أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة














المزيد.....

ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7406 - 2022 / 10 / 19 - 17:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لما كانت ديكتاتورية الفيلسوف، بوصفة الأعلم بالناس ومصالحهم، هي خيار الحكم الأفضل أولاً من وجهة الفيلسوف اليوناني أفلاطون لكنها كانت، من وجهة نظره كذلك، مستحيلة التطبيق في الواقع، فقد ارتضى أن يحتفظ بها لعالمه الافتراضي في يوتوبياه ومضى إلى خيار الحكم الأفضل ثانياً لكن القابل للتطبيق بل والقائم فعلاً في زمانه- ديكتاتورية القلة. كان أفلاطون يعيش فيما تعرف ’مدينة-دولة‘ تدعى أثينا، حيث حدود هذه المدينة هي حدود الدولة، ومواطنوها هم نفسهم مواطنو الدولة. وكانت أثينا مدينة-دولة ديمقراطية، بمعنى أن كل مواطنو أثينا وأهلها يحق لهم، بحكم انتمائهم لهذه المدينة، المشاركة في إدارة الشؤون العامة للمدينة. وهنا يجب التنبيه إلى أن كلمة ’مواطن‘ وفق مفهوم أفلاطون وزمانه لم تكن تشمل الأطفال ولا النساء جميعاً، كما لم تكن تشمل أي أغراب سواء مؤقتين أو دائمين، لاسيما العبيد الذين كانوا في أحيان كثيرة يشكلون أغلبية السكان. في قول آخر، مفهوم أفلاطون عن مواطني أثينا كان لا يستوعب على أعظم تقدير سوى 5-10% من قاطنيها، كلهم رجال. وهذه النسبة الضئيلة هي التي كانت تمثل مواطني أثينا، ويحق لها أن تشارك في تقرير وتسيير المصلحة العامة للمدينة.

اعتقد أفلاطون أن مشاركة جميع هؤلاء الأثينيون في الحكم تفسده من كثرة التداول في المناصب والآراء والخلاف وبطء التصرف وصنع القرار وسائر نقاط الضعف واللين وغلبة الهوى الملحوظة حتى في ديمقراطيات هذه الأيام. في المقابل، كان ثمة نظام حكم مختلف في مدينة-دولة مجاورة تدعى إسبرطة هو محط بصر وحسد أفلاطون، لكونه يمتاز بسرعة الإنجاز والحسم والحزم وأمور أخرى كثيرة من هذه الشاكلة كان أفلاطون يطوق لها بشدة، وكانت أثينا في أمس الحاجة إليها حتى تستطيع المقاومة والصمود في وجه الاستقواء والتوسع الإسبرطي المطرد على حسابها. كانت اسبرطة تعتمد ديكتاتورية القلة، حفنة صغيرة ومحدودة العدد من نبلاء وارستقراط اسبرطة هم من يحتكرون فيما بينهم حق المشاركة في الحكم وتداول المناصب العامة. كانت هذه الحلقة الضيقة تستبعد بالطبع بقية مواطني اسبرطة الآخرين، حتى لو كانوا من الرجال فقط ومن الأحرار فقط ولا يشكلون من جملة السكان أكثر من 5%. وقد اعتقد افلاطون أن نظام حكم من هذا النوع هو الأفضل في حفظ الأمن والنظام وضمان الاستمرارية والاستقرار والقوة للمدينة-الدولة، بفضل الثبات النسبي في مناصب الحكم وعدم التداول عليها بشكل دوري وسنوي كما كان الوضع لدى خصمتها اللدود أثينا. في قول آخر، قلة أعداد المرشحين للحكم وثباتهم النسبي في مناصبهم هو شكل الحكم الأفضل في الواقع، أو هكذا تصور أفلاطون في زمانه.

