أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - كيف لنا أن نفهم الدين العراقي القديم















المزيد.....

كيف لنا أن نفهم الدين العراقي القديم


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7519 - 2023 / 2 / 11 - 12:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قبل أن نستكشف شكل وأسس ومقدمات وملامح الدين العراقي القديم علينا أن نقرأ نصوصه من مصادرها الأصلية دون أن نبحر في محيط متلاطم الأمواج دون دليل وخارطة وهدف، هذه الضرورة يميلها فهمنا لمعنى الدين من أنه عقيد الإنسان بما يربطه بالله وجودا وضرورة وعلاقة، لذا فحتى نكون على بينة من هذا لا بد أن نفهم أولا وقبلا كيف عرف أو فسر أو فهم الإنسان وجوده الأول ؟ الوجود التأسيسي الذي بنيت عليه كل العلاقات اللاحقة مع الله، أي كيف خلقه الله وأوجده كائنا مكلفا بالدين؟ إذا هذا هو المبدأ الذي يجب أن نعرفه حتى لا يكون بحثنا عن الدين القديم بلا ركيزة يقوم عليها ومنها ينطلق في شهاب البحث والتحليل.
قبل البدء في تحديد مفهوم ومصادر الدين التي كونها الإنسان الأول من خلال عقيدة الخلق علينا أن نحدد نقاط مهمة وضرورية جدا في بدابة البحث، حتى لا نعود في كل مرة لنتساءل عن معناها ودورها في تاريخ الدين واللغة، من هذه المسائل ما هو شائع ومتجذر في الواقع المعرفي الديني والتاريخي حتى تحول إلى حقيقة لا يمكن للكثير من تجاوزها، وهي مفهوم السامية واللغات السامية والأديان السامية والتاريخ السامي، والحقيقة التي أود أن أؤكد عليها أن هذا المصطلح المزيف العنصري الوهمي ما هو إلا نتاج فكر تلمودي شوه التاريخ كما شوه الفكر الديني، فالسامية والساميين ليسوا إلا فرع مماثل وشقيق للحامية والأشورية وكلهم يعودون بالأصل إلى النوحية نسبة إلى نوح بطل قصة الطوفان وأبو الأنبياء، والأب العراقي الذي أسس من بعده للأمة العراقية القديمة والتي أمتد بوجوده وسلالته وذريته لتكوين شعوب وقبائل وسلالات السومريين والحاميين (البابليين) والأشوريين جميعا أو ما يعرفوا بذوي الرؤوس السود تاريخيا.
إذا من يجعل السامية عرق بشري له مميزات خاصة وطبيعة منفردة مقطوعة عن الأصل، إنما يريد أن يفصل التاريخ بين مرحلتين مختلفتين دون أن يكون بيده دليل علمي أو حجة منطقية سوى أكاذيب وردت في كتاب التوراة المنتحل، والذي ما كتب أصلا إلا بعد أن سرق التوراتيون الكتبة كل ما يلائم عقيدة بني إسرائيل المنحرفة منه، وبالمناسبة أيضا عندما نذكر بني إسرائيل لا تقصد اليهود الذين تمسكوا بالموسوية اليعقوبية الإبراهيمية النوحية، إنما أولئك الذين كتبوا الكتاب بيدهم وفالوا هذا من عند الله وما هو من عند الله، وكما قتلوا الأنبياء والرسل وما لا تشتهي أنفسهم ممن أراد للحق أن يظهر، فبني إسرائيل وإسرائيل ذاته هم جزء من سلالة إبراهيم وغالبهم فاسدون ظلمة إلا ما رحم الله، وبالتأكيد القطعي أنهم ليسوا من سلالة يعقوب مطلقا وإن كانوا إبراهيميين عراقيين في الأصل.
