أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري















المزيد.....

مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7094 - 2021 / 12 / 2 - 18:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المقدم:
كنت قبل الفاصل تحدثني عن أن إدراك المرء لوجوده لا يبدأ سوى بعد وجوده الفعلي وتكون إدراكه ووعيه، سواء لنفسه أو البيئة المحيطة به. قبل ذلك، لا شيء. وهذا كلام اختلف معه. ما قولك في المرء ذاته قبل تكونه وعيه، أو بعد فقدن هذا الوعي سواء بسبب علة ما أو حتى الموت. هل هذا يعني أن مثل هذا الشخص غير الواعي بوجوده غير موجود فعلياً؟ وما قولك في سائر الحيوانات والكائنات الأخرى غير البشرية، هل هي غير موجودة فعلياً كذلك لمجرد افتقارها الإدراك أو الوعي الوجودي الذي تتحدث عنه؟ يا عزيزي، هل تدعي أن الكون سيزول من الوجود بمجرد زوالنا منه؟ ألا ترى أنه موجود هناك وسيظل سواء استمر وجودنا أو انقرض لسبب أو لآخر؟
إبليس:
معك حق، كل الحق. الوجود مستمر في الوجود كما هو حتى لو زال وجودنا منه. لا شك في ذلك. لكن دعني أوضح لك نقطة مهمة جداً في هذا الصدد. هناك سوء فهم بيننا. في الحقيقة، هناك نوعان من الوجود متمايزان عن بعضهما البعض بدرجة ملحوظة. أولاً، هناك الوجود المادي الفعلي الذي أنا وأنت وسائر الكائنات ومفردات الكون عليه، حتى الجمادات منها. لكن هناك، من ناحية أخرى، وجود من نوع آخر وثمة خلط بين الإثنين هو المسؤول عن سوء الفهم هذا. هذا الوجود الآخر سوف أسميه هنا "الوجود الإدراكي" أو المعرفي، وهو وجود مشترك بين كل الكائنات الحية دون استثناء ومن ضمنها الإنسان قبل تكون الوعي لديه أو من فقده لعلة ما.
المقدم:
الوجود المادي مرئي وملموس ولا أحد ينكره. هو واضح بذاته. لكن ماذا عن هذا الوجود الآخر المعرفي الذي تقصده، ما معناه وما هي ظواهره المادية؟ هل تستطيع التدليل على كلامك بالأمثلة؟
إبليس:
الوجود المعرفي أو الإدراكي، باختصار، أو صورة مرآة للوجود المادي أو الفعلي، ليس له تجسيد ملموس في ذاته لكن له نتائج وآثار وظواهر وانعكاسات ملموسة يمكن للمرء من خلالها أن يستدل عليه بسهولة تامة. دعني أوضح أكثر.

نحن نأتي إلى الحياة مسلحين بكل الأدوات اللازمة للبقاء أحياء والإفلات من الموت أو القتل. نحتاج إلى أن نأكل ونشرب ونتكاثر ونحمي أنفسنا وما إلى ذلك. كل ذلك، شأننا شأن سائر الحيوانات والكائنات الحية تماماً، لا دخل لنا فيه البتة، بل نفعله بدافع غرائزي محض، تماماً كما تفعل الحيوانات من حولك في كل مكان. حتى هذه النقطة، الوجود الغرائزي، نحن متساوون تماماً مع كل الحيوانات والكائنات. هذه الغرائز تدفعنا وتسيرنا كيفما تدفع وتسير بقية الكائنات الحية تماماً. مثل هذا الوجود، المادي الغرائزي، لا يعدم الوعي والإدراك. فكل الحيوانات، والبشر كذلك، تدرك وتعي مكامن الغذاء والشراب والخطر وتعرف بالغريزة كيف تحمي أنفسها وصغارها.

لكن مثل هذا الإدراك يبقى محكوماً بالغريزة الفطرية ولا توجد مساحة اختيار أو تطور كبيرة لدى كائناته رغم قدرتها الأكيدة على التكيف مع التغييرات المستحدثة في بيئاتها الطبيعية. الطيور، مثلاً، تعرف من أن تأتي بطعامها، وكيف تشيد أعشاشها بطريقة جميلة ومحكمة للغاية. لكنها، في المقابل، تأكل وتشرب وتتكاثر وتبني أعشاشها بنفس الطريقة منذ ملايين السنين، إذا استبعدنا ما يطرأ على البيئة المحيطة من تغييرات عارضة وما تستتبعه من تكيفات مستحدثة. هذا النوع من الإدراك أسميه "الإدراك الغرائزي"، الذي بدايته ومنتهاه الغريزة الفطرية وطرق إشباعها.

الإنسان يشترك مع الحيوان أيضاً في هذا "الإدراك الغرائزي". كما الحيوانات، لا مساحة حرية أو اختيار تذكر في أن يأكل الإنسان ويشرب ويتكاثر ويحتمي من المخاطر. لكن وبينما يقتصر الإدراك لدى الحيوانات على الصنف الغرائزي، نجده لدى البشر يتعداه إلى صنف آخر سأسميه هنا "الإدراك الغرائزي التطوري"، الذي يعنى بإشباع الغرائز الوجودية، لكن بطريقة تطورية.
المقدم:
ماذا تقصد بالطريقة التطورية. وهل تستطيع إعطاء بعض الأمثلة التوضيحية لوجهة نظرك؟
إبليس:
التطور، باختصار، هو القدرة على الانطلاق من المعلوم إلى المجهول، وهنا من الغرائز الفطرية إلى أشياء أخرى قد تكون أكثر جمالاً ورقياً أو أكثر فظاعة وانحطاط. التطور هو القدرة على الإفلات من عقال الغريزة، لكن دائماً في حدود وبشروط. ولن يستطيع الكائن أن يحلق في آفاق المجهول إلا من خلال القدرة على بناء العلاقات، عادة من الأشياء الحسية الملموسة والموجودة فعلياً إلى أشياء أخرى مقابلة غير حسية وغير ملموسة وليست موجودة فعلياً بالضرورة. وفي هذا الصدد، القدرة على استيلاد المجهول من رحم المعلوم، يتميز الإنسان على كل الكائنات الأخرى بلا استثناء. سوف أعود لهذه النقطة لاحقاً بمزيد من التفصيل ودعني الآن أعطيك مثالاً توضيحياً وغريباً بعض الشيء، لكنه مألوف لكم جميعاً معشر البشر.
المقدم:
تفضل. أتحفنا.
إبليس:
الكثيرون منكم، خاصة بمناسبة ما تسمونه "عيد الأضحى"، يحضرون ذبح الأضاحي من مختلف الحيوانات تحت سكين الجزار. وربما هناك القليلون منكم تقشعر أبدانهم ويتعجبوا في أنفسهم: لماذا تستلم هذه الحيوانات المسكينة بهذا الرضا والهدوء لهذا المصير الذي لا يتمناه أي منكم لنفسه وكان سيجرب كل ما أوتي من حيل للإفلات منه؟! أجيبك. مثل البشر تماماً، تتمتع الحيوانات بالوعي الإدراكي الغرائزي، المستند إلى الغرائز ولا يتعداها. وهذا النوع من الإدراك يكون ذو طابع اشتراطي، بمعنى أن الاستجابة تكون دائماً مشروطة على الفعل، في حدوده ولا تتعداه. فكل فعل يشترط في ذاكرة الحيوان استجابة معينة، ويخزنها ويبديها في كل مرة يصادف فيها ذات الفعل مستقبلاً. وهذا الحيوان المسكين، بالتأكيد، لم يوضع في الماضي في هذا الموقف، لم يجرب ألم نصل السكين على رقبته. هذه أول مرة، أو أول فعل يمر به. من ثم لا توجد استجابة سابقة مخزنة بذاكرة الحيوان تجاه هذا الفعل، ليدرك منها إن كان يمثل له خطراً أو فرصة.

لكن لو افترضنا أن نفس الحيوان تمكن من أن يغلب الجزار ونجح في الإفلات بحياته قبل اكتمال عملية النحر، بعدما ذاق ألم نصل السكين، ساعتها سيصعب العودة به ثانية لإتمام العملية. لقد اشترطت في ذاكرته الاستجابة المناسبة لفعل النحر- هو خطر يستوجب الهرب. وهو ما سيفعله هذا الحيوان بالتحديد في كل مرة يرى فيها سكيناً ممدودة تجاهه مستقبلاً إذا ما كتبت له النجاة.

عكس الحيوان، لا يحتاج الإنسان الواعي إلى أن يجتاز الفعل حتى يكون له في الذاكرة الاستجابة المناسبة. بل هو يستطيع أن يبني ويربط بين الأشياء ويقيم بينها علاقات ذات معاني مختلفة، من النقيض إلى النقيض، ومن الصغير إلى الكبير، ومن المعلوم إلى المجهود، ومن ثم ينطلق من القديم إلى الجديد في عملية تسمونها الفكر أو الابتكار أو التفكير الابتكاري. عكس الوعي الإدراكي الغرائزي الموجود لدى كل الكائنات الحية، هذا الوعي الإدراكي التطوري، أو هذا الفكر، لا يوجد سوى لدى الإنسان. فالإنسان هو الحيوان المفكر الوحيد في الكون كله، أو على الأقل إلى حد علمكم به حتى اللحظة. سأعود إلى هذه النقطة بمزيد من التوضيح في وقت لاحق.
المقدم:
نعم. الآن جاء وقت الفاصل.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء مع إبليس- المساواة في الوجود
- لقاء مع إبليس
- كيف أصبحت الكلاب من أعز أصدقائنا: رحلة ممتدة منذ القدم حتى ا ...
- الاحتكار وابن عمه الشرير
- جنرال الكتريك والإيمان بسحر الإدارة
- سفاح الحمير
- أحياة بلا خطة هي؟
- عذاب الوعي
- دين وثلاث دول
- مدينة لكن بعقل قرية
- قرويون على أرصفة المدن
- إنصافاً للتجربة الديمقراطية في العراق
- نحن البشر لن ننعم أبداً بالحياة على كوكب المريخ، أو أي مكان ...
- لا غنى عن حقوق الإنسان حتى في أوقات المحن
- شرعية حقوق الإنسان
- إلى أين أنت ذاهب يا سعيد؟
- إسلام الطالبان
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الصين
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- المملكة المتحدة
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الهند


المزيد.....




- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري