أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مَكْؤُونات مصطنعة














المزيد.....

مَكْؤُونات مصطنعة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7344 - 2022 / 8 / 18 - 18:04
المحور: المجتمع المدني
    


التوائم الملتصقة مشكلة خطيرة تهدد الحياة ذاتها ما لم يتوصل الطب إلى طريقة ما لفك الالتصاق. تخيل نفسك تعيش ملتصقًا فسيولوجيًا بآخر من نوعك أو من سواه! كيف ستكون حياتك، لو كانت ممكنة من الأصل؟! ما هو الالتصاق، وماذا يفعل بالتحديد بكوائنه حتى يصل بها إلى المهالك المحققة؟

في الأصل، الكوائن الطبيعية كيانات منفصلة، مستقلة ومكتفية بذاتها عن غيرها حتى تستكمل عمرها حتى منتهاه الطبيعي المحتوم. هذا الانفصال عن غيرها من الكوائن الأخرى شرط مسبق ضروري لوجودها واستمرارها في الحياة، من دونه تصبح تشويه محكوم عليه بالفشل تمامًا مثل التوائم الملتصقة. بفضل هذا الانفصال الفسيولوجي عن غيرها تستطيع الحركة في محيطها، لإشباع احتياجات كيانها الفسيولوجي المنفصل- أو غرائزها الطبيعية المنبثقة عنه والرامية بالأساس إلى الحفاظ عليه.

لكن إذا كان الكائن المنفصل، المستقل والمكتفي بذاته قادر على أن يضمن لنفسه الحياة حتى خاتمتها الطبيعية، فهو غير قادر أبدًا على أن يضمن استمرارية الحياة ذاتها، أو لنوعه الخاص منها على الأقل. هنا، ومع أخذ الحاجة لإشباع غرائزه الطبيعية في الحسبان، سيجد نفسه مضطرًا للمساومة حول قدر معين من استقلاليته واكتفاءه الذاتي، لكن ليس أبدًا انفصاله الفيسيولوجي - الشرط الأساسي لوجوده من الأصل. لا وجود لكائن من دون وجود فسيولوجي منفصل مسبق- ومستمر.

الذكر كائن فيسيولوجي منفصل ومستقل ومكتفي بذاته يستطيع الحياة وحده بالكامل دون الاعتماد على آخر. وكذلك الأنثى. لكن، من جهة أخرى، لا يمكن تصور أن تكون هناك أو تستمر حياة للنوع الذي ينتمي إليه هذين الكائنين من دون التقاء بينهما. وهذا الالتقاء، بالضرورة، له أثره المؤكد على استقلاليتهما واكتفائهما، رغم استمرارهما منفصلين بالكامل فسيولوجيًا كما كانا من قبل.

نحن الآن أمام ’علاقة‘. فما هي؟

اتصال، التقاء، اعتماد، تعاون- ’تَعَّلُق‘- متبادل فيما بين كائنين منفصلين ومستقلين ومكتفيين بذاتهما بالكامل قبل هذه العلاقة وبعدها ومن دونها- لكن ليس أثنائها. في العلاقة، أثناء الاتصال بكائن منفصل ومستقل ومكتفي بذاته آخر من نفس النوع، يتفاوض الاثنان بالضرورة على صيغة مشتركة للعيش المشترك فيما بينهما، تقيد بالضرورة من مدى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي الذي تمتع به كليهما قبل العلاقة لكنها لا تمس بأي حال من انفصالهما الفسيولوجي التام عن بعضهما البعض، قبل العلاقة وأثنائها وبعدها، وأمد الدهر.

ولماذا يدخل الكائن- مختارًا- في ’علاقة‘ تقيد من استقلاليته وكفايته؟!

لأن في العلاقة نمو وتمدد واتساع طبيعي للكائن الطبيعي المنفصل والمستقل والمكتفي ذاتيًا بخلاف ذلك. وجوده المنفصل قد يضمن له بقاؤه منفصلًا، لكنه لن يضمن البقاء لنوعه- أو البقاء الجمعي. كذلك، في العلاقة إشباع أوفر وممتد وغير منتهي لغرائز واحتياجات هذا الكائن المنفصل فسيولوجيًا، المستقل والمكتفي ذاتيًا نفسه. هو بالتأكيد من دون هذه العلاقة لن يفقد حياته، لكن حياته ذاتها ستفقد الكثير- الكثير جدًا الذي لا يستطيع غيرها تعويضه.

أليس ’الالتصاق‘ علاقة؟!

لا ’علاقة‘ سوى بين كائنات منفصلة فسيولوجيًا، مستقلة ومكتفية ذاتيًا. والالتصاق يحرم الكائن من ’الانفصال الفسيولوجي‘، ومن ثم من القدرة على الاستقلال والاكتفاء الذاتي، وبالامتداد من القدرة على الدخول في ’علاقة‘ مع أقران منفصلين ومستقلين ومكتفين. بينما الانفصال طبيعة لازمة من أجل الحياة، الالتصاق تشويه مآله الفشل.

من دون وجودها الطبيعي المنفصل فسيولوجيًا، والمستقل والمكتفي بذاته المسبق، ما وجدت الكائنات من الأصل وما استطاعت أن تنسج خيوط العلاقات المتعددة والمتشعبة والمعقدة فيما بينها بمرور الزمان. فمن دون الفرد ما وجدت الجماعة، ومن دون الأخيرة ما وجدت الأمة. وفي غيابها، لا يتبقى سوى توائم ملتصقة أو مَكْؤُونات مصطنعة مريضة.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة السورية: خطة تركيا الكبرى
- معضلة فلاديمير بوتين الفكرية.
- معضلة فلاديمير بوتين الفكرية
- كيسنجر مقابل سوروس بشأن روسيا وأوكرانيا
- الغرب منقسم حيال مآل الحرب في أوكرانيا
- بوتين يحكم روسيا كمصحة نفسية
- لعبة الشياطين والملائكة
- يهوه-إله بني إسرائيل
- ثورة ذوات المحركات
- تفجير الثقافة العربية الإسلامية من الداخل
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-2
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-1
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا
- ولاد الحرام
- التحول من الفلسفة إلى الدين: مقتل هيباتيا
- كائنات جبارة من صنع البشر
- الكائن المفكر الأوحد
- مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري
- لقاء مع إبليس- المساواة في الوجود
- لقاء مع إبليس


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مَكْؤُونات مصطنعة