النقطة الأخرى ليس كل ما نقل من مدونات العراقيين الدينية القديمة وترجمت أعتباطيا إلى لغات أخرى ومنها ما ترجم للعربية لا يمكن الأعتماد عليها دون مقارنات ومقاربات مع نصوص أخرى وفهم لغوي أصيل للمفردة الواحدة بالموسيقى الصوتية العراقية، مثلا من الأسماء التي لها دلالاتها الثقافية وأزحنا عنها غبار الماضي وتأويلات الحاضر أسم البطل الأسطوري السومري "كيل كامش" الذي يلفظ عادة بالكاف الأعجمية، فكلمة كيل 1 أو كال بالسومرية يقابلها في العربية القديمة كلمة قيل والتي تعني حاكم أو ملك في كلا اللغتين كما جاءت في قصة الطوفان، ان هذا الأسم هو أسم مركب أو مدمج من أسمين الأول "قيل" والثاني "خامس" أي ان اسمه هو القيل الخامس أو الحاكم الخامس وهذا ما كان عليه فعلا كخامس حاكم على أوروك، تلك المدينة العريقة التي شهدت أول تطور للكتابة في العالم، مما يعني ان كلا الكلمتين موجودتين في العربية والسومرية الا ان كلمة قيل سقط استعمالها منذ أمد بعيد في العربية الا ما ندر وهذا الشعر للمتنبي يذكر بها
ألا ايها القيل المقيم بمنبـــــج
وهمته فوق السماكين توضــع
أليس عجيبا أن وصفك معجز
وان ظنوني في معاليك تظلع
أنما ما نلفت الأنتباه اليه عدة أشياء أولها ان اللغة السومرية هي لغة قديمة جدا بل هي أقدم اللغات المكتشفة للآن، لذا فأن عملية البحث وتعقب أثر المفردات ومسح الغبار عنها وتقديمها للقارئ هي عملية مضنية وصعبة مقارنة باللغات الأحدث وبالتدرج، ونقصد هنا الأكدية والبابلية فالآشورية والآرامية وغيرها والتي هي لهجات وليست لغات من اللغة الأم السومرية مثلها مثل اللهجات التي نتكلم بها كشعوب عربية ضمن اللغة العربية الأم دون أن تكون مثلا هناك لغة كويتية أو لغة تونسية أو سودانية خارج إطار العربية، فكلما اقتربنا من الزمن الحاضر كانت السهولة أكبر والمحصلة أكثر وأغزر والعكس بالعكس، ومن جهة أخرى يجب القول أيضا ان هذه اللغة الأم أستمرت لفترة طويلة من الزمن وهي في نصفها الثاني على الأقل تداخلت وتشابكت مع اللغة الأكدية، فليس من المستغرب أن نعثر على الكثير من مفرداتها وتعابيرها ضمن اللغة السومرية، ولذلك نحن حرصنا أن نقدم ضمن قائمة المفردات ما يعتبر سومريا بالدرجة الأولى .
بعد هذه المقدمة التوضيحية نعود لمحور البحث عن أصل الدين العراقي ومصدره المدون، ولا يحفي على القارئ الكريم إن البحث في هذا الموضوع المتشعب لا يمكن أن نصل فيه إلى ثوابت أو أقوال نهائية وحاسمة طالما أننا لم نتحرز ولم ننقل كل ما كتب دينيا عنه في زمنهم، أي أن هناك الكثير مما لا نعرفه عن الديانة العراقية القديمة، إنما نتلمس فقط ما هو متوافر بين أيدينا خاصة من تلك النصوص التي يسميها البعض أساطير، وأولها وأهمها أسطورة الخلق الأولى الواردة باسم أسطورة "الأبكالو" 2 أو أبو الكل أو الأباء الحكماء ترجمة من كلمتين الأولى أباو يعني الأباء، وقالوا أو أقيال كما مر معنا في الحاشية السابقة بمعنى الحكماء أو الحكام وهي الأقرب للمعنى الشائع عنهم.
في الأسطورة يكون "أبگال " بابليا أو الأبكالو سومريا هم الحكماء السبعة الرُسل في الأساطير السومرية قبل الطوفان وقبل أن يخلق الإنسان الحضاري الذي يعرف أو يريد المعرفة، والذين أرسلهم إن كي إلى الأرض في بداية الخلق لمنح البشر " ألمه" (قوانين الحضارة)، والمعرّفون من قبل الأكديين والبابليين ، باسم "أبكالو وهم عبارة عن رجال يرتدي جلد سمكة وليس كما يتصور البعض بأنهم بجذع سمكة خاصة وأن رؤوسهم و أذرعهم وسيقانهم بشرية وأحياناً مع الأجنحة وأخرون من دونها، ومما ورد في المدونات البابلية يظهر الأبكالو أيضا على شكل (الفَتْخَاء أو الغرفين أو الشيردال) وهو حيوان أسطوري له رأس وجسم أسد وجناحي عقاب "، يحمل الأبگال دلواً ووعاءً مخروطي الشكل يحوي البخور المقدّس لأغراض الطهارة ، وثد ذكرت أسماء الأبگال السبعة كالتالي: أداپا أو آدما (الإنسان الأول)، أُوّن دوگا، و أن ـ مي ـ ديوگا، و أن ـ مي ـ گالانّا، و أن ـ مي ـ بيلوگا، و أن ـ إنليلدا، و يوتو ـ أبزو .
