -الضابط باوزر-.. تعرف على السلحفاة التي تحمل شارة بقسم للشرط ...
- بين الذاكرة والديمقراطية: إسبانيا في جدل مستمر حول إرث الدكت ...
- فرنسا: عرض عسكري يفتتح احتفالات العيد الوطني لإبراز -الجاهزي ...
- سلطنة عُمان: القبض على مصريين اثنين و19 من بنغلاديش والشرطة ...
- لماذا لن يصمد أي وقف لإطلاق النار في غزة؟ - مقال رأي في الإن ...
- اكتشاف علمي واعد: بكتيريا الأمعاء تساهم في طرد -المواد الكيم ...
- نتنياهو بين مطرقة الأحزاب الحريدية وسندان بن غفير وسموتريتش. ...
- الادعاء العام يتهم مستشارا مقربا من نتانياهو بتسريب معلومات ...
- تم اختبارها في أوكرانيا.. ما هي المُسيّرات الانتحارية التي ت ...
- سد النهضة.. إثيوبيا تحدد موعد الافتتاح ومصر تطالب بوثيقة تحت ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - أخلاقيات اللذة