في العصر الحديث، قد تجسدت هذه الفكرة بدرجة أو بأخرى في المنظومة العقائدية لكل من ’حزب البعث‘ في سوريا والعراق والاتحاد الاشتراكي في مصر، وبأكبر درجة ممكنة من الاتساق والنقاء التنظيري في أدبيات الحزبين الشيوعيين السوفيتي والصيني. كان المنطق السائد في جميع هذه الأقطار المتباينة أن المشاركة في صنع القرار وتولي المناصب العامة في الدولة حق حصري ليس لكل أعضاء الحزب، بل فقط لقلة أو نخبة حاسمة منهم، أو من أسموهم ’الكوادر‘. مجرد انتمائك التنظيمي للحزب لا يضمن لك بأي حال حق للمشاركة الفعلية في الحكم، سواء في صنع القرار أو تقلد المناصب العامة. وحدها اللجان والهيئات والأجهزة والتنظيمات ’العليا‘ مهما تكن مسمياتها هي المخولة، على سلم من درجات متصاعدة وصولاً إلى بسطة ضيقة يتربع عليها نقر قليل يعدون على أصابع اليد. هؤلاء هم من يحكمون فعلاً، سواء باسم كل البعثيين السوريين، أو الاشتراكيين المصريين، أو الشيوعيين السوفييت والصينيين. ولما كان الاختلاف من الأصل محرماً، وأي رأي أو تجمع أو حزب آخر ممنوع، كانت هذه الكوادر في الحقيقة تحكم شعوبها بكاملها، وتتحدث باسمهم جميعاً في نفس واحد. هو وضع مشابه لما كان سائداً في اسبرطة أيام أفلاطون، لكنه مختلف كليتاً عن نظيره في أثينا وقتها. إذ بينما أعطت أثينا لمواطنيها الحق العام حتى لو فرطوا فيه، جردت اسبرطة مواطنيها منه وخصت به حصراً فئة قليلة من المتنفذين، من شاكلة أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أو السوفيتي.

رغم كل إيجابياته وفوائده الحقيقية والمتصورة، يبقى حكم القلة (نخبة/كادر/ارستقراط/نبلاء/أوليغارش/ملالي/عسكريين...الخ) في جوهره قائم على إملاء بالقوة لإرادة نفر قليل على بقية الناس، أو ما يمكن تسميته ’اغتصاب الإرادة العامة‘.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديكتاتورية الأفلاطونية
- توحيد وقومية
- الفيل في المنديل- شيطنة الفضول
- إلهٌ بحجم الجيب
- الكتالوج الرباني
- مسلمون بحالة المصنع
- ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟ 2
- ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟
- آلهة وبشر في علاقة تبادلية
- ثلاث سيناريوهات لنهاية حرب بوتين 2
- ثلاث سيناريوهات لنهاية حرب بوتين
- البيض الأمارة - نظرة ثقافية
- الدين في العالم القديم 4
- الدين في العالم القديم 3
- الدين في العالم القديم 2
- الدين في العالم القديم
- -حاجة لله- - المفهوم الاجتماعي للنص
- شرعية المحكومين المهدرة
- استعلاء الثقافة العربية على الفرد
- في الحكم في تربية العجول


المزيد.....




- سيارة غارقة وجثة مجهولة.. حادث غامض بلا شهود ولا أثر يشعل تس ...
- مصر.. سياسيون يردون على تصريحات ترامب بشأن قناة السويس
- لافروف: الشركات التي غادرت روسيا قد تجد مكانها مشغولا عند عو ...
- لحظات مرعبة في بحيرة بأمريكا بعد انقلاب قارب بسرعة جنونية (ف ...
- ماكرون: لن يكون للعنصرية والكراهية القائمة على الدين مكان بف ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا انفجار ميناء -الشهيد رجائي- في إيران
- لافروف: أوروبا وزيلينسكي يريدون استغلال خطة ترامب لتعزيز قوة ...
- بوتين يهنئ في اتصال هاتفي قادة الوحدات العسكرية التي حررت مق ...
- مصر.. الحكومة تحسم مصير تخفيف أحمال الكهرباء في الصيف
- نتنياهو يرد على رئيس الشاباك في المحكمة: 7 أكتوبر أعظم فشل ا ...


المزيد.....

- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة