أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - قراءة نقدية في معجزات ومعراج ايليا















المزيد.....


قراءة نقدية في معجزات ومعراج ايليا


باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)


الحوار المتمدن-العدد: 7469 - 2022 / 12 / 21 - 01:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا شك ان سرديات العهد القديم تمثل الكثير من الاساطير، فهي مزيج بين الواقع والخرافة، لقد اضافت مخيلة محرري اسفاره المنحولة الكثير من خيالات الاوهام الدينية، اغلبها لا يخلو من تضخيم الحدث وجعله سفرا تم وفق العناية الإلهية. يهمنا التطرق لأهم شخصية في العهد القديم، ايليا النبي، الذي سبق يسوع المسيح بخيال معجزاته، والأن نقف على حقيقة تلك المعجزات، كيف امكن صياغتها بالشكل اللاهوتي بهدف تبيث المشاعر الدينية وترسيخها تجاه انبياء وآباء العهد القديم. تبدأ قصص الخرافة بشخصية النبي ايليا عندما “ خبأ ايليا نفسه في احد وديان شرقي الأردن، حيث يوجد نهر كريث ليمده بالماء والغربان تعوله ” بخبز ولحم ” مرتين في اليوم ... فأمره الله ان يذهب الى صرفة التي لصيدون وهناك كانت الارملة التي ارسله الله اليها ... عملت له كعكة صغيرة ...” تمتعت بأتمام الوعد الذي اعطاها اياه ايليا بأسم الرب بأن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص الى ان يأتي الرب بالمطر... ولما مرض ابن الأرملة ومات ظنت ذلك هو قضاء الله على خطاياها جاء عليها بسبب وجود نبي الله، ولكن ايليا اخذه منها وصعد الى العلية، التي كان مقيماً بها واضجعه على سريره وصرخ الى الرب فعادت الحياة الى الولد ” (1)
ان النقد الكتابي لهذا النص، يتطلب في البداية ذكر اسباب اخفاء ايليا نفسه في احد الوديان، فلم يذكر محرر النص سبباً لذلك، بل اراد الاستهزاء بعقول القراء ان الغربان كانت تمده بالماء وتقدم له الخبز واللحم، ربما لان ذلك كي يعطي الانطباع للقارئ ان ايليا تقشف عن الدنيا وانعزل عنها كي ينال المرحلة الروحانية التي تؤهله احياء الموتى. اين كان ينام، كيف عاش هناك، لا ذكر لذلك، كم بقي هناك ولماذا؟ لا نعلم. لم نجد رداً على تساءلات العقل بل اقتضى النص الكتابة بهدف الإيمان فيما سيلحق سيناريو اعتكاف ايليا عن الحياة. لنناقش وفاة الطفل المذكور في سفر الملوك الأول في الاصحاح 17، السيناريو يشبه الى حد بعيد سيناريو قتل الطفل في قصة اصحاب الكهف عندما قتله الخضر في القصة الإسلامية ” فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَامٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا ” (2) حالة القتل وحالة احياء الموتى، يجمعهما في الفكر الديني، التحكم بالقدر الإلهي، فهو من الصفات التي تخص الذات الإلهية، لكن كيف يمكن انهاء حياة إنسان على اساس كشف الغيب بما سيفعل المقتول مستقبلاً لهذا يتم قتله قبل حكم قدر الله عليه، فهذا قطع احداث القدر بالشكل الذي خالف الإرادة الإلهية التي قدرت مصيره؟ بمعنى ان رجل الدين قد شارك الله في تغيير قدره وعمل بما اراد رجل الدين من اعطاء قدر جديد لا علاقة له بالله. هذا الذي حصل بالضبط لإيليا النبي، لكن بشكل معاكس، فلقد غيّر قدر الله ان احيا الطفل. ان تبادل الأدوار اللاهوتية بين المعتقد الغيبي الشهودي والمعتقد الغيبي غير الشهودي، يحدده نوع السيناريو الذي اراد رسمه محرر النص الديني. ان بحث النقد الكتابي في الاسفار الكتابية بهدف توصل العقل لأحكام عقلية مميزة مستبصرة لطبيعة تلك النصوص بحيث يتم تقبلها مع العقل المعاصر، فهو تحليل