أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - علاقة التدين بالشخصية الفصامية















المزيد.....

علاقة التدين بالشخصية الفصامية


باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)


الحوار المتمدن-العدد: 7434 - 2022 / 11 / 16 - 17:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اتصف الدين بالخرافات، والعنصرية الطائفية، كذلك في العاطفة التفاعلية حتى صار شكلاً ارهابياً بالإضافة الى ابعاده المرضية في التسبب بانقسام الشخصية وفصامها عن واقعها السسيولوجي. التدين كلمة مشتقة من الدين، يعني التسليم المطلق والتذلل والخضوع للعالم الغيبي، بكل فلاهوته وطقوسه ايمان مطلق ان ارادة المتدين، افعاله وافكاره كلها اسيرة للمعتقدات فلا مشيئة له دونها، ومن ميزات هذا التدين وشروطه التدرج في زج الذات وانصهارها في الذات الإلهية، حتى تنهار ذات المتدين وتذوب في عوالم الغيب، اي ان التدين هو الرقي بالذات الى التصوف الروحاني والزهد والتزهد عن الدنيا، ومع تعمق الإيمان الفردي بعالم الغيب، تغوض الذات وتنفصم عن العالم فتعيش وجودها في العالم الآخروي، ترى فيه الصوت والصورة والإلهام في دنيا الخيال. في طرح سابق تناولت اضطراب الشخصية بين التدين والعلمانية، وفي هذا المقال اتناول التربية الدينية واثرها في انفصام الشخصية، فالتربية الدينية تبدأ من الأسرة وتعاليمها الدينية التي ورثتها من موروثها الإجتماعي ونقلتها الى عقلية الطفل فورث المعتقد وتحول الى نهج عقلي وعاطفي، وكذلك سلوكي. العلاقة بين الدين وفصام الشخصية ذات أهمية خاصة للأطباء النفسيين بسبب أوجه التشابه بين التجارب الدينية والنوبات الذهانية، غالباً ما تتضمن التجارب الدينية هلوسات سمعية أو بصرية، مناجات وافكار خيالية تصل بالمتعبد بالفصام عن واقعه حتى تحل الذات الإلهية في كيانه، فلا يرى غيرها تطوف حوله كلما سنحت له فرصة الإنفراد بنفسه، وهناك كذلك جملة معتقدات يعرفها الأطباء المعاصرون على أنها أوهام يستحضرها المتعبد والزاهد، او رجل الدين، لقد ثبت بما لا يقبل الشك، ان الايمان بالغيب، شيء وان الإيمان العميق بانتظار الفوز بالجنة في العالم الأخروي شيء آخر.
إن للدين تأثير شديد لمرضى انفصام الشخصية. فالشائع ان المصابين بالفصام يمثل نوع المعتقدات الدينية التي يعتبرها العديد من الأطباء وهماً مرضياً، على سبيل المثال، الاعتقاد بأنهم كائنات متميزة ينتمون للعالم العلوي، وأن الله يتحدث إليهم بداخلهم، وأن الشياطين تحارب ايمانهم وتتحين الفرص كي يتم ابتلائهم كما ابتلي غيرهم من الانبياء فهذا التأقلم التكيفي في الأشخاص المصابين بالفصام مرتبط بنظام معتقدات روحانية أو دينية. لقد تعددت الدراسات عبر الثقافات التي انتجت تلك المعتقدات سواء في العالم المتحضر او دول العالم الثالث حبث تكثر الخرافة ويعم الجهل. لقد اثبتت الدراسات العلمية أن مثل هذه المعتقدات الدينية. لا تكون مرتبطة بالواقع، تكون أكثر شيوعاً في مرضى الفصام الذين ينتمون للأديان التي تستند على الخرافات وكتابات الرسل، يعتبرون مسيحيين او مسلمين، يهود او بوذيون، هندوس، يعيشون في مناطق ذات أغلبية مسيحية مثل أوروبا أو أمريكا الشمالية. بالمقارنة، فإن مرضى اليابان لديهم أوهام أكثر شيوعاً، وفي باكستان تحول جنون العظمة تجاه الأقارب والجيران. وفي افريقيا باتت اضرحة بعض الرجال الصالحين مركزاً علاجياً لمرضى الأوهام. لقد قام اطباء علم النفس بتفسير الظواهر الدينية على انها اضطراب ذهاني يشل العاطفة الشخصية من لوازمها ويربطها بالمعتقد فيجعلها اسيرة الغيب. يتسبب ذلك الجنوح للخيال التوهمي الى الضعف الذهني والعزلة الإجتماعية والسلوك غير السوي.
