أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - من يرفض التغيير ، ومن يرفض الإصلاح ؟















المزيد.....


من يرفض التغيير ، ومن يرفض الإصلاح ؟


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7465 - 2022 / 12 / 17 - 19:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" بينما كنت أحرر هذه الدراسة ، البوليس السياسي واتصالات المغرب ، قطعا عن منزلي الكونكسيون / الانترنت ، واضطر للخروج رغم الشتاء لإرسالها من Cyber " " الدولة البوليسية تخنق الأصوات الحرة ".
تمة فرق شاسع بين مدلول مصطلح التغيير ، ومدلول مصطلح الإصلاح ؟ فالتغيير ليس له عنوان واحد ، وكذلك المقصود من الإصلاح ، فهو كذلك ليس له مفهوم واحد . والاختلاف طبعا يكون بسبب الداعين والمنادين بالتغيير ، أيْ أيُّ تغيير ينشدون ، ويكون كذلك بسبب الواقفين والداعين الى الإصلاح ، أيْ أيُّ اصلاح ينشدون ؟
واذا عدنا الى تاريخ طرح هذه التعبيرات بمغزى مدلولاتها المتضاربة ، وبالضبط منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي ، حين تداخلت القيم السياسية الاوربية ، خاصة الفرنسية ، مع الثقافة التقليدية التي كانت ولا تزال تسود المجتمع ، سنجد ان هناك من كان يدعو ويشتغل على مشروعات التغيير ، وكان هناك من كان يدعو ويشتغل على مشروعات الإصلاح ، وانْ بدرجات مختلفة .. وهذا يعني ان اول حركة سياسية مغربية دعت الى التغيير ، ومنها أصحاب الإصلاح ، هم كانوا إمّا سياسيين مندمجين في المشروع حد الثمالة ، او كانوا يشتغلون بالسياسة لظروف خاصة ، ستظهر في حركة الارتداد التي بدأت مع المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، او كانوا يتعيّشون من السياسة كما أبانت الانسحابات بالجملة ، وهجر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، والانضمام الى القصر للدفاع عن النظام ، ضد اطراف سياسية كانت تتحرش بالنظام ..
وبقدر ما كانت المسافة بعيدة بين جماعة المنادون ودعاة التغيير ، بقدر ما كانت المسافة جد قريبة بين المنادون والداعون الى الإصلاح ، وبين عيّاشة السياسية الذين انتقلوا الى ضفة القصر ، وبقيت لهم روابط متينة مع دعاة الإصلاح ، من جهة لمواكبة ما كان يختمر من مشاريع بديلة ، ومن جهة للعمل من بعيد على افراغ مشروع التغير الحقيقي من جوهر مضمونه ، وتحويله الى مجرد آلية للوصول الى أصحاب مشروع التغيير قصد التأثير عليه لإضعاف صفوفهم ، ولمعرفة درجة القوة التي يملكونها في التأثير في المجتمع ، لدفعه الى التغيير المنشود المتجاوز ، والمتعارض مع مشروع الإصلاح .
لقد ظهرت هذه الحركات مواكبة للارتجاج السياسي الذي كان يجري في دولة المركز فرنسا ، ولِمَا كان يجري في العالم خاصة أنظمة التغيير الجذري التي فرضها الاتحاد السوفياتي ، والصراع الصيني الروسي ، والصراع الصيني الروسي ضد النظام الغربي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية .
لكن هل كان يَحِقُّ دعاة الإصلاح نوع النظام السياسي الحاكم في المغرب ، وهو المُتعوّد على الفعل السياسي منذ اكثر من 350 سنة ، ولم يختمر العمل السياسي حتى بداية الستينات وطيلة السبعينات ، شأن الفرق السياسية التي ظهرت آنذاك بخطاب التغير ، وبخطاب الإصلاح ..
والسؤال . هل كان يعرف كل هؤلاء ، انّ نوع النظام السياسي السائد هو نظام سلطاني مخزني ، غيّر من حيث الشكل العنوان من سلطنة الى ملكية ، لكنها سلطنة تقليدانية ، موغلة في الطقوس ، غارقة في التقاليد المرعية ، مُلوّحة بالثيوقراطية أصل النظام وأصل الحكم ، أيْ دولة سلطانية عصرية بفضل الحسن الثاني ، الذي احتفظ بصفات ومظاهر السلطان التقليدي في شكل سلطان عصري / ملك ، لكنه ومثل الدولة السلطانية التقليدية ، ظل لوحده هو الدولة ، وظلت الدولة هي السلطان الذي سيغير مجرد العنوان الى ملك ..
ان هذه الحقيقة التي كانت تدركها أقلية دعاة التغيير ، وتدركها اقلية دعاة الإصلاح الميكيافيليين ، كانت تجهلها القواعد المستعملة في إنجاح مشروع التغيير ، وفي إنجاح مشروع الإصلاح المتناقضين والمتنافرين معاً .
ان نوع النظام السياسي المجسد في الدولة المخزنية السلطانية ، هو ضد الإصلاح ، فأحرى ان يقبل بالتغيير ، اللهم اذا فرض باستعمال القوة من فوق ، او من تحت . وحيث كان من السهل إحداث التغيير من فوق ، فإن التغيير كان عصيا من تحت . فالنظام الذي يرفض سماع دعوات الإصلاح ، كيف له ان يقبل سماع دعوات التغيير . فالنظام السلطاني المخزني كنظام طقوسي تقليداني ثيوقراطي ، هو نظام عصي عن الإصلاح ، وعصياً أكثراً عن التغيير ..
لكن هذا لا يعني أنه يرفض محاورة دعاة الإصلاح ودعاة التغيير ، بل كان يقبل الجلوس معهم ، لمناقشة القضايا العامة ، متجاهلا مناقشة دعواتهم الى الإصلاح ، ودعواتهم الى التغيير ، أيْ كان يستدرجهم للذوبان . فقبول السلطان الجلوس مع هؤلاء ، من جهة كان لإقناعهم بجدوى استحالة الانصات الى دعواتهم ، فأحرى مناقشة تلك المطالب ، بحيث تصبح الحجة عليه لا له ، وبدل ان يجرهم للخضوع لِمَا يفرضه النظام القوي ، خاصة المقدسات ، وعلى رأسها النظام قبْل الله والوطن ، سيصبح النظام يلعب في ملعب الخصوم ، مع ما يستتبع ذلك من مناقشة مطالب التغيير او مطالب الإصلاح ، وهو النظام العصي عن الإصلاح ، والعصي عن التغيير ..
ان جريان هذه اللعبة ، كان يجري بين اطراف متقابلة ، النظام والمتربصين به ، وفي غيبة الشارع والجماهير ، التي بدونها يستحيل انتظار الإصلاح ، فأحرى التغيير الذي له منافد مختلفة ، تختلف من خلال تحديد المغزى من التغير ، ومن خلال تحديد المغزى من الإصلاح .
اذا كان النظام عصي عن الإصلاح ، وعصي اكثر عن التغير ، فهذا الحال كان يؤدي الى ردود فعل في شكل تغيير مناهج وآليات التغيير لذا هؤلاء ، وكان يعطي قناعة راسخة ، وهي حميدة ومُسْتحبة عند دعاة الإصلاح المرتبطين بالنظام اكثر من ارتباطهم بدعوات الإصلاح ، كفرصة للنفود الى القصر ، لان نجاحهم في الارتباط بالنظام ، هو نجاح في الاحتفاظ بمصالحهم ، ومصالح أبناءهم ، وأبناء أبنائهم كما يتراءى لنا اليوم من استمرار أبنائهم مثل آبائهم في الانتساب الى القصر باسم جماهير مغيبة وغير موجودة على الاطلاق ، أيْ توارث المناصب السامية . كما كان يفرض على دعاة التغيير تغيير آليات الاشتغال ، وطرح السؤال عن البديل العملي المناسب والمستجيب لظروف المرحلة التي يجري فيها الصراع بأشكال وعناوين مختلفة .