عقلي للنص ليس الطعن فيه انما ايجاد مكان للعقل في ارضية تلك النصوص ان يقرر بمعنى تلك النصوص ان كانت واقعية وتتماشى مع قواعد المنطق، نحن ازاء حالة رجل احيا طفل من غير سابق معرفته ان موته تم بفعل إرادة إلهية، لقد فرض رجل الدين على تلك الإرادة بما اراده هو وليس بما اراد الله، فهذا القدر الإلهي كما يبدو شخصي بل ان بناء القصة الدرامية كلها كما تبدو منذ البداية ملفقة على اساس التأثير العاطفي وتقوية المشاعر الدينية. ان يحل الله في الشخوص بمعنى ان يحل كل ما فيه من قدرة شخصية ولا علاقة لها بالقدرة الغيبية. في سفر الملوك الأول في الاصحاح 17 ” وَقَالَ إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ مِنْ مُسْتَوْطِنِي جِلْعَادَ لأَخْآبَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي» كان ايليا بحسب قول محرر السفر يقف امام الرب اي امام يهوه، فمن يكون يهوه؟ إله حجري، ضمن آلهة العصر البرونزي وقد ورد ذكر يهوه عند شعوب بلاد الشام وما بين النهرين مرادفاً للإله بعل والإله قوس والإله ايل شداي، وغيره من الآلهة الحجرية التي عبدها انبياء بني اسرائيل، لهذا يكون اختيار عمل اعجازي من اجل جعل الإيمان التوراتي راسخاً في القلوب. تماماً كما اراد ايليا وقف امام الإله الحجري يهوه ان لا يكون طل اي مطر خفيف ولا مطر في هذه السنين فكان. عندما يكون النص الكتابي بين رجل الدين وحالة اعجازية كتبوها عنه، يكون اسمه قد سبقه الى الملأ للإعلان في جعل شخصيته امتلكت النصف الإلهي والنصف البشري. صار ايليا يتحكم بمصير الطبيعة، ففي السنة الثالثة قابل ايليا عوبديا وكيل أحاب ملك اسرائيل، طلب ايليا من الملك ان يجمع الشعب ويحضر معه انبياء البعل وعشتروت ليرى ايهما يرسل ناراً تلتهم المحرقة الرب ام البعل، فلم تنفعهم صلاتهم، وعندما دعا ايليا استجاب له يهوه، فنزلت نار من السماء احرقت المحرقة، فهذا ما جعل الشعب يقر ان الرب هو الإله الحقيقي فتم قتل انبياء البعل عندها اعلن ايليا ان المطر سوف ينزل، في هذا السرد التوراتي ماذا نستنتج؟ عدم عمل قوانين الطبيعية إلا بما يراه ايليا، لقد توقف كل امر دنيوي بما يمثل الطبيعة فهي خاضة لإرادة ايليا وليس لإرادة الله، نرى ان السلطة الإلهية بشرية يقودها حجر تجسد في يهوه، كذلك الحقد العنصري بين إله اليهود وانبياء بعل: ” فَقَالَ لَهُمْ إِيلِيَّا: «أَمْسِكُوا أَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ وَلاَ يُفْلِتْ مِنْهُمْ رَجُلٌ». فَأَمْسَكُوهُمْ، فَنَزَلَ بِهِمْ إِيلِيَّا إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ وَذَبَحَهُمْ هُنَاكَ ” فهل عمل بذبحهم بإرادته ام بإرادة إلهه الحجري؟
عند متابعة النصوص الخرافية في مملكة يهوذا اذ كان فيها 10 اسباط حكم فيها ملوك اشرار ومن بينهم أخاب وكانت زوجته امرأة شريوة اسمها ايزابيل التي عبدت الإله بعل وبسبب أخاب وايزابيل صار كثيرون من شعب يهوه يعبدون بعل وقتل إخاب وايزابيل انبياء يهوه فأرسل يهوه النبي ايليا الى أخاب، هذا الصراع بين انبياء يهوه وانبياء بعل، كان ان جلب ايليا الى المسرح الديني، صراع بين طائفتين، بين إلهين وثنيين، فهذه القصص عندما تبدأ بخرافة المعتقد تنتهي كذلك بخرافة المعتقد. فما كان من ايليا امر بقتل 450 نبياً من انبياء بعل. ان النصوص التوراتية على هذه السذاجة من الخيال الديني. اعلن صاحب المزمور في الاصحاح 83 ” ليعلموا ان اسمك يهوه وحدك العلي على كل الأرض ” صار يهوه الإله الرسمي لليهود، توعدت ايزابيل بقتل ايليا فهرب الى الجنوب مرسلاً له ملاكاً يشجعه ويعطيه طعاماً وماءً سافر الى جبل حوريب هناك اتى يهوه بريح وزلزلة ونار ليمحو شر بيت أحاب ، هذه الرواية المطولة وفيها الكثير من التفاصيل تنم عن عمق الخيال الديني، في سفر الملوك الثاني الاصحاح الثاني ” ... وَأَخَذَ إِيلِيَّا رِدَاءَهُ وَلَفَّهُ وَضَرَبَ الْمَاءَ، فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ، فَعَبَرَا كِلاَهُمَا فِي الْيَبَسِ..» ... وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: «يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا». وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ، فَأَمْسَكَ ثِيَابَهُ وَمَزَّقَهَا قِطْعَتَيْنِ، وَرَفَعَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ، وَرَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الأُرْدُنِّ...” بحسب سفر الملوك الثاني الاصاح الأول يروي بعض النقاد المتأخرين ان ما جاء من الاصحاح الاول من سفر الملوك الثاني هو اضافة متأخرة فبهذا إلاصحاح بدأ الكاتب يضع الصفات الإلهية الغيبية في شخصية ايليا ” ان كنت انا رجل الله، فلتنزل نار من السماء وتأكلك انت والخمسين الذين لك، فنزلت نار الله من السماء واكلتهم ” . في هذا النص اظهار طاعة الخالق للمخلوق، فما قرره ايليا ان ينزل النار لتأكل الخمسين فرداً الذين اراد احراقهم، فأكلتهم النار. هذا الأمر او تكاد ان تكون صيغة امر مطلوب من الإله تنفيذه بلا التماس، يختلف تماما عن صيغة الطلب ليسوع المسيح، الذي عمل معجزاته مرة بأمره ومرة بالتماس من الإله. هو تقسيم بين الألوهية والبشرية ، طبيعة انصاف الآلهة، انفلق النهر وعبر ايليا وتلميذه اليشع على اليبس، فهذه كما في الرواية التوراتية لموسى شق البحر، وهي فكرة مستعارة من سفر الملوك الثاني.
في هذا السفر من الاصحاح الثاني: ” ... وفيما هما يسيران جاءت مركبة من نار وخيل من نار وفصلت بين إيليا وتلميذه أليشع. وصعد إيليا في العاصفة إلى السماء، وكان أليشع يرى وهو يصرخ: »يا أبي، يا أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها«. ولم يره بعد فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين ورفع رداء ايليا الذي سقط عنه ورجع ووقف على شاطئ الاردن ” لم يذكر لنا كاتب السفر معنى الصعود للسماء واي سماء منها، وماذا فعل، بل اكتفى بوصف درامي خيالي، ولماذا قام بتهويل الحادث كما فعل محرر سفر متي عند موت يسوع المسيح فلموته انشق حجاب الهيكل والارض تزلزلت والصخور تشققت، والقبور تفتحت، حتى قام الكثير من اجساد القديسين من قبورهم ودخلوا المدينة. هذه الأهوال الدرامية مشهد رغم فداحة وصفه لم يخلده التاريخ ولم يظهر شاهد عليه إلا خيال محرر السفر، صعود البشر أو المخلوقات المجنحة إلى السماء هو موضوع مشترك بين العديد من الأساطير والديانات في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أن معظم الناس يدركون الاوصاف اللاهوتية للصعود بما يعنيه الوصف الخيالي، والأمثلة كثيرة في العهد القديم ، إلا أنه من المدهش عدد الأشخاص الذين تم وصفهم بالصعود نحو "الآلهة". في هذا الحساب ، تشير كلمة "الصعود" إلى دخول عالم الإله (الآلهة) ، سواء بشكل مؤقت أو دائم. قصة صعود ايليا الى السماء من خلال مركبات نارية فقدرات ايليا صياغة توراتية في انها تشترك مع الإله في اعادة الناس من الاموات للحياة، كان ايليا مؤيدا من الإله الوثني يهوه دافع عنه ضد عبادة بعل احد الآلهة التي كان اليهود اصلا يعبدونها قبل العهد القديم، كانوا كل الناس يعرفون بالضبط أن الزوبعة ببساطة نقلت إيليا إلى مكان جديد على الأرض وليس الى السماء كانوا قلقين بشأن إيليا لأنهم أرسلوا الناس للبحث عنه ” ... وَقَالُوا لَأليشع : «هُوَذَا مَعَ عَبِيدِكَ خَمْسُونَ رَجُلًا ذَوُو بَأْسٍ، فَدَعْهُمْ يَذْهَبُونَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَى سَيِّدِكَ، لِئَلاَّ يَكُونَ قَدْ حَمَلَهُ رُوحُ الرَّبِّ وَطَرَحَهُ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ، أَوْ فِي أَحَدِ الأَوْدِيَةِ». فَقَالَ: «لاَ تُرْسِلُوا». الرواية يمعناها النقلي لا تفسر الصعود الحرفي، انما تمثل وجهة نظر المقربين الى اليشع فهذا استدل ان لا احد كان شاهداً للحادثة، بقيت عندنا شهادة اليشع، فالسرد الروائي للحادثة، تبدأ الرواية عندما عبر اليشع النهر، فهو الآخر انفلق النهر له عندما اراد العبور للجهة الأخرى. لم يبرهن اليشع لأحد وبقي سرد كاتب السفر، بلا ان نعلم تفصيلات الحدث، ولماذا لم يخبرنا اليشع وقتئذ، حتى انهم الحوا عليه فخجل، فلو وقعت حادثة كهذه ورأى صعود ايليا للسماء لماذا لم يخبرهم بذلك، ولماذا ارسل خمسين رجلاً للبحث عن ايليا ليفتشوا عنه اذا كان واثقاً من صعوده؟ الغريب ان اليشع تعرض للسخرية وهو في طريقه الى بيت ايل، لعنهم فخرجت دابتان من الوعر وافترست منهم 42 ولداً. توالي القصص في نفس الإصحاح مما يزيد للنص الامعان في الخرافة ، فما معنى ان يفترس 42 ولداً لمجرد سخرية؟ يوجد دليل قاطع على بقاء ايليا على الأرض وعدم صعوده الى السماء ان بعث ايليا رسالة الى يهورام: ”وَأَتَتْ إِلَيْهِ كِتَابَةٌ مِنْ إِيلِيَّا النَّبِيِّ تَقُولُ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَسْلُكْ فِي طُرُقِ يَهُوشَافَاطَ أَبِيكَ وَطُرُقِ آسَا مَلِكِ يَهُوذَا، بَلْ سَلَكْتَ فِي طُرُقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلْتَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ يَزْنُونَ كَزِنَا بَيْتِ أَخْآبَ، وَقَتَلْتَ أَيْضًا إِخْوَتَكَ مِنْ بَيْتِ أَبِيكَ الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ مِنْكَ،هُوَذَا يَضْرِبُ الرَّبُّ شَعْبَكَ وَبَنِيكَ وَنِسَاءَكَ وَكُلَّ مَالِكَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً ” (3) الفهم التقليدي هو أن إيليا صعد للسماء في العاصفة بمركبة نارية، لكن الفحص الدقيق للنص يشير فقط أن تم نقله إلى مكان آخر على الأرض حيث عاش بقية حياته في مكان هادئ، باستثناء حالة خاصة واحدة عندما كسر صمته برسالة. فسّر كل من اليهود والمسيحيين القدماء النص بهذه الطريقة، وكيف يفهم المرء السرد (افتراض صعود الجسد للسماء مقابل علاقته الأرضية بسكان واحداث اورشليم) أمر مهم لأنه يحتوي على تداعيات هائلة على لاهوته. تداعيات متناقضة بشكل كبير، قد لا يفهم مرتاد الكنيسة العادي القصة كاملة، والأسوأ من ذلك، انها ليست قصة صادقة للأسفار المقدسة. هذه ليست مجرد قضية يناقش فيها علماء الكتاب المقدس نقاط دقيقة في قواعد اللغة العبرية وتفاصيل غامضة للنص. بل هي قضية ذات تشعبات لاهوتية عميقة، يقف نص في الضد امام نص سردي آخر، ففي القراءة الإيمانية تبريرات وتفسيرات، لكن المجال العقلي لدواع ايمانية لابد ان تكون قصة الصعود او رسالة يهورام ملفقة، فلا مجال للمساومة بين نص يثبت وآخر ينفي، كذلك في حالة عدم الإتزان بين نصين ان يكون كلاهما ملفق وان هناك اكثر من محرر للسفر صاغ خياله الديني بما شاء من خلاله عقله المؤمن بالخيال اللاهوتي عبر ادراج السماء وما تشاء.