يبدو أن الجينات تلعب دوراً كبيراً، حيث أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي تديني هم أكثر عرضة للإصابة بالفصام. يمكن أن يحدث الاضطراب ويتفاقم بسبب العوامل الاجتماعية والبيئية، حاصة عند حدوث الهزات الإجتماعية العنيفة والكوارث، حيث تصبح حلقات الأوهام أكثر وضوحاً خلال فترات الإنطواء الشديد على النفس. وجد أطباء الأعصاب أن الدماغ المصاب بالفصام يحتوي على بطينات أكبر تجاويف مملوءة بالسوائل مقارنة بالدماغ التقليدي. يُعتقد أن هذا يرجع إلى فقدان الخلايا العصبية. تظهر الأعراض عادة في بداية مرحلة البلوغ المبكرة. وقد لا يتم التثبت بسهولة في تشخيص إصابة الفصام، يرجع ذلك جزئياً إلى صعوبة تحديد الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي تعود إلى نمو الطفولة والمعتقدات التي تشير إلى مرض انفصام الشخصية. ينشغل الأفراد الذين يعانون من الأوهام الدينية بموضوعات دينية ليست ضمن المعتقدات المتوقعة لخلفية الفرد، بما في ذلك الثقافة والتعليم والتجارب الدينية المعروفة. تتوافق هذه المخاوف مع الحالة المزاجية للموضوع. يشمل التعريف أيضاً الأوهام التي تحدث في الاكتئاب الذهاني، لقد وصف بعض علماء النفس الدين كله بأنه وهم. فاستدل الباحثون في دراسة أجريت عام 2000 أن الأوهام الدينية لم تكن مرتبطة بأي مجموعة محددة من معايير التشخيص، ولكنها مرتبطة بالمعايير الديموغرافية، وخاصة العمر.
إن الذين يعانون من الأوهام الدينية أكبر سناً وتم وضعهم في نظام دوائي أو بدأوا برنامجاً علاجياً في مرحلة مبكرة. في البدء وجد أن أدائهم أسوأ من مجموعة أخرى من المرضى الذين ليس لديهم أوهام دينية. في دراسة أجريت عام 2010، وجد الأطباء النفسيون السويسريون أوهاماً دينية تتعلق بموضوعات الاضطهاد الروحي من قبل كيانات روحانية خبيثة، أو مسيطرة تمارس على الشخص من قبل كيانات وهمية، أو أوهام الخطيئة والشعور بالذنب، أو أوهام العظمة، على ان مؤسسي الحركات الدينية والاحزاب التي تنتمي او تتخذ من اسم الله طريقاً للعنف والإرهاب تجعل اسم الله سبباً وحافزاً لجعل الآخرين ضحايا عدم ايمانهم بما يؤمنوا. إن التحليل البيولوجي النفسي الإجتماعي في الطب النفسي يسلط الضوء على اهمية العلاج السريري للتدين في المرضى الذين يعانون من اوهام ذهانية نظراً للطبيعة الخارقة التي هيمنت على حياتهم بسبب المعتقدات الدينية. هناك فاصل بين المعتقدات والاوهام ولعل التمييز بينها يكون غالباً امراُ صعباً. يبدو أن هناك علاقة إيجابية بين التدين وحدوث الأوهام الدينية لدى مرضى الذهان، لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا يشير إلى علاقة سببية. ارتبطت الأوهام ذات المحتوى الديني بتوقعات سيئة لمرض انفصام الشخصية، هذا الفصام عزل المتدين عن محيطه والزج به في اوهام خياله الشخصي، إن صفات من يؤمن بالغيب تعتريه حالات الخوف والفزع من القادر المقتدر القابع في العالم العلوي، الخوف منه وكراهية الشيطان المتسلط، والحب للذات الإلهية الغائبة والحاضره في عوالم عزلته. التأقلم الديني الإيجابي شائع بين الناس ويمارس في كل مكان وزمان وهو اكتفاء ذاتي لملأ احساس المتعة بالغيب والرقيب الخفي يحسب حركات وسكنات من يعتكف للصلاة من اجله. للشيطان دور فعال في تاريخ المعتقدات الخرافية، هذه الشخصية الوهمية تسبب الكثير من الأمراض الإجتماعية على مر التاريخ، فالطب النفسي يدرج عقيدة الإيمان بالشيطان على قدم المساواة مع الشخصية الإلهية، فهما معاً وجهان لعملة واحدة. ذكر سيغموند فرويد أن الإيمان بإله واحد وهم، وبالتالي فان الدين هو مؤشر على العصاب الوسواسي. فالمتدين دائم الخوف يتعايش مع الوهم رغم ايمانه بما يراه معتقد يقيني لا يقبل الجدل، اعلن فرويد أن الدين يتكون على شكل منظومة اوهام مرغوبة جنباً إلى جنب مع رفض الواقع، الذي يراه دار اختبار لإيمانه الغيبي، ذلك ان هذا العالم ملئ بالألم، وان دار البقاء في العالم العلوي هو الرجاء الذي وجد من اجله.
إن استغراق الفرد بالتأملات الدينية قد تدفع به العيش في احساس وجوده سماع كائنات سماوية او إلهية تدفعه الى اعمال العنف، تشير تلك الإعمال الخطيرة التي دفعت الرجل الصالح اليهودي المتدين ابراهيم إلى اوهامه الدينية بالتضحية بإبنه اسحق، وعندما كان ابراهيم مستعداً لعمل جريمة قتل ابنه اخبره الهاتف الإلهي بداخله ان هذا ليس سوى اختبار للإيمان. ان الذي وقع به الرجل الصالح ابراهيم اضطراب الهلوسة السمعية على انها اوامر إلهية، فتلك الأصوات غالباً ما تنسب الى الله او الى الشيطان. اولئك الذين يسمعون صوت الله يتحدث اليهم يعانون من فصام الشخصية بينما اولئك الذين يتحدثون الى الله ولا يسمعون اجابة هم فقط يصلّون ومقتنعون بإيمانهم هذا. ان من يصلّي مقتنعاً ان إلهاً يسمعه ويراه بحاجة لعلاج نفسي قبل وصوله لمرحله الفصام. يتجلى الوهم الديني Religious delusion من خلال تجربة الاتصال الديني من الكائنات السماوية على انها اختبار للإيمان ومن الأمثلة على ذلك جوان دارك، Jeanne d Arc الملقبة بعذراء اورليان، فرنسية الأصل، من قديسات الكنيسة الرومانية ادّعت الإلهام الإلهي وقادت جيش فرنسا للأنتصار في حرب المئة عام، القي القبض عليها بتهمة الزندقة واعدمت حرقاً. كان ضمن اوهامها الدينية ادعائها انها رأت الله، يأمرها بدعم الملك شارل السابع والوقوف معه في استعادة فرنسا من سيطرة الإنكليز. لقد كانت الرؤى التي عاشتها جوان، جسّدت الطابع المرضي في انفصال شخصيتها في انها رأت رئيس الملائكة ميخائيل. دانيال بول شريبر Daniel Paul Schreber مثال آخر على الوهم الديني الفصامي، اعتقد أن الله جعله امرأة عن طريق انبعاث الأشعة، ويعذبه من خلال تدخل ظل رجال قذرين، فكان يتركز عقله الفصامي من العلاقات بين الله والكائنات، فعاش التوهم ان الله يضطهده ثم قناعته انه يستحق هذا الاضطهاد، هذه المعتقدات الوهمية الغريبة وغير الغريبة غالباً توجد عند اغلب الأفراد، وقد تتصل بالهلوسة السمعية. عند البحث في اصول التدين المفرط نجد العقدة الإلهية God Complex هي اعتقاد لا يتزعزع يتسم بمشاعر متضخمة باستمرار تتعلق بالقدرة الشخصية أو التميز في وجود الذات أو الإعتصام بداخلها. فهذا الشخص يدافع عن ذاته المتسامية كما لو كانت صحيحة بلا شك. حتى انه لا يعلم لديه عقدة إلهية، هذه العقدة ليست مصطلحاً طبياً أو اضطراباً يمكن تشخيصه ولا يظهر في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) فهذا التشخيص مرتبط بمركب الله وكذلك في اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) .
