أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - التوحيد والتثليث في المسيحية والاسلام















المزيد.....


التوحيد والتثليث في المسيحية والاسلام


باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)


الحوار المتمدن-العدد: 7597 - 2023 / 4 / 30 - 16:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يتمكن الفكر الديني على مدى تاريخه اللاهوتي الطويل من تحديد شخصية الله، بحيث ظل الصراع العقائدي قائما الى يومنا هذا يتشظى بين الأديان، فكل دين يرى الله بحسب مداركه العقلية ويسعى الى وضع اللمسات الروحانية للعقيدة الإلهية فيصوغ منها المعتقد. تمثل عقيدة التثليث واحدة من اهم العقائد المركبة التعقيد، فالتثليث مبدأ عقائدي غير التوحيد، ولم يفهم في المسيحية ان التثليث تعني عبادة ثلاثةآلهة، انما يفهم انها تركيبة لاهوتية معقدة لعلاقة تجسدت فيها بشرية المسيح مع غيابه عند انتهاء دوره الرسالي، اذ الحقت بشخصيته صفات الوهية غيرت الطابع الديني في فهم عقيدة التوحيد كما هي الحال في الديانة اليهودية، لهذا شذ الفكر الديني المسيحي فشطر العقيدة اليهودية الى إله واحد، وإلى إله تثليث، بهذا يكون المعتقد المسيحي قد مس اهم المعتقدات اليهودية التي تتعلق بشخصية الله، بحيث تعسر الى يومنا ايجاد طريق عقائدي توفيقي مشترك بين المسيحية واليهودية في طبيعة الشخصية الإلهية. اذا كان الشيطان قد اعترف بوحدانية الله، وقد حاول الشيطان اغراء المسيح وتجريبه في الصحراء اربعين يوما، فلم تجرأ الشيطان على اختبار المسيح اذا كان الشيطان قد ادرك ان المسيح هذا هو الله الكلي القدرة؟ وعلى افتراض ان الشيطان اراد اختبار يسوع المسيح لانه الله فلماذا لم يبين لنا الشيطان ان اختباره لهذه الإله في صفاته اللاهوتية الثلاثة التي استقرت في كيانه؟ لقد اختبر الشيطان ايمان المسيح تماما كما اختبر ايمان ايوب، وكلاهما نجح في الاختبار بحسب انجيل متى وسفر ايوب.
لقد تعلمت البشرية وحدانية الله من خلال عقائد سبقت المسيحية بل وقد كانت في عهودها الأولى عندما استنبطت عقيدة التجسد التي سبقت مجئ المسيح بآلاف السنين، حتى كانت عقيدة بمثابة الميلاد لظهور عقيدة الثالوث. برهن التجسد من خلال الايمان الغيبي وحدانية الوجود والعقل والحياة، لكنها في الحقيقة لم تنتج عقيدة الثالوث ولم يكن هو المبدأ الذي قامت به المسيحية، فالبشرية لم تجد في الابن يسوع اله متجسد، ذلك ان تناقض الوصف في الاناجيل التي حاولت اظهار التجسد لم تنجح في اثبات وبرهنة ان الابن حقيقة متجسدة لحالة بشرية كانت الأب في الاعالي. حتى ان يسوع نفسه قد الغى عقيدة التجسد، ففي سفر لوقا اصحاح 24 نفى يسوع بشكل قاطع عقيدة التجسد ” ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر افكار في قلوبكم، انظروا يدي ورجلي اني انا هو، جسّوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام ... اعندكم ههنا طعام؟ فناولوه جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل فأخذ واكل قدامهم ” كان يريد تأكيد ذاته البشرية غير المتجسدة، وقد اخبرهم ان الروح ليس له لحم وعظام، فلو كان يسوع قد تجسد الى الطبيعة اللاهوتية لكان قد اخبرهم، لكنه برهن لهم حقيقة كونه بشر هو ذاته الذي لم يتغير ولم يطرأ على طبيعته الشخصية تبديل، بدليل طلب الطعام ليأكل معهم، وهذا امر يخالف الطبيعة الإلهية في انها لا تأكل ولا تدعي ان لها طبيعة بشرية. التثليث لم يكن وليدا في مهده