يزعم التقليد الكتابي أن إيليا ولد في تيشبي. يقدم كتاب الملوك الأول إيليا بأنه "إيليا التيشبي". وفقًا للنص التوراتي، تقع التيشبي في جلعاد ، شرقي نهر الأردن ، وفي غرب الأردن تقع Tishbe على أنها مدينة Listib التاريخية في جلعاد، نظرًا لموقعها والتشابه بين الاسم العبري القديم والاسم العربي "El-Istib". في الواقع ، يدعي العلماء المعاصرون وعلماء الآثار التوراتيون أن تيشبي ليستيب قد تكون واحدة من ثلاثة مواقع قريبة من تل مار إلياس، والمعروفة أيضًا باسم "مار إلياس". جلعاد موقع جغرافي في العهد القديم اطلق على الكتلة الجبلية بين نهر اليرموك، نهر الزرقاء ونهر الأردن، وتتميز جلعاد بأرضها المرتفعة والجميلة والتي تغلب على تضاريسها الطبيعة الجبلية وان تنوعت التضاريس فيها بين السهول والسفوح والاودية والتلال، يعتبر هذا النهر مقدس عند اليهود والسامريين، لعبور بني اسرائيل خلاله لهذا يكون يكون انفلاق ماء نهر الأردن في سفر الملوك الثاني عندما اخذ ايليا ردائه ولفه وضرب الماء، يمثل رمزية دينية في تقديس بني اسرائيل لهذا النهر على يد ايليا، فهذا تجسيد رمزي للإيمان لا علاقة له بحالة اعجازية، هو ذات المكان الذي زعم محرر السفر صعود ايليا للسماء وهي حالة رمزية تؤكد تمسك اليهود بأرض الميعاد. ان التاريخ التوراتي ” منذ ايام يشوع كانت عبادة في صراع مع عبادة الكنعانيين القديمة لقوات الطبيعة عبادة آلهة محليين مثل البعليم، ارباب، هذه او تلك من الامم المجاورة الذين قامت مذابحهم العتيقة على الجبال الشامخة وعلى التلال وعلى كل شجرة خضراء .. ” (4) هذا الصراع على امتلاك الإله جسّد الصراع القومي والتاريخي عبر الأجيال في فترات سابقة للعهد القديم، مما جعل التقليد اللاهوتي الكتابي العبري يستحوذ على التأريخ الإلهي في السماء.
