أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - عُقْدَة أبولهب














المزيد.....

عُقْدَة أبولهب


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7457 - 2022 / 12 / 9 - 14:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مثل عُقدة أوديب، يحمل الإسلام منذ ولادته عُقدة اسمها ’أبولهب‘. هذا الرجل- القريب إلى النبي من الدرجة الأولى- يؤدي دوراً محورياً لا يقل عن دور ابن أخيه ذاته في نشأة الإسلام واستمراريته حتى اليوم- "تكثيف" مشاعر الكراهية والعداء لدى الجماعة. ثم يتكفل ابن أخيه- وفيما بعد المتحدثون باسمه- بـ"توظيف" هذه المشاعر المكثفة ضد من يريدون. النبي يحتاج إلى أبولهب حاجة الله إلى إبليس، والنور إلى الظلام، والميلاد إلى الموت، والخير إلى الشر، والقطب الشمالي إلى الجنوبي- لكي تكتمل الحلقة وتدور عجلة الحياة. لولا أبولهب، ما كان النبي؛ أو أن حاجة النبي إلى أبولهب هي حاجة وجودية: ما هي حاجتنا إلى الأنبياء- أو الآلهة- لو كان العالم خالياً من شر أمثال إبليس وأبولهب؟

ينتمي الإسلام إلى شجرة الأديان الإبراهيمية التي قد نبتت وترعرعت في البقعة الجغرافية ذاتها من العالم وتشكل اليهودية والمسيحية والإسلام الأفرع الثلاثة الرئيسية منها. ولكونها قد نبتت ونضجت عبر آلاف السنين من الحياة والتطور في هذه الأرض ولم تنزل من السماء مكتملة دفعة واحدة في صورة معجزة كما يصورها أتباعها، كان طبيعياً أن ترث سمات وخصائص بيئتها الطبيعية والبشرية والثقافية الممتدة عبر آلاف السنين في هذه المنطقة تحديداً. وكان من أبرز هذه الخصائص، محل تركيزنا هنا، الارتباط الوثيق فيما بين السلطة والدين لدرجة أن أغلب أنبياء هذه الشجرة، حتى مؤسسها إبراهيم ذاته، كانوا يجمعون في شخصهم كلا سلطتي الحكم والدين معاً وسط جماعتهم من المؤمنين بهم. وبناء عليه، اجتمعت هذه الشجرة الدينية على وجه الخصوص على صفة أساسية مشتركة بينها جميعاً: الرغبة الفطرية في التوسع الجغرافي المطرد (ما نسميها اليوم باللغة الحديثة "الدعوة" أو "التبشير"). هذه الرغبة التوسعية (الدعوية أو التبشيرية) مردها الأساسي إلى سلطة الحكم، لا إلى الدين بحد ذاته.

في الحقيقة، قامت الأديان الرئيسية الثلاثة فوق أساس ميثولوجي مشترك واحد، وخَصّت بالعبادة الإله نفسه. ورغم أن الإسلام يشترك ميثولوجياً أكثر مع اليهودية منه مع المسيحية، إلا أن الأول والثانية قد سلكا واقعياً مسارين متباعدين كثيراً. ففي حين بقيت اليهودية ديانة مغلقة على القومية اليهودية فقط، توسع الإسلام انفجارياً ليبتلع كل قوميات وعرقيات العالم تقريباً. ومرد هذا المسار التطوري المتباين يعود إلى سبب أساسي بارز: اليهودية كدين، بسبب ظروف تاريخية معينة، لم تتهيأ لها فرصة التزاوج بسلطة الحكم طيلة عمرها الأقدم من كل من الإسلام والمسيحية. ومع أن الإسلام كان أكثر بعداً من الناحية الميثولوجية عن المسيحية مقارنة مع اليهودية، إلا أن الاثنان عادا ليتلاقيا واقعياً على أرض التاريخ بعدما اجتمعت المسيحية بسلطة الدولة الرومانية، ليبلغا ذروة التشابه والتنافس والصراع في حقبة "الحروب الصليبية". في تلك الحقبة، أصبحت الديانتان الإبراهيميتان الشقيقتان شيئاً واحداً والشيء نفسه تقريباً، ما تسبب في صراع وجودي مميت بينهما. وذلك لأن ارتباطهما بالسلطة الحاكمة كان قد بلغ أوجه، ومن ثم الرغبة المسعورة في التوسع المطرد من كلا الجانبين. لذا، حين ضاقت بهما الأرض اتساعاً، كان لابد لأحدهما أن يقضي على الآخر لكي يواصل التوسع.

نحن البشر نحتاج الكراهية والعدوان لكي نحكم سلطتنا ونتوسع، لاسيما إذا أردنا أن نتوسع باطراد. وربما كان ذلك بالضبط هو ما أراده محمد ابن عبد الله من وراء "دعوة الإسلام". كان المجتمع آنذاك متسامح ومتعدد الأديان لدرجة أن كل شخص كان يصنع أو يختار إلهه لنفسه. ولم نسمع عن أي حرب دينية بين القبائل، أو فتنة داخل نفس القبيلة بسبب مخالفة أي من أفرادها لدين الآباء. في أسوأ الأحوال كانت القبيلة تنبذ المخالف وترفع حمايتها عنه، لكنها تتركه يمضي في حال سبيله ليؤسس لنفسه وطناً آخر وقبيلة بديلة. وهذه بالضبط هي العقوبة التي قد أوقعتها قريش فعلاً بحق ابنها المخالف. وكان من الممكن أن تنتهي هذه الواقعة، كما انتهى ما لا يحصى قبلها من وقائع مماثلة، عند هذا الحد وتضيع في طي نسيان التاريخ. لكن النبي كان شخصاً من طينة أخرى غير جميع من قد سبقوه في هذا الصدد. هو ما كان يريد مجرد "دين" جديد يُضاف إلى عديد الأديان القائم؛ بل أراد "التوحيد"- تحديداً وحصراً. وهذا لا يتحقق من دون القضاء أولاً على "التعدد" القائم. ولكي يتحقق التوحيد لابد من "سلطة" تفرض- طوعاً أو كرهاً- الاتساق والوحدة على الجميع. هذه السلطة لا تقوم بغير "القوة"، التي بدورها لا تقوم ولا تستمر بغير الكراهية والعدوان المتواصل ضد المنشقين والمخالفين- ضد كل من هو "آخر" غير منتمي إلى الجماعة المؤمنة. وحتى تستمر نار الكراهية والعدوان مشتعلة، لابد لها من حطب متجدد. هذا الحطب قد وفره ولا يزال "أبولهب".

مثل عُقْدَة أوديب، كانت عُقْدَة أبولهب حاجة غريزية فطرية في الدين الإسلامي من أجل النمو والتوسع في مراحله التكوينية المبكرة. لكنها عندما تلازم المرء إلى ما بعد سن البلوغ والرشد، تتحول إلى حالة مرضية تستدعي العلاج- وفي حالة الإسلام، الإصلاح.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتذار واجب للكافرين
- عمل الفساد في السلطة
- زنا العيون لا يُنتج حملاً
- السلطة والثروة والدين
- لديَّ حُلْمُ كُوردي
- السلثردي
- هل القوة وحدها تكفي؟
- سوريا، أَنْتِ هُنَا؟
- الهيمنة الأوروبية قديماً وحديثاً
- أساطير الأولين2
- هل تُفْلِس مصر؟
- حرب الجمهوريات
- أساطير الأولين
- تحيا جمهورية مصر العربية
- رعايا في مملكة الملك
- حرب بوتين في أوكرانيا قد تضيع منه روسيا
- التمثيل النسبي للإرادة العامة
- ديكتاتورية العامة- الجمهورية
- ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة
- الديكتاتورية الأفلاطونية


المزيد.....




- سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفض ...
- أحدث تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات “نزلها ...
- -الشرق الأوسط الجديد ليس حلماً، اليهود والعرب في خندق واحد-– ...
- بعد دعوة رجل دين درزي.. تحذير مصري من -مؤامرة- لتقسيم سوريا ...
- الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهجري يطالب بحم ...
- الدروز في دائرة الخطر: نتنياهو يستغل الطائفة لأغراض سياسية
- جماعات الهيكل منظمات إسرائيلية تسعى لهدم المسجد الأقصى
- الاشتباكات الطائفية في سوريا: أبرز القادة الروحيين الدروز يط ...
- تردد قناة طيور الجنة.. نزلها على جهازك الرسيفر وتابع كل جديد ...
- -كمين- لقوات تابعة للحكومة السورية يتسبب في مقتل 23 مسلحاً د ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - عُقْدَة أبولهب