محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 7459 - 2022 / 12 / 11 - 17:50
المحور:
المجتمع المدني
بالأمس كنت أستمع إلي برنامج غنائي قديم .. بعنوان ((عوف الأصيل )).. كارم محمود .. وعباس البليدى يغنيان ..بألحان أحمد صدقي ..ما ارجعني لسبعين سنة عندما كنت صبيا .. أحفظ أغاني و حوار هذه البرامج .. و أمتص منها الكثير من الفضائل و الأخلاق. https://youtu.be/E-54MK6lEvM
الأعمال الفنية الغنائية المماثلة لم تعد تنتج في يومنا هذا..و لم يعد لها مستمعين .. إلا القليل من الأجيال التي عاصرت تلك الفترة .. لقد أصبحنا كمسنين .. مختلفين عن الأجيال التي توالت بعدنا .
هناك هوه واسعة بيني و بين أحفادى ..المواضيع التي تهمني لا يهتمون بها .. كما أن مواضيعهم المفضلة أعتبرها غثاء أحوى .. لا أستثيغ موسيقاهم و لا أغانيهم و لا رقصهم .. و لا هزارهم .. و لا العاب موبايلاتهم .. ولا إسلوب تشجيعهم لكرة القدم ..و لا حتي أشكالهم .. كأنهم قادمون من كوكب أخر .. خصوصا حكاية التاتو اللي مغطي كل جسمهم..
فعلا مقدرتش أتوافق أبدا مع كتابات الأجيال فيما بعد صنع الله إبراهيم .. ولا غناء ما بعد عبد الحليم و وردة و فيروز ...ولا مسرحيات ما بعد الستينيات.. أو الأراء السياسية لما بعد الميثاق الوطني .
لذلك أفكر في أن اقصر تدوين هذه الصفحة علي مواضيع تخاطب الأصدقاء المسنين (( فوق السبعين )) فمن كانوا في مثل عمرى هم الذين سيفهمون لغتي .
نجلس علي جنب في حديقة نادى الحوار المتمدن نتذكر أيامنا الماضية .. الملك فاروق و مصطفي النحاس و أحمد حسين .. و فتحي رضوان ..و الوفد و الشيوعيين و الأخوان .. و مصر الفتاة .. و أحلام ما بعد الإستقلال .. و أباء التنوير سلامة موسي و شبل شميل .. و خالد محمد خالد .. و مقاومة الإنجليز وحرق معسكراتهم .. و هجر العمالة للأورنوس .. و المظاهرات المضادة للملك التي كان يطاردها الهجانا بالكرابيج و هم علي جمالهم ... و حريق القاهرة .. ومأساة نهب البنوك و الشركات .
قصر السكاكيني او البارون إمبان والشوارع النظيفة غير المزدحمة في القاهرة الخديوية و مصر الجديدة و جاردن سيتي و الزمالك ..و أشجار الزينة و الزهور حول المنازل تشم روائحها المنعشة من علي بعد أمتار ..و التروماى الأبيض بتعريفة ..(خمسة مليم ) ..
و دار الأوبرا إللي حرقوها و بنوا مكانها جراج قبيح ملوث للبيئة .. و إلتقاء الأحباء في حدائق الأندلس أو الأسماك أو جنينة الشاى في حديقة الحيوان .. و نظافة سينما مترو أو راديو و إنتظامها ....و الكاساتا في جروبي ..و(التروا بتي كوشون ) في الأمريكيين بقروش قليلة عندما كان المليم له قيمة .. و القرش يصنع المعجزات .
جمال الأسكندرية الجريكو رومان في الشتاء .. و فندق وينتر بالاس في الأقصر .. و كتاركت في أسوان .. و البدل الإسموكنج و الفراك الأبيض في الحفلات .
و البرلمان اللي كله باشاوات و بهوات و بتدور فيه مناقشات حقيقية تهز وزارات .. و عربيات الملك الحمراء و الأميرات الجميلات ..و مدرسة فاروق الأول الواسعة متعددة الأنشطة .. و أحمد بك زكي ناظر المدرسة .. و العلم الأخضر .. و إنشودة الفن لعبد الوهاب و الكرنك و الجندول .. و أغاني أم كلثوم سهران و جددت حبك ليه .. و الأمل.. و جرائد مستقلة و مجلات يمكن قرائتها من الجلدة للجلدة .
بفكر أطلب من الذين تحت السبعين يسيبونا في حالنا .. نعمل جيتو ..نتذكر ماضي جميل..إستمتعنا بكل لحظة فيه. .لانني لم أعد أقبل حاضرهم هذا .. و لا أريد مناقشة البلوى اللي هم فيها ..و لا أعبر الهوة التي إنحدر فيها الناس إلي الدرك الأسفل من السلوك و الأخلاق و الفهم .. و لا أشجع فريق كرة المملكة المغربية .. و أحلم إنه ياخد كاس العالم .. كتعويض لنقص وعجز إدارة الفريق المصرى الفاشل .
فعلا .. لقد حدث إنفصام .. بين الأجيال ..
الشباب لا يثقون فيمن هم أكبر منهم .. و المسنون شايفين أن الشباب تافهين .. تم تدجينهم و ترويضهم .. و إشاعة الجهل بينهم . .. بقضايا هايفة مثل فضايح الممثلين ..أو مغامرات الزبال اللي طرده بتاع الكشرى .. أو بتداول المخدرات المبتكرة بتاعة منه شلبي ..و وسائل تغييب الذهن .
فلنبدأ حوار المسنين .. بتذكر برامج الإذاعة .. زمان ..
في أيام صبايا.. قد تذكرون أن الراديو كان وسيلة الترفية الأساسية لدى عائلاتنا .. كان في صالة المنزل موضوع فوق رف عال بحيث لا تصل إلية أيدى الأطفال .. و كان بين حين و أخر يذيع برامج غنائية أو أوبرتيت ..( أوبريت صغير ) لمدة نصف ساعة .. كنا نسمعها بشغف و نحفظ الألحان و بعض العبارات منها .
(السلطانية .. يا ترى إنت فين يا مرزوق ) في القسمة كدة ..( مالك وشك إصفر يا عكر ) في عوف الأصيل ..( علي بابا بعد الضنا لابس حرير في حرير ) في علي بابا.. ( عواد باع أرضة يا ولاد .. شوفوا طوله و عرضه يا ولاد ) في عواد .. غير أدهم الشرقاوى .. و عذراء الربيع .... و معروف الإسكافي .. و( دوق دوق ..دوق الدندورمة... مصنوعة بذوق بإيدين توفيق الدندورمة).. و برامج كثيرة لا أتذكرها .. فكروني بيها !!
برامج زمان كان يؤلفها .. ناس محترمين عندهم قيم و أخلاق و رسالة و لا رقابة عليهم و لا توجيه من الأمن أو أصحاب السلطة ..و يلحنها كبار الملحنين ( محمود الشريف ،كمال الطويل ، أحمد صدقى ، عبد الحليم علي ) و يغني فيها ناس صوتهم حلو و مدربين ( شريفة فاضل ، كارم محمود ، عائشة حسن ، سعاد مكاوى ، و أحلام ) ..و يقوم بالأدوار كبار الممثلين ( الطوخي ، السبع ، الزرقاني ، زوزو نبيل ، عبد الغني قمر ).. فأحببناها و لا زلت أتذكرها رغم بعد الزمن
الغريب أنك في كل مرة تستمع لهذه الإبداعات تخرج بإنطباعات مختلفة ..فعندما كنت أستمع لاوبريت علي بابا و الأربعين حرامي (إنتاج 8 نوفمبر 1948 ) كانت تجذبني الحدوته .. و المغامرة .. و فكرة المغارة السحرية التي تفتح بكلمة ( سمسم ) .. ولم يلفت نظرى .. ما أسمعة فيها اليوم من موسيقي غربية لها (فورم )..عالية الجوده .. لعبد الحليم علي ..
في النصف الأول من القرن الماضي كان في مصر مؤلف موسيقي عالمي التوجه و الدراسة يستخدم الهارموني و الكونتربوينت .. و أوركسترا سيمفوني رائع ..و مغنين مذهلين مثل كارم محمود ..و فايدة كامل
الأوبرا ..الأوبريت .. مسرحيات سيد درويش و الأخوان رحباني .. البرامج الغنائية .. أفلام فريد الأطرش و عبد الحليم حافظ وليلي مراد و شادية .. و حتي برامج الأطفال بابا شارو و ( جحا و ظريفة الحمارة اللطيفة ) ..كانت تبعث البهجة .. و مع ذلك إختفت من حياتنا .. فبعد مسرحية ريا و سكينة الغنائية لم يبق لدينا علي المسرح يغني غير شعبان عبد الرحيم بيقول إييييه ...لسمير غانم .. و يستهبل علي المسرح
نعم إختلفت الموسيقي و الغناء.. و وسائل التسلية و حتي القيم و الأخلاق .. و إختفت الأوبريتات و البرامج الغنائية .. إلا ما يذاع باللغة المصرية القديمة في المناسبات إياها و ينساها الناس في اليوم التالي .
الشبان النهاردة غير قادرين علي تذوق فن زماننا حتي أغاني أم كلثوم و عبد الوهاب الحديثة .. و في الغالب يسمعون عن طه حسين أو توفيق الحكيم أو يوسف إدريس .. علي أساس أنها أسماء محاور و كبارى جديدة من بتوع الإنجازات .. لكنني لا زلت أحن ل ((ولعي الشمعدان يا مرجانة .. حاضر يا سيدى .. مرجانه .. غني لي غنوة الحانهاحلوة ..... ))..... ولام كلثوم و هي تنشد برضاك يا خالقي https://www.youtube.com/watch?v=p-CK-ATDFfo..نستكمل حديثنا في مقال تال.
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