في تحليل الشخصيات التي اشتهرت في كيانات انصاف الآلهة، لا نتحدث عن الشخصيات التي صاغها التاريخ من خلال الوثنية، انما خلال وجودها الشخصي كافراد تاريخيين حققوا من الشهرة في مجال المعتقدات اللاهوتية واسسوا ادياناً هي الكبرى في تاريخ الحضارات. نتناول صحة يسوع المسيح العقلية ”مؤسس الديانة المسيحية” للحصول على نظرة عامة عنه، انظر يسوع المسيح كشخصية لاهوتية متدينة، ويسوع التاريخي، فيما إذا كان يسوع التاريخي يتمتع بصحة عقلية جيدة من قبل العديد من علماء النفس، الفلاسفة، المؤرخين والكتاب. كان أول من شكك علانية في صحة يسوع المسيح العقلية هو عالم النفس الفرنسي تشارلز بينيه سانجليه ، Charles Binet-Sanglé كبير الأطباء في باريس ومؤلف كتاب La Folie de Jésus هذا الرأي يجد فيه العديد من المؤيدين وهم النسبة الغالبة. إن تقييم عقلية يسوع المسيح يحدث أولاً في الأناجيل. يخبرنا إنجيل مَرقُس عن رأي أفراد عائلة يسوع الذين يؤمنون بأن يسوع معتصم داخل ذاته، يشرح بعض الأطباء النفسيين وعلماء الدين والمؤلفين أن عائلة يسوع وأتباعه )يوحنا 7 الفقرة (20 “ أَجَابَ الْجَمْعُ وَقَالوُا: «أبِكَ شَيْطَانٌ. مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَقْتُلَكَ؟ ” كان انغلاق يسوع المسيح على ذاته حالة الخوف من القتل، هذا الإيحاء الذاتي، نتاج حالة الوهم الذي فسره اتباعه بسؤال استنكاري ” من يطلب ان يقتلك ” تحدث يسوع في الفقرة 29 حيث زجّ ذاته في الذات الإلهية، وكان ان حاولوا القاء القبض عليه ” فطلبوا ان يمسكوه ” لكنه هرب ” لم يلق احد يداً عليه ” هكذا كان يراه معاصروه، ينظرون إليه بجدية أنه موهوم أو مملوك بشياطين أو مجنون. في انجيل مرقس اصحاح 3 في الفقرة 21 ”وَلَمَّا سَمِعَ أَقْرِبَاؤُهُ خَرَجُوا لِيُمْسِكُوهُ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّهُ مُخْتَلٌ« . بحسب الكاتب البريطاني دكتور Justin Meggitt في كتابه: [ The Madness of King Jesus ] جنون الملك يسوع، لماذا اعدم المسيح، ولم يتم اعدام اتباعه، وضع السبب الحقيقي لإعدامه ان بيلاطس وكذلك اليهود اعتبروا يسوع مجنوناً، كان يفترض بحسب القانون الروماني ان تتم محاكمة المتمردين مع قادتهم، فلم يتعرض اتباعه لملاحقة السلطة الرومانية حتى عندما ارادوا نشر دعوته. عاش يسوع المسيح حياته الشخصية متمسكاً بمعتقداته الوهمية الراسخة، وهي الحالة التي كان يرى نفسه حالة لا تتجرأ من الكيان الإلهي، وكما اشار يوحنا ” الكلمة صار بشراً وحل بيننا ” فهذا الإتحاد بين الجسد والروحانية هو زج العقل في مشاعر الغيب السلبية، يتحسس بأشياء لا وجود لها. في انجيل متى، تعرض يسوع الى اختبار الشيطان، اربعين يوماً عندما اقتيد لوحده الى البرية، فصام اربعين يوماً ليلاً ونهاراً، حتى جاع اخيراً، فلم يكن متى شاهد محنته في البرية، فهذا الأنقسام الذاتي في عقل يسوع بين الشيطان في التأمل الوهمي وحاجات جسده المادية، كتب متى النص على اساس الإيمان الأعمى في اقوال يسوع وتجربته الذاتية في محنة عقله منفرداً في البرية. فاستجاباته االعقلية القاصرة تحد من قدراته على تنظيم قناعاته وتقديم منطق سديد، اشار متى ان يسوع لم يأكل اربعين يوماً فهذا الإيمان بالخوارق كان سمة العصر الذي عاشه يسوع المسيح، غالباً ما يواجه المصابون بانفصام الشخصية فقدان القدرة على ممارسة المهارات الفكرية والقدرة على تقديم الدليل كما فعل يسوع، حتى ان اخوته قد اكتشفوا فصامه العقلي فقالوا له ”لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ شَيْئًا فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلاَنِيَةً. إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ هذِهِ الأَشْيَاءَ فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَم، لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ “ ذلك ان الخفاء صفة الانطواء على الذات والاكتفاء بعالم خيالي يرضي تأملاته العقلية لهذا اسرع في القول ” فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ : ” إِنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ، وَأَمَّا وَقْتُكُمْ فَفِي كُلِّ حِينٍ حَاضِرٌ ” بحسب انطوني ستور Anthony storr ، طبيب، محلل نفسي وكاتب انكليزي، رأى اوجه التشابه بين يسوع المسيح وبقية قادة الفكر الديني، اذ مرّ يسوع بفترة صراع داخلي اثناء صيامه في الصحراء، إذ كان مؤمناً انه سينزل يوماً من السماء فهذه صفة المبشرين الذين اصيبوا بجنون العظمة.
لم يكن المسيح مثالياً في حياته العائلية، في مرقس، الاصحاح 3 ” فَجَاءَتْ حِينَئِذٍ إِخْوَتُهُ وَأُمُّهُ وَوَقَفُوا خَارِجاً وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ. وَكَانَ الْجَمْعُ جَالِساً حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجاً يَطْلُبُونَكَ.» فَأَجَابَهُمْ قِائِلًا: «مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟» ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى الْجَالِسِينَ وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي». فلم يكن مبال بالروابط الأسرية، وبما ان يسوع شعر انه تميز عن غيره واهمل الجانب الإجتماعي والأسري، تكون مواصفاته الذاتية تنطبق بشكل واقعي على انفصام شخصيته واكتفائه بعالمه الخاص. كذلك تشير القرينة في مرقس الاصحاح 13 ” وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ ” فهذا الصبر والمنتهى عند يسوع المسيح، ان يبصروه ”ابن الإنسان” آتياً في سحاب بقوة كثيرة ومجد. أثارت الآراء والمنشورات التي تشكك في عقل يسوع ، العديد من علماء النفس، اذ كان الاستنتاج اما ان يسوع قد خدع البشرية متعمداً او انه عاش مخدوعاً بالوهم المرضي ما جعله ملعوناً فتم صلبه، او انه الإله الناطق في الحقيقة، فلا مخرج من هذه الثلاثية إلا بواحدة منها. اما كونه متعمداً فهذا سيثبت ندمه واعترافه خداع اهله واتباعه خلال الحكم عليه قبل صلبه فينجو من الصلب، اما كونه الإله الناطق بالحقيقة فلا يظهر على الإله تناقض القول ولا يموت خلال صلبه ذلك مخالف لعقيدة الإله الحي الذي لا يموت وبما يخالف عقيدة اليهود بعدم جواز نسب الإبن المولود من امرأة يهودية الى الإله السماوي. يبقى التفسير الوحيد ان يسوع عاش موهوماً مفصولاً بذاته عن العالم، عاش مصدقاً أوهامه التي اخذته الى الصليب. انتشر التفريط بأوهام الذات الإلهية في الشرق، العديد من دعاة التدين، ممن وقعوا ضحايا الفصام الشخصي، كمنصور الحلاج، في الدولة العباسية، فحلّ الله فيه، تماماً كما فعل يسوع، لقد انهارت الأنا عنده وحل محلها الله الذي تكلم من خلاله حتى اكتسب العديد من اتباعه، فتم اعدامه بعد فترة طويلة من الاعتقال. ان استغراق العقل في الذات الإلهية تصنع من عالم الأوهام عوالم ظنية التأمل، يراها المتدين حقائق بسبب زج العقل عنوة في تقديس ما يراه المؤمن انه حقيقة، فيأتي احساس اليقين المخادع يدفع به الى الأنفصال عن عالم الواقع ليعيش الوهم فلا يستطيع من خلاله الصعود للسماء كي يرى الله ولا ينزل الى الأرض ليعيش حياة سوية.



#باسم_عبدالله (هاشتاغ)       Basim_Abdulla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون العقوبات بين التشريعات الدينية والوضعية
- ازمة الفكر اليساري في الشرق الإسلامي
- الالحاد في الإسلام : ابن الراوندي نموذجاً
- عقوبة الأعدام في القرآن: السعودية نموذجاً
- الإله مردوخ
- المسلمون في السويد (2)
- المسلمون في السويد (1)
- هل النبي موسى، سرجون الأكدي؟
- خرافة سورة النمل
- اكراد العراق .. ولاء وطن أم حلم استقلال؟
- خرافة نار جهنم في الفكر الديني
- العراق وفقدان الهوية الدولية
- العلمانية والاسلام في الدولة المدنية (1)
- العلمانية والإسلام في الدولة المدنية (2)
- سفر ايوب، خرافة المذهب الألوهي (2)
- سفرايوب، خرافة المذهب الألوهي (1)
- مريم العذراء والعلاقة المحرّمة (3)
- مريم العذراء والعلاقة المحرّمة (2)
- مريم العذراء والعلاقة المحرّمة (1)
- الحجاب بين الوثنية والوحي الإلهي (2)


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - علاقة التدين بالشخصية الفصامية