يتوزع دعاة الإصلاح الى شتى مشارب ، من أهمها حزب الاستقلال بزعامة آل الفاسي ، والجناح اليميني في حزب الاتحاد الوطني الذي سيسميه الحسن الثاني في سنة 1974 بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، لدفن ومحو أدبيات الاتحاد الوطني ، خاصة المتعلقة باستلام الحكم بالقوة ، او بالشعارات المحفزة على ( الثورة ) ، كما جسد دعاة الإصلاح علي يعتة عن حزب التقدم والاشتراكية المرتبط بالقصر وبأجهزة وزارة الداخلية .. وقبل هؤلاء وبشكل مغاير ، حاول طرح مفهوم جديد للإصلاح الليبرالي ، حزب الدستور في شخص أمينه محمد بن الحسن الوزاني ، الذي تأثر كثيرا بخطابات اصلاحيي الشرقي كشكيب أرسلان .
فهل نجح دعاة الإصلاح في تحقيق مطالبهم الإصلاحية المؤسساتية ، من خلال فرض الدستور الديمقراطي الذي يحدد شكل السلط ، ويركز على فصلها ، ويجعل النظام يخضع لمكانيزمات الديمقراطية ، ومن بينها صناديق الاقتراع ؟
لقد فشل دعاة الإصلاح في دعواتهم ، من جهة أنها تبقى دعوات لا غير ، ودون عزيمة وإرادة على فرض الإصلاح ، وتفسير هذا أنهم كانوا دعاة ضد الإصلاح لا دعاة من اجل الإصلاح ، فكانوا يستعملون الشعارات الرنانة للإيقاع ، وحتى يكون لهم وجود في الساحة ، يوظفونه في خدمة مصالحهم المرتبطة طبعا بالارتباط بالقصر ، ومن جهة ، محاولة الظهور بالجماعة السياسية المثقفة التي استمدت فعلها السياسي من الثقافة السياسية التي كانت تسود فرنسا بالأساس ، ومن جهة مزاوجة الثقافة الغربية الفرنسية ، بالثقافة التقليدية التي يؤمنون بها حد النخاع للسلطان كأمير للمؤمنين ، وإمام ، وراعي أول في دولة لن تكون غير دولة رعوية بطريركية . وهذا يعطيهم حظوة لذا السلطان ، الذي يستعملهم في خدمة مشروع السلطان كلما اقتضى الامر ذلك ، سواء داخليا عند خوض الاستحقاقات ، او عند مواجهة خصوم القصر الداخليين ، كما كان يستعملهم عند مخاطبة الطبقة السياسية المثقفة الغربية خاصة الفرنسية ، حيث كان يجري تقديمهم كلائكيين مستقبليين ، أيْ كان يوظفهم في خدمة المشروع الثقافي السياسي السلطاني مع الرعايا ، وكان يستخدمهم في ابراز المشروع الحداثي بمفهومه المغربي ، الذي هو الجمع بين الاصالة والمعاصرة .. لكن الحقيقة أنّ الجميع سلّم للسلطان الامر ، وبايعه كأمير للمؤمنين ، وراعي أوّل ، وإمام .. ففتح الله ولعلو ، والحبيب المالكي ، وعبد الواحد الراضي ... و آل الفاسي .. وعلي يعتة .. كانوا مجرد آليات لتنزيل برنامج السلطان ، وخدمة مشروعه العام الذي ينزوي الى أصل الدولة المخزنية ، التقليدية ، الطقوسية في شكلها العصري ، الذي بناه الحسن الثاني مؤسس الدولة المخزنية العصرية .. وهذا باعتراف الجميع ، وبما فيهم المتياسرون الذين تم شرائهم منذ ألمّ المرض بالسلطان الحسن الثاني ..
ان الجماعة القليلة العدد التي كانت تؤمن داخل تنظيماتها بإصلاح النظام من الداخل ، وليس بتغييره ، والتغيير يشكل خطرا عليهم ، رغم خطابها الودود التي تتودد فيه النظام ، فان هذا كان لا يعيرها أدنى اهتمام ، لأنه كان يعرف حجم قوتها الحقيقية داخل المجتمع ، وكان مقتنعاً بان حماسهم للإصلاح ، كان نزوة ولم يكن قناعة راسخة ، وانّ وضعهم داخل تنظيماتهم وليس فقط داخل المجتمع ، لا يحرك دجاجة عن بيضها ، وأنهم وبشعور منهم حتى لا نقول بدون شعور ، مستقبلهم مع الدولة لا خارجها . وحيث انهم مدركون بحقيقة القوة الحاكمة ، ومدركون بانّ لا أحد يستمع لصرخاتهم الفارغة من الهواء ، وانّ المخاطبين بتلك الشعارات هم مجرد رعايا مرتبطة بالسلطان لا بغيره .. أخرجوا الى العلن إندماجهم في ثوابت النظام ، كنظام تقليداني طقوسي ، مع العلم انهم كانوا مندمجين قبل يناير 1975 ، وعوض اصلاح النظام من الداخل ، وهي كانت أكذوبة لإلهاء الرعايا الجاهلة والأمية ، فان النظام هو من غيّرهم ، وليس أصلحهم من الداخل . فتحول وضعهم الى كائنات زئبقية ، تتسارع للحصول على رضى السلطان ، الذي هو فتاته . فكانت مطالب اقتسام الحكم ، مجرد أضغاث أحلام ، وتجاهروا بالدفاع عن دستور السلطان الذي وحده يمكنهم من الهرولة الى حضن السلطان ، بأنْ يصبحوا من عليّة القوم موظفين سامين في إدارته الشريفة ، كبرلمانيين أو وزراء ، والجميع يتظافر ويجتهد بانْ يكون له شرف تنزيل برنامج مولانا السلطان الله وليه ..
فكيف الحال اليوم لهؤلاء دعاة الإصلاح ، من الحبيب المالكي ، الى عبدالواحد الراضي ، الى محمد اليازغي ، الى فتح الله ولعو ... هل كانوا فعلا دعاة إصلاح ، أو كانوا شعاراتيين ديماغوجيين ، ساهموا في إخمال ( الخَمْلة ) الأوضاع بما يسمح فقط بنجاح مشروع السلطان ، ومنه الحفاظ على الدولة المغربية كدولة سلطانية مخزنية بوليسية ، وهم مؤمنون بذلك إيمان العجائز الذي لا يزحزح .. فكيف ساهم هؤلاء ومنهم المئات ، في قتل الاتحاد الاشتراكي ، وقتل حزب التقدم والاشتراكية ، ودفْن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي OADP .. لقد انتهى كل شيء ، وتبين انّ دعوات ومطالب الإصلاح ، كانت مجرد شعارات ديماغوجية ، لإفراغ الساحة من مطالب الإصلاح الحقيقي التي يعادونه كطبقة ، ووضع العراقيل أمام مشروع التغيير الحقيقي ..
وكما فشلت مشاريع ( الإصلاح ) التي تم التغني بها سياسيا ونقابيا ( الاموي ) ك د ش CDT ، و UMT ، وأصبح الجميع كخدم رهن إشارة السلطان محمد السادس ، فشل مشروع التغيير الذي مرة مسّ أصل الحكم ، ومرة مسّ مجرد اطرافه . لقد فشل مشروع التغيير ، لان دعاته الراديكاليون لم يؤسسوا الدولة العربية الموعودة ، وفشل لان الدعاة النصف الراديكاليين الذين يصلح تسميتهم بدعاة الإصلاح الحقيقي وليس دعاة التغيير ، في اقتسام الحكم مع النظام ، أيْ فشل دعاة الجمهورية ، وفشل دعاة الملكية البرلمانية .