الأسطورة تقول وهي ليست محل تأويل وإن سميت أسطورة ولكنني أجزم أنها جزء أساسي من أصل الدين العراقي كما تناولت ذلك في كتابي هذا وسأسرده لاحقا (في أحد الأيام ذهب أداپا بقاربه إلى مياه البحر ليصطاد السمك، وعندما كانت الريح الجنوبية قد هبّت بعاصفة قوية، انقلب قارب أداپا فجأة وألقى به في البحر، غضب أداپا غضباً شديداً، فكسر جناح الريح الجنوبية وبسبب ذلك لم تستطع الريح الجنوبية من ان تهب لسبعة أيام متتالية) ، عندما سمع الإله الكبير أنا أو أنو بفعلة آدم غضب على أداپا بسبب فعلته الشنيعة تلك، فأرسل بطلبه للمثول أمامه وكان على أدابا ان يأخذ المشورة من إيا قبل لقائه "أنه" أو "أنا" أو " أنو").
من هذه النقطة بدأت الأديان اللاحقة والمشتقة من الدين السومري وما قبله بدايتها دون أن تشرح للناس أصل القصة كاملة، مما وضع الإنسان في تساؤلات وإشكالات فكرية عديدة تتصل بكيف ولد الدين ومتى؟ وهل كان آدم نبيل؟ ولمن بعث أصلا؟ والسؤال الأهم هل كان آدم متدينا بالأصل والفطرة أم تعلم الدين من خلال التجربة والإلهام والحث الرباني؟ قد تكون لهذه الأسئلة والإشكالات أجوبة مستبطنة بالنص الإبراهيمي مثلا، وهنا نأت إلى الإشارة الدائمة التي ترد في تلك الديانات إلى القصص التي تتعلق بالأنبياء والرسل والتي تحيلنا دوما إلى ما يعرف بأساطير الأولين، والتي يكون المقصد فيها ليس الغيبيات والخوارق والماورائيات اللا منطقية، بل لما سطره أولئك من مساطر ومدونات تحكي تاريخ علاقتهم بالله (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف (111)، إذا لا بد للعود للقصص المسطورة في المدونات الأركيولوجية وإعادة قراءتها لنفهم بمساعدة ما في النص الدين الموثق لدينا لمعرفة ما كان عليه دين العراق القديم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.ورد في المعجم الوسيط معنى قيل الملك في لغة اليمن واللغات العربية القديمة (القَيْلُ : من ملوك اليمن في الجاهلية دون الملك الأعظم. والجمع : أقْوالٌ، وأَقيالٌ.).
2.أبكالو بالأكدية أبكال بالسومرية، وهم حسب الميثولوجيا السومرية حكماء السماء السبعة وهم نصف ألهة خلقهم الإله السومري إنكي (بالأكدية إيا)، وهم المسؤولون عن خلق الثقافة والحضارة في سومر والشعوب الآخرى، وكذلك هم الكهنة الرئيسيون للاله إنكي كبير الآلهة السومرية، وهم المستشارين الرئيسيين له، وهم حسب الأسطورة السومرية من حثوا الإله إنكي كبير الآلهة السومرية على حدوث الطوفان في أرض سومر وذلك لإغراق البشرية. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%88
كع أن هذا التوضيح أو التفسير من قبل الويكيبيديا ليس تفسيرا علميا ولا يستند لحقائق بقدر ما هو طلاح للنشر فقط دون أن يخضع للتوثيق والتأييد.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة صباحية .... إلى عينيك
- الفاعل في الكوارث والزلازل بين فهم أسبينوزا وفهم العقل الدين ...
- خطاب التفاهة والمحتوى الهابط ظاهرة ونتاج
- نشيد الأناشيد الصامتة
- النار والإنسان والعطش
- الله الفيسبوكي
- زيارة شهداء العراق
- عصر التفاهة وزمن السخافة
- سر السبعة والسبعات
- -إنما الميت نجس-
- مبدأ النسيان والشهود
- حكاية الظلم والظالمين والمظلومين
- سلاما أمنا الأرض فقد نزل فيك من نحب 3
- سلاما أمنا الأرض فقد نزل فيك من نحب 2
- سلاما أمنا الأرض فقد نزل فيك من نحب
- الدين العراقي في إصالة التكوين ح 3
- النزول عن ظهر البغلة والركوب فوق السخلة...
- الدين العراقي في إصالة التكوين ح 2
- الدين العراقي في إصالة التكوين ح 1
- دوران الوجود حول مفهوم الرب وقضية الموت ح 2


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - كيف لنا أن نفهم الدين العراقي القديم