بمجئ المسيحية، بل عقيدة تداولتها المعتقدات السابقة في عصر الوثنية، وقد تسلل التثليث للذات المسيحية فهو نتاج وثني قد اصابها من تعاليم الرسول بولس، اذا كان التثليث قد اعمى العقل الغوص في فهم واستدلال المعنى اللاهوتي فهذا دليل على زج العقل في ظلمات تفاسير دفعت العقل للتراجع والتصدع في فهم الطبيعة الحقيقة للشخصية الإلهية. تغلغلت الفلسفة اليونانية للمعتقدات اللاهوتية ومن ضمنها المسيحية، لقد قام الفكر الفلسفي الديني باستنباط مفهوم الجوهر الإلهي ليقدم على اساسه عقيدة الثليث التي تبنتها المسيحية، جوهر الشي اي طبيعته وجوهر الله اي طبيعته الإلهية اي اللاهوت، لهذا نفهم ان الجوهر هو الكيان الإلهي اي كيان الله، بمعنى ان الله هو الجوهر القائم بذاته. الجوهر الإلهي بحسب العقيدة الدينية منزّه عن المادية، لانها محسوسه بينما الله غير محسوس ولا منظور، كذلك لان المادة لها حيز في مكان بينما الله غير محدود ، ثم ان المادة قابلة للتغيير بينما الله عديم التغيير، ثم انها مستحدثة بينما الله ازلي الوجود، اخيرا ان المادة خالية العقل بينما لله عقل مطلق فعال وكوني. انطلاقا من هذا التصور لفهم طبيعة المادة عن الطبيعة الإلهية يمكن ان نعقد اختلاف وجه الشبه في عقيدة التثليث ذلك ان يسوع المسيح كان كيانا محسوسا فلو كان المسيح ذو طبيعة إلهية لم يخالف المحسوس طبيعة غير المحسوس، فالتثليث هنا بين الأب غير المحسوس والابن المحسوس مما جعل التثليث الإلهي لم ينسجم بميزان واحد، فالأب امتاز عن الابن بالطبيعة غير المحسوسة مما جعل الثالوث في علاقة إلهية متناقضة فلم يمتلك الابن ميزة الأب غير المحسوس بل لقد اشار الابن في انجيل يوحنا الاصحاح الاول هذا المعنى في ان الابن لا يتعادل مع طبيعة الأب ” الله لم يره احد قط ، الابن الوحيد الذي هو في حضن الاب هو خبّر ” هذا التناقض في عدم تعادل الاقنوم الإلهي عند الأب مع اقنوم الابن احبط مسعى المسيحية في ترسيخ عقيدة الثالوث مما جعل الجوهر الإلهي ذو طبيعة لم تقف على ميزان واحد، كذلك كان للمسيح حيز في الاماكن التي عاش فيها وانتقل لغيرها، بينما لم يحتو الاب اي مكان لوجوده. ابتدأ الاقنوم الثاني في الذات الإلهية بولادة مستحدثة، مثلت عمره الارضي ومستعينا بولادته من امرأة، بينما لم يحتو الزمان الطبيعة الإلهية للاقوم الاول ” الاب ” اذا كان الله واحد في جوهره، واحد لا ينقسم ولا يمكن تقسيمه ذلك ان الطبيعة الإلهية واحدة فوصف الله بالوحدانية تعني ازالة تقسيمه الى اقانيم إلهية ثلاثة لا يكتمل وجوده اللاهوتي إلا بها. تماما لو طبقنا الأمر على الطبيعة البشرية، لنا عقل وحياة، ووجود، فهل يعني هذا ان لنا طبيعية ثالوثية داخل كياننا البشري؟ كلا، ذلك امر يخالف طبيعتنا الشخصية، العقل ووجودنا في الحياة جزء من كياننا الفردي الواحد، فلا يعمل العقل بمعزل ذاتنا الشخصية، ووجودنا في الحياة دليل وحدانية الذات البشرية فلم تع تلك الذات ان لها اقنوم بشري تغلغل في كيانها وبدونه لم تتم ولادة كياننا. استنتاجا ان الجوهر الإلهي الواحد لم ينتج بحسب وجوده الى اقانيم بدونها لا تكون الذات الإلهية، ان الدليل غير مقترن بالواقع، لكنه اقترن في الحياة العقائدية الوثنية التي البست الطبيعة البشرية لباس التأليه. لنناقش الان معنى مفهوم الأقنوم، وهل يمكننا من خلاله تقسيم الذات الإلهية بين الثليث والتوحيد؟
الاقنوم مصطلح سرياني للتمييز بينه وبين المصطلحات الأخرى، يتميز عن سواه باندماجه في علاقة شديدة الرسوخ وبلا انفصال عن مصطلحات لا تنفصم عن بعضها اي لا يتمتع باستقلال احادي انما اندماجي حتمي، كما هو الحال في علاقة الجسد والروح في الأنسان، وعلاقة ضوء الشمس بحرارتها، فهما مختلفان في التسمية والمعنى لكنهما واحد في الجوهر، كذلك في الطبيعة عندنا الماء والجليد وبخار الماء، كلها تسميات لعناصر مختلفة الا ان مصدرها واحد، فالاقنوم تلك الصفة التي تندمج ولا تفارق العنصر الأصل الذي صدر عنه، فهو كيان اتحادي غير مستقل، هذا الأمر يصح الى حد بعيد في الطبيعة، لأننا نجد تلك العناصر في تشكيلاتها وتحولاتها عبر العناصر التي تميزها فتجعل صفاتها متحدة في اصولها لكنها مختلفة في مسمياتها، هذا الأمر لا ينطبق على مفهوم الأقنوم اللاهوتي في عقيدة الثالوث ولا ينسجم مع الأمثلة العديدة التي تطرقنا لها في اندماج الاقنوم وصفاته مع الصفات الأخرى في عناصر الطبيعة، لماذا؟ لأننا امام حالات عقلية ايمانية تنسجم مع المعتقد وتختفي مع نكرانها، فصفات الأب غير الأبن، وصفات الابن غير روح القدس، وصفات روح القدس غير صفات الاب والابن، فلقد عمل الابن خارج اقنوم الاب، في الصفات والجوهر لقد غايره في الطبيعة البشرية بينما خالف الأب الابن في الطبيعة الإلهية. كذلك في البداية التكوينية للابن من خلال ولادته في تاريخ ارضي بينما الأب لم تكن له بداية ولا نهاية ولا ولادة تكوينية، لقد كانت نهاية الابن بالموت على الصليب، بينما لم تكن للأب نهاية وتمتع بصفات الخلود ولم يمر بمرحلة موت جسدي، لهذا لم ينسجم مفهوم الاقنوم اللاهوتي بين الاب والأبن وقد خالفهما في ذلك روح القدس الذي بقي مصطلحا غريبا استعصى على العقول ادراكه فلم يكن له وجود ولا تاريخ لاهوتي او ارضي.
لم تشر كلمة اقنوم الى كيان حي فاعل عاقل مستقل فيما يخص المعتقد الديني وفهمه القاصر لطبيعة الاقنوم، اما كون استنباط المعتقد الديني من عناصر الطبيعة وزجه في اوهام وخيالات ظنية الهدف منها تقديم نموذج تسير عليه البشرية في تضليل عقولها في الايمان بعقيدة دينية، فهذا امر لم ينسجم مع عقيدة الأقنوم في الثالوث المسيحي. لقد صنع الفكر الديني من عقيدة الاقانيم الإلهية الثلاثة انها اقوال وافعال تنم عن الكينونة اي عن دوام الحياة الأبدية فيها، فكيف يمكن ربط المعتقد في عقيدة تميز الأقنوم بالعقل والأرادة ومع ذلك تجعل تبعيته الحتمية في الإنتماء الثلاثي بلا مفر؟ لقد اعتمد مؤلف انجيل يوحنا في الاصحاح 10 ” ليس احد يأخذها مني بل اضعها انا من ذاتي، لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان آخذها ايضا هذه الوصية قبلتها من ابي ” اذا كانت المحبة تعبير عن الوحدة بين الاب والابن فهذا لا يجعل منهما اقنوم مندمج الصفات في كيان ثلاثي. فليس كل من يحب بمعنى قد حل في ذات من يحبه ولا ينفصل عنه في الافعال والاقوال. بدليل ان ما يغاير هذا وحدة الولاء في المحبة هو الاقنوم الثاني نفسه، ففي انجيل متي اصحاح 19 نفى يسوع عن نفسه صفة الكمال لذاته وجعلها فقط في ذات الأب ” لماذا تدعوني صالحا ليس احد صالحا إلا واحد هو الله ” كيف امكن لأقنوم متحد ان يفصل ذاته من كيان كان اصلا يجسد طبيعته؟ في موقع الأنبا تكلا هيمانوت، تركيز على هدف اتحاد الجوهر الإلهي في ان الاقانيم الثلاثة متحدة بانفصال، اي يمكن للأقنوم ان ينفصل ويتحد وهذه تفسيرات جديدة قدمتها عقيدة الثالوث للمجتمعات المسيحية محاولا ايجاد منطق اكثر ذكاء في محاولة تخدير العقول في الايمان بثالوث العالم المسيحي.
بحسب الانبا يوساب الابح: ” نعتقد نحن في الإله انه ذو ثلاث خواص، ذاتاً، ثم نطقاً ثم حياة ... تبين لنا ان الإله الذي كوّن العالم .. انه جوهر واحد حاوي .. ثلاث خواص .. اعني الابوة والبنوة والانبعاث اعني الاب والابن المولود منه والروح القدس المنبعث منه ” (1) عقليا لم ينسجم منطق التثليث الإلهي بما ادعاه الأنبا يوساب، لماذا؟ لأن هذه العناصر، الذات، النطق، الحياة، بمعناها الثلاثي تعني وحدة العلاقة الثالوثية في المعتقد المسيحي، ذلك ان البشر يمتلكون نفس الخصائص الوجودية للإله من كينونة ومنطق وذات، مع ذلك لم يطرأ في تاريخ البشرية ان الصفات هذه حلت في علاقة مستقلة ومتحدة في كيان واحد، ربما قد يكون الأمر صحيحا في حالة الخلل العقلي ان يتوهم إنسان ان هناك من داخل كيانه من يخاطبه وينسجم مع ارادته. فخواص الابوة غير البنوة، في الزمن الولادي, والفكر، في الاسم، وفي الميول، فلا يصح ان يحل الاب في ذاته محل الابن، فولادة الابن من الأب لم تعن الوحدة الجسدية، انما تعني الوحدة العاطفية في الولاء والمحبة. يتميز الايمان بالإله الواحد غير المنقسم، وغير التمنازع عليه في خواص ثلاثية تنتزع شخصيته في اقانيم ثلاثية، فهذا الأمر يجعل المنطق اكثر قدرة في استيعاب المفهوم الإلهي فتكون الوحدة الفكرية للإله بلا اقانيم تتحد او تنفصل ثم تتحد، تتناقض في التصورات والاحداث، وتتصارع في المنطق المضطرب وبالتالي تتشوّه الفكرية الاعتقادية في شكل صور ذهنية واعية ومنسجمة بلا هوس ولا اضطراب. لقد ادعى الشماس الاكليركي دكتور سامح حلمي ” نؤمن ان الله واحد لا شريك له ولكنه مثلث الخاصيات الذاتية، فالله واحد في جوهره، ولكن هذا الجوهر الواحد ثلاث خاصيات ذاتية وهيَ الوجود والعقل والحياة، وهذه.. فكلمة أقنوم تعني خاصية.. ذاتية في الله تقوم عليها الذات الإلهية وبدونها ينعدم قيامها .. ” (2) ان التناقض في عقلية الشماس سامح حلمي، يشتمل على الاثبات ونقيضه، فلقد اقر بوحدانية الذات الإلهية غير المنقسمة، ذلك ان كلمة ” ان الله واحد ” تعني قطعيا انتفاء التجزئة الذاتية للإله، بما ان الإله ” لا شريك له ” اي لا شريك له في خواص الاقنوم الذي ينازع ذاته، فالحياة والمنطق ليست اقانيم تخص جوهر الله ووجوده انما هي مؤشرات وجودية تتشكل في صفاته، اختص فيها الوجود ليس في الذات الإلهية فقط. لقد تخبطت التفسيرات الفلسفية في فهم الطبيعة الإلهية بسبب التأثير الشديد الذي تحكم في العقيدة المسيحية في عصور سبقت قيامها ومهدت لقدومها. فالجوهر الإلهي من حيث الوجود حالة ذاتية ليس فيها ابن ولا تكون قدراته الفعالة اقنوماً بدونه لا تكون للطبيعة الإلهية وجودا. اذا كان الله هو الاب والجوهر ذو الكيان المتسلط على الكون فكيف ستكون خاصية الابوة فيه انه إله واحد وأب واحد؟ وكيف ستنسجم وحدانيته في جوهر البنوة التي تجعل للاب قدرة التسلط وتكون فيه خاصية البنوة جزءا من ذاته؟ فهل خصائص الإله الذاتية لا تتم ولا يمكن تفعيل قدراتها الا من خلال خصائص علاقته بالخليقة، ولا يمكن عليه اثبات قدراته إلا من خلال كون الابن للطبيعة البشرية؟ فهذا منطق يغاير المعتقدات اللاهوتية للإله في ليهودية التي رفضت تقسيم الإله الواحد لأقانيم داخل ذاته، ينطبق الحال على المفاهيم الدينية في الإسلام في رفض الثالوث، فلقد شهد النزاع العقائدي بين الديانتين على طبيعة الشخصية، نزاع سيبقى خالدا. التوحيد يعني توحيد الربوبية فهو المختص بأفعاله لوحده، وبتوحيد الألوهية اي توحيده بأفعال العباد، ثم توحيد الاسماء والصفات في اثبات ذاته لنفسه، لقد اكدت العقيدة الإسلامية فيما يخص الذات الإلهية هي نفي التعدد في الذات الإلهية. يرى الاشاعرة ان وحدانية الله تنفي عنه الكثرة في الذات فذاته ليست كذات المخلوق، وفي الصفات فصفاته ليست كصفات المخلوق يكون جسما ومتحيزا في مكان، وعلم المخلوق حادث له سبب لم يكن فيه ثم كان بينما كان يسوع المسيح بحسب انجيل لوقا 2 ” اما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس ” فلقد تعلم يسوع وتدرج في العلم وليس كذلك علم الله. كذلك ما يميز وحدانية الله في الافعال ففعل الله خلق للمفعول اي ايجاد المفعول من العدم الى الوجود، اذ كان هناك زمن لم يكن فيه يسوع المسيح. تتطلب الوحدانية في الافعال بلا مؤثر ولا خالق إلا الله. في هذا الفهم الجوهري للطبيعة الإلهية فالوحدانية فيه تنفي ان تكون ذاته مركبة من جواهر وخصائص تنازع كيانها المتفرد اي لا يجوز ان تكون الذات الإلهية قابلة للانقسام فكل مركب حادث مخلوق وبحاجة الى من يركبه ولا تكون فيه ذات اخرى فالكمال في ذاته فحسب ولا تكون له ارادتان وقدرتان بل قدرة واحدة، فذاتية الله لا تعتمد على اقانيم تكمل له صفاته وكمال وجوده ولا يكتمل كيانه إلا بها. فاذا اتبع يسوع ارادة الاب الذي ارسله يكون بذلك قد وضع النقص في الجوهر الإلهي في التبعية وعدم انسجام الجوهر الإلهي في الكفائة الروحانية والقدرة لكل اقنوم. ان الخلاف العقائدي بين المسيحية والإسلام حالة تعلقت بخصوص الطبيعة الإلهية عاد الى الرقعة الجغرافية والتاريخية لكل منهما، فلقد دخلت المسيحية في المفاهيم الفلسفية الاغريقية انتزعت منها خصوصيتها الصافية وادخلت فيها مفاهيم انصاف الآلهة وقد ساعدت كتابات الرسول بولس على تحويل المسيحية الى تراث وثني غامض، معتقدات اسهمت في تطوير شخصية يسوع في القرن الرابع الميلادي واستنباط الوجود الإلهي من خلالها، بينما بقي الإسلام محصورا في الجزيرة العربية مستلهما معتقداته من العقيدة النصرانية واليهودية التي رفضت إلوهية المسيح وجعلته جزءا من الذات الإلهية.