لقد عبر دعاة التغيير الجذري عن نفسهم في محطات متباينة ومختلفة ، كلها فشلت الفشل الذريع ، من 16 يوليوز 1963 ، الى 3 مارس 1975 ، الى انقلاب الطائرة في 16 غشت 1972 ... ، وعبّر دعاة التغيير النصف جذري عن نفسهم ، في مقاطعة الدساتير الممنوحة التي كانوا يعتبرونها غير دساتير ديمقراطية ، وأنّها تركز كل الحكم في يد السلطان لا في يد غيره .. فالدستور الذي كانوا ينادون به ، هو دستور الشعب الذي تضعه جمعية تأسيسية ، ويحظى بتزكية الشعب بعد التصويت عليه . لكن المستملح في هذه الدعوة ، انّ أعضاء الجمعية التاسيسية المنادي بها ، يجب انْ يكونوا من بين دعاة التغيير الجذري ، او دعاة التغيير النصف جذري ، فهؤلاء من يحق لهم وضع الدستور ، وطرحه على الشعب للتصويت عليه .. أيْ الخروج من دستور السلطان ، الى دستور الراديكاليين .. او الخروج من دكتاتورية الدولة السلطانية المخزنية ، الى دكتاتورية الأحزاب التي تعتقد انها الوحيدة الوصية عن الجماهير الغير موجودة ، ووحدها الاهل بالحكم ، لأنها المقاومة ، ولأنها جيش التحرير ، وانّ النظام سرق في النهار قبل الليل تراكمات العمل الوطني التي بدأت أسسه التغييرية منذ سنة 1947 ..
الآن تغير كل شيء ، والجميع ومن دون استثناء ، يتطلع للعب دور في دولة السلطان محمد السادس كموظف سامي برلماني او وزير . لقد انخرط حزب الطليعة ، والحزب الاشتراكي الموحد الذين يسميهم النهج الديمقراطي العمالي باليسار المهزوم ، في جميع الاستحقاقات السياسية لنظام محمد السادس . وبينما دخل الاشتراكي الموحد بنائبين في البرلمان السابق ، وببرلمانية واحدة نبيلة منيب في البرلمان الحالي ، عجز حزب الطليعة عن دخول برلمان السلطان ، ليصبح موظفا ساميا بإدارة السلطان . وكل المشاركة في الاستحقاقات كانت تتم ضمن دستور السلطان ، وليس ضمن الدستور الديمقراطي الذي وضعته الجمعية التاسيسية . فما الفرق بين الامس وبين اليوم ؟
إذن . منْ عرقل وأفشل كل الدعوات نحو الإصلاح المغشوش ، ومن أفشل وعرقل الدعوات الغير واضحة نحو التغيير المنشود .. وتجاوزا لأطراف النزاع حول المسألة الدستورية ، ومنها الدولة الديمقراطية في الفشل والعرقلة ، من هو الطرف الرئيسي الذي أفشل كل دعوات التغيير ، وأفشل كل دعوات الإصلاح ؟
انّ المسؤولية في إفشال مشروع الإصلاح ، ومشروع التغيير ، يتحملها بالتحديد كل اطراف الصراع ، وبدون استثناء .
