أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - -حاجة لله- - المفهوم الاجتماعي للنص














المزيد.....

-حاجة لله- - المفهوم الاجتماعي للنص


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7365 - 2022 / 9 / 8 - 16:03
المحور: المجتمع المدني
    


مدت يدها نحوي وتوسلت: "حاجة لله". ماذا تقصد السيدة؟ هل هي تطلب شيئاً لنفسها، أم لشخص آخر يدعى "الله"؟ إذا كان لنفسها، لماذا لا تقول "حاجة ليّ"؟ لماذا تُوسط هذا الشخص بالذات- الله- بينها وبيني، الطالب والمطلوب منه؟ وكيف لهذه السيدة البسيطة أن أدركت أثر ذلك الوسيط، المدعو الله، على المطلوب منهم حتى تتوسل به إليهم وعليهم؟

ببعض التحليل، سيتبين أن عبارة "حاجة لله" ليست أكثر من رموز تقف إلى معاني وعلاقات اجتماعية هي الأساس وهي التي قد خلقت النص وتصون وجوده واستمراريته. فمن دون هذه العلاقات الاجتماعية وما تمخض عنها من معاني ما وجد وما استمر النص، أي وكل نص على الإطلاق. كل ما في الأمر أن هذه السيدة مثل غيرها تحترف علاقة اجتماعية معينة- التسول- ومن ثم تستغل كل الرموز والهيئات الممكنة التي قد أفرزها المجتمع لهذه العلاقة بالذات- بين المتسول والمتسول إليه، أو المتوسل والمتوسل إليه.

حين تطلب السيدة متوسلة بالله قضاء ’حاجة‘ لها، هذا يقتضي بالضرورة طرف آخر يرتجى منه قضاء هذه الحاجة. في غياب هذا الطرف المقابل، تنتفي علاقة الطرفين معاً من الوجود، ومن ثم لن تلفظ السيدة عبارتها من الأصل وستصبح عديمة النفع، عدا أن تطرب بها مسامعها نفسها لا غير. لكن في النهاية، ما من أحد هناك موجود في محيطها (مهيأ لكي يقيم معها علاقة اجتماعية من نوع أو آخر) حتى تبلغه سؤالها ويلبي لها حاجتها. بالتالي يصبح النص في حد ذاته غير منطقي وغير مبرر- بل الحماقة ذاتها.

لكن اللغة في حد ذاتها هي اختراع للحماقة (الخيال) بامتياز! فاللغة قادرة على التعبير عن العلاقات الاجتماعية أثناء وجودها وتفاعلها، وفيما وراء ذلك، وحتى بعد انتفائها. فما من شيء على الاطلاق يمنع سيدتنا من أن تواصل ترديد العبارة "حاجة لله" مع نفسها فقط، حتى وهي ممدودة على فرشتها نائمة. وهنا سنتحول إلى ذلك المدعو "الله" الذي توسلت به السيدة رغم عدم حضوره فعلياً كطرف ثالث (وسيط) في العلاقة بيني وبينها.

العلاقات داخل الجماعة هي ذات طبائع مختلفة. والعلاقة محل نظرنا هي تلك المتعلقة بالقوة. فلا شك أن السيدة تلعب بذكاء دور ’الضعيف‘ الذي يستخدم كل الحيل لكي يستدر عطف وكرم طرف مقابل ’قوى‘، أو على الأقل أكثر قوة (ومالاً) من الطالب. هذه العلاقة قائمة داخل الجماعة منذ نشأتها الأولى، بالنظر إلى التفاوت والتباين الطبيعي والحتمي بين أفرادها المؤسسين. طالما وجدت ’جماعة‘، وجدت ’علاقات‘ بين أفرادها المكونين؛ وطالما وجدت ’علاقات‘، وجدت ’موازين‘ لتلك العلاقات ستكون دائماً مختلة ومائلة بدرجة أو بأخرى ولن تكون أبداً ’متوازنة‘ بالمطلق. ومن مادة هذا التباين القائم طبيعيًا وحتمياً في موازين العلاقات بين أفراد ومكونات الجماعة، تستطيع اللغة (الخيال) أن تختلق الكثير من المعاني والمفاهيم غير الموجودة فعلاً داخل العلاقات الحقيقية وقد توليها دلالة وأهمية تفوق كثيراً ما هو قائم بالفعل على الأرض.

في علاقة ’القوة‘ بين البشر، هناك دائماً وأبداً ’القوي‘ و’الأقوى‘ منه- حتى نبلغ صاحب الأكثر قوة على الإطلاق داخل الجماعة كلها. فإذا لم تُقضى حاجتنا قد نستنجد بجماعة ’أجنبية‘ أكثر قوة من ’جماعتنا‘، ونتوسل تحديداً إلى رجلها (حاكمها) الأكثر قوة من رجلنا (حاكمنا)، وهكذا دواليك حتى نقطة النهاية التي لن نعثر بعدها على من يستطيع نجدتنا. لكن، إذا توسلنا بالملوك كافة ولا تزال حاجتنا غير مقضية بعد، عندئذ تستطيع ’اللغة‘ نجدتنا بما عجزت عنه كل العلاقات الاجتماعية الحقيقية على الأرض- ’ملك الملوك‘ أو ذلك الشخص الأكثر قوة من كل ملوك الأرض مجتمعين. وفي هذا تكمن عبقرية اللغة وحماقتها في الوقت عينه.

ملك الملوك إذا وهب فلا تسألنَّ عن السبب! هنا لا مكان للحقيقة والمنطق، بل القول كله ’لغة‘ (خيال/حماقة) فقط.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرعية المحكومين المهدرة
- استعلاء الثقافة العربية على الفرد
- في الحكم في تربية العجول
- ورثة الملك وخبيئة الباشا
- مَكْؤُونات مصطنعة
- الأزمة السورية: خطة تركيا الكبرى
- معضلة فلاديمير بوتين الفكرية.
- معضلة فلاديمير بوتين الفكرية
- كيسنجر مقابل سوروس بشأن روسيا وأوكرانيا
- الغرب منقسم حيال مآل الحرب في أوكرانيا
- بوتين يحكم روسيا كمصحة نفسية
- لعبة الشياطين والملائكة
- يهوه-إله بني إسرائيل
- ثورة ذوات المحركات
- تفجير الثقافة العربية الإسلامية من الداخل
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-2
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-1
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا
- ولاد الحرام
- التحول من الفلسفة إلى الدين: مقتل هيباتيا


المزيد.....




- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - -حاجة لله- - المفهوم الاجتماعي للنص