|
وجهة الفلسفة الغربيّة . إلى أين ؟
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7581 - 2023 / 4 / 14 - 00:10
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما أُسقط جدار برلين في التاسع نوفمبر سنة 1989 م ، كان حدثا محوريا في تاريخ العالم ، الذي شهد سقوط آخر مخلّفات الحرب العالميّة الثانيّة ، و اعتقد العالم أنّ الحرب الباردة قد انتهت بين القطبين المتصارعين ؛ القطب الرأسمالي الليبرالي و أتباعه ، و القطب الشيوعي الاشتراكي و مريدوه ، و أنّ العالم سيتخلّص من مشاعر الخوف و الكراهيّة و التهديد النووي ، و من حقّه أن يحلم ببناء نظام عالمي جديد ، تحت مسمّى ( العولمة ) ، يتقاسم فيه البشر ، دون تمييز ، المنافع و الأضرار . لكنّ السنوات التي أعقبت ذلك الحدث المحوري ، و تلك المشاعر الإنسانيّة المتفائلة ، كذّبت أقوال الخطباء ، و ألقت بأحلام الحالمين في بركة موحلة . لقد خرج العالم من مغارة مظلمة ليلج نفقا أطول من سور الصين ، لا ندري له مخرجا عاجلا أو آجلا . و كأنّ هذا الإنسان المعاصر ، الذي يمتلك مقاليد الحل و العقد ، يستعجل نهايته و فناءه . فراح ينفخ بكل قواه في مواقد الفتن ، دون تقدير عواقب ذلك . فإنّ الحرب العالميّة القادمة – إن اندلعت لا قدّر الله و لا وفّق دعاتها – لن تبقي على وجه الأرض و لن تذر سوى الرماد . ما زلت راسخا على قناعتي – إلى أن يثبت العكس – بأنّ شطحات الفلسفة الغربيّة في القرون الخمسة الأخيرة ، هي التي أوصلت الإنسانيّة إلى أزماتها الحاليّة ، روحيا و اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا ) . ( فرويد و نيتشه و كارل ماركس و انجلز و هوغو و دوركهايم و روسو ، و غيرهم ) . و لم تقدّم حلولا جذريّة و عادلة للبشريّة ، بل خدمت الفكر الأحادي لبناء مجتمع غربي ، قائم على السيطرة و النرجسيّة و الساديّة و الإباحيّة الجنسيّة ، و مهّدت للحروب الطاحنة ، و شرعنت الاستعمار ، و دافعت – بشراسة – عن مصالح الغرب و منافعه الماديّة ، على حساب شعوب مضطهدة و مستضعفة . لقد شرعنت فلسفة نيتشه جرائم النازية في الحرب العالميّة الثانيّة ؟ و شغلت هلوسات فرويد العالم بشطحات سيكولوجيّة أوديبيّة أسطوريّة ، و أوهام جنسيّة لوبيديّة ، و تحاليل نفسيّة لا تنسجم و العقل السليم . و أفرزت فلسفة ماركس و انجلز اشتراكيّة مفلسة . بينا لم يحقّق العقد الاجتماعي نظاما سياسيا عادلا و إنسانيّا . بل نتج عنه عصبة ( عصابة ) أمميّة ، لتسييس العالم وفق رغباتها . إنّ الديمقراطيّة الغربيّة المنبثقة من شعارات الثورة الفرنسيّة ( 1789 م – 1799 م ) ( الحرية و الأخوة و المساواة ) ، و على مبادئ ولسن الأربعة عشر ( 8 يناير / جانفي 1918 م ) ، و التي ركّز فيها على مبدأ السلم و إعادة بناء أوروبا من جديد بعد الحرب العالميّة الأولى . في الوقت الذي كانت فيه أغلب البلدان في إفريقيا برمّتها ، في آسيا و أمريكا اللاتينيّة في قبضة الاستعمار الأوربي ، مجرّدة من حقوقها في الحريّة و المساواة و الأخوة . و لو أخذنا شمال إفريقيا ، كمثال ، لا حصرا ، على نفاق الفلسفة الغربيّة و زندقة الكنيسة و ساديّة حملة صليبها المزعوم ، لصدمنا الواقع المرير آنذاك . لقد قتلت الثورة الفرنسيّة ملايين الجزائريين بعد نزول جيوشها البربريّة بأرض الجزائر . كان القتل عشوائيّا ، و على الهويّة و الدين ، و باسم شعارات الحريّة و الأخوة و المساواة . إنّ غزو الجزائر سنة 1830 م ، و تلاه من جرائم يندى لها الجبين ، كشف عن النفاق الفلسفي الغربي و التناقض الصارخ بين القول و الفعل . لقد قدم دعاة الحريّة ( و أغلبهم من المجرمين الساديين و رواد السجون ) إلى الجزائر الآمنة ، على متن سفن مدجّجة بالأسلحة و القذائف و الكراهيّة و الانتقام و الإرهاب و التطرّف و شهوة القتل العشوائي . و رغم الانجازات العلمية و التكنولوجيّة الباهرة ، في ميادين الحياة بشتى مظاهرها ، فقد عجزت الفلسفة الغربيّة عن منع الحروب الطاحنة في أوربا نفسها ( الحرب الروسية الأوكرانيّة كمثال ) . بل إنّ التكنولوجيا ، قد أججت نيران الحروب بإنتاج معدّات حربيّة و قتاليّة فتّاكة ، و ألهبت شهوة السباق نحو التسلّح التقليدي و النووي . في الوقت الذي يتضوّر الإنسان في الساحل الإفريقي و قرنه ، و في أفغانستان ، و في اليمن و سوريا جوعا و يواجه غضب الطبيعة و قساوتها ببطن ضامر ، فارغ ، و جسد عار إلاّ من إهابه . أما كان ، الأولى ، على الفلسفة المعاصرة ، أن تهتم بالإنسان ، دون تمييز ، و دون اعتبارات دينيّة أو سياسيّة أو ايديولوجيّة . كيف نفسّر هبة العالم الغربي بسيّاسيه ( المحنّكين ) و فلاسفته ( الأفذاذ ) لإغاثة الشعب الأوكراني ، و تقاعسه في نجدة الشعب اليمني و شقيقه السوري و نظيره الأفغاني ؟ إنّ سياسة النفاق الغربي المعتمدة حاليا و الكيل بمكيالين ، لا تقلّ ضررا عن العواقب التي خلّفتها قنبلتا هيروشيما و نكازاكي في اليابان . من الإجحاف بمكان ، أن ننكر ما قدّمه العلم النافع للإنسانيّة المعذّبة ، من وفرة في الدواء و الغذاء و السكن و وسائل الترفيه ، و معالجة للعلل و الأمراض ، الفتاكة العارضة منها و المزمنة ، لكن لم تكن الجهود في الماضي و في الحاضر ، كافية و خالصة النوايا . فقد كانت – و مازالت – تصاحبها الأطماع و الابتزازات و الحسابات السياسيّة و الإيديولوجية الضيّقة . كما أنّها لم تلامس المثاليّة على أقل تقدير ، نظرا لوجود بون شاسع بين النوايا و الأفعال ، و بين التنظير و التطبيق . مازالت البشريّة ، في زوايا عدّة من كوكبنا الأرضي ، تعاني جملة من المرارات و السلوكات القهريّة و الإحباطات الدونيّة و الأزمات الأهليّة ، الناشئة عن الصراعات الإثنيّة حول الهويّة ، ( اللغة ، الدين و الثقافة و التقاليد و التاريخ ) ، يضاف إليها التنافس ، غير الشريف ، للسيطرة على الموارد الطبيعيّة ( منابع المياه العذبة ، المعادن الثمينة ، المنتجات البحريّة ، الممرّات المائيّة . يجب أن يترفّع العمل الإنساني عن سلوك الابتزاز السياسي أو الديني أو الإثني ، كي يؤتي أكله ، فالعمليّة الإغاثيّة لا وطن لها و لا دين و لا لسان . و ما حدث أثناء زلزال الشام و تركيا ( 6 فيفري 2023 م ) ، كشف عورة النظام السياسي العلمي . و أماط اللثام عن زيف ( العولمة ) ، و هشاشتها ، و كذبة نيسانيّة ، تدعى ( حقوق الإنسان ) . إنّ الفلسفة التي تبث الكراهيّة و البغضاء بين بني البشر ، و لا تقوم على مباديء التعارف و التعاون و التراحم و التكافل بين الإنسان و أخيه الإنسان ، هي ضرب من الإفلاس الفكري و الروحي . و إنّ فلسفة المدنيّة الغربيّة المعاصرة ، تدفع العالم إلى الانتحار ، بل هي مقدّمة ( أكيدة ) لنهاية الحضارة ، و عودة الجنس البشري – إن سلم من الفناء – إلى البدايات الصفريّة . فقد أثبتت نتائج البحوث الأنثروبولوجيّة على أنّ أفول الحضارات القديمة ناتج عن سوء تقدير إنسان تلك الحضارات ، و سلوكه المتهوّر و سيادة رعونته .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الظاهرة الحزبيّة في البلاد العربيّة ما لها و ما عليها .
-
امرأة من زمن العمالقة
-
لماذا نكتب ؟ و ماذا نكتب ؟
-
أم الخير
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 8 )
-
ربيع إيكوزيوميّ *
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 5 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
-
يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
-
فلسفة الوقت في حياتنا
-
أكتب لكم من الجنوب ( 10 )
-
التعليم قبل الديمقراطيّة .
-
أكتب لكم من الجنوب ( 9 )
-
بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال
-
أكتب لكم من الجنوب ( 8 )
-
أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
المزيد.....
-
الكويت.. فيديو تقطيع وتكبيس سيارات ضُبطت تُقاد بتهور واستهتا
...
-
عرض راقص في بروكسل وشياطين ياري يرقصون في كراكاس
-
أوستن يتحدث عن مشاعره أثناء التواصل مع نظيره الصيني
-
غارة إسرائيلية واشتباكات في مخيم بلاطة شرق نابلس
-
وزير دفاع فرنسا: -الأصدقاء من روسيا والصين- يدركون مسؤولية ا
...
-
أوستن يشكك في إمكانية مساعدة الولايات المتحدة لكوريا الجنوبي
...
-
آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /01.06.2024/
...
-
بالصور.. خيوة الخوارزمية بأوزبكستان عاصمة للسياحة في العالم
...
-
إعلان بايدن.. عندما تتفاوض أميركا بدلا من إسرائيل
-
تمارين مدتها 45 ثانية تعادل جودة المشي لـ30 دقيقة
المزيد.....
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|