فمن جهة يتحملها النظام السلطاني ، المخزني ، البوليسي ، البطريركي ، الكمبرادوري ، الرعوي ، الثيوقراطي ، لأنه نظام يكره سماع كلمة اصلاح ، ويكره اكثر سماع كلمة تغيير . ولأنه نظام ماضوي تقليداني ، فترديد كلمة اصلاح او تغيير على مسامعه ، تضر بأذنيه ، وتوجعه في رأسه ، لأنها تسبب له " شْقيقة الرأس " . لذا لا يتردد التصرف مع هؤلاء الدعاة ، بأساليب من المكر ، الى الكذب ، والوعود المعسولة ، الى القمع ، والجبر ، والضبط ، والسجن ، وحتى الاغتيالات بطرق مختلفة إذا اقتضى الامر ذلك .. فالنظام السلطاني المخزني عصي عن أي اصلاح ، فأحرى التغيير ، لان القول بالإصلاح الحقيقي ، وبالتغيير الحقيقي ، وليس الإصلاح المغشوش الديماغوجي ، يعني امّا اقتسام الثروة والحكم ، او لا شيء . كما انّ المقصود بالتغير إمّا الاستيلاء على كل الثروة والحكم ، او لا شيء .. لكن انّ مكمن الضعف انّ هذه الصراعات باسم الإصلاح ، او باسم التغيير ، كانت تجري في حلقة ضيقة ضمن حلبة أضيق ، أيْ بمعزل عن الجماهير الغير موجودة ، والشعب المُغيّب والغائب عن رِدّة الفعل السياسي المؤدي الى التغيير .. فكانت المواجهة سهلة بالنسبة للنظام ، الضابط لشؤونه ، والعارف اكثر من غيره بمكامن ضعف معارضيه الحقيقيين ، من المعارضين المغشوشين ، فيحدد على ضوء هذا الوضع ، آليات ومكانزمات التعامل مع كل طرف على حدى . فمثلا انّ طرق مواجهة المد الثوري الماركسي الذي لم يعد ثوريا ، ليست هي طرق وآليات مواجهة جماعة اليسار في الأحزاب المرخص لها ، كالاتحاد الاشتراكي بعد المؤتمر الرابع ، وليس هي طرق وآليات مواجهة منظمات الإسلام السياسي ( معتدليه ) وراديكالييه ، وليست هي المستعملة مع جماعة " اللجنة الإدارية الوطنية " ، وليست هي نفس آليات التعامل مع " اللجنة الإدارية الوطنية " وحزب الطليعة قبل التقرير في مشاركته انتخابات السلطان .. إلخ ..
فالذي تسبب في فشل الإصلاح الديماغوجي المغشوش ، كانوا الواقفين وراء ترويج خطاباته ، والذين تسببوا في فشل مشروع التغيير ، كانوا بدرجة أولى مروجي خطابه الجذري ، او النصف جذري ( جمهورية او ملكية برلمانية ) . وانتهى الامر بارتماء مناضلي اليسار الماركسي في حضن الدولة بعد الاستغفار والتوبة ، وانتهى الامر بمشاركة جميع الأحزاب في تأثيث ديمقراطية النظام كنظام سلطاني مخزني بوليسي .. فالجميع وبما فيهم حزب النهج الديمقراطي العمالي ، آمنوا إيمان العجائز بالمقدسات " الله الوطن الملك " ، حين وضعوا ملف الاعتراف بهم ككائنات بمقرات العمالات ، والاقاليم ، وبمقر وزارة الداخلية ( النهج والوالي المدير العام للمديرية العامة للشؤون الداخلية السيد ياسين المنصوري المدير العام الحالي للإدارة العامة للدراسات والمستندات DGED ) ..
فاعترافهم بالمقدسات ، هو اعتراف بدستور السلطان ، واعتراف بالدولة السلطانية المخزنية ، وهو اكبر اعتراف بتحولهم من ( ثوريين ) الى سلطانيين مخزنيين بامتياز .
واضح اذن ان الجميع ، الدولة السلطانية المخزنية ، دعاة الإصلاح الديماغوجي المغشوش ، ودعاة التغيير الجذري ، ودعاة التغيير النصف جذري ، مسؤولون عن فشل كل دعوات الإصلاح ، وفشل كل دعوات التغيير . لكن هل هؤلاء وحدهم المسؤولون عن الوضع الذي اصبح فيه السلطان وحده يستثار بالثروة ، وبالحكم ، وبالجاه والنفوذ ؟
ان الغائب في هذا المشهد السريالي ، والمسؤول الكبير عن فشل كل دعوات الإصلاح ، وعن فشل كل دعوات التغيير ، يبقى الرعايا المرتبطة بالراعي السلطان ، الامام ، والأمير .. فالرعايا التي عاشت أكثر من 350 سنة في ظل ثقافة سلطانية ، مخزنية ، بطريركية ، وطقوسية ، وتقليدانية ، وقروسطوية ،وثيوقراطية .. ، تجد في مثل هذه الدعوات ، وأيّاً كانت درجة مصداقيتها ، دعوات دخيلة لا علاقة لها بالإرث الأيديولوجي الذي يطبع الدولة المخزنية في علاقتاها مع رعايا ، أكانوا رعايا قاعديين ، أم كانوا رعايا ممتازين Des sujets et des supers sujets ، خاصة وأنهم حريصون كل الحرص ، على القيم السلطانية المخزنية ، التي تجعل من الرعايا كائنات من نوع آخر ، لا علاقة لها بشعوب الدول الديمقراطية التي رغم انّها هي بدورها تتمسك بتقاليدها المرعية ، وبطقوسها ، خاصة تقاليد وطقوس الكنيسة البروتستانية ، وتقاليد وطقوس الكنيسة الكاثوليكية ، وتقاليد وطقوس الكنيسة الأرثوذكسية ، فهي تعتبر هذه القيم من النظام العام ، ولا علاقة لها بنوع الأنظمة السياسية التي تحكم باسمها من خلال الانتخابات . كما ان هذه الشعوب وبخلاف الرعايا في الدولة السلطانية ، لا تؤمن بانّ حكامها أو ممثليها الثيوقراط ، هم أحفاد موسى ، او عيسى ، او شمشون الجبار . فما تؤمن به هو الديمقراطية للحفاظ على استقرار الدولة والمجتمع . فهل تتجرأ وزارة الداخلية في الدول الديمقراطية على ضرب مواطنين يعتصمون بطريقة سلمية ، للدفاع عن حق من الحقوق .. وهل ولنفرض جدلا ، ان البوليس والقوات العمومية في الدول الديمقراطية عندما يباشرون ضرب المواطنين ، يرفع هؤلاء مثل الرعايا الجاهلة المنافقة شعارات من قبيل " عاش سيدنا " " عاش الملك " " سيدنا مفْرسوشْ هاذْ الشّي " " ضرْبونَ احْنا وما تْطيْحوشْ تَصْوِرْتْ سيدنا " .. الخ .
فحين تكون الرعايا متناغمة في عيشها وفي حياتها الرّعوية ، وتعتبر هراوة السلطان بركة ، يسلطها الله على من يحب و يرضاه ، فان اكبر عرقلة لأيّ اصلاح او تغيير ، تكون الرعايا بدرجة اكبر من دور السلطان ، او من دعاة الإصلاح المغشوش ، والتغيير في غيبة الجماهير .
انّ الحالة الوحيدة التي ستسرع بإسقاط الدولة العلوية ، وتعجل بنهايتها ، هي حين تنفصل الصحراء ، وتنصب جمهورية صحراوية بالجنوب المغربي ، ويعترف بها العالم .. ان هذه هي الحالة الوحيدة التي تستطع وحدها ارباك الوضع ، بتقسيم المغرب الجغرافية والشعب ، وهي وحدها تجيز تدخل ضباطا كبار من الجيش الاستيلاء على النظام بقلبه حفاظا على وحدة الشعب ووحدة الأرض .. وبما ان النظام الواعي بهذا الخطر الوحيد الذي يتربص به ، فدخول دبابات النظام الى المنطقة العازلة التي تسميها جبهة البوليساريو بالمنطقة المحررة ، هو سباق ضد الساعة ، من جهة لإكمال انتشار الجيش في كل الصحراء لتأكيد مغربية الصحراء ، ومن جهة لدفع أي تهديد يتربص به ، في اطار الصراع الإقليمي مع النظام الجزائري الذي يبحث عن أي منفذ او وسيلة لفصل الصحراء عن المغرب ، ومن ثم تسهيل تجزئت المغرب كالرجل العثماني المريض ، ومن يدري تحقيق أطماع النظام الجزائري في الحصول على المنطقة الشرقية المغربية بدعوى انها أراضي جزائرية .. فهل النظام الواعي بهذا الخطر الذي يهدده ، سيسمح بذهاب الصحراء ، ليسهل سقوطه ، ويسهل تقسيم أراضيه الى جمهوريات / كانتونات ، تسمح للنظام الجزائري بالتوسع على حساب المغرب ؟
وختاما . كل المكونات من جميع الأحزاب ومن دون استثناء ، والنقابات ، والنظام ، والرعايا ، هم ضد اضعاف النظام مقابل السلطات القوية التي يعطيها الدستور الجزائري لرئيس الجمهورية وللجيش الجزائري .. ومن ثم فالجميع يرفض الإصلاح إذا مس اختصاصات السلطان ، ومس المكانة التي يعطيها له عقد البيعة ، أي الجميع مع الدولة القوية لا مع الدولة الضعيفة حتى تنهجها الكلاب ..