الازدواجية في احتواء الهوية الإلهية كونها واحد منقسم، اساء كثيرا الى مفهوم وحدانية الله في ذاته، فتوحيد الإله الواحد الذي دعى اليه يسوع كما ورد في سفر التثنية، اصحاح 6 ” اسمع يا اسرائيل : الرب إلهنا اله واحد ” منطلقا من خلال ان المسيح يهودي الأصل، فتوحيد الله غير المنقسم كان اساس دعوة يسوع المسيح قبل ان تقع المسيحية في شراك التفسيرات الفلسفية عبر التاريخ حتى وصولها لمؤتمر نيقية في القرن الرابع الذي جعل للإله تقسيماته الذاتية في ثلاثية الاقانيم. ” اله واحد ” الشئ الذي لا ينقسم من جهة .. قد يكون اسما وذلك في العدد وقد يكون صفة كقولك شخص واحد .. والانسان الواحد .. والواحد لا مثيل يدانيه ولا شكل يلاقيه، لا قسيم بجانبه لا نديم يؤانسه .. ابدي العز ازلي الذات .. ” (3) لقد ابتعدت الطريقة العبادية للإله الواحد الإسلامي عن الإله الواحد المنقسم الثلاثي في المسيحية، حتى تحولت العبادة في الإله المنقسم الى طقوس لاهوتية لا علاقة لها بعبادة الإله الواحد في الإسلام. فلم يجر تمثيل الإله كما كان على مدى 5000 عام في الاعراف العبادية لأديان التوحيد التي سبقت المسيحية. اثار مقال لاريسيا هوكينز الاستاذة بكلية ويتون، في ولاية نورتون الامريكية، كمؤسسة للتعليم العالي للنساء، صخبا حول منشورها ” هل يعبد المسيحيون والمسلمون نفس الإله ؟ ” فالاعمال المشتركة بين الله في الاسلام والمسيحية لا تعني بالضرورة ان لهما هوية مشتركة، فالله في الاسلام لم يعلن عن نفسه لأي شخص بل اعلن مشيئته بينما اعلن الله عن نفسه من خلال كونه إله من إله، وهذا فرق واسع في تعريف الهوية الإلهية التي تبعد الديانتين عن ادراك حقيقة الله. عقيدة التجسد في مفهوم إله متأنس لم تقف عند حد كونه تعايش مع البشر، فهذا وضح طبيعة الله في التثليث، فالخلافات في فهم الطبيعة الإلهية واسعة كموت المسيح وقيامته من بين الأموات، فكل محاولة للتوفيق بين المفهوم الإسلامي والمسيحي امر مستحيل، التجسد عقيدة اساسية في المسيحية بينما تعتبر كفرا في الإسلام. يخالف التصور الإسلامي للطبيعة الإلهية عن التصور المسيحي الذي ازال عقيدة الوحي وجعل صلة الله مباشرة بينه وبين شعبه. فرسالة الإنجيل في فهم الله المنقسم الثلاثي غير رسالة القرآن في الإله الواحد.

مراجع البحث :

1 - القمص زخارياس الأنطوني - يوسابيات ص 124، 125.
2 - إيماننا المسيحي صادق واكيد - مراجعة وتقديم نيافة الأنبا متاؤس ونيافة الأنبا يوسف ص 45
3 – التوحيد مفتاح دعوة الرسل، موسى محمد علي، الناشر محمد نجيب الصابوني. ص 127 .



#باسم_عبدالله (هاشتاغ)       Basim_Abdulla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمان والمكان في المفهوم الخرافي للإله
- الأنماط القيادية وعلاقتها بالسلوك الاجتماعي
- العراق وقطر، مقارنة دولية
- الزواج بين القيم الدينية والدوافع الجنسية
- علاقة الأنا العليا بخرافة الوحي الإلهي
- - نجار و اعظم - وتناقضات إلوهية المسيح
- سلمان الفارسي والمعراج الإسلامي الزرادشتي
- نرجس وخرافة المهدي المنتظر
- قراءة نقدية في معجزات ومعراج ايليا
- نقد كتاب [ بنو اسرائيل وموسى لم يخرجوا من مصر]
- قراءة نقدية في كتاب انبياء سومريون
- الوحي الإلهي وخرافة النص الديني
- الإله يهوه رحلة التوراة والوثنية
- علاقة التدين بالشخصية الفصامية
- قانون العقوبات بين التشريعات الدينية والوضعية
- ازمة الفكر اليساري في الشرق الإسلامي
- الالحاد في الإسلام : ابن الراوندي نموذجاً
- عقوبة الأعدام في القرآن: السعودية نموذجاً
- الإله مردوخ
- المسلمون في السويد (2)


المزيد.....




- نزلها عندك.. نزل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على الأقما ...
- شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل ...
- سيدة بريطانية يهودية تفضح محاولات وسائل الإعلام والسياسيين ف ...
- تونس: قرض بقيمة 1.2 مليار دولار من المؤسسة الدولية الإسلامية ...
- تونس تقترض 1.2 مليار دولار من -المؤسسة الدولية الإسلامية-
- مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية
- -لم توفر بيئة آمنة للطلاب اليهود-.. دعوى قضائية على جامعة كو ...
- البنك الاسلامي للتنمية وافق على اقتراح ايران حول التمويلات ب ...
- استباحة كاملة دون مكاسب جوهرية.. هكذا مرّ عيد الفصح على المس ...
- قائد الثورة الاسلامية سيستقبل حشدا من المعلمين 


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - التوحيد والتثليث في المسيحية والاسلام