بحسب سفر التثنية 12 الإله يهوه امر بهدم جميع الأماكن التي كانت تعبد فيها الآلهة الأخرى، كان يريد ان يعبد هو ، فالهدم والقتل، على حساب المبدأ القومي جعل من الآباء الاوائل قنوات عبادة وتعصب للإيمان المطلق بيهوه اذ ” لم يكن ايليا داعيا للسلام فلقد كانت رؤية السلام محجوبة في عينيه محفوظة لأنبياء سيجيئون بعده كان عليه اعداد الطريق، كانت رسالته هي ابادة عبادة الاصنام بأي ثمن لئلا يبيد اسرائيل ذاته ... ” (5) ان سيناريو العلاقة بين ايليا واليشع، لم يتوقع اليشع ان ايليا على وشك ان يختفي عنه، يبدو ان ايليا تصرف ببرود ولم يخبره فلم يكترث لما سيساور اليشع من احساس بالقلق. المشكلة الأكبر، لا يزال يتعين على كنائس العالم المسيحي وبنو اسرائيل أن تعالج الفجوات العرضية في الخدمة الروحانية المتناقضة عندما ينقل احد خدام الآباء او الانبياء، قدراته الخارقة لخادم آخر، كما فعل مثلا ايليا اعطاء عبائته او ردائه إلى اليشع. ”وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: «يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا». وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ، فَأَمْسَكَ ثِيَابَهُ وَمَزَّقَهَا قِطْعَتَيْنِ، وَرَفَعَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ، وَرَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الأُرْدُنِّ. فَأَخَذَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ وَضَرَبَ الْمَاءَ وَقَالَ: «أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِيلِيَّا؟» ثُمَّ ضَرَبَ الْمَاءَ أَيْضًا فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ، فَعَبَرَ أَلِيشَعُ ” فهذه القدرة الإعجازية تتوزع كما هو الحال في السلطة السياسية او الزعامة القومية، يفترض ان حال الخدمات الروحانية لا علاقة لها ان تنتقل في عمل الإعجازي لشخص آخر خاصة لم يكن هناك مبرر لتصرف اليشع ضرب رداء ايليا في الماء، لانهما اصلا قد كانا في مكان واحد، وهل يمثل الرداء قوة حضور خدام يهوه كما هي افعال اجسادهم؟ وفي اعمال الرسل 2 في الفقرة 1 ” ولَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ” فهذا التقليد الكتابي لم ينسجم مع الحالة الإعجازية التي تخص احد خدام اللاهوت بتحويل قدراته الروحانية لخادم آخر، فتفسير ” كان الجميع بنفس واحدة ” يقصد بها كحال الجسد الواحد، ربما تصح في الأيمان الروحاني لكن لا يمكن تطبيقها على الإعجاز لأنه حالة فردية ولا علاقة لها ” بنفس واحدة ” استنتاجاً يكون صعود ايليا في العاصفة للسماء تصور ذهني روحاني وتقليد يهودي وثني انتقل لمعتقد التوحيد، ساد في التاريخ العبري منذ العهد الوثني الى قيام الأديان الابراهيمية، معتقد حمل الكثير من التناقضات خاصة على صعيد صعوبة او استحالة تبرير النص الإعجازي بما ينسجم مع العقل.

مراجع البحث :
1 – دائرة المعارف الكتابية، حرف الألف [ إ ] – ايليا النبي – ص 570 .
2 – سورة الكهف، الفقرة 74 .
3 – سفر اخبار الأيام الثاني، اصحاح 21 ، الفقرات 12 – 15 .
4 - دائرة المعارف الكتابية. حرف [ أ ] – ايليا النبي – ص 573
5 - دائرة المعارف الكتابية. حرف [ أ ] ايليا النبي – 573



#باسم_عبدالله (هاشتاغ)       Basim_Abdulla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد كتاب [ بنو اسرائيل وموسى لم يخرجوا من مصر]
- قراءة نقدية في كتاب انبياء سومريون
- الوحي الإلهي وخرافة النص الديني
- الإله يهوه رحلة التوراة والوثنية
- علاقة التدين بالشخصية الفصامية
- قانون العقوبات بين التشريعات الدينية والوضعية
- ازمة الفكر اليساري في الشرق الإسلامي
- الالحاد في الإسلام : ابن الراوندي نموذجاً
- عقوبة الأعدام في القرآن: السعودية نموذجاً
- الإله مردوخ
- المسلمون في السويد (2)
- المسلمون في السويد (1)
- هل النبي موسى، سرجون الأكدي؟
- خرافة سورة النمل
- اكراد العراق .. ولاء وطن أم حلم استقلال؟
- خرافة نار جهنم في الفكر الديني
- العراق وفقدان الهوية الدولية
- العلمانية والاسلام في الدولة المدنية (1)
- العلمانية والإسلام في الدولة المدنية (2)
- سفر ايوب، خرافة المذهب الألوهي (2)


المزيد.....




- أحباب الله.. نزل تردد قنةا طيور الجنة الجديد 2024 وفرحي أولا ...
- حدث أقوى أشارة لتردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات وعر ...
- هذا ما ينتظر المسجد الأقصى خلال عيد الفصح اليهودي الوشيك
- حامل ومعها 3 أطفال.. انقاذ تلميذة اختطفتها جماعة بوكو حرام ق ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - قراءة نقدية في معجزات ومعراج ايليا