فعن أي إصلاح تتحدثون وأنتم ضده ، وعن أي تغيير تتحدثون وأنتم ترفضونه ؟
ان ما يسمى بدعوات الإصلاح كما ترددها نبيلة منيب ، وبوبكر الجامعي ، فؤاد المومني ، واقصبي ، وآخرون كثيرون ، هي مجرد استهلاك لملء الفراغ ، ومن دون الدعوة الى التغيير الجذري ، او التغيير نصف الجذري ، وهذا لن يحصل بسبب طبيعة الرعايا ، وبسبب النظام السلطاني الذي ترتبط به الرعايا ، تبقى مجرد دعوات لتحسين شروط العبودية لا لإلغائها .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنتخب الوطني لكرة القدم
- - الوطن غفور رحيم -
- هل انفرط عقد الوُدّ بين جماعة العدل والإحسان ، وبين حزب النه ...
- مسيرة الرباط الشعبية ضد الغلاء الفاحش ، وضد دولة البوليس الج ...
- تغيير المجتمع
- هل الدولة السلطانية المخزنية العلوية البوليسية قابلة للإصلاح ...
- مستقبل العلاقات المغربية الاسبانية
- البوليس السياسي
- ( الجريمة ) السياسية
- أنا جمهوري . أنا ملكي – أنا ملكي . أنا جمهوري
- معارضة ومعارضة
- أول معارضة ظهرت كانت اسلامية قبل ظهور ماركس ، ولينين ، وماو ...
- ثمانية عشرة سنة مرت على تسميم ياسر عرفات
- 14 نونبر 1975 -- 14 نونبر 2022 .. ذكرى إتفاقية مدريد المشؤوم ...
- الصراع ( السني ) ( الشيعي ) على نظام الخلافة الاسلامية .
- الثقافة قضية والقضية هي التغيير
- النظام السياسي المغربي نظام سلطاني مخزني وبوليسي بامتياز
- عودة اليمين الى الحكم في الولايات المتحدة الامريكية ، وفي اس ...
- إدارة الفايسبوك
- إعلان طنجة لطرد الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الافريقي . رق ...


المزيد.....




- فوردو ونطنز وأصفهان.. الخطاب الكامل لترامب بعد الضربات الأمر ...
- أول حالة معروفة لاستخدام هذه القنبلة.. إليك ما نعلمه عن تفاص ...
- تحديث مباشر.. أمريكا -دمرت تماما- منشآت إيران وطهران ترد بأو ...
- قرب منشأة فوردو الإيرانية.. ناسا تلتقط إشارة حرارية الأحد
- قبل نحو 48 ساعة من ضربة أمريكا.. صور فضائية تكشف تحركات إيرا ...
- -هجوم وحشي-.. إيران تدين الضربات الأمريكية على المواقع النوو ...
- إسرائيل.. -دمار واسع النطاق- بعد هجوم صاروخي إيراني وهذا عدد ...
- 25 ألف طائرة ورقية تزيّن سماء جزيرة فانو الدنماركية
- دمى عملاقة تجوب العالم في رحلة فنيّة ضد تغير المناخ
- ترامب يعلن شن ضربات -دمرت بشكل تام وكامل- مواقع نووية إيراني ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - من يرفض التغيير ، ومن يرفض الإصلاح ؟